بحث قانوني هام عن شروط إفتتاح الدعوي أمام المحكمة الإدارية
مقدمة
ظهر نظام الدولة الحديثة و حل محل نظامي القوة و التحكيم في حل النزاعات بين الأفراد وذلك من خلال ظهور مرفق القضاء و بروز دور القاضي.
و مع ظهور هذا النظام منعت الدولة على مواطنيها و رعاياها اقتضاء حقوقهم بأنفسهم حالة حصول اعتداءات على أي حق من حقوقهم، بل منحت لهم وسيلة قانونية للحصول على حماية حقوقهم و هذه الوسيلة القانونية تعرف بالدعوى القضائية .
تقسم الدعوى القضائية إلى عدة أنواع: فقد تكون عمومية، و قد تكون مدنية و قد تكون إدارية، وما يهمنا في هذا المقام هي الدعوى الإدارية.
نكون بصدد دعوى إدارية كلما كانت الإدارة العامة أو هيئات أخرى تضطلع بمهام تسيير مرفق عام طرفا في النزاع و هذا تطبيقا للمعيار العضوي الذي تبناه المشرع الجزائري في نظرية الاختصاص القضائي النوعي من خلال نص المادة 07 من ق/ا/م.
و تعرف الدعوى الإدارية على أنها: ” وسيلة وضعت بين يدي صاحب المصلحة باللجوء إلى السلطة القضائية لحماية حقه ” .
و كباقي أنواع الدعاوي القضائية تتشكل الدعوى الإدارية من شقان : شق شكلي و آخر موضوعي، ولكي يتسنى للقاضي الإداري التطرق للدعوى الإدارية في جانبها الموضوعي والتأكد من مدى وقوع اعتداء من عدمه على الحق الموضوعي، و النظر في إمكانية منح الحماية القضائية لهذا الحق (إن وقع اعتداء عليه) ،يجب عليه دراسة هذه الدعوى في شقها الشكلي أولا.
الشق الشكلي هذا ينقسم إلى شروط إجرائية و التي يترتب على مخالفتها القضاء ببطلان الإجراءات ، وشروط القبول و التي يترتب على مخالفتها القضاء بعدم قبول الدعوى، و هذا ما يهمنا في دراستنا الحالية .
و ما يزيد أهمية لهذا الموضوع هو صدور القانون 08/09 المؤرخ في 25/02/2008 المتضمن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و الذي على عكس قانون الإجراءات المدنية السابق خصص للإجراءات الإدارية كتابا كاملا و هو الكتاب الرابع من هذا القانون ، و أورد أحكاما خاصة بالدعوى الدعوى الإدارية و لاسيما شروط قبولها .
و بهذا، تظهر أهمية هذا الموضوع باعتبار القانون الجديد يتناول أحكاما جديدة تخص الدعوى القضائية بصفة عامة و الدعوى الإدارية بصفة خاصة، و هذا ما يجبرنا و كقضاة التطرق لهذه الأحكام الجديدة و ذلك فيما يخص شروط قبول الدعوى الإدارية في ظل هذه التعديلات الجديدة.
و على ذلك فهذه الدراسة تثير إشكالية أساسية تتعلق بشروط قبول الدعوى الإدارية في ظل القانون الإجرائي الجديد ؟ و جزاء مخالفة هذه الشروط ؟ و مدى تعلق هذه الشروط بالنظام العام من عدمها ؟
و تماشيا مع أهمية الموضوع و المنهجية المعتمدة لمعالجته فإن الدراسة تتناول شروط قبول الدعوى الإدارية من زاويتين:
الأولى: تتعلق بالشروط العامة لقبول الدعوى بشكل عام و المشتركة بين الدعوى الإدارية والمدنية ( الفصل الأول )، و ذلك بالتطرق للشروط الخاصة بالعريضة (المبحث الأول)، و الشروط الخاصة برافع الدعوى (المبحث الثاني ).
أما الزاوية الثانية فتتعلق بالشروط الخاصة بالدعوى الإدارية ( الفصل الثاني )، و ذلك بالتطرق لشرط التظلم الإداري المسبق ( المبحث الأول )، و شرط الميعاد ( المبحث الثاني )، و أخيرا التطرق لشروط خاصة ببعض العرائض ( المبحث الثالث ).
و بناءا على ذلك، سنعالج الموضوع من خلال الخطة التالية:
الفصل الأول: الشروط العامة.
المبحث الأول: الشروط الخاصة بالعريضة.
المطلب الأول: أن تكون العريضة مكتوبة.
المطلب الثاني : وجوب توقيع العريضة من طرف محام.
المبحث الثاني: الشروط الخاصة برافع الدعوى.
المطلب الأول : المصلحة .
الفرع الأول: الأحكام العامة للمصلحة.
الفرع الثاني: مدى تعلق شرط المصلحة بالنظام العام.
المطلب الثاني: الصفة.
الفرع الأول: الأحكام العامة للصفة.
الفرع الثاني: الصفة في الدعوى دفاعا عن المصلحة الجماعية و العامة.
الفصل الثاني: الشروط الخاصة.
المبحث الأول: شرط التظلم الإداري المسبق.
المطلب الأول: الأحكام العامة لشرط التظلم الإداري المسبق.
الفرع الأول: مدلول التظلم الإداري المسبق.
الفرع الثاني: أنواعه.
المطلب الثاني: ميعاد التظلم الإداري المسبق و جزاء مخالفته.
الفرع الأول: ميعاد التظلم الإداري المسبق.
الفرع الثاني: جزاء مخالفته.
المبحث الثاني: شرط الميعاد.
المطلب الأول: تحديد الميعاد و بدء سريانه.
الفرع الأول: تحديد الميعاد.
الفرع الثاني: بدء سريان الميعاد.
المطلب الثاني: انقطاع الميعاد و انتهائه.
الفرع الأول: انقطاع الميعاد.
الفرع الثاني: انتهاء الميعاد.
المبحث الثالث : شروط خاصة ببعض العرائض .
المطلب الأول: ذمغ عريضة الدعوى الجبائية.
المطلب الثاني: شهر عريضة الدعوى الإدارية المنصبة على حقوق عقارية.
المطلب الثالث: أن تكون العريضة الافتتاحية مرفوقة بالقرار المطعون فيه .
الخـــــاتمة
————-
الفصل الأول: الشــروط العامة
و هي شروط عامة، تتعلق بجميع الدعاوى سواء كانت إدارية أو مدنية.
تتمثل هذه الشروط في شروط خاصة بالعريضة (المبحث الأول)، و شروط خاصة برافع الدعوى (المبحث الثاني).
نتطرق لهذين المبحثين على النحو الموالي.
المبحث الأول: الشروط الخاصة بالعريضة
نتناول في هذا المبحث مطلبين، الأول خاص بضرورة كتابة العريضة، و الثاني خاص بضرورة توقيع العريضة من طرف محام.
المطلب الأول: أن تكون العريضة مكتوبة
تمتاز إجراءات الدعوى الإدارية بعدة خصائص، و لعل أهمها خاصية الكتابة 1.
و أول تطبيق لهذه الخاصية هي العريضة و ضرورة كتابتها ، فنصت المادة 815 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على ضرورة رفع الدعوى أمام المحكمة الإدارية بعريضة مكتوبة ، و نصت المادة 904 من ق/ا/م/ا على تطبيق نفس الأحكام المتبعة أمام المحكمة الإدارية بخصوص عريضة افتتاح الدعوى أمام مجلس الدولة .
هذا بالإضافة إلى ضرورة تحرير العريضة باللغة العربية، و ذلك تحت طائلة عدم القبول و هذا ما نصت عليه المادة 08 من ق/ا/م/ا.
أما فيما يخص الشكليات العامة، المتعلقة بعريضة افتتاح الدعوى فقد أحالتنا المادة 816 من ق /إ/م/إ على الأحكام العامة المتعلقة برفع الدعاوى أمام المحاكم العادية، وهي الشكليات المنصوص عليها في المادة 15 من ذات القانون.
و تتمثل هذه الشروط الشكلية فيما يلي:
-الجهة القضائية التي ترفع أمامها الدعوى.
– اسم و لقب المدعى و موطنه.
– اسم و لقب و موطن المدعى عليه، فإن لم يكن له موطن معلوم، فآخر موطن له.
– الإشارة إلى تسمية و طبيعة الشخص المعنوي، و مقره الاجتماعي، و صفة ممثله القانوني أو الإتفاقي .
– عرضا موجزا للوقائع و الطلبات و الوسائل التي تؤسس عليها الدعوى.
– الإشارة، عند الاقتضاء إلى المستندات و الوثائق المؤيدة للدعوى.
إن عدم توافر شكلية من الشكليات المنصوص عليها في المادة 15 من ق/إ/م/إ يكون جزاؤه عدم قبول الدعوى شكلا 1.
و بالتالي، فعدم تقديم المدعي للغرفة الإدارية أي جدول تحصيل يخص الضرائب المتنازع عليها ، و عليه تكون هذه الدعوى قد خالفت نص المادتين 12 و 13 2 من ق/إ/م التي تنص على وجوب ذكر ملخص للوقائع ، و توضيح الطلبات و تقديم المستندات لتدعيم الطلب مما يتعين عدم قبول الدعوى شكلا 3.
كما أنه و لما كان الدين مطالب به يجب أن يقابله سند طلب شراء، و هذا ما لم تقدمه الشركة المدعية، مما يتعين معه رفض دعواها شكلا 4 لعدم تقديم السندات 5.
و تجدر الإشارة إلى ضرورة تقديم جل الوثائق و المستندات باللغة العربية،الرسمية و الوطنية، و إن لم تكن كذلك يجب أن تكون مصحوبة بترجمة رسمية إلى اللغة العربية، و ذلك تحت طائلة عدم القبول حسب مقتضيات و أحكام المادة 08 من ق/ا/م/ا.
كما قضت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بتاريخ 12/01/1985 بشأن عريضة افتتاحية مرفوعة أمام الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي مقتصرة على ما جاء في التظلم الإداري المسبق،الذي رفع قبلها إلى الإدارة المطعون ضدها بعدم قبول الدعوى كون العريضة جاءت خالية من العرض الموجز للوقائع من الوسائل و هذا يعارض المادة 169 من ق/إ/م السابق 1 .
إن غالبية بيانات العريضة ليست من النظام العام إذ يجوز تصحيحها لاحقا ، و ذلك كون هذه البيانات لا تتعلق بأسس النظام القضائي و المصلحة العامة بل شرعت لمصلحة الخصوم بمعنى أن إغفال ذكر مهنة أحد الخصوم بمعنى أن المقال ذكر مهنة أحد الخصوم مثلا لا يؤدي إلى عدم قبول العريضة إلا إذا أثاره الخصم و لم يتم تصحيحه أما إذا تنازل عنه الخصم الذي شرع هذا الإجراء لمصلحته فان الدعوى تبقى مقبولة 2 .
خلاصة القول لا يجوز للقاضي إثارة عدم قانونية العريضة من تلقاء نفسه و هذا حسب رأي جانب من الفقه و القضاء 3 .
المطلب الثاني: و جوب توقيع العريضة من طرف محام .
إن وجوب تمثيل الأشخاص بواسطة محام أمام جهات القضاء الإداري كان معمول به إلى غاية سنة 1969، إذ كانت المادة 474 من ق/ا/م تنص على بقاء الأوضاع الموروثة عن المحاكم الإدارية سارية المفعول، و على اثر تعديل 1969 أصبح الأطراف مخيرين بين التقاضي بأنفسهم أو توكيل محام ينوب عنهم (المادة 169 مكرر1/ق/إ/م السابق).
غير أن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد يشترط اليوم ضرورة توكيل محامي ، إذ اشترط توقيع العريضة من طرف محام و ذلك أمام المحكمة الإدارية
حسب ما نصت عليه المادة 815 من ق/إ/م/إ1 .
هذه المادة تحيلنا إلى نص المادة 827 من ذات القانون، وهذه المادة الأخيرة مفادها إعفاء الدولة و الأشخاص المعنوية المذكورة في المادة 800 من هذا القانون من ضرورة تمثيلها بواسطة محام أمام القضاء.
هذه الأشخاص هي: الولاية، البلدية و المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية.
و تضيف المادة 826 من ق/إ/م/إ و تؤكد على هذا الشرط، من خلال نصها على ما يلي: ” تمثيل الخصوم بمحام و جوبي أمام المحكمة الإدارية ، تحت طائلة عدم قبول العريضة
إن العلة من اشتراط ضرورة التمثيل أمام المحكمة الإدارية بواسطة محام راجع لخصوصية المنازعة الإدارية، و تشعبها، وعدم تقنين نصوص القانون الإداري مما يؤدي إلى جهل غالبية المتقاضين لقواعده و من ثم تصبح خدمات المحامين شبه حتمية و تزداد الحاجة للاستعانة بأهل الخبرة.
أما العرائض، الطعون و مذكرات الخصوم التي تقدم إلى مجلس الدولة بصفته إما أول و آخر درجة أو قاضي استئناف، فالمادة 905 من ق/إ/م/إ تلزم الأطراف أن يكون التمثيل أمام مجلس الدولة بواسطة محام معتمد لدى مجلس الدولة 2 ، مع النص على نفس الاستثناء المنصوص عليه في المادة 827 و الذي ينص على إعفاء الدولة، الولاية، البلدية و المؤسسات الإدارية ذات الصبغة الإدارية من ضرورة تمثيلها بواسطة محام أمام القضاء.
إن جزاء مخالفة هذه القاعدة الإجرائية والتي تجبر المتقاضي للاستعانة بمحامين يمثلوهم أمام القضاء الإداري هي عدم قبول الدعوى شكلا طبقا لنص للمادتين 826 و 905 من ق/ا/م/ا.
إن الغاية من الاستثناء المقرر بموجب نص المادة 827 من ق/إ/م/إ، هو توافر الأشخاص المنصوص عليهم في المادة 800 من هذا القانون على إطارات قانونية قادرة على التقاضي مباشرة دون اللجوء إلى خدمات محامين1.
و تطبيقا لذلك، قضى مجلس الدولة في قرار أصدره في 16/03/2004: ” بعدم قبول عريضة الاستئناف لمخالفتها المادة 239 ق/إ/م السابق2 كون مدير البريد و المواصلات لولاية قسنطينة ذكر صفته في العريضة على النحو الذي سبق ذكره ووقع العريضة بنفس الصفة دون الإشارة إلى انه يتقاضى باسم وزير البريد و المواصلات و يمثله في قضية الحال ، لان ذكر مدير البريد و المواصلات لولاية قسنطينة وحدها على عريضة الاستئناف غير كافية لإعطائها مركز الدولة و عليه يصبح توكيل محام وجوبي.”3
أخيرا و دائما في ما يخص بيانات العريضة الضرورية لقبول الدعوى الإدارية و جزاء مخالفتها نصت المادة 848 من ق.ا.م.ا على انه عندما تكون العريضة مشوبة بعيب يرتب عدم القبول،و تكون قابلة للتصحيح بعد فوات اجل الأربعة أشهر المنصوص عليه في المادة 829 من ذات القانون، فلا يجوز للمحكمة الإدارية أن ترفض هذه الطلبات و إثارة عدم القبول التلقائي إلا بعد دعوة المعنيين إلى تصحيحها.
و يشار في أمر التصحيح إلى انه في حالة عدم القيام بهذا الإجراء، يمكن رفض الطلبات بعد انقضاء الأجل المحدد الذي لا يقل عن خمسة عشر(15 ) يوما، باستثناء حالة الاستعجال.
إن الطلبات المراد الحديث عنها في هذا الصدد هي طلبات التصحيح و تدارك البيانات المنسية و الضرورية لقبول الدعوى.
المبحث الثاني: الشروط الخاصة برافع الدعوى
تنص المادة 13 من ق/إ/م/إ في فقرتها الأولى قائلة: ” لا يجوز لأي شخص التقاضي ما لم تكن له صفة، و له مصلحة قائمة أو محتملة يقرها القانون. ”
لقد حصرت المادة السالفة الذكر شروط قبول الدعوى بشكل عام سواء كانت مدنية أو إدارية و الخاصة بشخص الطاعن، أي رافعها في شرطين أساسيين وهما: المصلحة (المطلب الأول)، و الصفة (المطلب الثاني).
نتطرق لهذه الشروط على النحو الموالي:
المطلب الأول: المصلحة: ” l’intérêt “
نتطرق لأحكامها العامة في الفرع أول، و نعرج في الفرع الثاني على مدى تعلق شرط المصلحة بالنظام العام.
الفرع الأول: الأحكام العامة للمصلحة
و المقصود بالأحكام العامة للمصلحة التطرق لمدلولها و خصائصها.
أولا: مدلولها:
يجب أن تتوافر المصلحة في الدعوى لكي تكون مقبولة أمام القضاء1 .
و يقصد بالمصلحة في الدعوى الفائدة، أو المنفعة التي يسعى المدعي لتحقيقها جراء الحكم له بما يطلبه 2 . و تبعا لذلك لا يجوز الاتجاه إلى القضاء عبثا دون تحقيق أية منفعة سواء كانت منفعة مادية أو أدبية، على اعتبار أن مرفق القضاء مرفق عام يهدف إلى إشباع حاجيات الناس بالحماية القضائية 3.
فإذا اتضح أن الغرض من الدعوى مجرد كيدا، أو أنها لا تعود على رافع الدعوى بأية فائدة أوجب على القاضي الإداري الحكم بعدم قبولها شكلا لانتفاء المصلحة.
كما تعرف المصلحة بأنها: ” الفائدة العملية المشروعة التي يراد تحقيقها باللجوء إلى القضاء “1 .
و يقصد بفائدة: أنه لا يجوز اللجوء عبثا إلى مرفق القضاء دون تحقيق منفعة ما. ومعنى العملية: استبعاد المسائل النظرية، التي لا تصلح أن تكون محل لدعوى قضائية، فليس دور القضاء ترجيح رأي على رأي أخر أو الإفتاء.
و معنى مشروعة: أن لا تكون مخالفة للنظام العام و الآداب العامة، و نعود فيما بعد لتفصيل هذه النقطة.
و المصلحة ليست شرط لقبول الدعوى فحسب، بل هي شرط لقبول أي طلب، دفع، طعن، أو أي إجراء من إجراءات الخصومة القضائية 2 .
ثانيا: خصائصها:
إن المصلحة التي هي مناط أية دعوى قضائية، لا بد أن تتوافر فيها بعض الأوصاف لكي تكون الدعوى مقبولة أمام القضاء الإداري.
تتمثل هذه الأوصاف في أن تكون هذه المصلحة: قانونية، قائمة أو محتملة.3
أ- المصلحة التي يقرها القانون ( القانونية، المشروعة)
تنقسم المصالح (مصالح الناس) إلى نوعين: مصالح قانونية، أي مصالح يقرها القانون، و أخرى غير قانونية أي مصالح لا يقرها القانون.
فالمصالح القانونية، هي تلك المصالح التي يعترف بها القانون و يحميها لذاتها 4 .
فقد تكون هذه المصالح لا يقرها القانون ابتدءا كالفوائد الربوية مثلا.
و قد تكون مصالح يسحب منها القانون في مرحلة ما الحماية كالتقادم المسقط مثلا، والطعن الذي يكون خارج الأجل القانوني، ففي هذان المثالان المصلحة كانت محمية من طرف القانون، غير انه بمرور مدة زمنية ما أو اجل قانوني معين سحب القانون
الحماية القانونية التي كانت تتمتع بها.
و بالتالي فالمصلحة المشروعة اللازمة لقبول الدعوى المدنية، هي المصلحة القانونية و التي يجب أن تسند إلى حق، أو مركز قانوني يتذرع به رافعها 1.
و بعبارة أخرى مركز يحميه القانون 2.
و عليه لا تقبل الدعوى التي يكون موضوعها إلزام شخص بدفع دين قمار لان القانون لا يحمي القمار3.
و قضي كذلك، بعدم قبول الدعوى المرفوعة من تاجر تنافسه شركة تجارية ليس هو عضوا فيها بقصد إبطال هذه الشركة من جراء عيب في تأسيسها، و ذلك لان المصلحة التي يتمسك بها التاجر ليست مصلحة قانونية بحتة بل هي مجرد مصلحة
اقتصادية 4.
أما المصلحة اللازمة لقبول الدعوى الإدارية، فتختلف في مفهومها من دعوى التعويض إلى دعوى الإلغاء.
فالقاعدة العامة هي أن تكون المصلحة قانونية، أي يقرها و يحميها القانون، غير أن هناك فوارق بين دعوى التعويض و دعوى الإلغاء.
ففي دعوى التعويض، يتمسك القضاء الإداري بالمفهوم الضيق للمصلحة الذي تطرقنا له في الدعوى المدنية، و ذلك بسبب تشابه الدعوى المدنية و دعوى التعويض في كون كل منهما تقوم على المطالبة بحق شخصي5.
أما في دعوى الإلغاء، فيكفي أن تكون للطاعن مجرد منفعة اقتصادية لقبول دعواه، وبالتالي فالقضاء الإداري يكون قد توسع في مفهوم المصلحة عندما نكون بصدد دعوى إلغاء، على عكس التفسير الضيق التي أسلفنا بذكره بخصوص دعوى القضاء الكامل، و مثال ذلك فصــدور قرار إداري ينقل سوق من مكان إلى آخر يرتب مصلحة لتجار المنطقة التي كان بها السوق لحرمانهم من مزايا اقتصادية1 .
ب- المصلحة القائمة أو المصلحة المحتملة
الأصل و كقاعدة يجب أن تكون المصلحة المبررة لقبول الدعوى قائمة أي مؤكدة، وليست مجرد احتمال 2 .
فالفرد يلجأ إلى القضاء طالبا الحماية القضائية، نتيجة وقوع اعتداء على حقه، أو مركزه القانوني، الأمر الذي يحرمه من مزايا و المنافع التي كان يتمتع بها قبل وقوع هذا الاعتداء، مما يلحق به ضررا حالا و أكيدا و هذا ما يقصد بمدلول المصلحة القائمة المؤكدة الغير احتمالية و لا المستقبلية 3.
إن مصلحة المدعي تتحقق بإزالة هذا الاعتداء و إصلاح الضرر المترتب عنه.
غير أنه أحيانا توجد مصلحة محتملة للطاعن ينبغي حمايتها من وراء رفع الدعوى.4 فهل تجب حماية المصلحة المحتملة في مجال الدعوى الإدارية ؟
يشترط القانون في الدعاوى المدنية العادية مصلحة قائمة، غير انه يعترف بالمصلحة
المحتملة في أحوال استثنائية ، و ذلك لدفع ضرر محدق كدعوى وقف الأعمال الجديدة 1، أو إلاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه، و هذا ما يعرف بدعاوى حفظ الدليل المنصوص عليها في المادة 187 من ق /ا / م.
و إذا كان الأمر كذلك في الدعاوى المدنية العادية فانه يعتد أيضا بالمصلحة المحتملة في الدعاوى الإدارية، كون نص المادة 13 من ق/إ/م إ لم تخص بالذكر الدعوى المدنية دون الدعوى الإدارية بل جاءت عامة ، و زيادة على ذلك و قد سبق لنا وأن قلنا أن القضاء الإداري في مجال دعوى الإلغاء قد توسع في مفهوم المصلحة كون دعوى الإلغاء لا يشترط فيها أن تستند المصلحة على حق من الحقوق .
و بالتالي تتوافر مصلحة محتملة لكل من تتوفر فيه شروط تطبيق القرار اللائحي عليه على أساس احتمال وقوع الضرر من جراء احتمال تطبيقه عليه في المستقبل 2.
الفرع الثاني: مدى تعلق شرط المصلحة بالنظام العام
نص المشرع الجزائري في المادة 13 من ق/إ/م/إ على حق المحكمة أن تقضي تلقائيا بعدم القبول لانتقاء الصفة أو انعدام الإذن المقرر قانونا ، لكن نجده قد سكت عن أحكام الدفع لانتفاء المصلحة ، فهل يفهم من وراء ذلك و من خلال نصه على أحكام عدم القبول لانتقاء الصفة و انعدام الإذن، و حسب مفهوم المخالفة أن الدفع بانتقاء المصلحة لا يتعلق بالنظام العام؟
– إن سكوت المشرع عن عدم تحديد طبيعة الدفع بعدم القبول لانتقاء المصلحة لا يعني أن هذا الدفع لا يتعلق بالنظام العام بل، ذلك يعود إلى طبيعته الخاصة، فهو
في بعض الأحيان يتفق مع الدفوع الموضوعية و يختلف عن الشكلية، و أحيانا أخرى يتفق مع الدفوع الشكلية و يختلف عن الموضوعية، و أحيانا أخرى يختلف عن كل منهما و يأخذ مركزا مستقلا عنهما، و عليه فلا يمكن إخضاع هذا الدفع إلى حكم واحد1.
و في هذا الصدد، يجب التمييز بين الدفع بعدم القبول لانتقاء المصلحة، و الدفع بعدم القبول لعدم قانونية المصلحة.
فالدفع الأول، يتعلق دائما بالنظام العام، و يرجع ذلك لدواعي السير الحسن لمرفق العدالة و القضاء و مدى تعلق هذا السير الحسن بالنظام العام.
أما الدفع الثاني، فيجب التمييز بين ما إذا كان الدفع قد نشأ عن تخلف شرط من شروط الحماية القانونية، فهو دفع يتعلق بالنظام العام في كل الأحوال ، أما إذا كان ناشئ عن تخلف شرط من الشروط الحماية القضائية، فهو دفع قد يتعلق بالنظام العام و قد لا يتعلق به حسب الأحوال .
بالإضافة إلى المصلحة، لا بد أن يتوفر شرط الصفة في رافع الدعوى و هذا ما سنتطرق له من خلال المطلب الثاني.
المطلب الثاني: الصفة “la qualité”
نتطرق لهذا المطلب من خلال تناول الأحكام العامة للصفة (الفرع الأول)، والتطرق أيضا للصفة في الدعوى دفاعا عن المصلحة الجماعية و العامة (الفرع الثاني).
الفرع الأول: الأحكام العامة للصفة
المقصود بأحكامها العامة تبيان مدلولها و أنواعها.
أولا:مدلولها:
تعرف الصفة على أنها العلاقة القانونية التي تربط شخص معين من جهة، و الحق أو المركز القانوني من جهة أخرى 2.
و بصفة عامة تثبت الصفة بمجرد إثبات الحق و حصول الاعتداء عليه، فيكون لصاحب الحق المعتدى عليه صفة في مقاضاة المعتدي1.
و من هذا المنطلق، و طبقا لنص المادة 13 من ق / إ / م / إ إذا انتقت الصفة في رافع الدعوى حكم القاضي بعدم قبول الدعوى، و في هذا الاتجاه قضى مجلس قضاء المدية بتاريخ 15/04/2008 بما يلي: ” حيث أنه بالرجوع إلى ملف الدعوى فان المدعيان لم يقدمان ما يثبت صفتهم في التقاضي و ما هي علاقتهم بصاحب الحق …………………… حيث أن المدعيان لم يقدمان فريضة شرعية لإثبات صفتهم في التقاضي…………… حيث أن المجلس يرى عدم قبول الدعوى مشكلا لانعدام الصفة طبقا للمادة 459 2 ق / إ / م. ” 3
وتجدر الملاحظة إلى أن بعض الفقهاء، يعتبرون شرط الصفة كخاصية من خصائص المصلحة، و هي خاصية أن تكون المصلحة شخصية و مباشرة، و المقصود بها أن يكون رافع الدعوى هو نفسه صاحب الحق (المصلحة) التي اعتدى عليه هذا بالنسبة للمدعي ، أما بالنسبة للمدعى عليه فيجب أن يكون هو الشخص الذي يوجد الشخص في مواجهته4 .
ثانيا: أنواعها:
قد تكون الصفة عادية، كما سبق و أن تطرقنا لها قبل حين، كما أنها فد تكون استثنائية، أو إجرائية.
أ – الصفة الاستثنائية:
الأصل أنه لا تكون الدعوى مقبولة، ما لم تكن مقترنة بشرط الصفة بغض النظر عن توافر مصلحة أو لا.
غير أنه يرد استثناءا على هذه القاعدة و ذلك في حالة ما إذا نص القانون صراحة على حلول شخص محل صاحب الصفة الأصلية في رفع الدعوى، و تعرف الصفة هنا بالصفة الاستثنائية 5 .
كما أنه و من جانب أخر، قد يباشر الدعوى شخصا ليس هو صاحب الصفة، و إنما شخصا آخر لا يدعي أنه هو صاحب الحق المعتدي عليه، و هذا ما يعرف بالصفة الإجرائية.
ب-الصفة الإجرائية:
ينشأ لكل شخص سواء كان طبيعيا أو معنويا الحق في الدعوى. و له أن يستعمل هذا الحق أمام القضاء، غير أنه أحيانا قد يصبح الشخص في استحالة مادية، أو قانونية تمنعه من ممارسة حقه بنفسه، فالقاصر، الغائب و الشخص المعنوي لا يستطيعون مباشرة الدعوى بأنفسهم، بل تباشر عنهم بواسطة ممثلهم القانوني.
و عليه، فالشخص المعنوي يوجد في استحالة قانونية لتمثيل نفسه أمام القضاء حالة حصول اعتداء على حق من حقوقه، لدى تثبت الصفة الإجرائية لممثله القانوني، و هي صلاحية الشخص لمباشرة الإجراءات القضائية، باسم غيره كون صاحب الصفة الأصلية في استحالة قانونية1.
هذا فيما يخص شخصية الدعوى، فما الحل بخصوص الدعاوى الجماعية ؟
هذا ما سنتطرق له في الفرع الثاني.
الفرع الثاني: الصفة في الدعوى دفاعا عن المصلحة الجماعية و العامة
المبدأ العام أن الدعوى شخصية، و بالتالي فان الدعوى الجماعية غير مقبولة، غير أن مجلس الدولة الفرنسي يقبل الدعاوى التي ترفعها التجمعات ذات الشخصية المعنوية من نقابات و جمعيات للدفاع عن المصلحة الجماعية 2 .
أ- النقابة:
تتمتع النقابة بشخصية معنوية، و ذمة مالية مستقلة ، فإذا ما وقع اعتداء على أحد حقوقها، حق لها رفع دعوى أمام القضاء طبقا للقواعد العامة للدفاع عن حقوقها الخاصة، غير أنه يثار التساؤل في حالة ما إذا رفعت نقابة دعوى دفاعا عن المصلحة الجماعية؟
و يقصد بالمصلحة الجماعية، تلك المصلحة التي تعلو عن المصلحة الخاصة
للأعضاء المكونين للنقابة أو الجمعية 3، كالدفاع عن حقوق العمال مثلا.
والأصل أن المصلحة في هذه الحالة، هي مصلحة مشتركة و جماعية لجميع أعضاء النقابة، و بالتالي فليس لها الصفة للدفاع عن هذه المصلحة المشتركة كونها ليست صاحبة المصلحة المعتدى عليها.
غير أن المشرع الجزائري اعترف للنقابة بالصفة في الدفاع عن المصالح المشتركة 1.
ب- الجمعية:
نفس الإشكال الذي طرح بالنسبة للنقابة يطرح في هذا الصدد بالنسبة للجمعيات، فهناك من لا يعترف للجمعية بالصفة دفاعا عن المصلحة الجماعية كونها ليست صاحبة الحق المعتدى عليه.
و هناك من يعترف للجمعية بالصفة دفاعا عن المصلحة الجماعية للدفاع عن الغرض الذي أنشأت من أجلها ، و هذا ما انتهى و أن تبناه المشرع الجزائري2 من خلال تخويله للجمعية الصفة في الدفاع عن المصالح الجماعية و ذلك إذا تعرضت للاعتداء و كان ذلك مرتبطا بهدف الجمعية.
و مثال ذلك الجمعية التي أسست بهدف حماية الآثار التاريخية ، فهذه الآثار ليست ملكا خاصا للجمعية ، فإذا رفعت دعوى دفاعا عنها حالة تعرضها لاعتداء فإنها لا تدعي بحق خاص بها و إنما هذه الآثار التاريخية تدخل ضمن الملك العام و ضمن المصلحة العامة و الجماعية، و ما تأسيس هذه الجمعية
إلا بغرض الدفاع عنها، و يتعين قبول هذه الدعوى طبقا لنص المادة 16 من القانون 90/31 المؤرخ في: 04 ديسمبر 1990 3 .
الفصل الثاني: الشروط الخاصة
و هي شروط خاصة بالدعوى الإدارية دون سواها.
تتمثل هذه الشروط فيما يلي : – شرط التظلم الإداري المسبق(المبحث الأول).
– شرط الميعاد (المبحث الثاني).
– شروط خاصة ببعض العرائض ( المبحث الثالث).
المبحث الأول: شرط التظلم الإداري المسبق
نتطرق في هذا المبحث إلى الأحكام العامة للتظلم الإداري المسبق في مطلب أول، وإلى ميعاد التظلم الإداري، و جزاء مخالفته في مطلب ثان.
المطلب الأول: الأحكام العامة لشرط التظلم الإداري المسبق
و المقصود بالأحكام العامة، هي تبيان مدلول التظلم الإداري المسبق ( الفرع الأول)، والتطرق لأنواعه ( الفرع الثاني).
الفرع الأول: مدلول التظلم الإداري المسبق
التظلم الإداري المسبق هو إجراء يرسمه القانون أحيانا لإتباعه، و يتمثل في طعن إداري يقوم به الشخص الذي يريد مقاضاة الإدارة كإجراء، و ذلك عن طريق توجيه شكوى أو احتجاجا للإدارة بغرض مراجعة نفسها قبل الشروع في مقاضاتها1 .
و عليه فللتظلم الإداري المسبق طابعا إداريا محضا،فهو يوجه للإدارة لكي تتولى دراسته دون إجراءات محددة و بدون مناقشة حضورية.
إن التظلم كان قبل سنة 1990 شرطا لازما و ضروريا لممارسة الدعوى الإدارية بجميع أنواعها مع استثناءات طفيفة ، و منذ إصلاح 1990 2 تخلى المشرع عن فكرة التظلم بالنسبة للدعاوي العائدة لاختصاص الغرفة الإدارية المحلية و الجهوية بحيث أصبحت القاعدة هي عدم اللزوم،و الاستثناء هو اللزوم في الدعاوى العائدة لاختصاص مجلس الدولة ابتدائيا و نهائيا و كذلك في بعض المنازعات الخاصة.
أما قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد فنجده قد تخلى عن فكرة اللزوم بالنسبة للتظلم الإداري المسبق، و أصبح الأمر جوازيا1، و ذلك حسب المادة 830 من ق/ا/م/ا والمادة 907 من ذات القانون التي تحيلنا إلى المادة السابقة الذكر .
و بناء على ذلك، فإجراء التظلم الإداري المسبق لم يعد وجوبيا إلا بالنسبة لبعض الدعاوى التي ترفع أمام المجالس القضائية حاليا – المحاكم الإدارية مستقبلا – كالدعاوى الضريبية مثلا 2.
و العلة من اشتراط التظلم الإداري المسبق في المنازعة الضريبية هو لتفادي كثرة النزاعات القضائية، لذلك أورد المشرع التظلم الإداري المسبق وجوبا أمام الإدارة الجبائية عساها أن تجد حلا مع المكلف بدفع الضريبة 3 .
و يكون هذا التظلم من خلال توجيه الاحتجاجات المتعلقة بالضرائب، الرسوم، الحقوق و الغرامات في بداية الأمر و حسب كل حالة إلى مدير الضرائب الولائي أو رئيس مركز الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة، و هذا ما جاءت به المادة 82 من قانون الإجراءات الجبائية .
كما أن التظلم الإداري المسبق لزوميا في منازعات الضمان الاجتماعي باختلاف أنواعها، سواء كانت منازعات عامة ، تقنية أو طبية4 .
الفرع الثاني: أنواعه
ينقسم التظلم الإداري المسبق إلى قسمين: رئاسي و ولائي.
أولا : التظلم الإداري الرئاسي ( التدرجي)
(le recours hiérarchique ) وهوالتظلم الذي يرفع إلى السلطة التي تعلو من أصدر القرار5.
يثار إشكال في هذا الخصوص و ذلك عندما تكون السلطة الرئاسية لمصدر القرار تتضمن عدة درجات، حيث أن هناك من الفقهاء من يرون ضرورة رفع التظلم الرئاسي أمام عدة سلطات إدارية بحيث يكون هناك تدرج في التظلم من الدرجة السلمية الأدنى إلى الدرجة السلمية الأعلى حتى الانتهاء عند السلطة الأعلى 1.
بينما هناك فريقا آخرا من الفقهاء من يرون ضرورة توجيه التظلم إلى الجهة الإدارية التي تعلو مباشرة الجهة مصدرة القرار، و ليس السلطة الرئاسية الأعلى (الموجودة في قمة الهرم السلمي) و لا باقي السلطات الأقل منها مرتبة 2 .
لقد حسم القضاء الجزائري هذه النقطة من خلال تبنيه الرأي الثاني، و ذلك من خلال
عدة قرارات 3.
و نحن نوافق هذا الرأي الأخير إلى حد بعيد .
ثانيا: التظلم الولائي ( le recours gracieux ) :
و هو التظلم الذي نصت عليه المادة 830 من ق/إ/م/إ 4 .
فالقاعدة العامة أن يكون التظلم رئاسيا، و لا يلجأ المتقاضي إلى التظلم الولائي إلا في الحالات التي لا يكون لمصدر القرار رئيسا ، و عليه فالتظلم الولائي ليس موازيا للتظلم الرئاسي بل هو بديلا له في حالة الهيئات الجماعية أو تلك التي ليس لها رئيسا
لتمتعها بالاستقلال الذاتي 1، كما هو الحال بالنسبة للقرارات الصادرة عن المجالس 2 اللجان ، رئيس الجمهورية و الوزراء 3 . فهؤلاء جميعا ليس لهم رئيسا، فهم السلطة العليا
هذا التظلم الإداري المسبق يجب التقدم به وفقا لميعاد معين يترتب على مخالفته عدة آثار، و هذا ما سنتطرق له في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: ميعاد التظلم الإداري المسبق و جزاء مخالفته
نتطرق في هذا المطلب إلى فرعين، الأول خاص بميعاد التظلم الإداري المسبق، والثاني خاص بجزاء مخالفته.
الفرع الأول: ميعاد التظلم الإداري المسبق:
إن ميعاد التظلم الإداري المسبق منصوص عليه في المادة 830 من ق/ ا /م / ا يقدر بأربعة (4) أشهر من تاريخ تبليغ أو نشر القرار المطعون فيه.
عند تقديم التظلم الإداري المسبق يمكن تصور حالتين: حالة رد الإدارة و حالة سكوتها.
ففي حالة رد الجهة الإدارية خلال الأجل الممنوح لها 1 ، فللمتضرر من القرار مهلة شهرين لرفع دعواه أمام القضاء تسري من تاريخ تبليغ الرفض.
أما في حالة سكوت الإدارة : في حالة سكوت الإدارة المتظلم أمامها عن الرد خلال شهرين (02) فيعد سكوتها هذا بمثابة قرار بالرفض و يبدأ ميعاد الشهرين هذا من تاريخ تبليغ التظلم ، و في هذه الحالة يستفيد المتظلم من أجل شهرين (02) لتقديم طعنه القضائي الذي يسري من تاريخ انتهاء أجل الشهرين الممنوحين للإدارة لتقديم ردها 2 .
إن حساب ميعاد الأربعة (04) أشهر يبدأ كما هو واضح من خلال نص المادتين 829 و 830 من ق/إ/ م /إ من تاريخ تبليغ أو نشر القرار محل الطعن بالإلغاء.
نتطرق فيما يلي لمفهوم التبليغ و النشر.
أولا: التبليغ:
التبليغ هو الوسيلة الأساسية للعلم بالقرارات الفردية.
والتبليغ يمكن أن يكون بأي وسيلة كانت، كتسليم القرار إلى صاحب الشأن عن طريق البريد أو عن طريق محضر قضائي 3 .
و لكي يكون التبليغ صحيحا لا يهدده أي بطلان، لا بد أن يشمل مضمون القرار محتوياته بجميع عناصره الأساسية.
إن العبرة في بدء سريان ميعاد التظلم هي تاريخ وصول التبليغ (الإعلان) إلى صاحب الشأن و تسليمه، أي العلم به و ليس بتاريخ إرسال الإعلان4 .
يجب أن يوجه إعلان القرار الصادر في مواجهة الشخص المعنوي إلى الممثل القانوني لهذا الشخص المعنوي أو من ينوب عنه قانونا 1.
ثانيا: النشر:
و هو جزاء يخص القرارات التنظيمية التي يجب أن تنشر ليأخذ الجميع علما بها لأن الكافة معنية بأحكامها، و تأخذ القرارات الجماعية حكم القرارات التنظيمية، فالقرار الجماعي الذي يضم مجموعة أفراد يكفي فيه النشر دون التبليغ2.
و يبدأ سريان الميعاد من تاريخ النشر .
و بالرجوع إلى السوابق المتفرقة يتضح أن النشر بالنسبة للقرارات المركزية عادة ما يكون بالجريدة الرسمية و بالنسبة للقرارات الأقل أهمية في الجرائد الوطنية. وبالنسبة للقرارات المحلية في الجرائد و المنشورات المحلية و بالتعليق في مقر البلدية3 .
إن مخالفة ميعاد التظلم الإداري المسبق تترتب عليه بعض الآثار نتطرق لها في الفرع الآتي بيانه.
الفرع الثاني: جزاء مخالفته
إن مخالفة ميعاد التظلم الإداري المسبق، يترتب عليه و ذلك في الدعاوى الإدارية التي يكون فيها التظلم الإداري المسبق وجوبيا سقوط الحق في ممارسة الدعوى،4 ذلك أن أي دعوى تمارس بدون تظلم تجابه بعدم القبول لعدم استيفاء شرط التظلم أو لفساده.
و في هذا الاتجاه قضت الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى بتاريخ 14 نوفمبر 1981 بما يلي: ” …….من المقرر قانونا، أن الطعن لا يكون مقبولا إذا كان هذا الطعن قد رفض بقرار قضائي من أجل عدم القيام برفع الطعن الإداري المسبق” 1
إن ميعاد التظلم الإداري المسبق كميعاد الدعوى من النظام العام يثيره القاضي تلقائيا و في أي مرحلة كانت عليه الدعوى، و السند القانوني في ذلك هو المادة 13 من ق/إ/م/إ التي حلت محل المادة 13 من ق/إ/م القديم و هذا حسب اعتقادنا الشخصي2
خلاصة القول فأن التظلم نظاما ينطوي على عيوب و مزايا في أن واحد.
أما مزايا التظلم، فتتمثل في كونه يحمي الفرد و الإدارة على السواء و يجنبهما ساحات المحاكم.
فالإدارة تتمتع بحق الخيار بأن تقف موقف المدعى عليها أمام القضاء الإداري، أو أن تسوي النزاع وديا متفادية بذلك المرافعات القضائية.
و بالنسبة للفرد، فقد تستجيب الإدارة لطلباته المعلن عليها، الأمر الذي يجنبه طول و تعقيد الإجراءات.
أما سلبيات التظلم، فأهمها تقييد إرادة الفرد في مخاصمة الإدارة، خلافا لما تعود عليه في مجال مخاصمة نظرائه الخواص حيث تعود على ممارسة حق التقاضي بكل حرية و بدون قيود مسبقة.
المبحث الثاني: شرط الميعاد
لقد حرص المشرع الجزائري على إضفاء شرط الميعاد في بعض الدعاوى الإدارية. والغاية من ذلك هي الرغبة في تحقيق استقرار الأوضاع الإدارية ، و عدم بقاء أعمال الإدارة أمدا طويلا معرضة للطعن، و الرغبة في تحقيق الاستقرار للمراكز القانونية للأفراد المستفيدين من قرارات 1 إن كنا بصدد دعاوى إلغاء على سبيل المثال .
نتطرق في هذا المبحث لتحديد شرط الميعاد و بدئ سريانه (المطلب الأول)، ولانقطاع وانتهاء الميعاد (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تحديد الميعاد و بدئ سريانه
نتطرق في هذا المطلب إلى فرعين، الأول خاص بتحديد الميعاد، و الثاني نبين فيه كيفية بدئه أي كيفية سريانه.
الفرع الأول: تحديد الميعاد
إن تحديد ميعاد ثابت للدعوى يشكل بكل تأكيد قيدا خطيرا على حرية الأفراد في مقاضاة الإدارة، غير أن هذا القيد تفرضه متطلبات المصلحة العامة2 .
فقانون الإجراءات المدنية و الإدارية نص على ميعاد دعوى الإلغاء، و جعله ميعاد موحد سواء بالنسبة لدعاوى الإلغاء أمام المحاكم الإدارية أو أمام مجلس الدولة و هذا كقاعدة عامة لشرط الميعاد ، و نجد هناك نصوص خاصة أخرى تنص على مواعيد مختلفة عن الميعاد المنصوص عليه في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.
أولا: القاعدة العامة في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية
حرص المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الأخير،على توحيد مواعيد الطعون سواء أمام المحاكم الإدارية ( المادة 829 ) أو أمام مجلس الدولة (المادة 907 ( ، و المقصود بالطعون في هذا الصدد هو دعوى الإلغاء – وحدد المواعيد ب 04 أشهر من تاريخ تبليغ صاحب الشأن بالقرار الفردي أو من تاريخ نشر القرار الإداري الجماعي أو التنظيمي ، و بمفهوم المخالفة نفهم أن دعوى التعويض لا ترتبط بآجال و مواعيد .
هذا بعدما كان هناك اختلاف بين ميعاد رفع الدعوى العائدة لاختصاص مجلس الدولة و ميعاد الدعوى العائدة لاختصاص الغرفة الإدارية سواء كانت محلية أو جهوية.
فميعاد النوع الأول كان يقدر بشهرين من تاريخ تبليغ القرار الصريح برفض التظلم أو من تاريخ حصول القرار الضمني برفع التظلم .
أما ميعاد النوع الثاني فكان يقدر بــ 04 أشهر من تاريخ تبليغ القرار المطعون فيه
أو نشره .
و بهذا التعديل الأخير يكون المشرع الجزائري قد ساهم في تبسيط الإجراءات للمتقاضين . كما أنه عندما جعل ميعاد رفع الدعوى أمام مجلس الدولة 04 أشهر فانه يكون قد منح للمتقاضي متسعا من الوقت لجمع أدلته و اختيار محام معتمد لدى مجلس الدولة طبقا لنص المادة 905 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.
غير أن توحيد الميعاد العام لا ينفي وجود مواعيد خاصة منصوص عليها في العديد من القوانين خاصة.
ثانيا: الاستثناءات المنصوص عليها في القوانين الخاصة
هناك نصوص خاصة تنص على آجال معينة لرفع دعاوى معينة أمام القضاء الإداري كاستثناء على القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 829 من ق/إ/م/إ ، ، كما هو الحال مثلا بخصوص الطعن في قرارات المجلس الوطني لأخلاقيات الطب فهذه القرارات تكون قابلة للطعن بالإلغاء في أجل سنة واحدة أمام مجلس الدولة .
كذلك إمكانية الطعن الممنوحة لوزير المالية في النظام الذي يصدره مجلس النقد والقرض أمام مجلس الدولة خلال أجل 60 يوما من تاريخ نشره .
أيضا قانون نزع الملكية الذي يحدد ميعاد الدعوى في مجال الطعن في قرارات التصريح بالمنفعة العمومية بشهر واحد من تاريخ التبليغ أو نشر القرار .
هذه الأمثلة جاءت على سبيل المثال و ليس على سبيل الحصر لتعدد الاستثناءات المنصوص عليها في قوانين متفرقة.
الفرع الثاني: بدء سريان الميعاد
– يبدأ حساب الميعاد في الدعاوى العائدة لاختصاص المحاكم الإدارية و مجلس الدولة من تاريخ التبليغ الشخصي بصفة القرار الإداري إن كان فرديا ، أو من تاريخ نشر القرار الإداري إذا كان جماعيا أو تنظيميا5.
و ليس قرار رفض التظلم لأن التظلم ليس شرطا في هذه الدعاوى إلا إذا تعلق الأمر بالمنازعات الخاصة، إذ يبدأ سريانه في هذه الحالة من تاريخ تبليغ القرار الصريح برفض التظلم أو من تاريخ القرار الضمني بالرفض.
إن قاعدة حساب الميعاد من تاريخ النشر أو التبليغ، تعرف استثناءا هاما يعرف باسم نظرية العلم اليقين ” la théorie de la connaissance acquis ” و هي نظرية من ابتكار القضاء الإداري الفرنسي و مفادها هو أنه إذا علم صاحب المصلحة بمضمون القرار و مشتملاته علما يقينا نافيا للجهالة، قام ذلك مقام النشر أو الإعلان، و يبدأ سريان الميعاد في حقه من تاريخ هذا العلم اليقيني .
و يمكن تطبيق هذه النظرية عندما يثبت من ملف الدعوى، أو من أية أوراق أخرى أو من حضور الشخص و دفاعه أنه أخذ علما مؤكدا و كافيا بالقرار محل الطعن .
و يلاحظ أن مجلس الدولة الفرنسي الذي يعد مبتكر هذه النظرية كما سبق و أن ذكرنا يطبقها حاليا بشكل ضيق .
أما في الجزائر، فقد تم تكريس هذه النظرية تكريسا واسعا حيث قضت المحكمة العليا الغرفة الإدارية في قرار صدر في 11/ديسمبر/1982بمايلي :” أن الطاعن أخذ علما يقينا بالقرار محل الطعن من خلال الدعوى الإستعجالية التي رفعها .”
إن نظرية العلم اليقين، و رغم مالها من أهمية عملية تتمثل على وجه الخصوص في مساهمة القاضي الإداري في المحافظة على استقرار الأوضاع القانونية بما يسهل عمل الإدارة باعتبارها سلطة تعمل للصالح العام، إلا إنها تحمل في متنها من الخطورة و التناقضات ما دفع بالقضاء الإداري المقارن، إلى مراجعة عميقة
و جدية لمجال الأخذ بها وصلت إلى حد إنكارها كما هو الحال بالنسبة لموقف مجلس الدولة الفرنسي.
و تتمثل هذه الخطورة، في الخروج الصارخ عن ترتيبات النص القانوني بما تحمله في طياتها من مساسا بدولة القانون، و إهدارا لحقوق الأفراد في مخاصمة قرارات الإدارة أمام القضاء الإداري.
المطلب الثاني: انقطاع الميعاد و انتهائه
نتطرق في هذا المطلب لانقطاع الميعاد (الفرع الأول)، و لانتهائه (الفرع الثاني).
الفرع الأول: انقطاع الميعاد
المقصود بانقطاع الميعاد هو تمديده و ذلك إذا ما طرأت حالات معينة، إن مصدر هذه الحالات هو الاجتهاد القضائي الذي ما لبثت التشريعات الداخلية و إن تبنتها.
لقد نص القانون الجزائري على هذه الحالات في ما يلي:
” تنقطع آجال الطعن (الميعاد) في الحالات الآتية:
01- الطعن أمام جهة قضائية إدارية غير مختصة.
02- طلب المساعدة القضائية .
03- وفاة المدعي أو تغير أهليته.
04- القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ. ”
نتطرق لكل حالة من الحالات السابقة على النحو التالي:
أولا: الطعن أمام جهة إدارية غير مختصة:
عندما يرفع المدعي دعواه خطأ إلى جهة قضائية إدارية غير مختصة، فإنه إلى أن يعيد المدعي نشر دعواه أمام الجهة الإدارية المختصة قد يكون ميعاد الدعوى قد انتهى، و عليه و في هذه الحالة يمدد الميعاد عندما يصدر حكما بعدم الاختصاص، بحيث يوقف سريان الميعاد في مواجهة المدعي اعتبارا من تاريخ نشر الدعوى التي توجت بعدم الاختصاص.
و لا يبدأ الميعاد في السريان من جديد للمدة الباقية، إلا من تاريخ تبليغ الحكم بعدم الاختصاص ، و لو كان هذا التبليغ إلى محامي المدعي و ليس له شخصيا .
ثانيا : طلب المساعدة القضائية:
في هذه الحالة لا يبدأ الميعاد في السريان للمدة الباقية، إلا من تاريخ تبليغ قرار قبول أو رفض الطلب من مكتب المساعدة القضائية .
ثالثا: وفاة المدعي أو تغير أهليته:
و في هذه الحالة لا يبدأ الميعاد في السريان للمدة المتبقية، إلا من تاريخ تولي ورثة المدعي المتوفى للدعوى و مباشرتهم لإجراءات التقاضي، بدلا عن مورثهم أو من تاريخ رجوع أهلية المدعي إلى سابق عهدها .
رابعا: القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ:
يتقطع الميعاد بمجرد حدوث القوة القاهرة و لا يعود في السريان للمدة الباقية إلا بانتهاء حالة القوة القاهرة كما هي معرفة في القانون المدني أي الحادث المفاجئ الخارج عن إرادة الطاعن و الذي لا يمكن توقعه و لا درؤه عند الحادث .
بالإضافة إلى هذه الحالات السابقات، نصت المادة 405 من ق/إ/م/إ على تمديد الأجل إلى أول يوم عمل موالي إذا كان اليوم الأخير من الأجل ليس يوم عمل كليا أو جزئيا.
الفرع الثاني: انتهاء الميعاد
يترتب على انتهاء ميعاد الدعوى الإدارية، عدم قبول الدعوى أمام القضاء الإداري . و الدفع بعدم القبول في هذا الصدد متعلق بالنظام العام، يثيره القاضي تلقائيا و في أي
مرحلة كانت عليه الدعوى، و هذا ما أكدته الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في عدة مرات .
كما ينتج عن انتهاء و انقضاء الميعاد، تحصن القرارات الإدارية المشوبة بعيب أو أكثر من عيوب المشروعية ضد السحب أو الإلغاء كقاعدة عامة .
غير أنه، و في إطار دعوى الإلغاء إذا ما فات و انتهى الميعاد اللجوء إلى طرق أخرى و هي:
أولا: الدفع عن طريق الاستثناء بعدم مشروعية القرار التنظيمي غير المشروع بمناسبة الدعوى الأصلية المتعلقة بالطعن بالإلغاء في القرارات التنظيمية للقرار التنظيمي المتحصن.
ثانيا: دائما في إطار القرارات التنظيمية المتحصنة و التي فات ميعاد دعوى الإلغاء بشأنها و ذلك عندما تتغير الظروف الواقعية أو القانونية التي كانت تبرر وجود القرار التنظيمي و يتم ذلك بعد التظلم و طلب تعديل الإدارة القرار أو سحبه ، و في حالة ما إذا كان القانون هو الذي عدل الظروف فان الطعن يكون مقبولا مباشرة خلال شهرين من تاريخ إصدار القانون ، و هذا ما أقره الاجتهاد القضائي الإداري الفرنسي.
ثالثا: يجوز للأشخاص الذين تضرروا من القرار الغير المشروع الذي تحصن، أن يلجئوا إلى دعوى المسؤولية المؤسسة على الخطأ .
غير أنه و بخصوص هذا الاستثناء الثالث فان القضاء الإداري الجزائري يذهب عكس ذلك تماما إذ قضت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا بتاريخ 09/مارس/ 1985 : “متى كانت دعوى الطعن بالبطلان في قرار إداري من اجل تجاوز السلطة مرفوعة خارج الآجال و انتهى مصيرها بعدم القبول، فان قرار ( المحكمة العليا) يرتب آثارا من شأنها إثبات صحة القرار الإداري و صيرورته نهائيا بما لا يحق التمسك بعدم شرعيته تدعيما للمطالبة بالتعويض ، و من ثمة كان الطلب المبني في هذه الحالة
على عدم الشرعية كأساس للتعويض طلبا غير مقبول عكس ما ذهب إليه خطأ قاضي الدرجة الأولى. “
المبحث الثالث: شروط خاصة ببعض العرائض
يشترط القانون في عريضة الدعوى الجبائية أن تكون مدموغة، و في عريضة الدعوى الإدارية المنصبة على حقوق عقارية أن تكون مشهرة، كما يشترط القانون أن تكون العريضة مرفوقة بالقرار المطعون فيه في دعاوى المشروعية.
هذا ما سنتطرق له في المطالب الموالية، نخصص مطلبا لكل شرط.
المطلب الأول: دمغ عريضة الدعوى الجبائية
أوجب المشرع شرطا إضافيا خاصا بالعريضة المتعلقة بالدعوى المرفوعة ضد الإدارة الجبائية و هو شرط دمغ هذه العريضة المقدمة لأول مرة أمام الجهة القضائية الإدارية سواء كانت هذه الجهة درجة أولى أو درجة استئناف . لقد كانت العريضة الجبائية في السابق تحرر على أوراق خاصة مدموغة بطابع رسمي جاف تسلمها إدارة الضرائب مقابل دفع رسم الدمغة ، أما اليوم فقد أصبحت العرائض الجبائية تحرر على ورق عادي يوضع عليه طابع الدمغة (طابع جبائي) (timbre fiscal ).
كما أن قانون الإجراءات الجبائية لم يكتفي باشتراط دمغ عريضة الدعوى الجبائية بل نص كذلك على وجوب تحرير الوكالة في الدعاوى الضريبية المرفوعة أمام القضاء على ورق مدموغ و مسجل و يعفى المحامون من هذه الشكلية المطلوبة .
و من هذا المنطلق و حيث أنه و طبقا للمادة 332 من قانون الضرائب المباشرة يجب على كل شخص يقدم شكوى أو يساند شكوى لحساب الغير أن يستظهر( الشخص )
وكالة قانونية، و يجب تحت طائلة البطلان، أن تحرر الوكالة على ورق مدموغ ومسجل قبل تنفيذ العمل المخول له بموجبها و حيث أن الشكلية المستظهرة و التي تزعم المستأنف أنها وجهتها إلى مدير الضرائب ممضية من طرف ولدها و لا يوجد الملف ما يثبت أنها وكلته كما تشترطه المادة 332 المذكورة أعلاه مما يتعين لهذه الأسباب التي تحل أسباب قضاة الدرجة الأولى عدم قبول الدعوى شكلا .
وكان القضاء الإداري لا يتشدد بشان وجوب تقديم دمغ العريضة في البداية تحت طائلة البطلان إذ أنه يجبر المتقاضي بتصحيح هذا الإجراء فيما بعد عندما يلاحظ انه فد تم إغفاله فيأمر بإتمام ذلك قبل غلق باب المرافعات و وضع القضية في المداولة .
و هذا ما أكدته الغرفة الإدارية للمحكمة العليا بتاريخ 03/01/1993 عندما صرحت بما يلي:” حيث أن هذه المادة (197 – 1 ) تسمح للقاضي بدعوة المكلف بالضريبة بتسوية هذا الإغفال أثناء سير الدعوى و أنه يتعين إلغاء القرار المطعون فيه ” .
لكن مجلس الدولة تراجع عن ذلك و صار يتشدد في عدم قبول العريضة لما يتم إغفال شكلية الدمغة دون تكليف الجهة القضائية عناء سد هذا الإغفال .
و قد قضى مجلس الدولة بتاريخ 26/06/2000 مايلي : “… حيث أن الغرفة الإدارية لمجلس قضاء قسنطينة و برفضها العريضة المقدمة إليها شكلا فإنها تبرره بسبب أن العريضة لم تقدم على ورق مدموغ تطبيقا لمقتضيات المادة 338 من قانون الإجراءات الجبائية حيث لأن هذا السبب غير مثار من طرف مديرية الضرائب، وهو من النظام العام خلافا لمزاعم السيد (…) و أن قضاة الدرجة الأولى و بإثارتهم إياه تلقائيا قاموا بتطبيق القانون. ”
و في نفس الاتجاه قضى مجلس الدولة بتاريخ 11/06/2001 قائلا ” حيث أن عريضة الدعوى الأولى أمام قضاة الدرجة الأولى، و حتى أمام الاستئناف لم تكن مدموغة وفقا لأحكام المادة 344 من قانون الضرائب المباشرة مما يتعين رفضها شكلا .”
إن بعض الغرف الإدارية بالمجالس القضائية تشترط تعميم هذا الإجراء، و تفرض دمغ جميع المذكرات المتبادلة بين الأطراف المتخاصمة، زيادة على العريضة الافتتاحية تحت طائلة البطلان ،غير أن مجلس الدولة أصدر قرار يستبعد هذا التفسير و كان ذلك بتاريخ 07/04/1999 عندما قضى بأن: ” استعمال الورق المدموغ لا يكون واجبا إلا في عريضة افتتاح الدعوى شكلا، و من ثم فان المجلس القضائي في قضية الحال بقضائه بعدم قبول الدعوى شكلا بسبب عدم دمغ المذكرة التعقيبية يكون قد أخطا في تطبيق القانون.”
و في فرنسا فان الطابع شرط لازم للعرائض الإدارية، و لا تعفى منها إلا عرائض الانتخابات، و المساعدة الاجتماعية، و الطبية المجانية، و كذلك تعفى الإدارات العمومية من هذا الشرط.
و جزاء المدعي الذي لم يستوف هذا الإجراء هو تسليط عقوبة ضريبية، و هذا ما نصت عليه المادة 1820 من القانون العام للضرائب الفرنسي.
المطلب الثاني: شهر عريضة الدعوى الإدارية المنصبة على حقوق عقارية
بالإضافة إلى ق/إ/م/إ الذي نص في الفقرة الثالثة من المادة 17 على وجوب إشهار عريضة رفع الدعوى لدى المحافظة العقارية، إذا تعلقت الدعوى بعقار و/أو حق عيني عقاري مشهر طبقا للقانون، تحت طائلة عدم القبول، ما لم يثبت إيداعها للإشهار ، نجد المادة 14 من الأمر 75/74 المتضمن إعداد المسح العام للأراضي وتأسيس السجل العقاري تنص على شرط شهر العرائض القضائية المنصبة على الدعاوى ذات الطابع العقاري، مهما كانت الجهة التي ترفع أمامها تلك الدعاوى، وهو ما أوضحته المادة 85 من المرسوم رقم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري عندما اشترطت أنه إذا تعلق الأمر بدعوى رامية إلى النطق بفسخ، أو إبطال، أو إلغاء، أو نقض حقوق ناتجة عن وثائق يجب على المدعي القيام بإجراء شهر عريضة افتتاح تلك الدعوى أمام إدارة المحافظة العقارية.
و عليه و من خلال هذه النصوص القانونية فكل دعوى إدارية تتعلق بعقار و/أو حق عيني عقاري مشهر طبقا للقانون ينبغي أن تشهر و إلا لا تقبل ، و قد سارت قرارات المجالس القضائية على هذا النحو إذ تم القضاء بما يلي: “حيث أن المادة 85 من المرسوم165/76 توجب شهر العريضة الافتتاحية و هم ما لم يقم به المدعي مما يجعل دعواه مخالفة لنص المادة 85 مما يجعل دعواه مرفوضة شكلا دون التطرق للموضوع …”
و لا تتطلب كل الخصومات المنصبة على العقار شهر العريضة الافتتاحية أو عريضة الاستئناف، طالما أن الدعوى لا ترمي إلى تغيير الطبيعة القانونية لذلك العقار، و ذلك لوضوح نص المادة 85 من المرسوم رقم 76-63 إذ تنص على عبارة “…فسخ أو إبطال أو إلغاء أو نقض حقوق… ”
لقد أورد المشرع الجزائري استثناء على ضرورة شهر العريضة الافتتاحية، و ذلك في المادة 17 من ق/إ/م/إ و هي حالة إيداع العريضة للإشهار .
إن هذا الشرط الخاص بشهر العريضة الافتتاحية، الخاصة بالدعاوى الإدارية المنصبة على عقار، تتعلق بالنظام العام يجب على القضاء إثارته تلقائيا في أي مرحلة من مراحل الدعوى،و ذلك لتعلقه من جهة، بحق الغير في الإعلام و الشفافية و لتعلقه خاصة، من جهة أخرى بحقوق الخزينة العامة في قبض رسوم الشهر .
و في هذا الاتجاه سار مجلس الدولة عندما قضى في قرار أصدره بتاريخ 24/09/2001 قائلا: ” حيث يستخلص من عناصر الملف أن فريق (ط) احترموا مقتضيات المادة 85 من المرسوم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بإحداث السجل العقاري لأن الدعاوى الرامية إلى النطق بإبطال الحقوق الناتجة عن الوثائق المشهرة لا تكون مقبولة إلا في حالة ما اشتهرت مسبقا طبقا للمادة 14 الفقرة 4 من الأمر رقم 75/76 المؤرخ في 12/11/ 1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي
العام و تأسيس السجل العقاري.”
وتجدر الإشارة أن مجلس الدولة لم يكن يعتبر هذا الإجراء من النظام العام و ذلك في قرار أصدره بتاريخ 16 /09 /2003.
و يجب التنبيه أن قضاء الغرفة المدنية بالمحكمة العليا، لا يعتبر شهر العريضة من النظام العام، خلافا لقضاء مجلس الدولة و بالتالي، لا يجوز للقضاة أن يثيروه تلقائيا، وقد قضت في هذا الشأن ما يلي:” و من ثمة يكون إجراء شهر العريضة الافتتاحية للدعوى مقرر لمصلحة المدعي المحضة و لا يرمي إلى حماية المصلحة العامة و لا مصلحة المدعي عليه و بذلك وقع قضاة الموضوع في خطأ في تطبيق القانون عندما…….و اعتبروا ذلك الإجراء من النظام العام…… ”
و هو نفس النهج و الاتجاه الذي تسير عليه الغرفة العقارية بالمحكمة العليا، فقد قضت في 27/09/2000 قائلة: ” حيث و لما كانت هذه المادة (م 85 من مرسوم 25/03/1976 ) التي تنص على شهر عريضة رفع الدعوى في حالات محددة ، منها دعوى بطلان العقود المشهرة وردت لحماية مصالح خاصة ، و بالتالي فان إثارتها تلقائيا من طرف قضاة المجلس يعد تجاوزا للسلطة و يعرض القرار المطعون للنقض”
و هنا يبدو أن مجال تدخل محكمة التنازع له ما يبرره لتوحيد الاجتهاد في تطبيق القانون، بشأن مدى تعلق شهر عريضة الدعوى العقارية بالنظام العام من عدمه،
و ذلك لوجود تضارب بين النظامين القضائيين العادي و الإداري حول المسألة .
و من الشروط الخاصة بعريضة الدعوى الإدارية، أن تكون العريضة الافتتاحية للدعوى مرفوقة بالقرار المطعون فيه ، و هذا ما سنحاول التطرق له في المطلب الثالث.
المطلب الثالث: أن تكون العريضة الافتتاحية مرفوقة بالقرار المطعون فيه
نصت على شرط ضرورة إرفاق العريضة الافتتاحية بالقرار المطعون فيه، المادة 819 من قانون الإجراءات المدنية الجديد بالنسبة للدعاوى الإدارية العائدة لاختصاص المحاكم الإدارية ،المادة 904 من ذات القانون بالنسبة للدعاوى الإدارية
العائدة لاختصاص مجلس الدولة، إذ أحالتنا المادة 904 من ق/ا/م/ا إلى تطبيق المواد من 815 إلى 825 من ذات القانون الخاصة بالمحاكم الإدارية أمام مجلس الدولة.
و عليه فالمادة 819 من ق/ا/م/ا هي المطبقة بهذا الخصوص، و تنص هذه المادة الأخيرة على أنه يجب أن يرفق مع العريضة الرامية إلى إلغاء أو تفسير أو تقدير مدى مشروعية القرار الإداري تحت طائلة عدم القبول، للقرار الإداري المطعون فيه، ما لم يوجد مانع مبرر.
لقد طبقت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا هذه القاعدة تطبيقا صارما و حرفيا، و هكذا قررت في 16/07/1988 :” أنه ليس في وسعها (الغرفة الإدارية ) النطق بالإبطال المنصب على قرارات أو مستندات والتي لم تطلع على فحواها و لا حتى على وجودها .”
يثار التساؤل حول نوع الدعوى الإدارية التي يشملها هذا الشرط ، فالمادة 819 من ق/إ/م/إ نصت على الدعاوى التي تهدف إلى إلغاء أو تفسير أو تقدير مدى مشروعية القرار الإداري ، فهل هذا يعني أن هذا الشرط يقتصر على دعاوى المشروعية فقط دون دعاوى القضاء الكامل أي دعاوى التعويض ؟
نعتقد أن هذا الشرط مقصورا فقط على دعاوى الإلغاء، التفسير و تقدير مدى مشروعية القرارات الإدارية، و ذلك لوضوح نص المادة السالفة الذكر،إذ أنها جاءت واضحة، لا تحتمل أي لبس و غموض، و لا تجرنا إلى تأويلات من شأنها أن تدفعنا إلى الاعتقاد أن هذا الشرط يخص دعاوى القضاء الكامل.
اترك تعليقاً