بحث قانوني ودراسة في نظرية الجزاء التهديدي والجزاء القطعي
SYSTÈM DES ASTREINTES
عرف العلماء الـ ASTREINTE بأنه إلزام بمبلغ من المال يُقضَى به عن كل يوم أو زمن من أزمنة التأخير الغرض منه قهر المدين المتعنت على تنفيذ ما تعهد به بتهديده بجزاء مالي يمكن أن يزداد إلى الحد الذي يخضعه حتى يحترم تعاقده وينفذه.
وقد أحسن المسيو BERRYER تعريفه في رسالةDES ASTREINTES. THÈSE. PARIS 1903 فقال إنه قضاء مؤقت في المال الغرض منه الوصول بطريق غير مباشر إلى تنفيذ التزام عينًا وذلك بتهديد المحكوم عليه المتعنت بجزاء يكفي للقضاء على تعنته.
ولقد ابتكر القضاء الفرنساوي هذه النظرية القانونية وسار بها على وتيرة واحدة من زمن بعيد رغمًا عما ينهال عليها من انتقاد رجال القانون من الوجهة النظرية، فإن أول ما عرف عن تطبيق هذه النظرية في القضاء الفرنسي كان في سنة 1809 (DALLOZ REP V. CHOSE JUGÉE NO. 384 ETS.).
وقد ذكر المسيو اسمين ESMEIN في مقالته الممتعة عن الجزاء التهديدي التي نُشرت في REVUE TRIMESTRIELLE DE DROIT CIVIL 1903, P. 553 أن النظرية ترجع إلى عهد الـ SPECULUM JURIS الذي أصدره GUILLAUME DURAND وتعقب تطبيق هذه النظرية حتى وصل بها إلى تاريخ القانون الروماني.
ولكن محل النظر هنا أن المحاكم تأمر بإلزام المدين بأن يدفع مبلغًا معينًا عن كل زمن من أزمنة التأخير باعتبار أن هذا الأمر ليس قضاءً باتًا بل سبيلاً لقهر المدين على تنفيذ تعهد أو أمر أمرت به المحكمة فهو جزاء أو عقوبة يُقضَى بها لا على سبيل تقدير الحق بل لإرغام المدين كي يحترم أمر القضاء.
وبهذا جاز للمحكمة نفسها إن رأت إصرار المدين على تعنته أن تضاعف الجزاء حتى يقهر وينفذ ما أمرته المحكمة به، ولها الحق أيضًا أن ترفع عنه الجزاء، بعضه أو كله، إن أظهر امتثالاً للأمر، ولهذا فالجزاء لا يقوم مقام الضرر الناتج عن عدم الوفاء، فقد لا يكون بين المبلغ المقضى به وبين الضرر الفعلي أي تناسب بل قد لا يوجد أي ضرر وقع فعلاً، وإنما هي عقوبة يُقضَى بها حتى يخضع المحكوم عليه لما أمرت المحكمة به.
وكما يجوز للمحكمة التي أصدرت الأمر أن تزيد في الجزاء أو أن ترفعه كله أو بعضه يجوز كذلك لمحكمة الاستئناف إذا طرح الأمر أمامها
REQ 1ER DEC. 1897-D. P. 98. 1. 289; REQ 8 JAN 1896. D. P 97. 1.463; REQ 6 AVRIL 1900 D. P 1900. 1.167; CASS 20 JAN. 1913 D. P. 1913.1.387; SIREY, TABLE DÈCENNALE 1901 – 1910. V DOMMAGES INTÈRETS NO 66 D. P. 1917.1.115.
2 – ولكن علماء القانون LA DOCTRINE ينتقدون هذه النظرية انتقادًا شديدًا وحجتهم في ذلك:
( أ ) أن القانون قد نص في المادة (117) مدني المقابلة للمادة (173) و(174) مختلط وتقابل (1142) و(1143) و(1144) فرنساوي – أنه إذا امتنع المدين عن وفاء ما هو ملزم به بالتمام فللدائن الخيار بين فسخ العقد مع أخذ التضمينات وبين أن يطلب التضمينات عن الجزء الذي لم يقم المدين بوفائه فقط، ومع ذلك يجوز للدائن أن يتحصل على الإذن من المحكمة بعمل ما تعهد به المدين أو بإزالة ما فعله مخالفًا لتعهده مع إلزامه بالمصاريف – هذا وذاك مع مراعاة الإمكان بحسب الأحوال (المادة (117) أهلي).
فإذا اعتبرنا هذا الجزاء تعويضًا فالتعويض لا بد أن يكون مقابلاً للضرر الذي حل فعلاً بالدائن وللفائدة التي تفوته PRO TANTO في حين أن في تطبيق نظرية الـ Astreinte لا يتفق الجزاء مع الضرر مطلقًا ولا يتناسب معه.
(ب) فإن كان الإلزام جزاءً أو عقوبة فليس للمحكمة أن تقضي بجزاء بطريقة استبدادية غير عادلة، فإنه من المسلم به أن لا عقوبة بغير نص II N’EST PAS DE PEINE SANS TEXTE.
(جـ) على أن الغرض الحقيقي من الجزاء التهديدي الوصول إلى تنفيذ التعهد عينًاEN NATURE بخلاف الحكم بالتعويض، ولهذا تكون النتيجة الفعلية لحكم الجزاء التهديدي أن القاضي يشرع طريقة من طرق التنفيذ غير منصوص عليها قانونًاB. H. ET BARDE, 5ME EDIT. OBLIGATION T, 1 NO. 479 P 506 ET LUIS.
ودفعًا لبعض هذا الانتقاد نرى المسيو PLANIOL قد وضع نظرية الجزاء التهديدي تحت باب تنفيذ التعهدات لا تحت باب التعويضات.
(د) نضيف إلى هذا كله أن في إرجاع الحكم مرة ثانية وثالثة إلى القضاء لتعديله أو تخفيضه بين كل آنٍ وآخر فيه تعارض ظاهر مع نظرية قوة الأحكام الانتهائية
DEMOLOMBE T. 24 P 496 479 LAURENT. T. 16. N. 301 AUBRY ET RAU. T 4 5E ED. NO. 12 ET 12 QUATER P 64 – 66.
MASSIN. DE L’EXÉCUTION FORCÉE DES OBLIGATIONS DE FAIRE OU DE NE PAS FAIRE. THÉSE. PARIS 1893 P 429 – 438.
BERRYER. DES ASTREINTES 1903 THESE P 140 – 162 LA COSTE. DE LA CHOSE JUGÉE P37 ET S.
ولقد انضم المسيو دي هلتز في كتابه (القانون المدني المصري الجزء الأول صـ 280 و281 و282) إلى الذين انتقدوا هذه النظرية بشدة فقال إنها غير مشروعة ومخالفة كل المخالفة للقانون.
وقد انبرى للدفاع عن هذه النظرية المسيو ESMEIN دفاعًا مجيدًا وكذلك المسيو بلانيول والمسيو GRIOLET في كتابه DE L’AUTORITÉ DE LA CHOSE JUGÉE.
فقد ذكر المسيو ESMEIN في رسالته L’ORIGINE ET LA LOGIQUE DE LA JURISPRUDENCE EN MATIÉRE D’ASTREINTES. أن سلطة القاضي تنقسم قسمين، القضاء في الخصومات وإصدار الأوامر، ولهذا يجب أن نفرق بين الأحكام التي تسمى JUDICIÀ DECISORIA أو JURIDICTION وبين أحكام الأمر JUDICIA ORDINAORIAT أو COMMANDEMENT.
والقاضي الذي يملك سلطة الفصل في أصل الخصومة يملك حق إصدار الأوامر التي تؤدي إلى القضاء فيها، والغرض من هذا الأمر التوصل إلى حق اعتقد القاضي بوجوده وكان أمره سبيلاً إلى الوصول إلى هذا الحق.
فالقاضي في مثل هذه الحال يستعمل سلطته في إصدار الأوامر INJONCTIONS أو IMPERIUM حسب مقتضيات الأحوال بما يضمن به تنفيذ حكمه، وهذه القوة التي يختص بها القاضي يقول المسيو ESMEIN عنها إنه مسلم بها من القدم، حتى أن المشرع الفرنسي عندما وضع مواد القانون لم ينسخ هذه السلطة بل ذكر في المادة (1036) من قانون المرافعات (أن للمحاكم الحق – في الخصومة المطروحة أمامها – أن تصدر حتى من تلقاء نفسها ما تراه من الأوامر PRONONCER DES INJONCTIONS وأن تأمر بضبط الأوراق والمكاتبات طبقًا لخطورة الحال).
ومتى تقرر هذا فإنه من المسلم به أيضًا أن من يملك الأمر يملك حق الرجوع فيه.
وقد ذكر حضرة الأستاذ أبو هيف بك في كتاب قانون المرافعات الجزء الثاني أنه ليس من مقابل في قانوننا للمادة (1036) مرافعات فرنساوي وأنه يمكن أن تسند هذه النظرية في القانون المصري إلى النص الوارد في لائحة ترتيب المحاكم التي تجيز للقاضي إن لم يوجد نص صريح في القانون أن يحكم بمقتضى قواعد العدل، وأن من قواعد العدل أن يسعى القاضي في تسهيل تنفيذ ما أصدر من الأحكام العادلة ما دام لا يضر في ذلك بحقوق المدين، وفي هذا القول اجتهاد ظاهر.
وعلى أي حال فقد أصبحت هذه النظرية وطيدة الأركان متينة الدعائم في القضاء رغم الانتقادات العلمية التي لا تزال موجهة إليها، حتى أن المسيو بلانيول قال إنها باتت من أفضل الطرق العملية لقهر المتعنت الذي يريد الإخلال بتعهده، وذكر أن احترام هذه النظرية أصبح راسخًا وطيدًا لا يمكن لأي انتقاد أن يزعزعه لفوائدها العملية، فهي طريق ناجع وسهل لضمان تنفيذ التعهدات.
3 – ولقد كثر تطبيق الإلزام بالجزاء التهديدي في المحاكم الفرنساوية، ومن القضايا الهامة قضية المركيزة BAUFFREMONT التي قضت المحكمة فيها على الزوجة بتسليم ابنتها إلى والدها أو تلزم بغرامة يومية قدرها 500 فرنك، فلما امتنعت الزوجة عن تسليم البنت تدرج الجزاء إلى أن بلغ ألف فرنك يوميًا حتى سلمت الفتاة D. 78.2.125.
وقضية شركة الكهرباء المشهورة بباريس التي رفعتها إحدى النزل الكبرى بباريس تطالبها بإنارة النزل، فقد حكمت المحكمة بإلزام الشركة بالإنارة أو بأن تدفع مائة فرنك يوميًا وقد تدرج الجزاء إلى أن بلغ 10000 فرنك حتى خضعت الشركة وأنارت النزل.
ولم يقتصر تطبيق هذه النظرية على التعهد بفعل أمرٍ ما OBLIGATION DE FAIRE بل تعداه إلى OBLIGATION DE NE PAS FAIRE فقد حكمت المحاكم على المسيو COQUELIN الممثل الشهير بغرامة يومية قدرها 500 فرنك لأنه أخل في تعهده بأن لا يظهر على مسرح آخر غير مسرح الـ D 97. 2. 177. COMÉDIE FRANCAISE.
4 – هل يمكن تنفيذ أحكام الجزاء إذا ثبت تعنت المحكوم عليه عن تنفيذ أمر المحكمة، فإن الأمر المتبع أن الصادر لصالحه حكم الجزاء يعرض الأمر على المحكمة في دعوى يسجل على المدين تأخيره عن تنفيذ أمر المحكمة ويطلب من المحكمة أن تأمر بتنفيذ الجزاء نفسه أو أن تزيده أو أن ترفعه حسب الظروف وتقضي المحكمة قضاءها في ذلك وينفذ هذا الحكم الثاني حتى يخضع المدين لتنفيذ أمر المحكمة وقد لا يكون الجزاء اليومي المترتب في الحكم الثاني تعويضًا للضرر الذي حصل من عدم التنفيذ بل عقوبة على تعنت المحكوم عليه في تنفيذ أمر القاضي ولو لم يحصل ضرر فعلاً من عدم التنفيذ.
ولقد سارت بعض المحاكم المصرية على أن أحكام الجزاء غير قابلة للتنفيذ بالمرة بل يجب لذلك من رفع دعوى جديدة لتقدير التعويض الحقيقي الناجم عن عدم تنفيذ أمر المحكمة، وتبني رأيها هذا على أنه ما دامت هذه الأحكام تهديدية بطبيعتها فلا يجوز تنفيذها.
فقد حكمت محكمة الاستئناف الأهلية بحكم في 24 فبراير سنة 1914 نمرة (70) المجموعة الرسمية السنة الخامسة عشرة صـ 137- بأن التعويض الذي يُقضَى به عن كل يوم من أيام التأخير يعتبر مقاصة لا جزاء ومن ثم فلا يجوز المطالبة به إلا إذا أنشأ ضررًا فعلاً عن الاستمرار في تأخير التنفيذ، وأنظر حكم محكمة الزقازيق المنشور في المجموعة الرسمية السنة الخامسة عشرة صـ 213.
إن خطأ هذا الرأي واضح، فإن التهديد الذي لا يمكن تنفيذه مطلقًا لا يكون له الأثر المطلوب وهو قهر المتعنت على تنفيذ التعهد عينًا EN NATURE.
ولقد أحسن المسيو والتن ناظر مدرسة الحقوق في وصف التهديد الذي من هذا النوع بأنه سخافة BRUTUM FULMEN صـ 243 الجزء الثاني من كتابه OBLIGATION فقال إن بعض المحاكم المصرية لم توفق في الوصول بهذا المبدأ إلى الحد المنطقي الصحيح بأن رفضت تنفيذ حكم التهديد المالي رغم إصرار المدين على عدم الوفاء.
وذكر خطأ الأحكام التي كانت تقرر المبدأ الآتي:
QUE LES CONDAMNATIONS DE CETTE SORTE NE SONT QUE PUREMENT COMMINATOIRES ET QU’ELLES NE PEUVENT SORTIR À EFFET QUE DANS LA MESURE DU PRÉJUDICE REÉLLEMENT SOUFFERT C. A. 10 JANV. 1901. R. O. XXVI.
وكذلك الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في 8 مايو سنة 1906 المنشور في المجموعة الرسمية السنة السابعة نمرة (115) صـ (79) بهذا المعنى، وانتقد في هذه الأحكام على أنها بُنيت على خطأ في فهم أساس نظرية الجزاء فقال إن المحكمة التي لها أن تمحو الجزاء التهديدي لها أيضًا الحق المطلق أن تقهر المدين المتعنت بأن ينفذ عليه حكم الجزاء وأن يزاد أيضًا بحكم آخر إن زاد في عناده حتى يخضع للأمر، ولا جدال أن التهديد الذي لا نتيجة له يضيع هباءً.
لم يمكن الوصول إلى تسليم الفتاة في قضية المركيزة BAUFFREMENT إلا بعد أن بلغ ما تنفذ به عليها مليونًا من الفرنكات حتى سلمت الفتاة، وبعد أن تدرج حكم الغرامة بأمر القاضي إلى ألف فرنك يوميًا (انظر القضية السالفة الذكر) وما كان هذا الجزاء مقابلاً للضرر الفعلي بل جزاءً مستمرًا لتنفيذ أمر القضاء، ولم تخضع شركة الكهرباء لإنارة النزل إلا بعد أن بلغ ما نفذ به عليها يوميًا عشرة آلاف فرنك – ولا جدال في أن للقاضي أن يرفع الغرامة إذا ما تقدم إليه المدين وأعلن خصمه وقدم الدليل على أنه يسير في التنفيذ أو أنه نفذ الأمر فعلاً ما دام كل غرض القاضي أن يقهر المدين على تنفيذ تعهده عينًا.
وقد حكمت محكمة مصر الاستئنافية برئاسة أحمد فتحي باشا وعضوية المستر ايموس في دعوى الحساب الشهيرة لورثة أحمد باشا صادق في أشكال أقيم أمامها في تنفيذ الحكم التهديدي الأول بما يأتي:
(حكمنا بإيقاف تنفيذ الحكم الصادر بالغرامة بتاريخ 5 يونيه سنة 1905 إيقافًا مؤقتًا حتى تحكم محكمة مصر في موضوع الإلزام نهائيًا بغرامة يبين مقدارها الواجب التنفيذ بمقتضاه) والحكم منشور في مجلة الاستقلال صـ 330 في حيثيات مطولة.
وقد رأى الأستاذ أبو هيف بك في كتابه الجزء الثاني صـ (17) و(18) طبقًا لآراء العلامة جارسون الوارد في الجزء الرابع الطبعة الثانية والعلامة جلاسون الجزء الثاني أن الحكم الذي يشتمل على تحديد مبلغ يدفعه المدين يوميًا هو حكم تهديدي ليس له قوة الشيء المحكوم به ولا ينفذ بنفسه ولو أصبح نهائيًا بل يجب لذلك من رفع دعوى جديدة بطلب ما تجمد من المبالغ (أي مبالغ الجزاء اليومي) ويكون حينئذٍ للقاضي الحق أن يرجع في أمره أو أن يزيد في المبلغ اليومي إذا ازداد التأخير، وأن هذا المبلغ لا يكون تعويضًا بل عقوبة على عدم الإذعان لأمر القضاء وأن للقاضي أن يبقي الحكم بالمبلغ الذي حدده كما هو حتى ولو لم يحصل ضرر مطلقًا من عدم التنفيذ كما يجوز له أن يحكم به وبالتعويض في آنٍ واحد.
5 – هذا ما استقر عليه رأي علماء التشريع، على أنه إذا سلمنا بأن الغرض من وضع النظرية هو الوصول إلى قهر المدين لينفذ التعهد عينًا فإنه من المحتمل جدًا أن يكون الحكم الثاني قد ازداد فيه الجزاء عن الحكم الأول حتى يرغم المدين على الوفاء ويكون في الحكم الثاني كل معنى التهديد أيضًا ولو أنه قطعي وواجب النفاذ، لهذا اعتقد أن المنطق يقضي بوجوب تنفيذ الحكم الأول إن تأخر المدين عن الموعد المضروب في الحكم وللمدين عند التنفيذ أن يرفع الأمر بصفة مستعجلة إلى القاضي بطلب إمهاله إلى أجل آخر لأن طارئًا أو سببًا عاقة عن الوفاء أو لأنه شرع في التنفيذ، وكذلك من الجهة الأخرى يكون للدائن الحق في الرجوع إلى القاضي لزيادة الجزاء إن تعنت المدين ولم يقهره بتنفيذ الجزاء وهكذا، فالمتضرر يعرض الأمر على المحكمة حتى يتنفذ ما أمرت به، وللقضاء أن يأمر بإيداع متحصل الجزاء في الخزانة.
إن للمحاكم أن تتبع في طريقة تنفيذ الجزاء التهديدي ما تراه ما دام الغرض منها الوصول إلى تنفيذ التعهد عينًا.
فإنه من المسلم به أن هذا الجزاء عقوبة ولا معنى للعقوبة إن كانت نتيجتها حتمًا الرجوع في توقيعها إلى دعوى جديدة فإنها تصبح بلا جدوى، وكذلك لا يكون للتهديد أثر قوي إذا كان لا بد من رفع دعوى لتنفيذه أو تنفيذ متجمده.
لهذا أخذت بعض القوانين تصحح في هذه النظرية بنصوص تجلي ما غمض منها.
نظرية الجزاء التهديدي في القوانين الأخرى
لقد أزال الشارع الألماني في قانونه الذي وضعه أخيرًا كل خلاف بأن وضع نصًا في قانون المرافعات (المادتين (887) و(888) منه) بأنه إذا كان يمكن لشخص ثالث أن يقوم بالالتزام نفسه فللدائن الحق أن يستصدر حكمًا بإلزامه بالقيام به على نفقة المدين (قارن هذا بنص المواد (117) و(173) و(174) مدني مصري) فإن لم يمكن لغير المدين القيام بالتعهد فللمحكمة أن تقضي عليه بغرامة أو بالحبس هذا فضلاً عن التعويضات التي يطلبها الدائن، أما في بلجيكا فالمبدأ كان يسير طبقًا للقضاء الفرنسي.
ولكن الرأي الأخير قضت به محكمة بروكسل انظر:
COLIN ET CAPITANT VII 3E EDIT P. 35 “LA JURISPRUDENCE BELGE À DONC, TRÈS CORRECTEMENT, CROYOUS NOUS, DECIDÉ QUE, SI EN CAS D’INEXÉCUTION D’UNE OBLIGATION DE FAIRE OU DE NE PAS FAIRE LES TRIBUNAUX PEUVENT ALLOUER UNE SOMME DÉTERMINÉE PAR JOUR DE RETARD, CE N’EST QU’ À TITRE D’INDEMNITÉ À RAISON DU DOMMAGE CAUSÉ ET NON À TITRE DE PURE CONTRAINTE ET POUR ASSURER L’EXÉCUTION D’UNE SENTENCE. BRUXELLES 1ER MAIS 1909 S 1909. 4. 18.
أما في إنكلترا فتجد الأمر أقرب للقانون الألماني منه للقضاء الفرنسي، فإذا ما عُرض على المحكمة طلب تنفيذ التعهد عينًا SPECIFIC PERFORMANCE وقضى به القاضي بحكم أو بأمر INJUNCTION وتوقف المدين عن طاعة الأمر جاز الحكم بحبسه
HALSBURY LAWS OF ENGLAND V INJUNCTION SPECIFIC PERFORMANCE.
الجزاء القطعي
هل يمكن أن يقدر التعويض مقدمًا وبطريقة قطعية في جزاء يومي بالطريقة السالفة البيان بحكم ينفذ إذا ما قصر المدين عن وفاء تعهده في الأجل المحدد؟
الإجماع على جواز ذلك، فإن للمحكمة تقدير الضرر الذي يحيق بالطالب في كل يوم من الأيام إذا تأخر المدين عن الوفاء بتعهده متى كان لدى المحكمة من الأدلة ما يمكنها من تقدير الضرر الذي يحل يوميًا بالدائن في المستقبل ويكون القضاء به من التاريخ الذي تعينه المحكمة للوفاء بالتعهد (انظر جارسون الجزء الرابع صـ (66) الطبعة الثانية) فكما أن للمحكمة أن تقضي بإلزام المدين أن ينفذ تعهده في أجل معين فإن لها أن تبيح للدائن أن ينفذ التعهد على مصاريف المدين أو أن تقضي عليه أن يدفع في كل يوم تعويضًا بمقدار الضرر حتى يقوم بتعهده – انظر
LOCOSTE NO. 100 ET 101 LAURENT T 16 NO. 300 A. R. IV S299.
وقد يقع خلاف فيما إذا كان الحكم القاضي بالجزاء قطعيًا أو على سبيل التهديد وعندئذٍ يكون للقاضي حق النظر في تقدير الظروف والوقائع فيما إذا كان الحكم موضع النظر صدر على أي الاعتبارين.
COMMINATOIRE OU DIFINITIF A. R. F 4 P 16. NO. 16 5ME EDIT.
فإن كان الأول وجب عرضه على المحكمة طبقًا لما تقدم وإن كان الثاني أصبح قطعيًا واجب النفاذ لا يمكن الرجوع فيه (انظر أيضًا DALLOZ, ROP PRATIQUE V DOMMAGES – INTERETS طبعة سنة 1920 الفقرة (465)).
وقد سارت محكمة الاستئناف العليا على احترام هذه النظرية أيضًا في حكمها الصادر في 23 نوفمبر سنة 1916 نمرة (958) سنة 33 قضائية في الدعوى المرفوعة من الست زينب هانم كريمة حسن باشا الشريعي ضد أحمد باشا الشريعي وآخرين إذ قالت:
(وحيث إن الشراح والمحاكم اتفقت على أن الغرامة المحكوم بها على نوعين تهديدي أو بصفة تعويض قطعي، وأن النوع الثاني يستفاد من الحكم إذا قدرته المحكمة مساويًا للضرر الذي نتج من عدم تنفيذ الحكم في الميعاد المعين) إلى أن قالت (وحيث إن محكمة الاستئناف ترى أن المحكمة التي أصدرت الحكم بالغرامة قدرتها تقديرًا قطعيًا لا تهديديًا وفي مثل هذه الحالة لا يجوز لمحكمة أخرى أن تقدره بغير ذلك وللمستأنفة الحق في تنفيذ الحكم وبرفض الإشكال).
ومن النقط التي تستحق النظر حالة ما إذا قُضي ابتدائيًا بالجزاء يبتدئ بعد أجل معين ثم استؤنف الحكم ومضى زمن حتى انقضى هذا الأجل وحُكم بالتأييد فهل يحتسب الجزاء من تاريخ الأجل الذي قدرته المحكمة الابتدائية أو تُحتسب المدة بعد صدور الحكم الاستئنافي.
المتفق عليه أن الجزاء إذا كان تهديديًا فلا يبتدئ إلا من اليوم المحدد في الحكم النهائي القاضي بالتأييد، لأن الاستئناف مانع من تنفيذ الحكم الابتدائي، بخلاف ما إذا كان الجزاء قطعيًا بمثابة تعويض فإن الضرر الذي يقع يبتدئ في الميعاد الذي قدرته المحكمة الابتدائية انظر بلانيول جزء ثانٍ فقرة (211) وجارسون جزء (5) فقرة (954).
نصيف زكي
المحامي
اترك تعليقاً