تطبيقات البنوك الإسلامية للإعتماد المستندي
تعتبر الاعتمادات المستندية من الأهمية بمكان لأنها أساس التجارة الخارجية، وسبيل تسهيلها . والبنوك الإسلامية تتعامل مع الاعتمادات المستندية بعد أن خلصتها من الفوائد المحرمة التي تمارسها البنوك التقليدية، وهي على هذا الأساس تقدم ثلاثة أنواع من الاعتمادات هي : اعتماد الوكالة، واعتماد المرابحة، واعتماد المشاركة .
1. اعتماد الوكالة
تطبق البنوك الإسلامية اعتماد الوكالة في حالة قيام العميل الآمر بفتح الاعتماد بتقديم تغطية كاملة للاعتماد أي أن المعاملة لا تتضمن تقديم تمويل من قبل البنك . فما يؤديه البنك من خدمات في هذا الموضوع إنما يكون بتفويض من قبل العميل، وهو يقوم بها كوكيل عنه . لذلك فإن البنك بالنسبة لفاتح الاعتماد هو كالوكيل بالنسبة لموكله فيما يقوم به ويرجع عنه، وإن كانت هذه الوكالة نظرا لتعلقها بحق الغير ( وهو المستفيد ) تصبح غير قابلة للنقض إلا بموافقة المستفيد من الاعتماد، وهو ما لا يتعارض من الأسس والقواعد الشرعية حيث تذكر كتب الفقه أنه لا يصح عزل الوكيل إذا تعلق بالوكالة حق الغير، ويعلل الكاساني ذلك بأن العزل في هذه الحالة فيه إبطال حق الغير ” من غير رضاه ولا سبيل إليه ” .
وهنا يجمع البنك بين صفتي الوكيل والكفيل، ولا يحق له أخذ أجر مقابل الكفالة ذاتها لأن الإجماع منعقد على عدم جواز الأجر على الضمان، ولكن يطيب له أخذ الأجر مقابل الخدمات التى يقدمها بما في ذلك التكلفة التى يتحملها عند إصدار خطاب الاعتماد وما يسبق ذلك من جهد مبذول لدراسة وتقييم أوضاع العميل المالية للتثبت من ملائمته وقدرته على الوفاء بالتزاماته.
وعليه يجوز للبنك أخذ الأجر في اعتماد الوكالة سواء كان محددا بمبلغ مقطوع أو بنسبة من مبلغ الاعتماد، أما التزامه تجاه المستفيد فهو من قبيل الضمان لكنه يحصل تبعا ولا يخصص له مقابل بصورة مستقلة مباشرة.
والخطوات العملية لتنفيذ اعتماد الوكالة من قبل البنوك الإسلامية لا يختلف عن الخطوات المعتادة المطبقة بشكل عام والتي تم الإشارة إليه سابقا .
اعتماد المرابحة
كثيرا ما تطبق البنوك الإسلامية اعتماد المرابحة في حالة طلب العميل فتح الاعتماد المستندي دون قدرته على تغطية المبلغ كليا، فيحتاج حينئذ الحصول على تمويل كامل من البنك لشراء ما يحتاجه من السلع والأصول المتوافرة في السوق الخارجي . ويستند اعتماد المرابحة على عقد المرابحة للواعد بالشراء المعروف بالمرابحة المصرفية .
ويشترط في اعتماد المرابحة عدة ضوابط يجب مراعاتها لكي تكون المعاملة مشروعة، منها :
• يجب أن يطلب العميل التمويل من البنك بأسلوب اعتماد المرابحة قبل فتح الاعتماد باسمه، وقبل أن يبرم عقد البيع الأصلي مع البائع المصدر.
• يصدر العميل وعدا بالشراء للبنك في بداية التعامل، يقوم البنك على أساسه بالاتصال بالبائع لإجراء عملية استيراد السلعة وتملكها.
• يجب أن يكون التعاقد لشراء السلعة من البائع مع البنك نفسه، كما يشترط أن يتم فتح الاعتماد باسم البنك لأنه هو المشتري من البائع وليس العميل .
• يجب أن تم إبرام عقد بيع المرابحة بين البنك والعميل الواعد بالشراء بعد وصول السلعة وتسلم المستندات من قبل البنك .
• يجوز قيام البنك بتظهير مستندات الشحن للعميل المشتري بالمرابحة لكي يتمكن من تسلم السلعة .
• لا يجوز للبنك أن يطالب العميل الواعد بالشراء بدفع عمولة عن فتح الاعتماد في حالة اعتماد المرابحة القائم على الأمانة، لأن البنك يفتح الاعتماد لصالحه بصفته المشتري للسلعة . ولكن يمكن للبنك إضافة التكاليف الفعلية المتعلقة بفتح الاعتماد إلى جملة المصروفات، كما يمكنه تحميل المشتري عمولة فتح الاعتماد من خلال إدراجها في التكلفة إذا تم فتح الاعتماد لدى بنك آخر .
أما الخطوات العملية لتنفيذ اعتماد المرابحة فهي تكون على النحو التالي :
الخطوات العملية لتنفيذ اعتماد المرابحة
رقم الخطوة المهمة
(1) يبدي العميل رغبته في استيراد سلعة من الخارج محددا أوصافها ومبينا ما لديه من عروض حولها، ويتقدم بوعد لشرائها من البنك بالمرابحة بعد أن يتملكها البنك .
(2) يدرس البنك طلب العميل، وبعد الموافقة وتحديد شروط التعامل، يقوم بشراء السلعة من البائع ويتفق معه على شروط الاعتماد .
(3) يصدر البنك اعتماد مستندي لصالح البائع ويبلغه به مباشرة أو عن طريق بنك مراسل حسب ما يتم الاتفاق عليه .
(4) و (5) يسلم البائع السلعة إلى ربان السفينة، الذي يسلمه وثائق الشحن .
(6) و (7) يسلم البائع المستندات ووثائق الشحن إلى البنك الذي يدفع له ثمن سلعته بعد التحقق من تطابق المستندات مع شروط الاعتماد.
( 8 ) و (9) يبرم البنك عقد بيع المرابحة مع العميل الواعد بالشراء طبقا لما اتفق عليه في وثيقة الوعد . ويظهر للعميل المشتري مستندات الشحن .
(10)و(11) يسلم المشتري المستندات إلى وكيل شركة الملاحة في ميناء الوصول الذي يسلمه السلعة .
(12) يقوم المشتري بسداد ثمن السلعة التي اشتراها بالمرابحة في الآجال المتفق عليها .
الخطوات العملية لاعتماد المرابحة
3. اعتماد المضاربة
بالرغم من قلة تطبيق البنوك الإسلامية لصيغة اعتماد المضاربة، فإنها تصلح بشكل خاص في تمويل العملاء الذين لديهم القدرة على العمل وتنفيذ الصفقات التجارية دون أن يكون لهم رأس المال أو الموارد الذاتية اللازمة، ومثال ذلك رغبة العملاء في استيراد سلع ومنتجات لهم القدرة على ترويجها محليا وتحقيق مكاسب مادية منها .
ففي هذه الحالة يمكن للبنك تشجيع هؤلاء التجار بتمويلهم عن طريق اعتماد المضاربة بحيث يقدم البنك كامل رأس المال اللازم لشراء السلع موضوع المضاربة، ويتولى العميل تسويقها وتحقيق الربح الذي يوزع بين الطرفين بنسب متفق عليها . وبهذا الأسلوب لا يحتاج العميل إلى تقديم أي غطاء نقدي للاعتماد المستندي المطلوب فتحه لاستيراد السلع كما في حالة اعتماد المرابحة .
ويشترط في اعتماد المضاربة عدة ضوابط يجب مراعاتها لكي تكون المعاملة مشروعة، منها :
• يجب أن يطلب العميل التمويل من البنك بأسلوب اعتماد المضاربة قبل أن يبرم عقد البيع الأصلي مع البائع المصدر.
• يجب أن يكون التعاقد لشراء السلعة من البائع مع العميل نفسه بصفته المضارب الذي يتمتع بكامل الصلاحيات في إدارة أموال المضاربة . ويتم فتح الاعتماد في هذه الحالة باسم العميل خلافا لاعتماد المرابحة الذي يشترط فيه فتح الاعتماد باسم البنك .
• يوزع الربح الناتج عن هذه الصفقة الممولة باعتماد المضاربة بحسب ما هو متفق عليه بين الطرفين بنسب مئوية شائعة بينهما، أما الخسارة فيتحملها البنك بالكامل باعتباره رب المال الممول .
الخطوات العملية لاعتماد المضاربة
أما الخطوات العملية لتنفيذ اعتماد المضاربة فهي تكون على النحو التالي :
الخطوات العملية لتنفيذ اعتماد المضاربة
رقم الخطوة المهمة
(1) يبدي العميل رغبته في تنفيذ عملية مضاربة مع البنك بحيث يقدم البنك رأس المال اللازم لتنفيذ شراء سلع معينة ويقوم العميل بصفته المضارب بتسويقها وتحقيق الربح منها . وبعد موافقة البنك وتحديد شروط التعامل يبرم الطرفان عقد المضاربة ويفتح البنك حسابا خاصا لعملية المضاربة تحت تصرف العميل المضارب .
(2) يقوم المضارب بإتمام الإجراءات اللازمة لشراء السلعة التي سيتم المتاجرة فيها، ويبرم عقد البيع مع البائع الأصلي في الخارج ويتفق معه على شروط الاعتماد المستندي .
(3) يطلب العميل المضارب من البنك فتح اعتماد مستندي لصالح البائع الأصلي طبقا للشروط المتفق عليها .
(4) يصدر البنك اعتماد مستندي لصالح البائع ويبلغه به مباشرة أو عن طريق بنك مراسل حسب ما يتم الاتفاق عليه .
(5) و (6) يسلم البائع السلعة إلى ربان السفينة، الذي يسلمه وثائق الشحن .
(7) و ( 8 ) يسلم البائع المستندات ووثائق الشحن إلى البنك الذي يدفع له ثمن سلعته بعد التحقق من تطابق المستندات مع شروط الاعتماد.
(9) يظهر البنك للعميل المضارب مستندات الشحن لتمكينه من تسلم السلعة .
(10)و(11) يسلم المضارب المستندات إلى وكيل شركة الملاحة في ميناء الوصول الذي يسلمه السلعة .
(12) يقوم المضارب بتسويق السلعة، ويصفي عملية المضاربة في نهاية المدة المحددة، ويتم توزيع ما تحقق من أرباح بين الطرفين حسب النسب المتفق عليها .
4. اعتماد المشاركة
يختلف اعتماد المشاركة عن اعتماد المضاربة حسب نوعية التعامل المطلوب بين البنك وعميله، فإذا كان اعتماد المضاربة يحقق تمويل صفقات محددة للمحتاجين القادرين على العمل وتسويق المنتجات دون أن تكون لهم الموارد اللازمة، فإن اعتماد المشاركة يستهدف فئة أخرى من العملاء، وهم أولئك الذين يحتاجون إلى الأصول والمعدات لاستخدامها في نشاطهم ومشروعاتهم القائمة، ولكن ليست لهم الموارد الكافية لاستيرادها.
ففي هذه الحالة يسهم العميل بجزء من قيمة الاعتماد ويسهم البنك بالباقي .
ويتم تنفيذ اعتماد المشاركة بمراعاة الضوابط التالية :
• يجب أن يطلب العميل التمويل من البنك بأسلوب اعتماد المشاركة قبل أن يبرم عقد البيع الأصلي مع البائع المصدر.
• يجوز أن يتم التعاقد لشراء السلعة من البائع وكذلك فتح الاعتماد باسم أي من الطرفين لأنه يحق للشريكين في عقود المشاركة المساهمة بالعمل بالإضافة إلى تقديمهما حصة من رأس المال خلافا لواقع المضاربة التي ينفرد فيها المضارب بالعمل .
• يتم تحديد موضوع المشاركة بين الطرفين، فقد يتفق على تأجير الأصل المشترى بالمشاركة إلى العميل، ويكون ربح المشاركة حينئذ عائد الإجارة الذي يوزع بين الطرفين بحسب نسبة مساهمتهما في شراء الأصل . وقد يتفق الطرفان على أن يبيع البنك نصيبه لطرف ثالث أو لشريكه العميل مرابحة عاجلا أو آجلا، فيكون ربح المشاركة حينئذ ما زاد عن حصة البنك من ثمن البيع، ولكن يشترط في هذه الحالة ألا يكون البيع للشريك بوعد ملزم ولا مشروطا في عقد المشاركة حتى لا تؤول المعاملة إلى ضمان الشريك لشريكه الممنوع شرعا . أما الخسارة فتقسم بين الطرفين بحسب نسبة المساهمة من كل طرف .
• ولا تختلف الخطوات العملية لتنفيذ اعتماد المشاركة عن خطوات اعتماد المضاربة في مشاركة الطرفين في تقديم حصة من رأس المال وتحملها الخسارة بقدر مساهمة كل منهما .
اعتمادات التصدير
بالإضافة إلى استخدام البنك اعتماد المضاربة المشاركة في تمويل عملائه الراغبين في استيراد سلع وأصول لاستخدامها في نشاطهم ومشروعاتهم القائمة من أجل تسويقها محليا وتحقيق الربح . فإن البنك يستخدم أيضا أسلوب اعتماد المضاربة والمشاركة في تمويل عملائه في عمليات تصدير، وذلك في حالة تسلم البنك إشعار بفتح اعتماد مستندي لصالح عميله لتصدير نوع معين من السلع .
وينفذ اعتماد التصدير بالمضاربة أو المشاركة إذا كان العميل المستفيد من الاعتماد يحتاج إلى تمويله بجزء معين من تكلفة العملية أو بالقيمة كاملة نظرا لعدم توافر السيولة اللازمة لديه . وعند ذلك يقوم البنك بعد دراسة العملية بتوفير التمويل اللازم للمصدر والمشاركة معه في العملية .
وفي هذه الحالة يتم تنفيذ اعتماد التصدير طبقا للخطوات الأساسية التالية :
• يطلب البنك من العميل تقديم دراسة تقديرية للتكلفة المنتظرة لتنفيذ هذا الاعتماد مؤيدة كلما أمكن بالمستندات، ويضاف إلى هذه التكلفة عمولات ومصروفات البنك .
• يتم مناقشة البنك بدراسة التكاليف والإيرادات المنتظرة حيث إن قيمة الاعتماد تمثل الإيرادات المنتظرة، ومن ثم تقدير ربحية العملية والعائد المنتظر على الاستثمار .
• يتم مناقشة العميل في حجم التمويل الذي يطلبه من البنك وبرنامجه، ومن ثم نسبة هذا التمويل إلى التكلفة الكلية للعملية ( ومن ثم تحديد حصص الشريكين ) .
• يتم توزيع العائد المنتظر وفقا للآتي : نسبة مئوية للمصدر مقابل عمله وخبرته وإدارته يمكن أن تتراوح بين 30 إلى 40% أو أكثر حسب العملية .
• تحمل العمولات والمصروفات البنكية على العمليات وتخصم على حساب التمويل لدى البنك قبل الوصول إلى صافي الربح .
• يراعي البنك أخذ الضمانات المناسبة على العميل للالتزام بشروط المشاركة وشروط الاعتماد .
• مدة المشاركة تحتسب من تاريخ منح التمويل للمصدر إلى تاريخ الخصم على حساب المراسل أو الإضافة إلى الحساب طرفه أيهما أولا .
• بورود إشعار الإضافة إلى حساب البنك طرف البنك المراسل (أو بعد الخصم على حساب المراسل) بقيمة الاعتماد تتم تسوية العملية بين البنك والعميل المصدر . واحتساب نتائجه وذلك بتوزيع صافي الأرباح النهائية (الفرق بين قيمة الاعتماد والتكاليف التي صرفت عليه) وذلك وفقا لقواعد التوزيع المتفق عليها في شروط المشاركة .
ثامنا: الضوابط الشرعية للتعامل بالاعتمادات المستندية
• يجوز للبنك أن يأخذ أجرة على قيامه بالخدمات المطلوبة في اعتمادات الوكالة سواء أكانت مبلغا مقطوعا أم بنسبة من مبلغ الاعتماد.
• لا يجوز أن يتقاضى البنك عمولة عن فتح الاعتماد في اعتماد المرابحة لأنه يفتح الاعتماد لنفسه، ولكن عندما يجري البنك المرابحة مع العميل يحق له إضافة نفقات الاعتماد إلى تكلفة السلعة محل المرابحة.
• يجوز أن يتقاضى البنك عمولة عن فتح الاعتماد في اعتماد المضاربة والمشاركة، وتخصم من مصروفات المضاربة أو المشاركة باعتبارها أعمال خارجة عن العقد المبرم بين الطرفين.
• يجوز وضع جدول عمولات لفتح الاعتماد متفاوتة المقدار تبعا لتفاوت مبلغ الاعتماد إذا كانت عمليات الاعتماد تتضمن مهام تختلف تبعا لاختلاف قيمة الاعتماد.
• لا يجوز تقاضي عمولة لفتح الاعتماد على أساس مدة الاعتماد.
• يجوز تقاضي عمولة عن تمديد صلاحية الاعتماد، ولكنها لا تحسب على أساس المدة أسوة بما هو وارد على عمولة فتح الاعتماد، ويمكن تحصيلها بمبلغ محدد مقطوع عن كل تعديل.
• لا يجوز تقاضي عمولة بنسبة مئوية في حالة تعزيز الاعتماد الصادر عن بنك آخر، ويقتصر في هذه الحالة على تحديد مبلغ يغطي المصروفات الفعلية لعملية التعزيز لأن تعزيز الاعتماد هو ضمان محض.
• لا يجوز أخذ نسبة على المبلغ غير المغطى من قيمة الاعتماد لأنه مبلغ يؤخذ مقابل القرض الذي تقدمه هذه البنوك للعميل بتغطية ما تبقى من قيمة الاعتماد وهو ربا ممنوع، ويستعاض عن ذلك بإجراء اعتمادات مرابحة ومضاربة ومشاركة.
لا يجوز للبنك إجراء تداول للمستندات مؤجلة الدفع أو لكمبيالات القبول أي شراؤها ( دفع قيمتها ) بأقل من قيمتها الاسمية قبل تاريخ استحقاق الدفع الوارد فيها لأنه من قبيل الصور الممنوعة في بيع الدين. كما لا يجوز للبنك أن يكون وسيطا في ذلك بين المستفيد والبنك المصدر أو البنك المعزز سواء بالدفع أو بالتبليغ.
اترك تعليقاً