أقوى من القانون
اختراق قاعدة التدرج
لم يعد هنا شك في أن الأمر سيصل إلى أن يصبح غير مفهوم،عندما تخترق قاعدة تدرج القوانين من حيث القوة، فنرى القرار وقد ألغى قانوناً صادراً من جهة تملكه أقوى تشريعياً من الجهة التي أصدرت القرار وقد يكون هذا الإلغاء بشكل صريح أو ضمني.
وقد يكون هذا القول من الناحية النظرية غير مفهوم وغير مستساغ، لكن عندما يحدث وترى شواهده فإنك تستغرب الأمر في البداية، ولكنك عندما تطلع على الأمر فتجده حقيقة يدافع عنها ممن لا يعرفون من القانون إلا اسمه فقط، وقد لا يعرفونه فعلاً.
غير أن الموضوع إن كانت له خلفيات مصلحية فإنه يصبح نشازاً وانتهاكاً صارخاً لأبسط المبادئ التي يعرفها الشخص غير المتخصص فما بالك بالمتخصص!.
ولكون كتاباتي تستهدف الناس وخاصة غير المتخصصين فلا بد من بيان بعض المصطلحات التي هي بديهية لدى طلاب القانون ولكنها قد لا تكون كذلك لدى الذين لا علاقة ولا صلة لهم بعلوم القانون.
فكرة تدرج القاعدة للقانون:
القانون ليس نوعاً واحداً، بل هو ثلاثة أنواع تتدرج من حيث القوة فعلى قمة الهرم يقع الدستور ثم يليه القانون وفي المرتبة الثالثة اللائحة.
وهذا التدرج تقيض ألا يخالف الدستور، كما لا تستطيع اللائحة أن تخالف القانون أو الدستور وتصدر اللوائح في شكل قرارات تنظيمية وتوضيحية لقانون صدر، في الغالب ما تأتي بشكل أكثر تفصيلاً للقانون ولكنها لا تأتي بنصوص تخالف أو تعارض القانون.
الدستور:
مجموعة قواعد تنظم شكل الدولة ( جماهيرية – جمهورية- ملكية- إمارة،،،،،) وتبين الحقوق الأساسية للأفراد.
والدساتير قد تكون مكتوبة وقد لا تكون مكتوبة وإن كانت هذه الأخيرة قد تقلصت بشكل كبير.
كما أن الدستور قد يكون دستوراً جامداً غير قابل للتغيير إلا بشروط صارمة وقد يكون مرناً يستطيع الحكام التلاعب من خلاله بمصاير الشعوب ولذلك فإن أغلب الدساتير مرنة وما تغير مدد تولي الحكم من خلال الدساتير إلا شاهد على ذلك.
القانون:
يأتي القانون في المرتبة الثانية من حيث القوة بعد الدستور ولذلك فإنه لا يستطيع أن يأتي بقواعد تخالف من خلالها القواعد الدستورية ويقصد بالقانون أو التشريع العادي مجموعة قواعد قانونية تصدر في نطاق الدستور عن سلطة مختصة لتنظيم موضوع معين وفي ليبيا يتكفل مؤتمر الشعب العام بإصدار القانون بعد إقراره من المؤتمرات الشعبية الأساسية.
التشريع الفرعي( اللوائح):
ويطلق عليه أحياناً التشريع القانوني وهو يصدر عن السلطة التنفيذية بمناسبة تطبيق القانون، ويشمل اللوائح التنفيذية واللوائح التنظيمية واللوائح الخاصة بالضبط.
وفي الغالب ما يأتي التشريع الفرعي بشكل تفصيلي من أجل العمل على تطبيق القانون غير أن التشريع الفرعي لا يجوز أن يأتي بأحكام جديدة مخالفة لما جاء بالقانون الصادر بمناسبة اللائحة وبالتالي فهو يعتبر أقل قوة من القانون وبالطبع أقل قوة من الدستور.
إن هذا الترتيب في (القوة كما سبق القول) مقتضاه ألا ينتهك قانون صادر من جهة مختصة بقرار صادر عن لجنة شعبية مثلاً.
وبالتالي فإن مخالفة قرار صادر عن أمانة معينة أو حتى عن اللجنة الشعبية العامة لقانون صادر عن مؤتمر الشعب العام يبدو أمراً خطيراً وغير قانوني بل وحتى وقف سريان هذا القانون بقرار لا يجوز طالما أن القانون قد نصّ على سريانه من تاريخ يحدده في غالب الأمر في النص الأخير منه.
هذا وتبدو المسائل عسيرة عن الفهم عندما يحدث هذا الذي نقول به، ولا يمكن التعلل بأي سبب في هذا المجال ومهما كانت الظروف باعتبار منظومة الدولة (في الغالب) متكاملة إدارياً أو يفترض أن تكون كذلك ، وكان من الممكن لمصدر القانون أن يحدد سريان هذا القانون بمضي سنة من صدوره مثلاً أو يحجب هذا الصدور وإن كان له مقتضى أما أن يصدر القانون ثم يوقف سريانه خلافاً لما نص عليه فهو بدون شك اختراق لقاعدة أعلى بقاعدة أدنى وهو قلب للأمور والمفاهيم الراسخة والبديهية في أبسط قواعد القانون.
المقصود بإلغاء القانون:
يقصد بإلغاء القانون رفع القوة الملزمة وإنهاء العمل بها، فلا يصبح سارياً ابتداءً من هذا الوقت ورفع القوة الملزمة يؤدي إلى عدم التزام الأفراد بحكم القاعدة القانونية ويمنع القاضي من تطبيقها.
وإلغاء القاعدة القانونية قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً ويكون الإلغاء صريحاً إذا صدرت قاعدة قانونية تقضي صراحة بهذا الإلغاء وهي الصورة التي ينص فيها على توقيت سريان التشريع بمدة معينة وهو في هذا تشريع مؤقت ويصبح مُلغىًٍٍ إذا ما انتهت المدة المحدودة.
وقد يكون الإلغاء ضمنياً وفي هذه الصورة من الإلغاء لا يصرح المشرع بإلغاء القاعدة القانونية السابقة، ولكنه يفهم من تعارض قاعدة قانونية جديدة مع قاعدة سابقة أخرى ومن صور الإلغاء الضمني التعارض بين قاعدة قانونية قديمة وأخرى جديدة كذلك من صور الإلغاء الضمني تنظيم الموضوع نفسه من جديد.
وبالطبع فإن الإلغاء لا يمكن أن يكون إلا بذات الأداة أو بوسيلة أعلى فالقانون لا يُلغى إلا بقانون أو دستور و القرار لا يمكن أن يلغي قانونا أو يأتي بما يخالف ما ورد في هذا القانون أو يوقف سريانه.
ما هو الجزاء عند الاعتداء على قاعدة التدرج:
تقليداً كما سبق القول يتدرج التشريع إلى ثلاث درجات من حيث القوة، يكون الدستور وهو القانون الأول في المرتبة الأولى يتلوه التشريع العادي أو الرئيسي ويأتي التشريع العادي في أدنى درجات التدرج.
وهذا التدرج يستوجب أن يوافق التشريع الأدنى التشريع الأعلى فيجب ألا يخالف التشريع العادي التشريع الدستوري ولا يخالف القرار القانون ولا الدستور الذي يقع في أعلى سلم التدرج.
وفي حالة عدم التزام المشرع بهذا التدرج فقد اتخذت التشريعات المختلفة وسائل لإلغاء هذه التشريعات المخالفة و تنوعت بين رقابة صحة القوانين أو التصريح للمحاكم بالنظر في دستورية القوانين أو بالامتناع عن تطبيق القانون المخالف بإلغائه.
وفي ليبيا فإنه في حالة مخالفة قرار ما أو قانون للدستور والمبادئ الدستورية المنصوص عليها أو غير المنصوص عليها كحق المساواة والحق في الحرية وحق التقاضي – يجوز لكل صاحب مصلحة مباشرة أن يلجأ إلى المحكمة العليا للطعن في القانون أو القرار المخالف بعدم الدستورية .
ولقد نصت المادة الثالثة والعشرون المعدلة من القانون رقم 6 لسنة 1982م بشأن إعادة تنظيم المحكمة العليا الليبية على أنه تختص المحكمة العليا “دون غيرها” منعقدة بدوائرها المجتمعة برئاسة رئيسها أو من يقوم مقامه بالفصل في المسائل الآتية:
أولاً: الطعون التي يرفعها كل ذي مصلحة شخصية مباشرة في أي تشريع يكون مخالفاً للدستور.
ثانياً: أية مسألة قانونية جوهرية تتعلق بالدستور أو بتفسيره تثار في قضية منظورة أمام أية محكمة …
وتشكل الدوائر المجتمعة من عدد كافٍ من المستشارين بقرار من الجمعة العمومية (على أن يكون من بين أعضائها مستشار من كل دائرة من دوائر المحكمة على الأقل).
ومهما يكن من أمر فإن مجرد افتئات جهة أدنى على جهة أعلى وخرق قاعدة التدرج يُعدّ من الأمور الجد خطيرة على كيان الدولة و يُعدّ مساساً بهيبة مؤسساتها التي يجب أن تكون هي الأولى في العمل على عدم اختراق القانون الذي وضعته المؤتمرات الشعبية الأساسية.
وتبقى المسائل دائماً رهنا بالتطبيق و تجسيدا لمنظومة تؤصل نظرياً من خلال رؤى المجتمع المختلفة والمستقبلية .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً