الأنهار الدولية
لقد اصطلح الفقه الدولي ذي بدء على إطلاق وصف النهر الدولي على الأنهار الممتدة بين إقليمي دولتين أو أكثر، غير أن ثمة اصطلاحاً جديداً حل محل وصف النهر الدولي وهو اصطلاح (نظام المياه الدولية) وذلك حتى يكون الاصطلاح أكثر دقة وعمومية فيشمل المجرى الرئيسي للمياه، كما يشمل روافد هذا المجرى، سواء أكانت هذه الروافد من الروافد الإنمائية للمياه، أو من الروافد الموزعة لها.
* الوضع القانوني للأنهار الدولية:
يختلف حكم هذه الأنهار من حيث ملكيتها على الوجه التالي:
1- إذا كانت تجري في أقاليم عدة دول:
وفي هذه الحالة تختص كل دولة من هذه الدول بملكية الجزء من النهر الواقع في حدودها.
2- إذا كانت واقعة على حدود دولتين أو أكثر.
وفي هذه الحالة تملك كل دولة الجزء المجاور لها من النهر الذي الخط الأوسط للتيار الرئيسي إن كان النهر صالحاً للملاحة، وحتى الخط الأوسط لصفحة المياه إن لم يكن النهر صالحاً للملاحة.
الفصل الأول : نظام الملاحة في الأنهار الدولية
لكل دولة يمر بها نهر دولي حرية الملاحة في الجزء الداخل منه في ملكيتها الإقليمية وهذه نتيجة طبيعية لحق الملكية الثابت للدولة على الجزء من النهر الواقع داخل حدود إقليمها، أما الأجزاء من النهر الدولي خارج حدود إقليمها فلقد كان لا يسمح بالملاحة فيها إلا بناء على اتفاقيات خاصة وهذا ما كان يعوق التجارة الدولية، ولكن الأمر تطور فيما بعد حيث إقرار مبدأ حرية الملاحة في جميع أجزاء النهر صالحة لها من منبعه إلى مصبه لكل من الدول التي يقع في إقليمها أما الدول الأجنبية فقد ظلت إلى وقت قريب لا يسمح لها بحرية الملاحة في النهر الدولي.
– وقد بذلت محاولات لتطبيق مبدأ حرية الملاحة في الأنهار الدولية مما أسفر عن وضع لائحة الملاحة في الأنهار الأوربية أقرتا مؤتمر فيينا عام 1814 ولكن بقيت هذه الأمور حبراً على ورق لأن هذه الأحكام فسرت تفسيراً ضيقاً فاعتبرت أن المقصود سفن الدول الواقع في إقليمها النهر دون غيرها.
ولكن معاهدة باريس سنة 185 6 فتحت نهر الدانوب للملاحة الدولية بأوسع معانيها وتبعها عدة معاهدات تقرر مبدأ حرية الملاحة في الأنهار الدولية مما جعلها أمراً واقعياً واتجه هذا المبدأ نحو الاستقرار كقاعدة قانونية دولية عامة.
* اتفاقية برشلونة 1921:
وهي من أهم الاتفاقيات الدولية، حيث قررت مبدأ حرية الملاحة في الأنهار الدولية لجميع الدول المتعاقدة، وتعد هذه الاتفاقية الأساس القانوني العام للملاحة في الأنهار الدولية ولكن يرد عليها بعض الملاحظات:
1- اقتصرت قواعدها عل تنظيم الملاحة النهرية في وقت السلم دون أن تعالجها في وقت الحرب.
2- قصرت حرية الملاحة على السفن التجارية دون الحربية أو زوارق البوليس.
3- لم تتضمن نظاماً خاصاً لإدارة شئون الملاحة في الأنهار الدولية وتركت للدول حرية اختيار النظام الذي تراه مناسباً في هذا الشأن، فللدول حرية اختيار أي من أنظمة الإدارة الآتية:
أ- الإدارة الفردية:
وهي التي تقوم فيها كل دولة بإدارة شئون الملاحة في الجزء من النهر الذي يقع في إقليمها.
ب- الإدارة الإقليمية:
بأن تقوم الدول التي عبرت النهر في أقاليمها بإدارة شئون الملاحة فيه بصفة جماعية.
ج- الإدارة الدولية:
وذلك بأن تتولى شئون الملاحة لجنة دولية تتكون من ممثلين لجميع الدول التي لها مصالح خاصة في الملاحة في النهر الدولي، سواء أكانت من الدول الشاطئية أو غيرها.
4- ألزمت الدول المتعاقدة بعدم إقامة عراقيل أمام الملاحة في النهر، كما ألزمت الدول التي يمر النهر بأقاليمها بأعمال الصيانة لتيسير الملاحة النهرية، أما أعمال التحسين فقد جعلتها اختيارية وعلى الدول التي ترغب في إجراء بعض التحسينات أن تقوم بدفع التكاليف والمصروفات التي تستلزم إجراءها.
* وأخيراً أهمية هذه الاتفاقية نظرية لأنه لم تصدق عليها إلا 21 دولة وأغلبها لا يمر في أقاليمها أنهار دولية صالحة للملاحة، لذلك لا يمكن القول إن هناك نظاماً قانونياً عاماً يحكم الملاحة في الأنهار الدولية وأن كل نهر منها يخضع لنظام اتفاقي خاص بين الدول المنتفعة به.
ولما تجدر الإشارة إليه أن مبدأ حرية الملاحة يتعطل في حال وجود حرب تكون إحدى الدول الواقع في إقليمها جزء من النهر طرفاً فيها يكون من حق هذه الدولة أو الدول العودة إلى مبدأ السيادة المطلقة للدول الشاطئية.
الفصل الثاني: الاستغلال الزراعي والصناعي للأنهار الدولية
* الأغراض التي تستخدم فيها مياه الأنهار الدولية عديدة، منها:
1- الأغراض المنزلية العامة والصحية، كاستخدام المياه للشرب.
2- توليد الطاقة الكهربائية.
3- صيد الأسماك وأغراض صناعية أخرى.
ولقد انقسم الفقه في تكييف طبيعة حق الدولة في الاستغلال الزراعي والصناعي للأنهار الدولية إلى عدة نظريات، وذلك نظراً لعدم وجود اتفاقيات دولية في هذا الشأن، وتتلخص هذه النظريات فيما يلي:
أولاً- نظرية السيادة الإقليمية المطلقة:
تمارس الدولة وفقاً لهذه النظرية كافة الحقوق على الجزء من النهر الدولي الواقع في إقليمها دون أي قيد أو شرط فلها إقامة السدود ولها استثمار زراعياً وصناعياً.
ويتمسك بهذه النظرية بالدرجة الأولى الدول التي يقع في إقليمها المجرى الأعلى من النهر وهي الدول التي يمكنها أن تنتفع بمياهه من غير أن ينالها أي ضرر من المشروعات التي قد تقيمها الدول الأخرى الواقعة في المجرى السفلي من النهر الدولي، وهذه النظرية مرجحة الآن في إجماع الثقات من فقهاء القانون الدولي.
ثانياً- نظرية الوحدة الإقليمية المطلقة:
يذهب أنصار هذه النظرية إلى أن كل دولة يجري في إقليمها النهر الدولي لها الحق في أن يظل جريان المياه النهر على حال في إقليمها من حيث كم المياه وكيفها لأن النهر ككل يشكل وحده إقليمية واحدة لا تفصح عراها الحدود السياسية، حيث تكون سلطة الدولة على الجزء الذي يمر عبر إقليمها مقيدة بوجوب عدم التصدي للمجرى الطبيعي للنهر، فانتفاعها بمياه النهر مشروط بعد الإضرار بحقوق الدول الأخرى التي يمر النهر في أقاليمها.
وهذه النظري تقيم نوعاً من التوازن بين مصالح مختلف الدول التي يجري النهر في أقاليمها، وتمنع تحكم أي منها في مجرى النهر وفي مياهه على الوجه الذي يضر بحقوق الدول المشتركة في النهر الدولي.
ثالثاً- نظرية الملكية المشتركة:
يقرر أنصار هذه النظرية أن النهر الدولي بأكمله يعد ملكاً مشتركاً بين جميع الدول التي يجري النهر في أقاليمها وبالتالي تكون حقوق هذه الدول على النهر متساوية ومتكاملة فلا يجوز لدولة أن تقيم مشروع على النهر دون موافقة الدول الأخرى إذا كان هذا المشروع يؤدي إلى إحداث أي تأثير على جريان مياه النهر سواء بالزيادة أو النقصان.
وأنصار هذه النظرية قلة في الفقه، كما وأن العمل الدولي لم يتواتر على أساسها نظراً لاختلاف مصالح الدول السياسية والاقتصادية وتضاربها مما يجعل انتفاعها بمياه النهر على أساس من الملكية المشتركة بعيد الاحتمال.
* وقد دخل على النظريات السابقة تعديل حديث هو وجوب احترام حقوق الجوار فيجب على كل دولة أن تنتفع بالنهر محترمة حقوق الدول الأخرى التي يمر النهر عبر أقاليمها.
ومهما يكن من أمر هذه النظريات فإن القانون الدولي المعاصر يتضمن أصولاً في شأن استغلال مياه النهر صناعياً وزراعياً وتكاد تكون مجمعاً عليها فقهاً وقضاءً.
فلقد استقر العرف الدولي على التزام الدولة عند ممارستها لسيادتها عليه بعدم المساس بالأوضاع الطبيعية والجغرافية للنهر وبالحقوق المكتسبة للدول الأخرى وفي هذا الخصوص تسأل الدولة عن الأعمال التي تصدر عنها أو رعاياها والتي قد يترتب عليها إحداث تعديلات في مجرى النهر أو إعاقة اندفاع مياهه أو استغلال مياهه بطريقة تعسفية تؤدي إلى الإضرار بمصالح دول مجاورة أو تحول بينها وبين انتفاعها بمياه النهر بشكل مناسب.
وقد جرت العادة أن يتم تنظيم طريقة استغلال الأنهار الدولية عبر اتفاقات فيما بينها.
وبمراجعة هذه الاتفاقات نرى أن هناك مبادئ تراعيها الدول في هذه الاتفاقيات وهي:
1- مراعاة الحقوق المكتسبة للدولة المشتركة في النهر من حيث كميات المياه التي كانت تحصل عليها كل دولة في الماضي.
2- مراعاة التوزيع العادل لمياه النهر، ويتم ذلك عن طريق تقدير حاجة الدولة للنهر ومدى اعتمادها على مياهه والفوائد التي تعود عليها وعلى مجموع الدول المشتركة في النهر الدولي من المشروعات الجديدة المزمع إنشاؤها.
3- يجب على الدول الاعتداد بالقواعد التي اتفقت عليها من قبل الدول المشتركة في نهر دولي.
4- على الدولة التي ترغب في إدخال تعديلات في طريقة الانتفاع بنهر معين أن تدخل في مفاوضات مع الدول الأخرى المشتركة معها في النهر الدولي للحصول على موافقتها. فإذا لم يتم الاتفاق يجب عرض الأمر على التحكيم لتقريب وجهات النظر والوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، فإذا قامت الدولة بمثل هذه التعديلات أو الأعمال دون موافقة الدول الأخرى وبدون عرض النزاع التحكيم فإنه يترتب على ذلك مسئولية الدولة عن الأضرار التي تصيب تلك الدول نتيجة هذه الأعمال.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً