شروط صحة انعقاد المعاهدات وعناصرها
المبحث الأول: شروط صحة المعاهدات
أولاً- أهلية التعاقد:
يعد إبرام المعاهدة من مظاهر سيادة الدولة وبالتالي الدولة الكاملة السيادة هي من تملك إبرام المعاهدات أياً كان نوعها، أما الدول الناقصة السيادة أو الدولة التابعة فيجب دائماً الرجوع إلى الوثيقة التي تحدد هذه العلاقة لمعرفة ما إذا كانت تملك إبرام المعاهدة أ لا ولكن إذا أبرمت دولة ناقصة السيادة معاهدة ليست أهلاً لإبرامها فهي تكون معاهدة قابلة للإبطال لمصلحة الدولة المتبوعة فلها أن تقرها أو تبطلها حسب مصلحتها.
* كما لا يجوز للدولة الموضوعة في حالة حياد دائم أن تبرم معاهدات تتنافى طبيعتها مع حالة الحياد كمعاهدات التحالف، أما دول الاتحاد الفيدرالي فيرجع بالنسبة لها إلى ميثاق أو دستور الاتحاد لمعرفة الحدود التي يجوز لها فيها إبرام المعاهدات الدولية.
* غير أنه في المجال الدولي تمتد أهلية إبرام المعاهدات إلى وحدات دولية أخرى مثل البابا والمنظمات الدولية وذلك باعتبارهم من أشخاص القانون الدولي العام، أما بالنسبة لأشخاص القانون الدولي العام الأخرى فيتمتعون حق إبرام المعاهدات التي تتفق مع الاختصاص المحدود المعترف به لهم وفي الإطار اللازم لتحقيق أهدافهم.
* ولا يعد من قبيل المعاهدات العمال التي يأتيها أشخاص القانون الداخلي حتى لو اتخذت في بعض الأحيان شكل الاتفاق الدولي، ومن أمثلة ذلك العقود الدولية التي تبرمها شركات تابعة لدول مختلفة.
* أما السلطات التي تملك إبرام المعاهدات في نطاق الدولة الواحدة يحدده القانون الأساسي لكل دولة، على أنه جرى العمل على أن تختص السلطة التنفيذية دائماً بإجراء المفاوضات بشأن المعاهدات التي ترى الدولة إبرامها، وقد تنفرد السلطة التنفيذية باستكمال باقي الإجراءات بعقد المعاهدة وترجع في ذلك إلى السلطة التشريعية وذلك ؟….. حسبما يقضي به دستور كل دولة.
ثانياً- الرضا:
لا تكفي أهلية التعاقد لصحة المعاهدة، بل يلزم أيضاً أن تكون الإدارة المعبر عنها في المعاهدة منسوبة إلى الدولة وأن تكون صحيحة، أي تكون صادرة من أحد ممثلي الدولة الذين يملكون سلطة إبرام المعاهدات، وفي حال تجاوز ممثلي الدولة حدود اختصاصهم أو التفويض الممنوح لهم فلا يمكن الاحتجاج بذلك تجاه الدول الأخرى إلا إذا كانت مخالفتهم صريحة وتتصل بقاعدة قانونية جوهرية من قواعد القانون الداخلي، أما إذا قيدت الدولة ممثليها في إبرام المعاهدة بقيود معينة فلا يمكن الاحتجاج بهذه القيود إلا إذا كان قد سبق إعلانها للدول الأخرى أطراف المعاهدة.
* ويجوز للدولة طلب إبطال المعاهدة وفقاً لاتفاقية فيينا إذا تم إفساد إرادة ممثلها بإغرائه مادياً أو معنوياً، فالمعاهدة لا تنعقد صحيحة إلا بتوافر الرضا التام الخالي من العيوب، وعيوب الإرادة هي الغلط والتدليس والغبن والإكراه ولكن يثور التساؤل هنا عن أثر عيوب الإرادة في إبرام الاتفاقيات الدولية، وهل يمكن الاحتجاج بالبطلان لتوافر هذه الأسباب بنفس الطريقة المتبعة في القانون المدني؟
من الصعب واقعياً أن يكون لعيوب الرضا الواردة في القانون المدني ذات الأهمية في محيط العلاقات الدولية وذلك لعدم إمكانية تصور الغش أو الغلط في حالة إبرام المعاهدة وذلك لأنه يلزم لإبرامها المرور كقاعدة عامة بمراحل عديدة، ، من مفاوضات وتحرير وتوقيع وتصديق مما يجعل الوقوع في الخطأ أو الغش مستحيلاً وبالتالي تكون المعاهدة على الوجه المتقدم أقرب إلى التشريع منها إلى العقد بمفهوم القانون الخاص وخاصة إذا كانت المعاهدة من النوع الذي يتضمن إنشاء قاعدة قانونية.
* ومع ذلك ومن قبيل الاحتياط قرر العرف الدولي حق الدولة التي أبرمت معاهدة نتيجة غش أو تدليس في طلب إبطالها.
* الإكراه: يفرق الشراح بين حالتين:
– الحالة الأولى: إكراه ممثلي الدولة في إبرام المعاهدة: تكون المعاهدة باطلة بإجماع الفقه وهذا ما قررته اتفاقية فيينا.
– الحالة الثانية: الإكراه الواقع على ذات الدولة: وقد يكون الإكراه مادياً كالحرب وقد يكون معنوياً كالضغط السياسي أو الاقتصادي فلقد اختلف الشراح على الشكل التالي:
الاتجاه الأول: يرى أنه لا يجوز للدولة أن تحتج بالإكراه لأن ذلك يؤدي إلى عدم استقرار الأوضاع الدولية ويقلل من قيمة المعاهدة كما يساعد الدولة على التهرب من المعاهدات وبدليل هذا الاتجاه على كلامه بصحة اتفاقية الصلح التي تنشأ عادة تحت الإكراه الناتج عن الهزيمة في الحرب.
\الاتجاه الثاني: يرى أن ن حق الدولة طلب إبطال المعاهدة لأن ذلك ما تفرضه مبادئ العدالة والإنسانية والمساواة بين الدول، فالاتجاه السابق يتعارض مع المبادئ المسلم بها في كافة الأنظمة القانونية التي تقتضي وجود إرادة حرة، وإن ما يهدد استقرار العلاقات الدولية هو وجود أوضاع ظالمة ناتجة عن الإكراه لأنه في أقرب فرصة سوف تتحرر الدول الواقعة تحت إكراه إلى التحلل من هذه الالتزامات.
* وأخذت اتفاقية فيينا بالاتجاه الثاني لأنه أقرب إلى العدالة والمساواة بين الدول.
ثالثاً- مشروعية موضوع التعاقد:
يجب أن يكون موضوع المعاهدة مشروعاً وجائزاً ويكون موضوعها مشروعاً إذا تم الاتفاق على أمر من الأمور التي يبيحها القانون وتقرها مبادئ الأخلاق ولا يتعارض مع تعهدات أو التزامات سابقة وطبقاً لهذا لا تعتبر المعاهدة صحيحة في الحالات التالية:
1- إذا كان موضوعها منافياً لقواعد القانون الدولي العام الثابتة أو الآمرة كما لو اتفقت دولتان على تنظيم الاتجار في الدقيق أو على تحديد مناطق في أعالي البحار تختص كل منها بالسيادة عليها وقررت اتفاقية فيينا أن المعاهدة باطلة بطلان مطلق في هذه الحالة.
2- إذا كان موضوعها منافياً لحسن الأخلاق أو مبادئ الإنسانية العامة، كما لو اتفقت دولتان على اتخاذ تدابير اضطهادية لا مبرر لها ضد جنس معين أو الإبادة لهذا الجنس أو لأنه يدين بديانة معينة، أو أن تفرض دولة على أخرى معاهدة تتضمن شروطاً فيها اعتداء صارخ على الحقوق الأساسية لهذه الدولة، أو تتضمن معاملة لشعبها تتنافى مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
3- أن يكون موضوعها مخالفاً لنصوص ميثاق الأمم المتحدة.
4- أن يكون موضوعها منافياً لتعهد سابق التزم به أحد أطرافها في اتفاقيات جماعية لأن مثل هذه القواعد التي تعبر عن المصلحة العليا للمجتمع الدولي تعتبر في مرتبة سامية ولا يجوز مخالفتها إلا بقواعد من نفس النوع.
المبحث الثاني : العناصر التبعية للمعاهدات
أولاً- الأجل:
غالباً ما يحدد في المعاهدة أجل بدء أو انتهاء العمل بالمعاهدة أو ببعض أحكامها، كأن تنص المعاهدة على سريان أحكامها بعد مضي فترة من الزمن من إيداع التصديقات، أو على انتهاء العمل بها بعد زمن معين من دخولها في دور التنفيذ، فإن لم تحو المعاهدة مثل ذلك أصبحت نافذة المفعول بمجرد ارتضاء جميع الدول الأطراف الالتزام بأحكامها بأي من الطرق التي ذكرناها سابقاً والتي تدل على الارتضاء، ولقد قررت اتفاقية فيينا أنه إذا تم ارتضاء الدولة الالتزام بالمعاهدة في تاريخ لاحق لدخولها دور النفاذ فإن المعاهدة تعتبر نافذة في مواجهة هذه الدولة منذ هذا التاريخ ما لم تنص المعاهدة على غير ذلك.
ثانياً- الشرط:
الشرط هو عبارة عن حادثة مستقلة وغير مؤكدة تحدد بدء أو انتهاء العمل بالمعاهدة أو بعض أحكامها وتحتوي بعض المعاهدات على شروط.
ثالثاً- التحفظ:
التحفظ هو إجراء تعلن الدولة بمقتضاه عن رغبتها في عدم التقيد ببعض أحكام المعاهدة أو تعطي لها تحديداً معيناً، والتحفظات إما أن ترد صراحة في نصوص المعاهدة ولكن ذلك لا يعتبر تحفظاً بالمعنى الصحيح بقدر ما يعتبر جزءاً لا يتجزأ من مضمون المعاهدة وقد يقترن التحفظ بالتوقيع على المعاهدة، ويكون ذلك عن طريق تحرير بروتوكول خاص بذلك يسمى بروتوكول التوقيع ويتم التحفظ في هذه الحالة بعد مناقشته بواسطة الأطراف قبل تمام إبرام المعاهدة وقد يقترن التحفظ بالتصديق على المعاهدة أو الانضمام إليها وهنا يجب قبوله من الدول الأطراف الأخرى إلا إذا كانت المعاهدة تنص على إمكان إصدار مثل هذه التحفظات قيد التصديق عليها.
* ويتم قبول التحفظ صراحة أو ضمناً إذا لم يعترض عليه أطراف المعاهدة، ولا تثير التحفظات التي تعلن عند التوقيع صعوبات كثيرة لانتفاء عنصر المفاجأة فيها بعد التوقيع فتثير مشاكل كبيرة فلا يكون أمام الأطراف الأخرى في المعاهدة إلا قبول أو رفض المعاهدة ككل، أما التحفظ الذي يصحب الانضمام إلى المعاهدة فهو أكثرها صعوبة حيث يأتي بعد إبرام المعاهدة ونفاذها.
* على أنه لا يجوز بصفة عامة لطرف في المعاهدة أن يبدي تحفظات إذا كانت نصوصها تمنع ذلك بصفة عامة، أو فيما يتعلق ببعض أحكامها، كما لا يجوز إبداء تحفظات إذا كانت تتعارض مع موضوع المعاهدة أو الغرض منها.
*الآثار القانونية المترتبة على التحفظات:
يجب أن نفرق بين نوعي من المعاهدات:
1- المعاهدات الثنائية أو محددة الأطراف:
لا ينفذ مفعول التحفظ إلا بقبوله من جميع الأطراف، ويرجع ذلك إلى طبيعة هذه المعاهدات التي لا تتفق مع إبداء تحفظات عليها حيث تكون أهدافها وموضوعها واجبة التطبيق بالنسبة لجميع أحكامها وفي مواجهة كافة أطرافها.
2- المعاهدات الجماعية العامة:
التحفظ على بعض أحكامها جائز كمبدأ عام، ومن المتصور في هذه الحالة أن تقبل بعض الدول الأطراف التحفظ وأن ترفضه دول أخرى فيسري التحفظ في حق من قبله ولا يسري في حق باقي أطراف المعاهدة، ويرجع ذلك إلى عدة اعتبارات تتعلق بطبيعة هذا النوع من المعاهدات حيث نضع قواعد عامة لا ترتب التزامات متبادلة، وبالتالي يجوز لدولة أن تقبل بعض أحكام المعاهدة دون البعض الأخر، ومن ناحية أخرى فإن هذه المعاهدات غالباً ما يكون الانضمام مفتوحاً للدول الأخرى التي لم تشترك في إبرامها ولما كان انضمام الدول في هذه المعاهدات أمراً اختيارياَ فإنه بالتالي يجوز أن يكون هذا الانضمام جزئياً بقبول الدول المنضمة بعض نصوص المعاهدة دون البعض الآخر.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً