دور النيابة العامة في مكافحة ظاهرة الجريمة
فضلا عن الأدوار التقليدية لجهاز النيابة العامة ، أسندت لها بمقتضى قانون المسطرة الجنائية الجديد مهاما جديدة الهدف منها حسب رأي واضعي هذا القانون إما الإسراع بالمحاكمة الجنائية واختزالها من الناحية الوقتية في قاض النيابة العامة ، أو محو آثار الجريمة فيما يتعلق بضحاياها والحفاظ على الوضع قارا عما كان عليه قبل ارتكابها للحفاظ سلامة النسيج الاجتماعي .
هذا وخولت كذلك لجهاز النيابة العامة صلاحيات أخرى لفائدة العدالة الجنائية الهدف منها دعم دور النيابة العامة في مكافحة ظاهرة الجريمة ، وهكذا سنتطرق في مبحثين رئيسيين لهذا الدور ، حيث سنتطرق في مبحث أول إلى سحب جواز السفر وإغلاق الحدود ، على أن نتطرق في مبحث ثان إلى مسألة إصدار الأوامر الدولية بإلقاء القبض .
المبحث الأول : سحب جواز السفر وإغلاق الحدود :
في إطار المستجدات التي أعطيت للنيابة العامة يمكن لوكيل الملك في حالة القيام بإجراءات البحث والتحري عن الجرائم سحب جواز السفر وإغلاق الحدود كلما تعلق الأمر بجنحة معاقب عليها بسنتين حبسا أو أكثر .
لقد جاء في المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية أنــــــه ” يحق ” لوكيل الملك كلما تعلق الأمر بجنحة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أكثر – إذا اقتضى ذلك ضرورة البحث التمهيدي – سحب جواز سفر الشخص المشتبه فيه وإغلاق الحدود في حقه لمدة لا تتجاوز شهرا واحدا ، ويمكن تمديد الأجل إلى غاية انتهاء البحث التمهيدي إذا كان الشخص المعني بالأمر هو المتسبب في تأخير إتمامه ..
” وينتهي مفعول إجراء إغلاق الحدود وسحب جواز السفر في كل الأحوال ، بإحالة القضية على هيئة الحكم أو التحقيق أو باتخاذ قرار بحفظ القضية ، ويوضع حد لإغلاق الحدود ، ويرد جواز السفر إلى المعني بالأمر فور انتهاء مفعول الإجرائين ” .
وخلال تعليقه على هذه المادة يقول الأستاذ مصطفى مداح الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء : ” .. ولا ينازع أحد في أن هذا الإجراء يحد من حرية التنقل الذي يضمنه الدستور والذي لا يحد من مداه الا بمقتضى قانوني ، لكن لاينفي أن يستغل هذا الحق للفرار من وجه العدالة والحاق الضرر بالضحايا .
وباستقراء القضايا الرائجة سواء أمام المحاكم أو الضابطة القضائية نقف على عدة قضايا يلتجئ الضالعون فيها إلى الفرار خارج الوطن فيصعب ملاحقتهم ، وللتصدي لهذه الظاهرة كانت النيابات العامة فيما مضى تلتجئ إلى إغلاق الحدود خاصة بالنسبة للجرائم التي تعتبر من الخطورة بمكان عند عدم الامتثال للاستدعاءات المتكررة أو عندما لايمكن وضع هؤلاء رهن الحراسة النظرية نظرا لطبيعة القضية التي تتطلب وقتا لإتمام الأبحاث والقيام بالمواجهات والتحريات اللازمة ، غير أن هذا المسلك منتقد لعدم وجود نص صريح الأمر الذي أدى إلى التخلي عن هذا الإجراء وأصبحت النيابات العامة والحالة هذه مكتوفة الأيدي ، وإن كانت بدافع إنصاف الضحايا تلتجئ إلى مطالبة الشرطة القضائية بنشر مذكرة بحث تؤدى نسبيا وفي حدود نفس النتيجة إغلاق الحدود بالنسبة للفارين من وجه العدالة .
ورغبة من قانون المسطرة الجنائية الجديد في ضبط هذه الإشكالية ومد النيابة العامة بآلية تمكنها من ملاحقة الفارين ، منح الحق في إغلاق الحدود وسحب جواز السفر للنيابة العامة لمدة شهر واحد يمكن تمديده لغاية انتهاء البحث إذا كان الشخص المعني به هو المتسبب في تأخير إتمام البحث وينتهي الإجراء في كل الأحوال بإحالة القضية على هيئة الحكم أو التحقيق أو اتخاذ قرار بحفظ القضيـــة ( المادتان 40 و 49 ) .
المبحث الثاني : إصدار أوامر دولية بإلقاء القبض :
أعطى المشرع الحق للنيابة العامة الصلاحية لإصدار أوامر دولية بإلقاء القبض لتطبيق مسطرة تسليم المجرمين ، ولقد كانت هذه النقطة تشكل عائقا أمام النيابة العامة يحول دون أدائها لدورها كاملا في محاربة الجريمة إذا غادر مرتكبوها التراب الوطني .
وفي القضايا الجنحية التي لايمكن عرضها على قاضي التحقيق لإصدار مثل هذا الأمر فإن الجناة والمشتبه فيهم يظلون بمنأى عن يد القضاء المغربي بسبب عدم إمكانية نشر الأوامر بإلقاء القبض التي تصدرها النيابة العامة في حقهم على الصعيد الدولي نظرا لعدم وجود نص صريح يمنحها حق إصدار هذه الأوامر .
وهكذا جاء في المادة 40/3 من قانون المسطرة الجنائيــــة أنه يحق لوكيل الملك ، لضرورة تطبيق مسطرة تسليم المجرمين إصدار أوامر دولية بالبحث وإلقاء القبض “.
وما ذهب إليه المشرع المغربي في إعطاء هذه المهمة للنيابة العامة يرجع بالإضافة إلى ما ذكر إلى انتشار الجريمة المنظمة – أيضا – ” والإجرام الذي يتجاوز الحدود ، وتعدد مرتكبيها واختلاف جنسيتهم ” مما ” يتطلب معه المزيد من التعاون القضائي الدولي لمحاربة هذه الظاهـــرة فتضمين قانون المسطرة الجنائية الجديد لآليات القانونية المذكورة من شأنها مواجهة أنواع من الجرائم ، وهذه المسطرة تدخل في إطار التعاون القضائي مع الدول الأجنبية .
ولابد في هذه الحالة من تقدير دواعي الأمر بإلقاء القبض عنـــد إصداره ، من حيث مدى توفر الدلائل الكافية على الاتهام وحالة المتهم من ناحية الذكورة والأنوثة والسن ، ومركز المتهم في مجتمعه ، وكذلك خطورة الجريمة المسندة إليه .
ويجب أن يعامل كل متهم يقبض عليه أو تقيد حريته بأي قيد بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ، ولا يجوز إيذاؤه بدنيا أو معنويا كما لا يجوز حجزه في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السحب .
المبحث الثالث : الأمر بالتقاط المكالمات والمراسلات :
تشكل شبكة الهاتف مرتعا لحياة الأفراد الخاصة ، فهي بمثابة المنطقة الظل التي لا ينبغي لأي كان الاطلاع على أسرارها أو خباياها .
لذلك بات الدور الجديد للنيابة العامة والقاضي بالتقاط المكالمات وكافة المراسلات وتسجيلها مهزوزا مطاطا لمساسه بحقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية ، كما أنه بتكريس هذا المبدأ ، لا محالة سينبش في سلطة النيابة العامة كخصم شريف ونبيل ، فلا يعقل أن تتحول من سلطة تهدف إصلاح المجتمع وتهذيبه ، أن ترتكب جرائم بدعوى الحفاظ على أمن المجتمع ، لأن ” التجسس ” على الحياة الخاصة للأفراد جريمة في نظر القانون .
فهذا المقتضى يعتبر إجراء خطيرا وماسا بالحقوق الأساسية ، لمخالفته لروح الدستور الذي يؤكد حرمة المراسلات ، وهو ما تنص عنه الفصول التالية :
• الفصل التاسع : ” يضمن الدستور لجميع المواطنين .
– حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع .
• والفصل الحادي عشر : الذي جاء فيه مايلي :
” لا تنتهك سرية المراسلات ”
و نشير أن هذا الإجراء أثار جملة من النقاشات و التساؤلات حول مدى دستوريته لمساسه بحريات الأفراد ، و يرى البعض أنه كان حري بالمشرع أن يقننه تقنينا دقيقا ويحدد مدى تطبيقه كحصره في بعض الجرائم وخلال فترة معينة ولأسباب واضحة ، حيث يمكن اللجوء إلى الالتقاط في حالة الخطر الذي يصيب أشخاصا ما اختطفوا من طرف عصابة إجرامية إما لدوافع مالية أو سياسية وفي قضايا التهريب والمخدرات والسلاح والجرائم الماسة بأفراد الأسرة الملكية ، مع إحاطة هذا الإجراء بضمانات قانونية ، ورقابة قضائية ، وذلك بتقييد النيابة العامة بتعليل موقفها هذا تعليلا كافيا ، وضرورة الحصول على إذن من القضاء ، خصوصا أن معظم الفقه على الصعيد الدولي لم يعترض على مبدأ التنصت الهاتفي بقبوله في حدود معقولة ومنظمة ، كما أشرنا إلى ذلك .
فباطلاعنا على التشريعات المقارنة – التشريع الفرنسي مثلا – نلاحظ أنه لم يصدر أي قانون في هذا الصدد إلا بعد أن طرحت أمام القضاء الفرنسي عدة نوازل في الموضوع ، بلورت في شكل اجتهادات قضائية .
و هكذا أصدرت محكمة النقض الفرنسية قرارا في هذا الشأن بتاريخ 04 يناير 1974 ، جاء فيه :
” أنه طالما كان التنصت الهاتفي الحاصل لم يكن لضبط محادثات هاتفية ، بل لتحديد مصدره وهوية النداءات فهو مقبول كوسيلة إثبات في الدعوى ” .
إن المهام الجديدة التي أعطاها المشرع للنيابة العامة لاشك أنها ستساهم في تقليص نسبة ظاهرة الإجرام وبالتالي تساعد النيابة العامة على إلقاء القبض على المجرمين في أسرع وقت خاصة أولئك الذين يحاولون بسوء نية التهرب من الاستجابة للحضور أمام النيابة العامة أو الضابطة القضية متى كلفت باستدعائهم أو إحضارهم للمثول أمام القضاء .
وإن كانت بعض الإجراءات السالفة الذكر تمس بحقوق الإنسان إذا ما نظرنا إليها من زاوية إلا أنه بالنظر إليها من زاوية أخرى فإننا نرى أن ذلك يعتبر إجراء استثنائيا وقتيا يهدف إلى الحفاظ على مصالح الضحايا والمجتمع بصفة عامة
اترك تعليقاً