الاستيداع
الاستيداع mise en disponibilité هو انقطاع الموظف (العامل) عن الدوام على عمله الوظيفي انقطاعاً مشروعاً، مدة محددة، بموجب صك صادر عن السلطة الإدارية المختصة، مع بقائه خاضعاً للرابطة النظامية للوظيفة العامة.
حالات الإحالة على الاستيداع أو أسبابها
يبدو أن غالبية قوانين الوظيفة العامة في دول العالم المعاصر لا تلجأ إلى تحديد أسباب الإحالة على الاستيداع أو حالاتها، بل تترك هذا الموضوع للسلطة التقديرية للإدارة المعنية التي يقع عليها عبء تقدير مصلحة سير المرافق العامة بانتظام وفاعلية، ولم يعمد المشرع السوري أيضاً إلى تحديد أسباب معينة للإحالة على الاستيداع. لكن العرف الإداري والاجتهادات القضائية نظمت هذه الحالات في النقاط التالية:
أسباب صحية: تحدد القواعد القانونية مدداً معلومة للإجازات المرضية (بمرتب أو بنصف مرتب أو بغير مرتب)، وتجب إحالة الموظف (العامل) بعدها على المعاش إذا انقضت تلك المدد قبل تمام شفائه. فيمكن في هذه الحالة أن يطلب الموظف المريض إحالته على الاستيداع بعد استنفاده للإجازات المرضية وتقرير اللجنة الطبية بأن حالته قابلة للشفاء، ويعود تقدير الموافقة أو عدمها للإدارة.
أسباب غير صحية: قد يكون للموظف (للعامل) أسباب غير صحية، كالحالات المتعلقة بالعمل داخل البلاد أو خارجها، ولكن لا يجوز للموظف الذي يبقى في البلاد في أثناء مدة الاستيداع، التوظف لدى إدارات الدولة أو المؤسسات العامة أو البلديات سواء أكان ذلك عن طريق الوكالة أم التعاقد، في حين يجوز له بالمقابل العمل في الشركات المؤممة. وفي الحالات المتعلقة بمرافقة الزوج، فاحترام العلاقة الزوجية والحفاظ على روابط الأسرة يقتضيان السماح لأحد الزوجين بمرافقة الآخر إذا رخص له بالسفر إلى الخارج. لذلك تسمح أغلب القوانين للموظف أو للموظفة بإجازة بغير مرتب لمرافقة الزوج في الخارج. وبعض هذه القوانين تجعل الأمر جوازياً للإدارة وتقصره على الزوجة من دون الزوج كما هو الشأن في القانون الكويتي. وتجعل قوانين أخرى إجازة مرافقة الزوج حقاً يجب أن تستجيب له الإدارة في جميع الأحوال من دون أن تكون لها سلطة تقديرية في ذلك، ومن دون وضع حد أقصى لها، ومن دون تفرقة بين الزوج والزوجة (المادة 69 من قانون العاملين المدنيين المصري رقم 47 لعام 1978). ومن أسباب الاستيداع غير الصحية الحالات المتعلقة برعاية الأطفال، إذ إن من واجبات الدولة كما تنص الدساتير الحديثة حماية الأمومة والطفولة.
شروط الإحالة على الاستيداع
وفقاً لنص المادة 77 من قانون الموظفين الأساسي السوري لعام 1945وتعديلاته تكون الإحالة على الاستيداع بطلب من الموظف إلى إدارته المختصة التي تنظر في الطلب، فإذا وافقت عليه يرفع إلى رئاسة مجلس الوزراء، أو إلى الجهة التي تمارس حق التعيين، وتتولى هذه الجهة إصدار صك الإحالة على الاستيداع بمرسوم أو بقرار، وذلك بحسب مرتبة الموظف طالب الاستيداع، إلا أن المرسوم التشريعي ذا الرقم 11 لعام 1986 جعل الإحالة على الاستيداع بقرار من رئيس مجلس الوزراء للفئات التي بقيت خاضعة لأحكام قانون الموظفين الأساسي. أما الخاضعون للنظام الأساسي للعاملين في الدولة الصادر بالقانون رقم 1 لعام 1985 فيمنحون إجازة خاصة بلا أجر بناء على طلب خطي. وبموجب هذا النظام تمنح الإجازة الخاصة بلا أجر بقرار من الوزير المختص إذا تجاوزت مدة الإجازة ثلاثة أشهر أو بقرار من الوزير المختص أو السلطة صاحبة الحق في التعيين، إذا لم تتجاوز مدة الإجازة ثلاثة أشهر، ويجب أن يراعى في منح المديرين الإجازات في مراكز المحافظات، سواء في القطاع الإداري أم في القطاع الاقتصادي، الحصول على موافقة المحافظ قبل إصدار كتاب منح الإجازة أو قراره.
ولا يجوز إحالة الموظف على الاستيداع لعدم قبوله الخدمة في محافظة أخرى في حال نقله إليها، ولا يمكن أن يصدر صك الاستيداع للمرة الأولى بمفعول رجعي، بل يعد صك الإحالة نافذاً من اليوم التالي لتاريخ تبليغه لصاحب العلاقة. أما صكوك تمديد الإحالة على الاستيداع فيمكن أن تُعطى مفعولاً رجعياً. وعند صدور صك الإحالة على الاستيداع معلقاً على أجل أو شرط موقف فلا يعد نافذاً قبل تحقق هذا الشرط أو الأجل الموقف، والإدارة يمكنها سحب مثل هذه الصكوك قبل صيرورتها نافذة، وتجوز إحالة الموظف الموفد على حساب الدولة على الاستيداع مع بقاء التزامه قائماً حتى إنهاء مدة الخدمة الفعلية المتفق عليها بصك الإيفاد، على أن يؤخذ تصريح من الكفيل يتضمن موافقته على ذلك. كذلك يجوز إحالة الموظف الموضوع خارج الملاك على الاستيداع متى توافرت الشروط اللازمة لذلك، وتتم الإحالة في مثل هذه الحالة من إدارة الموظف الأصلية كذلك للموظف المندب فتتم إحالته على الاستيداع من قبل إدارته الأصلية. أما إذا كان المحال على الاستيداع موظفاً متمرناً فإنه إذا زادت مدة الإحالة على الاستيداع على ثلاثة أشهر فيقتضي ذلك تسريحه بسبب عدم ثبوت الكفاية في مدة التمرين لأن من يحال على الاستيداع مدة تزيد على ثلاثة أشهر تعد وظيفته شاغرة ولا تعد مدة الاستيداع من الخدمة الفعلية التي تؤهله للتأصيل.
المركز القانوني للموظف (العامل) المحال على الاستيداع
إن حالة الاستيداع هي حالة انتقالية مؤقتة، يقصد منها منح الإدارة مدة معقولة للنظر في أمر موظف ألمت به أحوال خاصة. ومن ثم فإن وضع الموظف في أثناء مدة الانتقال هذه يتحدد في ضوء الأمور التالية:
ـ مدة الاستيداع، وفقاً للمادة /77/ من قانون الموظفين الأساسي السوري تكون مدة الاستيداع سنة واحدة قابلة للتجديد حتى خمس سنوات، وليس على الموظف المحال على الاستيداع مدة سنة، أن يقدم طلباً إلى الإدارة لتمديد استيداعه، وإن عدم تقدمه بطلب إلى دائرته للعودة إلى الوظيفة بعد انتهاء استيداعه الأول قرينة كافية لتأييد طلبه الأول بالاستمرار على الاستيداع سنة أخرى، وهكذا حتى خمس سنوات.
أما النظام الأساسي للعاملين في الدولة فقد قضت المادة /57/ فقرة /أ/ منه، بأن مدة الإجازة الخاصة بلا أجر، تحدد في الصك الصادر بمنحها على ألا تزيد مدتها، منفردة أو مجتمعة، على أربع سنوات طوال مدة خدمة العامل. وهذا النص يسد ثغرة كانت في قانون الموظفين الذي لم يكن يتضمن نصاً مماثلاً، مما لم يكن يمنع من تكرار طلب الاستيداع خمس سنوات أخرى بعد عودة الموظف إلى عمله في أعقاب انتهاء مدة الاستيداع الأولى.
وواضح أن تمديد الإجازة الخاصة بلا أجر، يوجب التقدم بطلب إلى الجهة العامة المختصة، ولا مجال للتمديد التلقائي، كما هو الحال في قانون الموظفين الأساسي لأن المادة /60/ من نظام العاملين لا تجيز التغيب إلا بإجازة أصولية.
وانسجاماً مع قصد الإلغاء الضمني لمصطلح الاستيداع والاستعاضة عنه بمصطلح «الإجازة بلا أجر»، فقد نصت المادة 160 من النظام الأساسي للعاملين أن مدة الاستيداع الممنوحة قبل نفاذه، تدخل في حساب المدة القصوى للإجازات الخاصة بلا أجر المنصوص عنها في الفقرة /أ/ من المادة /57/ من هذا النظام.
ـ الوضع الوظيفي: تعد الوظيفة التي كان يشغلها الموظف المحال على الاستيداع شاغرة بعد مرور ثلاثة أشهر على بدء الاستيداع.
ـ الراتب: يوقف راتب الموظف المحال على الاستيداع طوال مدة الاستيداع بدءاً من اليوم التالي لتاريخ تبليغه صك الإحالة على الاستيداع. ويقصد بالراتب هنا الراتب الأصلي وسائر التعويضات والمكافآت والمزايا الوظيفية. أما في النظام الأساسي للعاملين في الدولة فالأمر مفهوم حكماً من استعمال تعبير «بلا أجر» في وصف الإجازة الخاصة، في القسم السادس من هذا النظام.
ـ حساب الخدمة: تسقط مدة الاستيداع من حساب خدمات الموظف الفعلية ولا تدخل في حساب معاش التقاعد وذلك خلافاً للموظف الموضوع خارج الملاك، وهذا لا ينطبق على حالة الموظفة المحالة على الاستيداع للالتحاق بزوجها الموظف في البعثات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية، إذ تعامل معاملة المعار فتعد مدة استيداعها من الخدمات الفعلية التي تدخل في حساب المعاش على أن يؤدى عنها العائدات التقاعدية. ويتضمن نظام العاملين نصاً مماثلاً فإذا تجاوزت مدة الإجازة بلا أجر ـ منفردة أو مجتمعة ـ ثلاثة شهور فلا تدخل حينئذ في حساب الخدمة.
ـ يفقد الموظف المحال على الاستيداع حقه في التدرج أو الترقية طوال مدة الاستيداع وذلك خلافاً للموظف الموضوع خارج الملاك الذي يحتفظ بحقوقه في التدرج أو الترقية. غير أن هذا الوضع لا ينطبق أيضاً على الموظفة زوجة الموظف في وزارة الخارجية المحالة على الاستيداع للالتحاق بزوجها في البعثة الخارجية إذ تعد مدة الاستيداع من الخدمة الفعلية المؤهلة للترفيع.
ـ الوضع القانوني: يبقى الموظف المحال على الاستيداع طوال مدة الاستيداع مقيداً بكل المحظورات المنصوص عليها في المادة 23 من قانون الموظفين الأساسي.
انتهاء حالة الاستيداع
يعد وضع الموظف طوال مدة الاستيداع غير مستقر، فهو يمر في هذه المدة بمرحلة انتقالية بين مرحلة العلاقة الوظيفية المكتملة، وبين مرحلة انفصام هذه العلاقة وانقضائها.
واكتمال هذه العلاقة من جديد يتم بإعادة الموظف إلى الخدمة في وظيفته أو في وظيفة أخرى، من نوع وظيفته ودرجتها في أي جهة عامة.
أما انفصام هذه العلاقة فيتم متى رفض الموظف العودة إلى وظيفته السابقة أو الوظيفة التي تحددها له الجهة العامة. ففي هذه الحالة يعد مستقيلاً وتنقضي هذه العلاقة أيضاً إذا انتهت مدة الاستيداع من دون أن يعاد الموظف إلى الخدمة إذ تعد خدمته بعد هذه المدة منتهية بحكم القانون. وفي هذه الحالة يعامل الموظف من حيث التقاعد معاملة الموظف الذي تنتهي خدمته لبلوغ سن التقاعد الإجباري.
ويمكن إجمال موضوع إعادة الموظف المحال على الاستيداع إلى الخدمة بالحالات التالية:
ـ أن يطلب الموظف المحال على الاستيداع العودة إلى الوظيفة عند انتهاء مدة الاستيداع، وعند ذلك يعاد إلى وظيفته. وهذا مفاده أن الإعادة إلى الوظيفة عند انتهاء مدة الاستيداع تتوقف على طلب الموظف، وموافقة الإدارة الصريحة أو الضمنية المتمثلة بصدور صك الإعادة. كما يجوز إعادة الموظف المحال على الاستيداع إلى الوظيفة بناء على طلبه، قبل انتهاء مدة الاستيداع إذا وافقت الإدارة على طلبه.
ـ ألا يطلب الموظف العودة إلى وظيفته، وعند ذلك يمدد الاستيداع مدة تعادل مدة الاستيداع الأصلية حتى نهاية المدة القصوى للاستيداع.
ـ أن يستدعى الموظف عند انتهاء مدة الاستيداع، من قبل الإدارة المختصة بناء على مقتضيات المصلحة العامة، فإن رفض الاستجابة من دون عذر مشروع، عدّ عند ذلك بحكم المستقيل.
ـ أن يستدعى الموظف عند انتهاء مدة الاستيداع، من قبل الإدارة المختصة، فإن استجاب لذلك يعاد إلى وظيفته أو إلى وظيفة معادلة.
ـ أن يطلب الموظف، عند انتهاء مدة الاستيداع، إعادته إلى وظيفته أو وظيفة معادلة لوظيفته في ملاكه السابق، لأن إعادة الموظف إلى وظيفة معادلة لوظيفته حق له، فإذا لم يوجد شاغر في مرتبته ودرجته يخير بقبول وظيفة أدنى مع الاحتفاظ بحقه في التعيين في أول وظيفة تشغر في مرتبته ودرجته، أما في حال الرفض فيمدد استيداعه، وإذا استمر هذا الوضع من سنة إلى أخرى حتى انقضاء خمس سنوات وهي المدة القصوى للاستيداع، يحق للموظف أن يطلب تسريحه وتصفية حقوقه وفقاً لأحكام قانون التقاعد.
وفي كل الأحوال التي يعاد فيها الموظف المحال على الاستيداع مدة تزيد على ثلاثة أشهر إلى الخدمة يخضع لشروط التوظيف المنصوصة في القانون عدا شروط الشهادة والمسابقة والتمرين، أما المحال على الاستيداع مدة تقل عن ثلاثة أشهر فلا يخضع لهذه الشروط عند رجوعه لأن القانون أوجب على الإدارة إبقاء وظيفته شاغرة في المدة المذكورة.
وقد عالج النظام الأساسي للعاملين قضية إعادة الموظف إلى الخدمة بتنظيم أحكام انتهاء الإجازات الخاصة بلا أجر في حالتين تحدثان في التطبيق عادة.
ـ الحالة الأولى مستحدثة ولا يوجد نص مشابه لها في قانون الموظفين وهي: إذا طلب العامل إعادته قبل انتهاء مدة الإجازة، فيجوز بناء على طلبه الخطي إعادته إلى عمله قبل انتهاء مدة الإجازة الخاصة بلا أجر إذا وافقت الجهة العامة على ذلك، وفي هذه الحالة لا يجوز مباشرته للعمل إلا بعد صدور صك الإعادة من السلطة التي صدر عنها صك منح الإجازة الخاصة بلا أجر.
ـ الحالة الثانية: وتقضي أن «يعاد العامل المجاز إجازة خاصة بلا أجر إلى وظيفته السابقة، إن كانت ما تزال شاغرة، وإلا فيعاد إلى وظيفة أخرى يحددها الوزير المختص تماثل فئته، وتتناسب ومؤهلاته الوظيفية، وتتوافر فيه شروط شغلها مع احتفاظه بأجره الذي بلغه».
ويتضح هنا أن النظام الأساسي للعاملين في الدولة انسجاماً مع الإلغاء الضمني لمسألة الاستيداع والاستعاضة عنها بالإجازة الخاصة بلا أجر، قد ألغى الكثير من أحكام الاستيداع التي كان ينظمها قانون الموظفين الأساسي، فعلى العامل الممنوح إجازة خاصة بلا أجر أن يعود إلى وظيفته فور انتهاء إجازته الخاصة، فلا تمديد تلقائياً للإجازة الخاصة، ولا استدعاء عند انتهاء الإجازة، ولا تخيير له إذا لم يوجد شاغر، بل يعاد إلى وظيفة أخرى تماثل فئته، والذي لا يعود إلى عمله بعد انقضاء مدة إجازته يفقد حقه في الأجر عن مدة غيابه غير الأصولي، فضلاً عن العقوبات المقررة في القوانين النافذة. وكأن النظام الأساسي للعاملين في الدولة قد أحدث تغييرات جذرية في نظام الاستيداع، فلم يعده حالة من حالات انتهاء الخدمة كما هو وارد في قانون الموظفين الأساسي، بل عدّه نوعاً من أنواع الإجازات المختلفة.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً