بحث قانوني مميز عن عقد النقل البحري للبضائع
المقدمـــــــة.
تقوم التجارة أساسا على تبادل السلع و المنتوجات بين الأشخاص، سواء كانوا في دولة واحدة أو دول مختلفة، و الغالب أن لا يستهلك ما ينتج في المكان ذاته بل ينقل إلى مكان آخر، و من ثم فالنقل يعتبر أهم وسيلة من وسائل الاتصال في عصرنا الحالي. هذا الأخير يتنوع بتنوع وسيلته و مجاله الذي قد يكون جوا بواسطة الطائرات، أو برا بواسطة العربات، و قد يكون بحرا و يتم بواسطة السفن. غير أنه في مجال التجارة -لاسيما الخارجية- فإن النقل البحري للبضائع يشكل النوع الغالب من بين أنواع النقل ذلك أن حصته تمثل حوالي ثلاثة أرباع التجارة الدولية.
ويشكل النقل البحري للبضائع في الجزائر، رافدا هاما و وسيلة رئيسية في حركة المبادلات التجارية.
و ترتبط عملية النقل البحري للبضائع باعتبارها وسيلة مادية بتصرف قانوني هو عقد النقل البحري للبضائع. هذا الأخير قد يتم بمقتضى مشارطه إيجار، أو بمقتضى وثيقة الشحن (سند الشحن).
و عقد النقل البحري للبضائع بمقتضى مشارطة إيجار هو “العقد المبرم بين مالك السفينة و الشاحن، بمقتضاه يؤجر المجهز للشاحن السفينة كلها أو بعضها، لرحلة أو لرحلات معينة أو خلال مدة معينة” . (1)
_________________________________________
(1).د.علي حسن يونس، العقود البحرية، دار الفكر العربي، القاهرة 1978،ص11.
ويتم استئجار السفينة بموجب اتفاقية، يلتزم بموجبها مؤجر السفينة، بأن يضع سفينة تحت تصرف مستأجر السفينة مقابل أجر. و يمكن أن يتم استئجار السفينة على أساس الرحلة أو لمدة زمنية معينة أو بهيكلها :
1. أما النوع الأول فيتعهد المؤجر في عقد استئجار السفينة على أساس الرحلة، بأن يضع كليا أو جزئيا، سفينة مجهزة و مسلحة تحت تصرف المستأجر، للقيام برحلة أو أكثر، و بالمقابل يتعهد المستأجر بدفع أجرة السفينة.
2. و النوع الثاني يتعهد المؤجر بموجب عقد استئجار السفينة لمدة معينة بأن يضع سفينة مزودة بالتسليح و التجهيز تحت تصرف المستأجر لمدة معينة، و بالمقابل يتعهد المستأجر بدفع أجرة السفينة، يعتبر أهم عقود المشارطات و يطلق عليه المشارطة الزمنية Time Charter.
3. و النوع الثالث يتعهد المؤجر في عقد استئجار السفينة بهيكلها، بأن يضع السفينة بدون تسليح أو تجهيز تحت تصرف المستأجر لوقت محدود، و يتعهد المستأجر بدوره بدفع الإيجار.(1).
و عقد النقل بمقتضى مشارطة إيجار عادة ما يكون فيه المستأجر في نفس القوة الاقتصادية للمؤجر، مما يسمح له بمناقشة شروط العقد، و تبعا له فإنه تنتفي الحاجة إلى حمايته. و عادة ما يستعمل هذا العقد في النقل على الخطوط الملاحية غير المنتظمة أي الجوالة Tramps التي تعتمد على فرص العرض و الطلب.
لكن هناك صورة أخرى لنقل بضائع الغير، و فيها ينصب العقد لا على السفينة بعينها بل كل ما ينظر إليه الطرفان هو نقل البضاعة من مكان إلى مكان، و لا يكون للمستأجر شأن بإدارة السفينة لا من الناحية الفنية و لا من الناحية التجارية. و تتبع هذه الصورة الآن غالبا في النقل الذي تباشره السفن المستغلة في خطوط منتظمة حيث يعهد الشاحن ببضاعته إلى وكيل شركة الملاحة لتتولى نقلها
_________________________________________
(1)- المواد 640،650،695 من الأمر رقم 76/80 المؤرخ في 29 شوال عام 1396 الموافق لـ 13 أكتوبر 1976 المتضمن القانون البحري الجريدة الرسمية عدد 29، الصادرة بتاريخ 21 ربيع الثاني عام 1397 الموافق لـ 10 أفريل 1977.
و تسليمها في المكان المعني، فهي توضع على السفينة التي تنقلها مع البضائع الأخرى المنقولة على ذات السفينة تنفيذا لعشرات أو مئات العقود الأخرى، و يكون الاعتبار الأول هو الخدمة التي يتعهد الناقل بتقديمها.
و سبب ظهور هذه الصورة أنه مع بداية القرن التاسع عشر و مع تقدم المبادلات التجارية بسبب الثورة الصناعية أصبحت السلع متعددة و متنوعة، و لم يعد محل النقل الغالب هو المواد الأولية أو السلع التي تشحن صبا في عنابر السفينة أو مخازنها بل كثرت السلع المصنعة و نصف المصنعة و التي تشحن معبأة في طرود أو صناديق و أصبح المجهز يتولى وحده إدارة السفينة سواء من الناحية الملاحية أو من الناحية التجارية، و لم يعد شريكا للتجارة الشاحنين كما لم يعد يؤجر مكانا لهم و لبضائعهم على السفينة، بل أصبح مجرد مقاول للنقل يتعهد بتنفيذ ما يستهدفه الشاحن التاجر و هو نقل البضائع إلى المكان المتفق عليه و تسليمها للمرسل إليه. وهذه هي صورة النقل الحديثة المعروفة بالنقل بسندات الشحن أي Sous-connaissement أو Bill of lading و هذه التسمية مستمدة مما جرى به العمل من عدم تحرير مشارطة أو ورقة تثبت شروط هذا العقد بل يكتفي عندما تشحن البضاعة بالفعل بتحرير ورقة تسمى سند الشحن.(1).
غير أننا نجد الناقلين في هذا العقد هم الطرف الاقتصادي الأقوى و يصعب على أي شاحن مواجهة الشروط التي يمليها الناقل في وثيقة الشحن لاسيما فيما يتعلق بالأجرة، و كذا إعفائه من المسؤولية في حالة هلاك أو تلف البضاعة. هذه الشروط ألحقت أضرارا بليغة بالشاحنين أدت بهم إلى المطالبة الحد منها، هذا الأمر أدى إلى نشوب نزاع كبير بين الشاحنين اشتركت فيه فيما بعد شركات التأمين و البنوك. ذلك أن المؤمن حينما يحل محل الشاحن في دعوى المسؤولية، هو أيضا يضار من هذه الشروط، حيث يدفع الناقل بعدم مسئوليته، و كذا الأمر بالنسبة للبنوك التي تقدم الاعتماد المستندي للشاحن المصدر،يعتمد على ائتمــان
_________________________________________
(1)- مصطفى كمال طه؛ مقال دراسات في مشارطات إيجار السفن، مجلة القانون و الاقتصاد، العدد الأول، سنة 1958، ص 65،66.
المستندات الممثلة للبضاعة،و أهمها وثيقة الشحن، فإذا ما تضمنت هذه الأخيرة شروطا للإعفاء من المسؤولية، أصبح الائتمان ضعيف و غير مجدي. و قد تضخم النزاع إلى أن أصبحت دولا أطرافا فيه، و انقسمت إلى دول ذات أساطيل كبرى تدافع عن الناقلين، و دول أخرى مصدرة أو مستوردة للبضائع تدافع عن الشاحنين، فصدر أول قانون و ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية في 13 فبراير 1893 سمي باسم واضعه “هارتر” للحد من هذه الشروط. و كان من أهم مزايا قانون هارتر أنه لم يكن متطرفا في محاربة هذه الشروط، لذلك لاقى استحسانا عاما، حيث تبنت أحكامه عدة دول أخرى كأستراليا و نيوزيلندا و كندا.
استمر النزاع رغم ذلك بين الشاحنين و الناقلين و كذا البنوك و شركات التأمين، إلى أن عقدت جمعية القانون الدولي سنة 1921 بناءا على طلب إنجلترا في لاهاي اجتماعا ضم ممثلي جميع الأطراف،و انتهى بوضع قواعد سميت بـ “قواعد لاهاي”
إلا أنها لم تكن موفقة بسبب أنها غير ملزمة و يتوقف تطبيقها على إدارة الأطراف، إذا كانت بمثابة سند شحن نموذجي، دعا أصحاب الشحن إلى تحرير سنداتهم على غراره و لم يخضع أي ناقل عقده له.
فدعيت الدول إلى مؤتمر دبلوماسي في بروكسل سنة 1922 لتجعل القواعد المنقولة من قواعد لاهاي مع تعديل الاتفاقية، و عين المؤتمر لجنة اجتمعت في 1923 لم تتمكن من تعديل أي نص، و في الأخير تم توقيع مشروع الاتفاقية في 25 أغسطس عام 1924 ببروكسل، و يتضمن بروتكول الاتفاقية أن للدول الموقعة أن تعطيها قوة القانون الداخلي أو أن تتضمن أحكامها قانونا داخليا. و تطبق المعاهدة في نطاق ضيق، ذلك أنها لا تحكم إلا العلاقات الدولية فقط، و هو ما نص عليه في المادة 10، حيث جاء فيها (تسري أحكام هذه المعاهدة على كل سند شحن يعمل في إحدى الدول المتعاقدة )، و هي لا تنطبق على النقل الثابت بمشارطة ايجار، و لا على النقل الخاص بالمشحونات غير العادية، و لا على نقل الحيوانات الحية و البضائع المشحونة على السطح ، و لا تنطبق على الملاحة الساحلية، ولا تحكم المعاهدة من العقد إلا الفترة البحرية الممتدة من الشحن إلى التفريغ.(1).
______________________________________
(1)-قانون رقم 98/05 المؤرخ في 25 جوان 1998 المعدل و المتمم للأمر رقم 67/80.
و لقد كان انضمام الجزائر إليها مبكرا منذ 13/04/1964 و لم يصدر القانون الداخلي إلا في 13 أكتوبر 1976 بموجب الأمر 67/80. و أعطى للمعاهدة بموجب المادة 747 قوة القانون الداخلي في النقل المتمم بين الموانئ الأجنبية، ضف إليه انه تضمن معظم أحكام المعاهدة.
و لقد تم تعديله بموجب قانون رقم 98/05.(2) فرفع بذلك الاحتكار على نشاط النقل البحري و فتحه أمام الأشخاص الخواص الطبيعيين و الاعتباريين.
و لقد استقر العرف البحري على استعمال سند الشحن كأداة لإثبات عقد نقل البضائع بطريق البحر، فهو الوسيلة القانونية لتنفيذ عملية النقل على الخطوط الملاحية المنتظمة و التي بموجبها يتم نقل الجزء الأكبر من البضائع من جهة و من جهة أخرى فإن بضاعة كل شاحن لا تكفي-عادة- لملئ سفينة بأكملها أو جزء هام منها، كما أن المرسل لا يختار السفينة لا يهتم بها بل يهتم بالشركة التي تتولى النقل أي شخصية الناقل بما يقدمه من خدمات .
نظرا لهذه الأهمية البالغة سوف نحصر دراستنا هذه لعقد النقل البحري للبضائع في عقد النقل البحري الذي سيتم بموجب سند الشحن دون سواه.
سيما و أن الموضوع لم ينل القدر الكافي من الدراسة و التحليل ضمن القواعد التشريعية الجزائرية خاصة بعد التعديلات الكثيرة و التي من شأنها السماح للأشخاص الطبيعية و المعنوية الخاصة الدخول في مثل هذه المعلومات القانونية التي من المتوقع أن تنتج عنها منازعات كثيرة في هذا المجال تجعل القاضي الجزائري معرضا للتصدي لها و هذا بالفصل فيها بأحكام أو قرارات تتماشى و تحافظ على توجهات الدولة الاقتصادية و تحقيق أهدافها في جلب المستثمرين الأجانب و طمئنتهم على إدارة رؤوس أموالهم كما هو جاري في أي دولة أخرى من الدول المتقدمة.
_________________________________________________
(1)- قانون رقم 98/05 المؤرخ في 25 جوان 1998 المعدل و المتمم للأمر رقم 67/80 المؤرخ في 23 أكتوبر 1976 و المتضمن القانون البحري.
و بصدد دراستنا لهذا الموضوع نجده لا يخلو من طرح العديد من الإشكاليات تتمحور حول :
• كيف يتم تنفيذ عملية النقل البحري للبضائع بموجب سند الشحن و ما هي القواعد التي تحكمه؟
• و ما هي الأحكام المطبقة لمسائلة الناقل البحري للبضائع ضمانا لحقوق الشاحنين لما يخل الناقل بمقتضيات العقد؟
• لذلك ارتأينا أن نقسم هذه الدراسة الى فصلين أساسيين هما:
– الفصل الأول : أحكام عقد النقل البحري للبضائع
– الفصل الثاني : أحكام مسؤولية الناقل البحري للبضائع.
الفصل الأول
أحكام عقد النقل البحري للبضائع
المبحث الأول
مفهوم و تكوين عقد النقل البحري للبضائع
المطلب الأول : مفهوم عقد النقل البحري للبضائع.
و نتطرق في هذا المطلب لتعريف العقد، و تبيان خصائه، و ما يميزه عن غيره من العقود من خلال الفروع الآتية:
الفرع الأول : تعريف عقد النقل البحري للبضائع.
عرفته المادة الأولى الفقرة (ب) من معاهدة بروكسل الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن الموقعة في 25 أغسطس 1924 و انضمت إليها الجزائر في 13/04/1964 على أنه “ينطبق فقط على عقود النقل المثبتة بسند شحن أو بأية وثيقة مماثلة تكون سند نقل الضائع بحرا، و كذلك ينطبق على سند شحن أو وثيقة مماثلة صادرة بسبب مشارطة إيجار السفينة ابتداءا من الوقت الذي ينظم فيه هذا السند العلاقات بين الناقل و حامل سند الشحن”(1).
في حين نظمت المادة 738 قانون بحري(2) على أن “يتعهد الناقل بموجب عقد نقل البضائع عن طريق البحر بإيصال بضاعة معينة من ميناء إلى ميناء آخر و يتعهد الشاحن بدفع المكافئة له و المسماة أجرة الحمولة”
ما نلاحظه أن كلتا النصين لم يعرفا عقد نقل البضائع لكن اكتفى النص الأول بذكر مجال تطبيق العقد في حين الثاني يسرد أهم العناصر المكونة لهذا العقد.
___________________________________________
(1) – فرغم اتفاقية بروكسل خاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن إلا أنها لم تعرف سند شحن و لم يرد في قواعد فيسبي ايضا، لكن اتفاقية هامبورغ التي أبرمت خصيصا لتحل محل اتفاقية بروكسل عرفت سند الشحن في المادة 1/7 بأنه”تثبت انعقاد عقد نقل بحري و شحن الناقل للبضائع مع تعهده بتسليم تلك البضائع مقابل استرداد الوثيقة.” و تعريف اتفاقية هامبورغ إذن يعتمد على وظائف العقد
(2) –أمر رقم 67/86 المؤرخ في 29 شوال عام 1396 الموافق لـ 23 أكتوبر 1976 المعدل و المتمم بالقانون رقم 98/05 المؤرخ في أول ربيع الأول 1419 الموافق لـ 25 يونيو 1998 المتضمن القانون البحري، الجريدتين الرسميتين رقم 29/1977، و رقم 47/1998 .
أما بالرجوع إلى المصادر الفقهية فنجد أعم الفقهاء يعرفونه على انه “العقد الذي يتعهد فيه الناقل بان ينقل بحرا بضاعة للشاحن لقاء اجر معلوم”(1). أو انه “هو العقد الرضائي الذي يلتزم بموجبه الناقل بان ينقل عن طريق البحر بضائع لحساب الشاحن في لقاء الحصول على اجر محدد”(2).
و للتعريف اكثر عن ماهية عقد نقل البضائع بحرا بموجب سند الشحن علينا استعراض مجموع العناصر المكونة له والتي أشار إليها نصي معاهدة بروكسل المادة 1/ب و القانون البحري المادة 738 و هي :
1. عملية النقل تتم بعقد :
وفقا للشريعة العامة فان العقد هو اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص اخرين، بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما.(3) و الالتزام المتضمن في عقد النقل البحري للبضائع هو التزام بفعل النقل الذي يعتبر التغيير المكاني للشيء، بمعنى نقله من مكان إلى آخر حسب الاتفاق.
2. البضائع:
حددتها المادة 1/ج من معاهدة في الأموال و الأشياء و البضائع و المواد من أي نوع كانت عدا الحيوانات الحية و المشحونات التي تذكر في عقد النقل أن نقلها يكون على ظهر السفينة و تكون قد نقلت فعلا بهذه الطريقة.
و لقد جعلت العبارة بهذه الصياغة محاولة من واضعي المعاهدة من توسيع مفهوم البضائع لتشمل كل ما يمكن نقله، ما عدى الحيوانات الحية و البضائع التي تشحن على السطح، هذه الأخيرة التي لم يستثنيها المشرع البحري الجزائري.
3. بطريق البحر:
يعتبر النقل بحريا إذا تم بواسطة سفينة نقل بضائع من جهة و من جهة أخرى أن تتم العملية بحرا. و هو النقل البسيط، أما إذا كان نقلا مختلطا كما لو تم جزءا منها بحرا و الجزء الآخر برا أو جوا، و هو الذي فصلت فيه المادة 769 قانون بحري بان القانون البحري يطبق على المرحلة البحرية أما الأجزاء الأخرى فيطبق عليها قانونها.
________________________________________
(1)- مصطفى كمال طه، المرجع السابق، ص 199
(2)-مصطفى كمال طه، القانون البحري الجديد، ص 245
(3)- المادة 54 قانون مدني جزائري الصادر بموجب أمر 75/58 المؤرخ في 20 رمضان 1395 الموافق لـ 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني، ج ر 78رقم الصادرة في 30 سبتمبر 1975.
لكن قد يحدث أن تكون عملية النقل متتابعة، مما يستوجب معه إبرام عقدي نقل متتابعين، في هذه الحالة إن كانت السفينتين مملوكتين لناقل واحد، فان العقد واحد لأنه يجوز مسافنة البضاعة من سفينة لأخرى خلال توقف الرحلة البحرية. أما إذا كانت السفينة الثانية غير مملوكة للناقل الأول فان الشاحن يكون مضطر للتعاقد مع الناقل الثاني، غير انه بإمكانه أن يعهد للناقل الأول بان يتعاقد لحسابه في ميناء تغيير السفينة مع الناقل الثاني و هنا هو يملك(الناقل الأول) صفة الوكيل بالعمولة، إلا أن العمل جرى على أن يصدر الناقل الأول سند شحن واحد لكل العمليات يذكر فيها ميناء التفريغ النهائي و تسمى وثيقة الشحن المباشرة التي نظمها المشرع الجزائري في م 764 إلى م 768 من القانون البحري، على عكس معاهدة بروكسل التي لم تنظمها.
4. إيصال بضاعة من ميناء إلى ميناء آخر :
بمعنى أن يحرك الناقل البضاعة من ميناء إلى ميناء آخر عن طريق البحر
5. اجر النقل :
هي مقابل قيام الناقل بتنفيذ التزاماته (المكافأة)
6. طرفا العقد:
بصفة أساسية هما الشاحن و الناقل (1)
الفرع الثاني : خصائص عقد النقل البحري للبضائع
يتميز عقد النقل البحري للبضائع بالخصائص الآتية:
1. عقد رضائي :
عقد النقل البحري عقد رضائي ينعقد بتطابق إرادتي الأطراف دونما حاجة لإجراء لاحق، و لا ينتقص من رضائية العقد انه يجب أن يكون مكتوبا، إذ أن الكتابة مشترطة للإثبات فحسب لا للانعقاد.
و الرضاء ضروري لقيام العقد، فإذا شحنت بضائع في السفينة بغير علم المجهز أو الربان جاز للربان ما دام في محل الشحن أن يخرجها من السفينة أو أن يأخذ عنها أجرة مضاعفة و ذلك دون الإخلال بحقه في التعويض عما قد يصيبه من أضرار. وإذا اكتشفت هذه البضائع أثناء السفر، فلربان أن يلقيها في البحر إذا كانت بطبيعتها مما يمكن أن تسبب أضرارا للسفينة أو لسائر الحمولة.(2)
_______________________________________
(1)- بودليو سليم ، رسالة ماجستير”عقد النقل البحري” سنة جامعية 99/00، جامعة باجي مختار عنابة، ص
(2)- و هو ما ورد في المادة 169 بحري مصري، مصطفى كمال طه، نفس المرجع، ص 200.
و في التشريع الجزائري يعد التصريح الكاذب بشأن النوع أو قيمة البضائع سببا من أسباب اعفاء الناقل من مسؤوليته أو الحد منها بحسب الأحوال.(1).
2. عقد ملزم الجانبين:
عقد النقل البحري ملزم للجانبين، حيث يقع على عاتق كل من طرفيه التزامات محددة. فالناقل يلتزم بنقل البضاعة و ذلك بان يتسلم البضاعة على سفينة صالحة للملاحة البحرية، ثم يقوم بتنفيذ عملية النقل، و تسليم البضاعة للمرسل اليه، اما الشاحن فعليه التزام بشحن البضاعة عند القيام، و دفع أجرة النقل عليها(2).
3. عقد معاوضة :
عقد المعاوضة يحصل فيه كلا المتعاقدين على مقابل ما يقدمه،(3) و في عقد النقل الناقل لا ينقل البضائع مجانا بل بمقابل و عليه فهو عقد معاوضة.
4. عقد فوري :
العقد الفوري هو العقد الذي لا يكون الزمن عنصرا جوهريا فيه، فيكون تنفيذه فوريا و لو تراخى التنفيذ إلى اجل و آجال متتابعة(4). و عقد النقل فوري و ليس زمني و لو استمر تنفيذه وقتا معينا.
5. عقد إذعان:
الأصل أن تكون شروط العقد محل بحث و مناقشة من طرفيه، و هذا هو الحال في عقد إيجار السفينة، أم عقد النقل البحري فليس في إمكان الشاحن أن يناقش الشروط التي يرفضها الناقل، فهو مضطر إلى التعاقد نظرا لما يتمتع به الناقلون من احتكار فعلي، فضلا عن تماثل الشروط. و بذلك اصبح عقد النقل البحري من قبيل عقود الإذعان التي يقتصر القبول فيها على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب و لا يقبل مناقشة فيها، و هو ما جعل المشرع يتدخل لفرض حماية اكبر للشاحنين من وطأة هذه الشروط (5).
_______________________________________
(1)- انظر الفصل الرابع: مسؤولية الناقل، من المادة 802 الى 816 تقنين بحري جزائري.
(2)-مصطفى كمال طه، قانون بحري جديد، نفس المرجع، ص 246
(3)-(4)- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني-نظرية الالتزام- الجزء الاول، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ص 166
(5)- مصطفى كمال طه ، نفس المرجع ، ص 200، 201.
ذلك أن الحاصل عملا أن وثائق الشحن يجري إعدادها سلفا بمعرفة شركات الملاحة وفق عقود نموذجية مطبوعة، و لا يكون للشاحنين حرية مناقشتها أو تعديل شروطها، و على الشاحن إما أن يقبل التعاقد على الوجه الذي فرضه الناقل او لا يتعاقد بالمرة.
و حتى في حالة وجود اكثر من ناقل في الميناء، فان الشاحن يظل عاجزا عن مفاوضة أي منهم في شروط وثيقة الشحن، نظرا للتشابه بين شروط الناقلين و أجور النقل التي يتفقون عليها في المؤتمرات البحرية .(1).
6. عقد النقل البحري للبضائع عقد تجاري:
و يعتبر عقد النقل البحري للبضائع عملا تجاريا بحسب الموضوع. طبقا للقواعد العامة في القانون التجاري(2) طالما أنه يتم في شكل مقاولة، و الناقل يعتبر مقاولا طالما أنه يقوم بإعداد جميع الوسائل اللازمة و الكفيلة لإتمام هذه العملية. و في كل الأحوال فإن عقد النقل البحري للبضائع بموجب سند الشحن هو استغلال تجاري للسفينة المتضمن تحت جناح الكتاب الثاني، فهو إذن عمل تجاري بحكم القانون الخاص الذي يحكم هذا المجال(3).
هذا و يبقى عقد النقل البحري للبضائع عملا مدنيا بالنسبة للشاحن الذي ليست له صفة تاجر و لا يقوم بنقل البضاعة لحساب أو خدمة لتجارته.
__________________________________________
(1)- د.صلاح محمد المقدم، تنازع القوانين في سندات الشحن و مشارطات إيجار السفينة (دراسة مقارنة في القانون البحري)، بيروت، الدار الجامعية للطباعة و النشر، ص 186، 187
(2)- المادة 2 قانون تجاري
كما نصت صراحة نفس المادة “…كل عقود التأمين و العقود الأخرى المتعلقة بالتجارة البحرية…”
(3)- لم توضح معاهدة بروكسل طبيعة عقد النقل البحري بموجب سند الشحن إن كان تجاريا أم لا. لكنها جاءت لتنظيم أحكام أحد السندات التجارية و التي عادة ما يتداولها تجارا لإدارة تجارتهم، و بالتالي فإن العمل لا يمكن تصوره سوى أن يكون عملا تجاريا.
الفرع الثالث : تمييزه عن غيره من العقود.
أولا : تمييزه عن عقد الوكالة .
الوكالة أو الإنابة هو عقد بمقتضاه يفوض شخص شخصا آخر للقيام بعمل شيء لحساب الموكل أو باسمه.(1) . لذلك هو يختلف عن عقد النقل، هذا الأخير ينشئ التزامات على عاتق طرفيه، في حين أن عقد الوكالة لا يرتب في ذمة الشخص الذي أوكل لإبرامه أي التزامات تتعلق بتنفيذ العقد، بل أثار العقد تنصرف إلى الموكل.
قد تكون الوكالة مجانية بينما عقد النقل فهو بمقابل و هو أجرة النقل.
ضف إلى ذلك أن الوكيل في عقد الوكالة يقوم بعمل قانوني، بينما الناقل أساسا يقوم بعمل مادي و هو نقل البضاعة من ميناء إلى آخر (2).
ثانيا : تمييزه عن عقد الوديعة :
الوديعة عقد يسلم بمقتضاه المودع شيئا منقولا إلى المودع لديه على أن يحافظ عليه لمدة و على أن يرده عينا(3). فيختلف عن الوديعة عقد النقل إذ أن الأولي قد تكون مجانية في حين الثاني دائما مقابل اجرة، كما ان عقد الوديعة يقتضي فقط حفاظ الشيء المودع، بنما الناقل في عقد النقل لا يحفظ الشيء و إنما يقوم بنقله من ميناء إلى آخر.
ثالثا: تمييزه عن عقد تقديم خدمات :
عقد العمل هو اتفاق يلتزم بموجبه أحد الأشخاص بالعمل لحساب شخص آخر صاحب عمل و تحت إشرافه و توجيهه لمدة محددة أو غير محددة مقابل اجر معين و محدد سالفا(4). و أهم ما يتميز به هذا العقد هو علاقة التبعية، فالعامل في عقد العمل يقوم بتقديم عمله و هو خاضع لرب العمل و يعمل تحت إشرافه و إدارته، بينما الناقل في عقد النقل مستقل تماما عن الشاحن في تنفيذ التزاماته، فهو لا يعمل تحت إشرافه و مراقبته، فكل منهما له مركزه الخاص و ليس لأحدهما أن يوجه و يراقب الآخر، المهم أن كل طرف ملزم فقط بتنفيذ التزاماته التعاقدية.
________________________________________
(1)- المادة 571 قانون مدني، الأمر رقم 75/58 مؤرخ في 26 سبتمبر 1975، ج ر رقم
(2)–A.ZAHI, Droit des transports, T1 cadres juridiques et institutionnels – contrat de transport de marchandises), Alger, Office des publications universitaires, 1991,P57.
(3)- المادة 590 قانون مدني ،
(4)- د / أحمية سليمان، التنظيم القانوني لعلاقات العمل في التشريع الجزائري، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1992، ص 77.
الفرع الرابع : وظائف سند الشحــن.
أولا : وصل استلام البضائع :
و هي الوظيفة الأصلية لسند الشحن حيث يثبت استلام الناقل للبضائع و شحنه لها وفقا للمادة 761 قانون بحري، و في الواقع العملي يمكن لسند الشحن أن يثبت أن البضاعة تم شحنها فعلا على متن السفينة و يسمى في هذه الحالة سند الشحن ” connaissament embarqué” و هو يدل على أن البضاعة بيد الناقل و تحت مسؤوليته، كما يعتبر ذلك الوصل دلالة على حقيقة البيانات الموجودة به و مطابقتها للبضاعة المشحونة.
ثانيا : أداة لإثبات عقد النقل البحري :
نصت على هذه الوظيفة المادة 748 قانون بحري، فسند الشحن يحقق و جود عقد النقل البحري من خلال البيانات و الالتزامات الواقعة على عاتق الطرفين و المدرجة في شكل شروط متفق عليها.
ثالثا : سند ملكية البضاعة :
و هي أحدث وظيفة لسند الشحن، حيث يعتبر حامل السند حائزا للبضاعة و انتقاله من حامل لآخر يرتب تحويل الحيازة، كما تسليمه يقوم مقام تسليم البضاعة وفقا للمادة 759/2 قانون بحري.(2).
_______________________________________
(1)- سليم بودليو، نفس المرجع، ص 18.
(2)-R.Rodière Emmanuel du Pontavice, Droit Maritime 12 ème , Précis Dalloz, 1997, P 322.
المطلب الثاني : تكوين عقد النقل البحري للبضائع.
يقوم عقد النقل البحري للبضائع على أركان ثلاثة هي: الرضا،المحل و الأجرة و يبرمه طرفان هما الشاحن و الناقل، لذلك سنتطرق على التوالي لـ:الأطراف- الرضا- المحل ثم أجرة النقل.
الفرع الأول : أطراف العقد.
الأصل انه يبرم بين طرفين هما الشاحن (المرسل) و الناقل لكن قد تمتد آثار العقد إلى شخص ثالث هو المرسل أليه.
اولا: الشاحن.
هو الشخص الذي يطلب نقل البضاعة الخاصة به أو بغيره من ميناء إلى اخر، فالشاحن قد يكون شخصا طبيعيا أو معنويا، خاصا أو عاما، و يمكن للشاحن ان يبرم العقد بصفة مباشرة مع الناقل أو مع وكيله الذي يكون مسؤولا أمامه عن تنفيذ العقد و هو ما يعرف بوكيل الشحنة.
ثانيا : الناقل.
هو من يقع عليه تنفيذ عملية النقل التي هي الهدف من إبرام عقد النقل. أو كما عرفته معاهدة بروكسل لعام 1924 المادة 1/”أ” “الناقل يشمل مالك السفينة أو مستأجرها المرتبط مع الشاحن بعقد نقل”. و يستقل بعد ذلك كل تشريع بتحديد من يكون مالكا للسفينة و الشروط الواجب توافرها فيه، و هو طبقا لمفهوم التشريع الجزائري “كل شخص طبيعي أو معنوي تكون السفينة مسجلة باسمه و مستغلة منه”. و هو مضمون المادة 47 قانون بحري.
ثالثا : المرسل إليه.
في بعض الأحوال يكون الشاحن بائعا للبضاعة و يقوم بإرسالها إلى المشتري و الذي لم يكن طرفا أساسيا عند إبرام العقد القائم بين الشاحن و الناقل. و يتم تعيين المرسل إليه في وثيقة الشحن وفقا لما نصت عليه المادة 784 قانون بحري كما يلي :
ا- عندما تكون وثيقة الشحن اسمية : اسم الشخص في وثيقة الشحن،
ب- عندما تكون وثيقة الشحن لأمر : الشخص الذي تكون الوثيقة لأمره، و في حالة تحويل الوثيقة ، آخر مظهر له،
ج – عندما تكون وثيقة الشخص لحاملها : الشخص الذي الوثيقة عند الوصل.
الفرع الثاني : الرضــــــــــا.
يخضع الرضا في شروط صحته للقواعد العامة في الالتزامات،و يتمثل الإيجاب بصفة أساسية في نشر (شهر) الرسوم و مجموعة النصوص التنظيمية التي تتضمن شروط النقل بما فيها الأسعار و الخدمات المقدمة من قبل الناقل، و يصبح الرضا متطابقا في الوقت الذي يبدي فيه الشاحن قبوله بهذه الشروط.
لكن قد يكون الناقل و الشاحن متباعدين( لا يجمع بينهما مجلس عقد موحد)، فان الرضا يتطابق وفقا لأحكام التعاقد بين غائبين، و الذي فصل فيه المشرع الجزائري باعتماد نظرية الوصول بنصه في المادة 67 من القانون المدني “و يفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان، و في الزمان اللذين وصل إليه فيهما القبول”
ولتحديد مكان و وقت إبرام العقد آثارا هامة على صعيدين اثنين هما الاختصاص القضائي من جهة و من جهة أخرى القانون المطبق على العقد.
كما يجب أن يكون الرضا المتبادل صادر عن أشخاص مؤهلة قانونا، أهلية خالية من العيوب ، لكن في عقود النقل البحري تكاد ألا تظهر فيه بعض العيوب، كما هو الحال بالنسبة لعيب التدليس (باستثناء حالة التصريح الكاذب)، و عيب الاكراه، في حين أن عيب الغلط في طبيعة البضاعة كثيرا ما يطرح.
إلا أن الإرادة المعيبة في عقد النقل البحري لا تؤدي إلى إبطال العقد حتما كما هو الحال في الشريعة العامة للعقود، بل غالبا ما يعدل العقد بالزيادة أو الإنقاص في الالتزامات(الأجرة).
كما انه لا يبطل عقد النقل البحري بمجرد ان المرسل لم يتمعن في بنود العقد بشكل دقيق.
و يبقى إذن العقد غير قابل للإبطال إلا بسبب عيب التدليس و هو الحال لما يقدم المرسل تصريحات كاذبة بطريقة لو علم الناقل بطبيعة البضاعة الحقيقية لما اقدم معها على التعاقد، كما يبطل عقد النقل البحري بمجرد إخطاء الناقل في طبيعة تكوين البضاعة(1).
الفرع الثالث : المحـــــــل.
إن موضوع عقد النقل البحري يتمثل في تغيير مكان البضاعة و مهما كانت طبيعتها الكيميائية : صلبة – سائلة – أم غازية.
المهم أن يكون مشروع التعامل فيها تجاريا فيكون العقد بذلك صحيحا، فما هو معيار المشروعية؟ إن معيار المشروعية يختلف في الواقع بحسب ما إذا كنا في ظروف عادية أم ظروف استثنائية :
ا- ففي الأحوال العادية، فإننا نجد أنفسنا أمام حالات خاصة تخلق وضعية عدم الشرعية:
• كالمنع القاطع لنقل بعض المواد، كالأسلحة الحربية، إلا إذا كان هذا النقل مرخصا، و هذا العقد يقع باطلا بطلانا مطلقا.
• إما المنع في حالة نقل بعض السلع بواسطة سفن عادية غير مكيفة بحسب طبيعة هذه السلع : كنقل مواد خطيرة ، أو مواد سريعة التلف كاللحوم مثلا، و التي يستوجب نقلها توفير ظروف خاصة، هنا البطلان نسبي، لأنه يجب في البداية أن يمد المرسل الناقل بجميع المعلومات الخاصة بالبضاعة المراد نقلها،
فمسؤولية الناقل في توفير السفينة مرتبطة بهذه التصريحات.
_______________________________________
(1)- AMAR ZAHI.OPCIT pages 63,64,65.
ب- في الظروف الاستثنائية، فان عدم مشروعية المحل ناجمة عن التعامل و نقل المواد الغذائية في أوقات الأزمات الاقتصادية و النزاعات المسلحة، و في هذه الحالة فان بطلان عقد النقل البحري يكون بطلانا مطلقا.
• من جهة أخرى فان موضوع عقد النقل البحري يجب أن ينصب على بضائع موجودة أو ممكنة الوجود، و إلا اصبح بطلانا لانعدام وجود المحل(1)
الفرع الرابع : أجرة النقــــــــل
هي القيمة المالية المحددة وفقا لبنود عقد النقل البحري الذي يجب على المرسل إليه دفعها للناقل مقابل التغيير المكاني للبضاعة، و في النقل البحري يتعارف عليها باسم “المصاريف les frais” .
هذا و إن القانون البحري و إن نص على وجود التزام بدفع الأجرة في المادة 797 قانون بحري إلا أنه لم يتطرق إلى أسس و كيفيات التحديد و هذا الصمت يقودنا إلى العديد من الاستنتاجات:
أولا: أن المشرع قد ترك مجالا مفتوحا لحرية التفاوض في الأجرة بين الناقل و الشاحن و هذه الحرية مقيدة بقانون العرض و الطلب الذي تفرضه سوق النقل.
ثانيا: انه غالبا ما تحدده رسوم النقل مسبقا و خلال المؤتمرات الدولية البحرية و هي الأخرى مبنية على أساس قانون العرض و الطلب.
و في كل الأحوال فان تحديد الأجرة في عقد النقل البحري أمر لا يخلو من الاعتماد على المسافة، الوزن ، طبيعة و حجم البضاعة، و هي عناصر اقتصادية ذات أهمية في تحديد الأجرة.
______________________________________
(1)- AMAR ZAHI.OPCIT pages 65,66.
و تحديد الأجرة ناجم عن اتفاق الطرفين أثناء إبرام العقد، و في حالة إغفال هذا العنصر فإنه على الطرف المستعجل رفع دعواه أمام القاضي، هذا الأخير يفصل في المسالة معتمدا على ظروف التعاقد، كالسعر المطبق على هذا النوع من النقل دون الآخر (نوعية الخدمات)، المعاملات السابقة بين الناقل و الشاحن…(1).
و هكذا فإذا قام عقد النقل البحري للبضائع صحيحا منتجا لآثاره، فانه يمكن المحاجاة به فيما بين طرفيه و كذا في مواجهة الغير، فكيف يمكن إثباته؟
و عليه نتناول في المبحث الثاني إثبات عقد النقل البحري للبضائع.
______________________________________
AMAR ZAHI.OPCIT pages 66,67,68,69.(1)
ِالمبحث الثاني : إثبات عقد النقل البحري
إن عقد النقل البحري للبضائع عقد رضائي ينعقد بموجب تطابق الإيجاب و القبول و لا يشترط لانعقاده شكل خاص، إما من حيث إثباته فهو عقد تجاري يجوز إثباته بكافة الطرق، لكن تعود المتعاملون في هذا الميدان على تحرير وثيقة تثبت عملية النقل و سموها وثيقة الشحن أوconnaissement”” و اعتمدوا عليها بصفة أساسية إلى جانب وثائق نقل أخرى تقل عنه أهمية.
لذلك نقسم هذا المبحث إلى مطلبين، يبحث الأول في وثيقة الشحن و الإثبات بموجبها في حين يبحث المطلب الثاني في الإثبات بموجب الوثائق الأخرى.
المطلب الأول : إثبات وثيقة الشحن .
أهم وسيلة لإثبات عقد النقل البحري للبضائع هي وثيقة الشحن لذلك سنتناولها بالدراسة من حيث: التعريف بها، شكلها و طرق تداولها، من حيث الإثبات ثم دورها أو وظيفتها على التوالي.
الفرع الأول : التعريف بوثيقة الشحن .
تثبت عملية النقل البحري للبضائع طبقا للمادة 749 قانون بحري بموجب سند الشحن و على الرغم من أهميته و كثرة تداوله، فان سند الشحن لم تعرفه لا معاهدة بروكسل و لا القانون البحري. لكن التعريف المستنبط من خلال المصطلحات القانونية المستعملة على ان سند الشحن يعتبر”الوثيقة التي يعترف بموجبها ربان السفينة(الناقل) بتلقيه البضاعة المذكورة فيه على متن السفينة(1).
الفرع الثاني : شكل وثيقة الشحن و طرق تداولها.
أولا : بيانات وثقة الشحن.
بعد استلام البضائع يلتزم الناقل أو من يمثله بناءا على طلب الشاحن بتزويده بوثيقة شحن تتضمن قيودا بهوية الأطراف و البضائع الواجب نقلها و عناصر الرحلة الواجب إتمامها و أجرة الحمولة الواجب دفعها(2) و عليه فان بيانات سند الشحن هي كالآتي :
1. هوية الأطراف :
– اسم الشاحن و عنوانه
– اسم و عنوان الناقل و صفته (مالكا للسفينة أو مستأجرا لها)، و إذا لم يذكر اسمه عد مجهز السفينة هو الناقل.
– اسم الربان و محل إقامته، و إن كان هذا البيان يتغافل عنه نظرا لأن الربان هو الذي وقع على الوثيقة ، و من ثم سوف يعرف بهويته.
– اسم و عنوان المرسل إليه، و لا يدرج اسم المرسل إليه في سند الشحن إلا إذا كان هذا السند إسميا،
__________________________________________________ _____
(1)- AMAR ZAHI – OPCIT Page 77.
(2) – المادة 748 قانون بحري و المادة 03 فقرة كالتا معاهدة بروكسل لعام 1924
بيد أن الغالب أن سند الشحن للآمر، و قد يكون في القليل النادر للحامل.(1).
2. بيان البضائع الواجب نقلها:
سند الشحن هو أساسا إيصال بالبضائع المشحونة، لذلك يجب أن يتضمن تعينا للبضاعة المشحونة من حيث النوع و المقدار، و هو الشيء الذي حدده المشرع.
1. العلامات الرئيسية و الضرورية للتعريف بالبضائع على الحالة المقدمة فيها كتابيا من قبل الشاحن قبل البدء بتحميل هذه البضائع، إذا كان طبع و ختم هذه العلامات واضحا و بأي شكل كان
2. عدد الطرود و الأشياء و كميتها و وزنها
3. الحالة و التكييف الظاهران للبضاعة (2)
فهل يعني أن تخلف أحد البيانات سيؤدي إلى بطلان السند؟ لا يوجد لا في القانون البحري و لا معاهدة بروكسل نصا يبطل أو يجعل السند غير صالح للإثبات بهذا السبب، من جهة أخرى نجد أن الشاحن يظل مسؤولا في مواجهة الناقل عن تصريحاته فيما يخص البضاعة إذا ما كانت خاطئة أو كاذبة، إلا أن مسؤولية الشاحن على هذا الأساس لا تعدم مسؤولية الناقل تجاه الغير عن الالتزامات المترتبة عن العقد.(3)
فهل يجوز للناقل أن يدرج في وثيقة الشحن تحفظات على هذه البيانات؟ أوجب القانون البحري على الشاحن تقديم البيانات الخاصة بالبضاعة كتابة ليمكن قيدها في سند الشحن و هذه البيانات يجب أن تكون صادقة و مطابقة لحالة البضاعة، و طبيعتها، و للناقل مصلحة واضحة في التأكد من صحتها لانه سـوف
____________________________________________
(1) – مصطفى كمال طه، المرجع السابق، ص 204،205
(2) – المادة 752 قانون بحري
(3) – المادة 753 قانون بحري
يكون مسؤولا على نقلها و تسليمها بالحالة المذكورة في سند الشحن. و لما كان الناقل لا يجد الوقت الكافي لفحص البضاعة أجاز له القانون إجراء تحفظات عند كتابة البيانات المتعلقة بالبضائع في سند الشحن.(1)
إلا أن المشرع راعى التقييد في ذلك لأن الإفراط في وضع التحفظات يضعف من حجية السند في الإثبات و يشكك فيما تضمنه من بيانات . فوضعت معاهدة بروكسل لعام 1924 قيدين على الناقل عند وضع تحفظاته(2) و هما :
1. توافر لديه سبب جدي يحمله على الشك فيها(البيانات).
2. عندما لا تتوفر لديه الوسائل الكافية للتحقق منها.
و التحفظات التي تدرج في سند الشحن إن كانت صحيحة (متوافرة على أحد الشرطين السابقين). فانه لا يترتب عليها إعفاء الناقل من المسؤولية عن العجز أو التلف الذي يلحق بالبضاعة عند الوصول. بل تؤدي إلى نقل عبئ الإثبات و جعله على عاتق الشاحن أو المرسل إليه. أي يجوز لهما إثبات وزن البضاعة الحقيقي أو عددها أو حالتها عند الشحن و إن التلف ناشئ عن خطأ الناقل أو تابعيه ، و للشاحن أو المرسل إليه إثبات ذلك بكافة الطرق بما فيها القرائن.(3)
هذه التحفظات إذا ما أدرجت في وثيقة الشحن، تؤدي إلى عرقلة تداولها، إذا كانت إذنية أو لحاملها و إضعاف ائتمانها، ذلك أن القواعد البنكية لا تسمح للبنوك إلا باعتماد وثائق الشحن النظيفة عند الصرف في الاعتمادات المستندية و على هذا فإذا قام البائع بتقديم وثيقة شحن غير نظيفة،
______________________________________________
(1)- مصطفى كمال طه، القانون البحري الجديد، ص 249، 250.
(2)- تبنى المشرع الجزائري البحري نفس التقييدات من خلال المواد 755 و 756 منه
(3)- مصطفى كمال طه، المرجع السابق ، ص 207، 208.
فلن يستطيع الحصول على ثمن البضاعة من البنك المفتوح لديه الاعتماد المستندي(1). و تسهيلا لانتقال سند الشحن، فلقد جرى العمل على أن يقوم الناقل بإصدار سند شحن نظيف إلى الشاحن و هو ما يطلق عليه.Clean bill lading و يتفق فيه الطرفان على إصداره خاليا من التحفظات و هذا بذكر كل البيانات المتعلقة بالبضاعة معتمدة من الناقل، و بذلك يمكن تداوله دون عراقيل. و يحصل الناقل في المقابل على خطاب ضمانLettre of indemnity و هو عبارة عن تعهد يصدره الشاحن يذكر فيه التحفظات التي كان الناقل يحرص على ذكرها في سند الشحن، و يتعهد فيه بتعويض الناقل عما يصيبه من أضرار بسبب إصدار سند الشحن النظيف و هذا عند ظهور عجز أو تلف في البضاعة على خلاف ما ذكر في السند.(2)
إلا أنها تعتبر باطلة و عديمة الأثر في مواجهة الغير، و تقتصر حجيتها إلا فيما بين لناقل و الشاحن، كما يجوز للغير التمسك بها تجاه الشاحن.(3)
3.عناصر الرحلة الواجب إتمامها :
أ/اسم السفينة :
و هي السفينة التي تنتقل على متنها البضائع فيذكر فيه اسمها و جنسيتها، و تبدو أهمية هذا البيان في تمكين الشاحن أو المرسل إليه من معرفة السفينة التي تنقل عليها البضاعة و الاستعلام عن ميعاد وصولها لسحب البضاعة منها.
إذا لم تعين السفينة في سند الشحن فنكون أمام “السند باسم الشحن”.
__________________________________________
(1)-د.سامي عفيفي حاتم، التأمين الدولي، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الثانية سنة 1988، ص 166.
(2)-د.مصطفى كمال طه، القانون البحري الجديد، ص 251، 252
(3)- المادة 757 قانون بحري.
تمييزا له عن سند الشحن الذي تعين فيه السفينة {Shipped bill of leading } و قد ذاع استعماله لأسباب ثلاثة :
1- انه يمكن للشاحن إرسال السند إلى المرسل إليه قبل شحن البضاعة
2- شركات الملاحة التي تسلم لها البضاعة لنقلها لا تسمح لها الظروف دائما
بتعيين السفينة التي ستنقل عليها البضاعة.
3- الناقل يستطيع أن يطالب بأجرة النقل دون انتظار لشحن البضاعة.
و رغم ذلك السند برسم الشحن اظهر الكثير من العيوب فمن بيده هذا السند لا يعرف أين توجد البضاعة و ليست لديه أية وسيلة للتحقق مما إذا كانت البضاعة قد شحنت أم لا ، و لا من معرفة تاريخ وصول البضاعة.(1).
ب/تاريخ إصدار السند :
لهذا البيان أهميته لانه يحدد وقت انتقال البضاعة إلى يد الربان و يحمله منذ ذاك الحين المسؤولية الناجمة عن الهلاك أو التلف أو التأخير(2). كما يذكر تاريخ شحنها فعلا و تاريخ الإبحار.
ج/عدد النسخ:
يلزم الناقل أو من يمثله بتزويد الشاحن بنسخ مماثلة عن وثيقة الشحن التي يراها هذا الأخير ضرورية. و تبين عدد النسخ الصادرة على كل نسخة من هذه النسخ(2). و لكن العمل جرى على تحرير سند الشحن من نسختين: نسخة للربان ، و نسخة للشاحن يبعث بها إلى المرسل إليه ليتسلم البضاعة بمقتضاها. و قد يحرر اكثر من ثلاث نسخ من سند الشحن درءا لمخاطر الضياع و السرقة و بوجه خاص في أوقات الحروب و الأزمات الدولية،
________________________________________
(1)- مصطفى كمال طه ، المرجع السابق، ص 209، 210.
(2)- المادة 760/1 قانون بحري.
فيعطي الشاحن عدة نسخ من سند الشحن يحتفظ بواحدة منها و يرسل الباقي للمرسل إليه بطرق مختلفة زيادة في ضمان وصولها إليه. و إذا حرر سند الشحن من عدة نسخ و كان السند للآمر أو لحامله، وجب أن يذكر في كل نسخة منها أنها “قابلة للتداول” أو “غير قابلة للتداول” مع بيان عدد النسخ و بشرط إلغاء سائر النسخ في حال استعمال إحداهما. فيقال”حرر من كذا نسخة ، و التسليم بمقتضى إحداها يبطل ما عداها من النسخ”.(1)
د/توقيع الربان و الشاحن :
يجب أن تكون وثيقة موقعا عليها من الربان، و من الشاحن أيضا. و هو ما يتفق مع وظيفة وثيقة الشحن المعدة لإثبات الشحن و عقد النقل.
و/الإخطار عن نوعية البضائع الخطرة :
و على الشاحن إحاطة الناقل علما بالبضائع الخطرة ليكون له الخيار بنقلها أو رفض ذلك، كما أن الشاحن ملزم بضرورة وضع تحذير على هذه البضائع و بيان كيفية الوقاية منها و ذلك أن الشاحن يعد مسؤولا قبل الناقل عن تعويض الضرر الذي قد ينجم عن عدم صحة البيانات التي يدلي بها(2).
________________________________________
(1) – و يجب على الناقل أو الربان بوصفه نائبا عنه أن يوقع على النسخة الخاصة بالشاحن ، و هذه النسخة هي وحدها التي تكون قابلة للتداول و هي تعطي حاملها الشرعي حق استلام البضاعة او التصرف فيها، و يجوز تحرير عدة نسخ منها، مصطفى كمال طه، القانون البحري الجديد ، الصفحة رقم 248.
(2) مصطفى كمال طه، القانون البحري الجديد ، ص 250،251.
ثانيا : طرق تداولها .
يجوز أن يكون سند الشحن باسم شخص معين أو للحامل.(1)
1. وثيقة الشحن الاسمية :
قد تكون وثيقة الشحن باسم شخص معين، و وثيقة الشحن الاسمية غير قابلة للتداول بالطرق التجارية، و يلزم لانتقالها اتباع إجراءات حوالة الحق المدنية.(2) أي قبول الربان للحوالة أو إبلاغه بها. و ليس للربان أن يسلم البضاعة إلا للشخص المعين في السند طبقا للمادة 759 قانون بحري، أو للشخص الذي انتقل إليه السند بطريق حوالة الحق.
فلا يستطيع المستفيد منها أن يطالب الربان بتسليمه البضاعة حتى و لو لم يقدم له الوثيقة ، بل يكفي بان يثبت بأنه الشخص المعني في الوثيقة. و لا تقبل دعوى المسؤولية ضد الناقل البحري إذا رفعت من شخص لم يرد اسمه في الوثيقة لا بوصفه شاحنا أو مرسلا أو محالا له، ما لم يستنتج من محتوياتها أن المرسل إليه هو و كيل عن المرسل إليه الحقيقي.(3)
2. وثيقة الشحن للآمر :
الغالب أن تكون وثيقة الشحن للآمر، لأمر الشاحن أو لآمر المرسل إليه، و هي قابلة للتداول عن طريق التظهير بموجب المادة 759 قانون بحري، و يجب أن تذكر عبارة الآمر صراحة في وثيقة الشحن حتى يمكن تداولها بطريق التظهير، إذ أن وثيقة الشحن ليست للآمر بطبيعتها خلافا للسفتجة و السند لآمر.
ويطبق عليها في مسالة التظهير الأحكام المتعلقة بتظهير السفتجة طبقا للمواد 396 إلى 402 قانون تجاري.
________________________________________
(1) – المادة 759 قانون بحري
(2) – المواد من 239 الى 250 قانون مدني.
(3) – مصطفى كمال طه ، المرجع السابق، ص216.
و من ثم يجوز أن يقتصر التظهير على مجرد توقيع المظهر على ظهر سند الشحن بشرط تأريخه. و يترتب على تظهيره نقل ملكية البضاعة و حيازتها للمظهر له، و من ثم لا يجوز للربان تسليم البضاعة إلا له و لو كان التظهير على بياض، و لا يجوز له أن يحتج في مواجهة المظهر إليه بالدفوع التي قد تكون له تجاه الشاحن المظهر، ما لم يثبت أن المظهر إليه يتصرف بالوكالة عن الشاحن. و على خلاف الأوراق التجارية لا يقوم التضامن بين الموقعين و لا يشمل ضمان المظهر إلا وجود البضاعة المشحونة و صحة العقد.(1).
3. وثيقة الشحن لحاملها :
تنص المادة 759 قانون بحري على أنها تكون كذلك بتسليم وثيقة الشحن، فتكون قابلة للتداول بمجرد التسليم، و على ربان السفينة أن يسلم البضاعة لكل من يحملها، إلا انه ينذر إصدارها لما يتعرض له صاحبها من ضياع أو سرقة.(2)
الفرع الثالث : حجية وثيقة الشحن في الإثبات
1- جحتها فيما بين طرفيه:
لوثيقة الشحن حجية كاملة في الإثبات فيما بين طرفيه الشاحن و الناقل، و تشكل دليلا على عقد النقل و شروطه و الأجرة المتفق عليها، و أيضا على حصول الشحن في التاريخ المذكور فيها، و تثبت بوجه الخصوص تسليم الناقل للبضائع كما هي مبنية في وثيقة الشحن.
إلا أن حجية وثيقة الشحن بين طرفيه ليست مطلقة بل يجوز إثبات عكس بيانات الوثيقة، فللناقل مثلا أن يثبت انه لم يتسلم كمية البضائع الواردة فيها(3)(4).
_________________________________________
(1) – مصطفى كمال طه، المرجع السابق،ص 216 ، 217
(2) -مصطفى كمال طه، المرجع السابق،ص 217
(3) -المادة 761 قانون بحري و المادة 03 فقرة رابعا من معاهدة بروكسل عام 1924
(4) – قررت المحكمة العليا أن إثبات الاستلام تم عكس ما في وثيقة الشحن بالطرق القانونية الأخرى، قرار في 12/09/1995، ملف رقم 132510، المجلة القضائية، عدد خاص 1999.
و لا يجوز إثبات عكس الكتابة إلا بالكتابة طبقا للقواعد العامة، إلا أن إثبات عكس ما ورد في وثيقة الشحن يتم بكافة طرق الإثبات لأننا نطبق أحكام القواعد التجارية.(1)
2-حجتها بالنسبة الى الغير:
لا تقتصر حجتها على طرفي العقد، بل تكون حجة على الغير كالمرسل إليه و المؤمن على البضائع ، و لا ترد على حجية وثيقة الشحن في مواجهة الغير استثناء من القواعد العامة، فلا مكن للناقل إثبات عكس ما جاء فيها إزاء هذا الغير شريطة أن يكون حسن النية لا يعلم بعدم صحة هذه البيانات.(2). و على العكس يجوز لهذا الغير أن يقيم الدليل على عكس ما ورد في وثيقة الشحن إذا ما كانت له المصلحة في ذلك و هذا بكافة الطرق.
الفرع الرابع : وظيفة وثيقة الشحن.
لسند الشحن العديد من الوظائف تتمثل في :
1.وصل استلام البضائع:
و هو الوظيفة الأساسية لسند الشحن حيث يثبت استلام الناقل للبضائع و شحنه لها وفقا للمادة 761 قانون بحري، و في الواقع يمكن لسند الشحن أن يثبت أن البضاعة تم شحنها فعلا على متن السفينة و يسمى Received for shipment و هو يدل على أن البضاعة بيد الناقل و تحت مسؤوليته، كما يعتبر ذلك الوصول دلالة على حقيقة البيانات الموجودة به و مطابقتها للبضاعة المشحونة.
________________________________________
(1) -مصطفى كمال طه، المرجع السابق،ص212، 213.
(2) –المادة 761 قانون بحري.
2.أداة لإثبات عقد النقل :
طبقا للمادة 748 قانون بحري سند الشحن يحقق وجود عقد النقل البحري من خلال البيانات و الالتزامات الواقعة على عاتق الطرفين و المدرجة في شكل شروط متفق عليها. و بذلك يؤدي سند الشحن في عقد النقل دور مشارطة الإيجار في عقد إيجار السفينة.
3.سند ملكية البضاعة:
يعتبر حامل السند حائزا للبضاعة و انتقاله من حامل لآخر يرتب تحويل الحيازة. كما أن تسليمه يقوم مقام تسليم البضاعة وفقا للمادة 759/2 قانون بحري(1).
__________________________________________
(1)- R.Rodiedre Emmanuel du Pontavice – OPCIT P.
المطلب الثاني : إثبات العقد بوثائق و وسائل أخرى.
إن الأولوية دائما تغطي الكتابة، لكن هذا لا يعني استبعاد الطرق الأخرى في إثبات عقد النقل البحري، و بالفعل فان القضاء في العديد من قراراته يقبل إثبات عقد النقل البحري للبضائع و على غرار جميع العقود التجارية بوسائل أخرى (1) أو بوثائق أخرى. و هو ما سوف نتطرق إليه من خلال ما سيأتي .
الفرع الأول : إثبات العقد بوثائق أخرى.
تنقسم هذه الوثائق إلى وثائق تشبه وثيقة الشحن و تصدر بمناسبة تنفيذ عقد النقل، و وثائق أخرى لم توضع أساسا لإثباته، و إنما يجوز أن تكون كذلك.
أولا : بوثائق النقل الأخرى.
عقد النقل ينطبق فقط على عقود النقل المثبتة بسند شحن أو بأية وثيقة مماثلة تكون سند نقل البضائع بحرا.(2) و من هذه الوثائق نجد : الإيصال المؤقت، السند من أجل الشحن، و أوامر التسليم و سند الشحن بمناسبة مشارطة الإيجار.
1- الإيصال المؤقت :
هو الإيصال الذي يسلمه الربان للشاحن عند شحن البضائع على ظهر السفينة، و هذا الإيصال مخصص لان يستبدل مقابل سند الشحن عليه بيان “مشحون” عند تمام عملية الشحن، و نادرا ما يحصل أن يكون لآمر أو يلقى به للتداول ، و أن اصبح كذلك تسري عليه آثار سند الشحن الإسمي.
___________________________________________
(1) –عندما يصدر بين تاجرين، لكن قد يكون العقد مختلطا فيمكن للزبون (الشاحن) اللجوء إما لقواعد القانون المدني أو قواعد القانون التجاري بحسب اختياره، في حين ان الناقل لا يمكنه الاعتماد في إثبات العقد إلا قواعد القانون التجاري .
AMAR ZAHI.OPCIT, Page 70.
(2)-المادة 1 فقرة ب معاهدة بروكسل سنة 1924
2-السند من اجل الشحن (برسم الشحن)
يستطيع الشاحن بعد تحميل البضائع على متن السفينة أن يطالب بأن تتضمن وثيقة الشحن عبارة”مشحونة” و كذلك اسم السفينة و بيان و تاريخ التحميل(1)، و لا يعتبر هذا السند سندا حقيقيا، فهو يمثل وعدا بالشحن لكن بسبب الضرورات التجارية استعمل كبديل مفيد لسند الشحن. و لقد أقرت كلا من معاهدة بروكسل و القانون البحري على اعتباره سندا مثبتا لعقد النقل، حتى و لو لم يستعمل الشاحن حقه في طلب استبدال سند من اجل الشحن بسند”مشحون”.(2).
3-أوامر التسليم :
قد يشحن الشاحن البضاعة بكميات كبيرة و بموجب سند واحد، و أثناء الرحلة يباع لعدة اشخاص، و على اعتبار انه يوجد سند شحن واحد لا يتجزأ فان العمل البحري، جرى على أن يصدر الشاحن لمصلحتهم صكوكا خاصة تسمى بأوامر التسليم. و هي ثلاثة أنواع:
1.أوامر التسليم يوقعها البائع وحده
2.أوامر تسليم يوقعها الربان أو أحد ممثلي المجهز(ناقل)
3.أوامر تسليم يوقعها آمين الحمولة
فلا انه لا يعتبر سندا مماثلا لسند الشحن سوى الذي يوقعه المجهز (الناقل) أو ممثله القانوني، أما ما يعرف بإذن التسليم فانه لا يرقى إلى مرتبة أمر التسليم، ذلك أن دوره هو تسليم البضاعة عند الوصول فقط.(3).
________________________________________
(1)- المادة 3 معاهدة بروكسل 1924 و المادة 751 قانون بحري
(2)- ارجع الى الصفحة 27،28 من المذكرة لتفاصيل اخرى تتعلق بالسند من اجل الشحن.
(3)- د.احمد محمود حسني، النقل البحري الدولي للبضائع و الحوادث البحرية طبقا لمعاهدات بروكسل و تعديلاتها، ص 17،18.
4-السند الصادر بمناسبة عملية النقل بمشارطة إيجار
النقل بموجب مشارطة إيجار في معاهدة بروكسل لعام 1924 و القانون البحري غير مشمول بأحكامها، لأنه تطغى عليه الحرية التعاقدية و استثناءا تطبق عليه عندما يصدر سند الشحن تنفيذا لهذا العقد، و يكون ذلك عندما ينظم العلاقات فيما بين أطرافه (الناقل و حامل السند)، و تقرر هذا الحكم لحامل سند الشحن الذي لم يكن طرفا في مشارطة الإيجار و لا يعلم بما قد يكون مدرجا فيها من أحكام، طبقا للمادة 746 قانون البحري و ما يجب ملاحظته انه لم يحدد بالضبط الوقت الذي يحكم فيه العلاقات بين أطرافه، عكس معاهدة بروكسل لعام 1924 المادة الأولى فقرة “ب” التي حددته ابتداء من الوقت الذي ينظم فيه هذا السند العلاقات بين الناقل و حامل سند الشحن.
ثانيا : إثباته بوثائق أخرى.
هذه الوثائق أو المحررات لم توضع بغرض إثبات العقد و لكن يمكن أن تقدم كدليل أمام القضاء لإثبات عقد النقل البحري للبضائع، و هي الوثائق التي نصت عليها المادة 30 قانون تجاري:
أ/ الفواتير
ب/ الرسائل
ت/ دفاتر الطرفين.
الفرع الثاني : إثبات العقد بوسائل الإثبات المختلفة.
الإثبات في القواعد العامة للقانون التجاري يكون بالبينة أو بأية وسيلة أخرى إذا رأت المحكمة وجوب قبولها(1).
فيجوز إذن إثبات العقد بكافة وسائل الإثبات الأخرى غير الكتابة، و تتمثل في شهادة الشهود و القرائن و الإقرار و اليمين، و التي للقاضي سلطة تقديرية في موازنتها.
_______________________________________
(1) – المادة 30 قانون تجاري.
المبحث الثالث : آثار عقد النقل البحري للبضائع.
تنفيذ عقد النقل البحري يبدأ منذ وضع البضاعة و الوثائق المتعلقة بها بين يدي الناقل و ينتهي بتسليمها للمرسل إليهم الشرعيين، بمعنى الشخص المحدد أو المنوه عنه على وثيقة النقل أو لممثله الشرعي، و بين هاتين المرحلتين الأساسيتين تتداخل العديد من العمليات التي يختص بتنفيذها بحسب الأحوال : الناقل، المرسل أو المرسل إليه.(1) و هذا رغم أن عقد النقل البحري للبضائع يبرم بين الطرفين الأساسيين: الناقل و الشاحن إلا أن أثره قد يمتد إلى شخص ثالث لم يكن طرفا عند إبرامه و هو المرسل إليه.
و توضع هذه الالتزامات موضع تنفيذ من خلال المراحل الرئيسية التي يقوم بها كل ملتزم من خلال العقد و التي قسمناها إلى مطلبين: أثار العقد بالنسبة للناقل، و ثم أثاره بالنسبة للشاحن و المرسل إليه.
المطلب الأول : أثاره بالنسبة للناقل.
إن الالتزامات المترتبة على عاتق الناقل يمكن تصنيفها بحسب ترتيبات عملية النقل إلى التزامات : قبل الرحلة – أثناء الرحلة – بعد قيام الرحلة – و نتطرق إليها بالترتيب .
الفرع الأول : التزاماته قبل الرحلة البحرية.
و من أهم هذه الالتزامات أن يجعل السفينة صالحة للسفر، و إعداد العنابر و غرف السفينة و التزامات أخرى نفصلها كالأتي :
أولا : جعل السفينة صالحة للسفر
يتعين على الناقل قبل بدء الرحلة، السهر على العناية اللازمة بوضع السفينة في حالة صالحة للملاحة(2). و اشتراط هذا الوصف في السفينة يقوم ضمنا حيث يفترض- حتى لو لم ينص عليه صراحة- ما دام العقد ينشئ على الناقل التزام بإيصال البضاعة عن طريق البحر في ظروف طبيعية و عادية و هذه بالضرورة تفترض أن تكون السفينة صالحة للغرض المنشود.
____________________________________________
(1)-AMAR ZAHI, OPCIT, Page 89
(2)- المادة 770″أ” من القانون البحري.
و يمكن القول أن المقصود بصلاحية السفينة للملاحة أن تكون عند الرحيل سليمة، قوية، تحتمل في الظروف العادية الملاحة المطلوبة منها، و أن تزود بكل الوسائل و الأجهزة اللازمة لحفاظ البضاعة و بالنظر إلى الخدمة المطلوبة من السفينة بمقتضى العقد. و الالتزام بتقديم سفينة صالحة لا يعني أن تكون ممتازة”Perfect” لا تضعف إلا أمام خطر غير عادي، و إنما المقصود أن تكون على درجة من الكفاءة يقتضيها مجهز حريص و منتبه، و بالنظر إلى كافة الظروف المحتملة، و هنا يكون تعهد الناقل مطلقا و لا عذر له في الجهل، فان وجد في السفينة عطب يطرح السؤال الأتي : هل كان المجهز(الناقل) حريص على إصلاحها قبل السفر و كان يعلمه؟
فان كانت الإجابة بنعم، فالسفينة غير صالحة.
وعلى العموم فإن الاجتهاد القضائي(1) قد وضع العديد من المعايير للصلاحية:
1.أن يكون بدن السفينة سليما، أي قويا يحتمل الملاحة في البحار.
2. أن تكون مزودة بوسائل الدفع و القوى المحركة اللازمة و الكافية بالنظر إلى حجمها و حمولتها.
3. أن تكون بها المعدات و الأجهزة التي جرى العرف على الاستعانة بها في نفس نوع الملاحة و السفن، كالبوصلة و الخرائط و المراسي و المضخات …
4. أن يكون بها الوقود الكافي منذ بداية الرحلة على الأقل حتى وصولها إلى أول ميناء يسمح لها بالرسو عنده، و إلا كانت مهددة في الطريق.
و يقيم الناقل الدليل على أنه وفي بالتزاماته هذا بإثبات أنه بذل العناية الكافية و التي تفرضها القوانين و كذا طبيعة النقل، فان عجز عليه أن يسعى لإثبات المجهودات التي بذلها لتحقيق النتيجة المطلوبة و إثبات توافر الصلاحية للملاحة يجري عادة بتقديم الناقل شهادة تثبت ذلك التي تكون سارية المفعول إلى غاية وقوع حادث من شأنه أن يغير حالة السفينة، و تظل الشهادة شركة الإشراف أو أي شهادة من جهة الإدارة تقيم مجرد قرينة بسيطة لصالح المؤجر على إخفاء العيب(2).
________________________________________
(1)- الاجتهاد القضائي الفرنسي و المصري
(2)- مصطفى كمال طه، مقال دراسات في مشارطات ايجار السفن، من ص109 الى 121
و الصلاحية لا تنطبق فقط على الناحية التقنية بل تشمل الناحية القانونية فعلى كل سفينة تقوم بأعمال الملاحة البحرية، يجب أن تحمل على متنها شهادات الملاحة المسلمة من قبل السلطات الإدارية البحرية، و هذه الشهادات المخصصة للسفينة حسب نوع الملاحة التي تقوم بها السفينة هي :
أ/شهادة الجنسية؛
ب/دفتر التجارة؛
ج/رخصة أو بطاقة المرور (1)؛
و في الغالب السفينة معينة في عقد النقل البحري، لكن التعيين ليس نهائي لأن الناقل له الحق في إحلال سفينة أخرى محلها، من نفس المواصفات قادرة على إتمام عملية النقل بدون تأخر.(2)
ثانيا : تجهيز السفينة و تطقيمها و تموينها
يجب على الناقل تنفيذ التزاماته ، أن يحرص على أن تكون للسفينة طاقم كافي و مؤمن و تجهيزات ضرورية و كل ما تحتاج إليه السفينة من زيوت و وقود…الخ.
ثالثا: إعداد غرف و عنابر السفينة
يتعين على الناقل قبل بدء الرحلة أيضا تنظيف و ترتيب و وضع جميع أقسام السفينة التي ستوضع فيها البضائع و جعلها بحالة جيدة لاستقبالها و نقلها و حفظها.(3).
رابعا : تكفل الناقل بالبضاعة
يبدأ عقد النقل البحري بمجرد اخذ الناقل البضاعة على عاتقه و ينتهي بتسليم البضاعة إلى المرسل إليه، أو إلى ممثله القانوني.(4)(5)فتكفل الناقل بالبضاعة هو أهم الخطوات في تنفيذ العقد، و بمعنى تكفل الناقل بهذا الالتزام هو تعبير عن إرادته بقبوله بعقد النقل البحري و من ثم نقطة انطلاق لتحمل مسؤولياته. و التكفل بالبضاعة مصطلح اقره المشرع الداخلي (القانون البحري) و كذا الدولي (معاهدة بروكسل لعام 1924)
________________________________________
(1)- المادة 189 قانون بحري
(2)-AMAR ZAHI – OPCIT Page 98.
(3)- المادة 770 بند ج قانون بحري
(4)- المادة 739 قانون بحري
(5)- قرر ت المحكمة العليا أن مسؤولية الناقل تبدأ منذ تكفله بها حتى التسليم إلى المرسل إليه، قرار بتاريخ 17/12/1987، ملف رقم 59509، غير منشور.
لكن ليس هناك ثمة اتفاق حول تحديد وقت بداية التكفل بالبضاعة، ففي حين تكتفي المادة 739/1 قانون بحري بذكر ( يبدأ…… بمجرد أخذ الناقل البضاعة على عاتقه و ينتهي بتسليم البضاعة) فيكون الناقل قد تسلم البضاعة من وقت وضعها تحت تصرفه أو تصرف ممثله القانوني و كان في استطاعته أن يمارس حقه بنفسه أو عن طريق ممثله في فحص البضاعة و التأكد من مطابقتها لبيانات سند الشحن، لكن بمصطلحات معاهدة بروكسل عام 1924 و بالتحديد المادة الأولى الفقرة هـ فان (نقل البضائع ينسحب إلى الوقت الذي ينقضي بين شحن البضائع في السفينة و بين تفريغها منها) تعطي مفهوما مفاده أن مسؤولية الناقل البحري محصورة بين واقعتي الشحن و التفريغ و من ثمة تنطلق مسؤوليات منذ بداية عملية الشحن، ففي هذه اللحظة يمكننا اعتبار أن الناقل قد تسلم البضاعة.
و يميل بعض الفقه إلى اعتماد ما جاء بنص م 739/1 قانون بحري، أي توسيع مسؤولية الناقل بصدد تسليم البضاعة و اعتباره متكفلا بها منذ لحظة قبوله نقل البضاعة و عزمه إذن على تأمين نقلها و تغيير مكانها بحسب الاتفاق.(1)
و تعتبر لحظة تكفل الناقل بالبضاعة الأكثر مناسبة لإجراء الرقابة على حالة و حجم البضاعة، فيمكن للناقل أن يرفض البضاعة بسبب عدم استجابتها للشروط النظامية للنقل البحري أو بنود عقد النقل البحري، أو أن يقبلها مع إبداء تحفظاته إن وجدت ، و غياب التحفظات هو قرينة على قبول تسلم البضاعة كما وصفها الشاحن في وثيقة الشحن، إلا أنها تبقى قرينة بسيطة يمكنه الناقل إثبات عكس ما ورد فيها بجميع الطرق(2).
خامسا : الشحـــــــن.
يقوم الناقل بموجب الالتزامات الملقاة عليه بالعناية التامة على تحميل البضاعة.(3) و هو ما يصطلح عليه بالشحن
و هو عملية وضع البضاعة على ظهر السفينة و سواء تم ذلك بالرافعات أو الآلات أو الأنابيب أو المضخات، أي بحسب البضاعة المراد شحنها.(4)
________________________________________
(1,2)-AMAR ZAHI, OPCIT Pages 96,97,98.
(3)-المادة 773 قانون بحري و المادة 3 فقرة ثانيا معاهدة بروكسل لعام 1924
04)- يونس علي حسن، أصول القانون البحري ، ص 327.
و يحصل الشحن في الميناء المتفق عليه في العقد، فعلى السفينة أن تتواجد به في الميعاد المتفق عليه(1)، و يجب أن ينصب الشحن على البضاعة التي حصل الاتفاق عليها، فيجوز للناقل(الربان) رفض شحن غيرها، كما له أن يمتنع عن شحن البضائع ذات الخطورة الخاصة بسبب عدم تصريح الشاحن بذلك.(2)
و في الموانئ الجزائرية فإن عملية الشحن (وكلك التفريغ) يختص في كل شخص طبيعي من جنسية جزائرية أو شخص اعتباري خاضع للقانون الجزائري و ذلك وفقا للشروط المحددة عن طريق عن طريق التنظيم (3)، و تشمل المناولة من بين ما تشمل عليه عمليات شحن البضائع(4). و يتكلف القائم بعملية الشحن بإبرام عقد من الناقل مقابل دفع مبلغ مالي، و يسمى العقد بعقد المناولة.
ويختلف الشحن باختلاف الوسيلة المستعملة : برافعات السفينة أو برافعات الرصيف أو بالرافعات العائمة، أو بالأنابيب إذا تعلق الأمر بسوائل كالبترول، أو بمضخات كالحبوب، و قد يتم بالأيدي(5). و قد يتم تجميع كميات متفاوتة من البضائع بداخل أوعية شحن”الحاويات”.
ويجب على الشاحن أن يقوم بالشحن و التفريغ في أسرع وقت ممكن حتى لا تتعطل السفينة، و يتفق عادة على الميعاد في العقد، و إذا لم يتفق عليه وجب اتباع حكم العادة في الميناء، و هذه العادة قد تختلف من ميناء لآخر و حتى في الميناء الواحد باختلاف نوع السفينة و طبيعة البضاعة(6)
و لما كانت طبيعة الشحن تختلف عن النقل البحري و إنما تمهد له فقط، فهو عمل مادي يجوز إثباته بكافة الطرق، إلا انه جرت العادة على أن يسلم الربان الشاحن سند شحن بالبضاعة التي شحنت لحسابه في السفينة، و الذي يحرر خلال 24 ساعة بعد الشحن، مع ذلك درج العمل على تسليمه إيصالا مؤقتا.
أما تسليم سند الشحن فيتراخى إلى ما قبل السفر(7).
________________________________________
(1)- و لا يبدأ التنفيذ الا من وقت الشحن، فلا تعتبر الرحلة التي تقوم بها السفينة في سبيل الذهاب الى ميناء الشحن بداية تنفيذ عقد النقل، يونس علي حسن، المرجع السابق ، ص 327
(2)- المادة 774 قانون بحري
(3)- المادة 892 من قانون رقم 05/98 المؤرخ في 25 جوان 1998 المعدل و المتمم الامر رقم 80/76
(4)- المادة 119 من قانون رقم 05/98
(5)(6) مصطفى كمال طه، المرجع السابق ،ص619، ص 220.
(7) يونس علي حسن ، المرجع السابق ، ص 365، ص 366
سادسا : الــــــــرص.
الرص هو وضع البضاعة في المكان المعد لها في السفينة و ترتيبها مع بعضها أو بالنسبة إلى غيرها بشكل يجنبها الهلاك أو التلف أثناء النقل و يقي السفينة و الحمولة من الخطر.(1)
و الرص عمل فني يلتزم به الناقل بموجب عقد النقل و يدخل في وظائف الربان من أجل المحافظة على البضاعة و سلامتها، فيظل الربان مسؤولا عن عيب الرص و لو حصل اتفاق في عقد النقل أن الشاحن هو الذي يقوم به، لذلك فان العيب في الرص هو خطأ تجاري، لكن يمكن اعتباره خطأ ملاحيا متى ترتب عليه اختلاف في توازن السفينة. و عيب الرص يكون خطأ تعاقديا، لانه يتضمن إخلال الناقل بأحد التزاماته في عقد النقل، لذلك يكون خطأ الناقل مفروضا كلما وصلت البضاعة تالفة أو هالكة. و يتعين على الناقل رده إلى السبب الأجنبي ليدفع عنه المسؤولية. فعادة ما يسعى الربان لدى وصوله إلى الميناء المقصود للحصول على شهادة بسلامة الرص قبل تفريغ البضاعة و التي يحررها فنيون، و التي لا تكون لها حجية إلا إذا حررت بحضور المرسل إليه أو وكيله.(2).
و لا توجد قواعد خاصة بإجراء الرص، و إنما الأمر متروك للأصول الفنية التي استقر عليها العمل في الموانىْ بحسب طبيعة البضاعة، و كقاعدة عامة أيضا فان الرص على السطح غير جائز و هو ما تؤكده المادة 774 قانون بحري و كذا معاهدة بروكسل لعام 1924، إلا أنه يرد على هذا الحكم و في صلب نفس الحكم استثناءان هما :
أ/ لا يجوز التحميل و الرص على سطح السفينة إلا ضمن الشروط التي لا تحد من أمن الرحلة البحرية و عندما يكون التحميل في هذه الحالة نظاميا.
________________________________________
(1)- لرص البضائع قواعد فنية تضمنتها معاهدات دولية أهمها معاهدة لندن لسنة 1930 الخاصة بخطوط الشحن
(2)- يونس علي حسني ، المرجع السابق، ص 367.
و متعارف عليه بوجه العموم(1). وهذا الاستثناء جاء استجابة لما ترفضه طبيعة بعض البضائع كالمواد الخطرة و كذا نظرا لحجمها كالاخشاب، اذ يستحيل رصها داخل العنابر بل و أن رصها من شأنه أن يخل بتوازن السفينة، لذا لا يمكن اعتباره خطأ من جانب القائم بذلك حتى و لو انعدام الإذن الصريح.
ب/و يجوز الرص على السطح إذا تحصل الناقل على إذن من الشاحن بموجب اتفاق بين طرفي الاتفاق(2)، و لم يوضح المشرع كيفية حصول الإذن هل يكون كتابيا أم شفهيا. عكس ما ورد في معاهدة بروكسل لعام 192، و التي أخرجت من نطاق تطبيقها البضائع التي يتم رصها على سطح السفينة إذا كانت سارية المفعول، و هو ما يستفاد من نص المادة 1 فقرة “ج” التي جاء فيها “… و المشحونات التي يذكر في عقد النقل ان نقلها يكون على ظهر السفينة و تكون قد نقلت فعلا بهذه الطريقة”.
الفرع الثاني : التزاماته اثناء الرحلة البحرية.
النقل هو الغرض الأساسي الذي يسعى إليه الشاحن و الالتزام الرئيسي الذي يتعهد الناقل بتنفيذه، و يتحصل في توصيل البضاعة من ميناء الشحن إلى ميناء الوصول، فإن الناقل مجبر على إجراء النقل في الوقت المتفق عليه، فإذا لم يوجد اتفاق ففي مدة معقولة، بإتباع خط سير المعني في العقد، و على متن السفينة المعنية في العقد، محافظا طوال الرحلة على البضائع المنقولة . هذه المسائل سوف نتطرق إليها من خلال الفروع الآتي ذكرها:
أولا : الطريق المتبع.
يجب على الناقل أن ينقل البضاعة عبر الطريق المبلغ أو المتفق عليه، و إن لم يتفق عليه فبالطريق العادي، و لا يعد مخالفة لعقد النقل البحري أي تغيير للطريق لما ينقذ الأشخاص و الأموال أو يحاول ذلك، كما لا يعد مسؤولا عن أي خسارة تنجم عن ذلك.(3)
________________________________________
(1)– المادة 774/1 قانون بحري
(2) -المادة 774/2 قانون بحري
(3)-المادة 775 قانون بحري
فالناقل ملزم باتباع خط السير المنصوص عليه في عقد، فإذا لم تحصل الإشارة إلى ذلك و كانت السفينة تتبع خط سير محدد من قبل فانه يراعي في تنفيذ العقد، فإذا لم يكن للسفينة خط سير معين قبل الإبحار فانه من الواجب على الربان اتباع الخط الأقصر و الأكثر أمنا. و يجب عليه أن يقوم بالرحلة المقررة على خط مستقيم En Droiture ، فلا يجوز له ان ينحرف في السير أو أن يعود إلى موانئ و سبق له الرسو عندها.
مما يقتضي معه عدم الرسو في موانئ غير متفق عليها ما لم تضطره الضرورة الملحة، كإنقاذ أشخاص أو أموال في البحر. و إلا اعتبر مسؤولا في حالة هلاك البضاعة أو تضررها. و عادة ما يسمح في سند الشحن للربان بموجب شرط الرسو في الطريق بالموانئ التي قد تصادفه في خط السير المحدد دون تغيير منحاه أو الرجوع إلى الوراء.(1)
ثانيا : ميعــــاد النقل
يجب أن تنقل البضاعة في مدة مناسبة (2). فإذا لم يتفق الطرفان المتعاقدان على الميعاد الذي يجب أن يتم فيه النقل، فيفترض انهما اتفقا على أن يتم النقل في مدة عادية معقولة مع مراعاة نوع السفينة و قوتها و طبيعة البضاعة. و إذا لم يتم النقل في الميعاد المحدد فان ذلك يوجب مسؤولية الناقل و يلزمه بالتعويض تجاه الشاحن بسبب التأخر(3).
ثالثا: تغييــــر السفينة
يجب على الناقل في حالة توقف الرحلة لسبب ما و تحت طائلة التعويض عمل ما يلزم لتأمين مسافنة البضائع و نقلها حتى ميناء الوصول المقرر(4).
________________________________________
(1) – علي يونس حسن ، المرجع السابق، ص 370
مصطفى كمال طه، المرجع السابق، ص 238، 239
(2) – المادة 775 قانون بحري
(3) – مصطفى كمال طه، المرجع السابق، ص 239
(4) – المادة 776 قانون بحري
لأن النقل يتم بواسطة السفينة التي شحنت فيها البضاعة ابتداء. فلا يجوز للناقل تغييرها في الطريق إلا إذا أصبحت غير صالحة للملاحة، و قد يتفق الطرفان على احتفاظ الناقل بحق تغيير السفينة أثناء الطريق Faculté de transbordement ، و يستفاد قبول الشاحن في حالة تعاقده مع شركة ملاحة لها خط مباشر نحو ميناء الوصول.
و يقع على عاتق الناقل في هذه الحالة بنفس الالتزامات السابق تفصيلها من توفير سفينة بديلة صالحة للملاحة، و أن يتخذ الاحتياطات الكفيلة بالمحافظة على البضاعة و العناية بها أثناء تفريغها و إعادة شحنها على السفينة الجديدة و على الناقل أيضا إخطار الشاحن بحصول النقل على متن سفينة أخري و يرسل إليه سند الشحن المسلم من الربان الثاني، حتى يتمكن من تسلم بضاعته عند الوصول، ومن التأمين على المخاطر الرحلة على ظهر السفينة الجديدة(1) و مصاريف مسافنة البضاعة تقع على عاتق الناقل فلا إذا ابعد عنه سبب توقف الرحلة البحرية، و في كل الأحوال يحتفظ باجرة الحمولة المقررة عن كامل الرحلة (2).
رابعا : العناية بالبضاعة
فالناقل مكلف بالعناية التامة بالبضاعة و أن يخصها أثناء عملية نقلها بعناية عادية حسب الاتفاق بين الأطراف و حسب الأعراف، و إذا اقتضت عناية خاصة بالبضائع يجب على الشاحن أن يبلغه بذلك و إن يبين ذلك كتابيا على البضائع إذا أمكن.(3) لانه في حالة عدم إعلام الناقل أو من يمثله(الربان) عن خطورة أو حساسية البضاعة من طرف الشاحن سوف يحمل هذا الأخير جزءا من المسؤولية في حالة تضرر البضاعة المشحونة او حتى تضرر السفينة من هذه البضاعة(4)، ففي كل الأحوال الناقل غير ملزم ببذل العناية اللازمة الخاصة بالبضاعة المسلمة إليه، إذا كانت هذه العناية لا تدخل في الحدود المعتادة لتنفيذ الالتزام بالنقل.
فالعناية التي يلزم بها الناقل هي توصيل البضاعة سليمة إلى الميناء المقصود و في هذا الشأن عليه أن يعيد الحزم و إصلاح الأغلفة، إعادة الرص إن ارتجت البضاعة بسبب انحراف السفينة التي قد تتعرض للعواصف أو تغيير المسار…الخ.
________________________________________
(1) – مصطفى كمال طه، المرجع السابق، ص 239
(2) – المادة 777 قانون بحري
(3) – المادة 773قانون بحري
(4)-المادة 778/1 قانون بحري
خامسا: تحديد ميناء الوصــــــول.
إن التزام الناقل بموجب عقد النقل البحري يصل إلى منتهاه و غايته الرئيسية في توصيل البضاعة إلى المكان المتفق عليه في العقد و هو ميناء الوصول الذي يجب على الربان أن يقود السفينة بوجهته، فلا يشرع في تنفيذ التزاماته من تفريغ و تسليم للبضاعة- و هي المرحلة الأخيرة من تنفيذ العقد من جانب الناقل – طالما لم يصل إلى ميناء مكان الوصول المتفق عليه(1) و قد يحدث ألا يتمكن الناقل من الدخول و الرسو بميناء الوصول، فيمكنه أن يرسو بأقرب ميناء أو أن يرجع إلى ميناء التحميل، و تقع مصاريف إرسال البضاعة ثانية على عاتق الناقل، إلا إذا اثبت استحالة الدخول إليه راجع إلى القوة القاهرة(2). و غالبا ما ينص العقد على أن يكون للربان في هذه الحالة أن يقود السفينة إلى اقرب ميناء يمكن أن تصل إليه السفينة بأمان(3).
وعند وصول السفينة إلى ميناء الوصول يصبح الناقل على مشارف نهاية التزاماته في تنفيذ عقد النقل البحري، و لا يبقى سوى تفريغ البضاعة، و أخيرا تسليمها، و هي الالتزامات التي ينفذها الناقل بعد انتهاء الرحلة.
الفرع الثالث : التزاماته بعد تمام الرحلة
بعد نهاية الرحلة الناقل ملزم بتفريغ البضاعة ثم تسليمها.
أولا: تفريغ البضاعـــــــة
فبعد وصول السفينة إلى مكان الوصول المتفق عليه، يبدأ الناقل بعمليات فك و إنزال البضائع بنفس العناية حسب ما جاء في المادة 607 قانون بحري، المتعلقة بتحميل البضائع و مع مراعاة أعراف ميناء التفريغ(4).
إذن التفريغ هو ذلك العمل المادي الذي يتحصل في إخراج البضاعة من السفينة و وضعها على رصيف الميناء(5).
________________________________________
(1)– المادة 780 قانون بحري
(2) – المادة 781 قانون بحري
(3) -مصطفى كمال طه، المرجع السابق، ص 240
(4) -المادة 780 قانون بحري
(5)- علي يونس حسن، المرجع السابق، ص 375.
و لا يجوز للربان في غير حالات الخطر من إخراج البضاعة من السفينة(1) ولما كان التفريغ عملية مادية فإن إثباته جائز بكافة الطرق.
فعقد النقل في العادة يحدد المدة التي يحصل فيها التفريغ، و إلا يتبع عرف الجهة، و المشرع الجزائري لم يحدد مدة يحصل فيها التفريغ و إنما يفهم بالمخالفة من نص المادة 781 قانون بحري فقرة أولى أن يتم في مدة معقولة، و يمكن اعتبارها تلك المدة التي لا تلحق بالناقل أو الشاحن ضررا.
إلا أنه قد تقع حوادث مفاجئة كحالة حرب أو حصار أو اضطرابات أو عواصف… تمنع الناقل من إفراغ البضائع في اقرب ميناء، أو أن يرجع بها إلى ميناء التحميل(الشحن)، و عليه تحمل كل المصاريف الناتجة عن ذلك شريطة أن لا يكون ذلك راجع للقوة القاهرة(2).
و يدخل ميعاد التفريغ ضمن التزامات عقد النقل فلا يستحق عنه الناقل زيادة في الأجر أو مكافأة، و أن لم يتم في الميعاد كان له ميعاد إضافي ثان أو ثالث ينص عليه في العقد أو يحدده العرف عند عدم النص عليه و يكون عادة مساويا للميعاد الأصلي و تتشدد المحاكم في حساب الميعاد الإضافي فلا تقطع منه أيام الأعياد و لا بوقف سريانه القوة القاهرة(3) و يستحق الناقل تعويضا عن التأخير يتفق عليه في العقد أو يقرره العرف.
ولا يكلف الربان بالانتظار اكثر من ذلك، فيمكنه إيداع البضائع لذمة أصحابها بعد الحصول على إذن المحكمة(4).
ثانيا : تسليم البضاعــــــة
يتعين على الناقل أو من يمثله تسليم البضائع في المكان المتفق عليه للمرسل إليه القانوني أو من يمثله و الذي يطالب باستلامها بناءا على وثيقة الشحن(5) فتسليم البضاعة هو عمل قانوني يتحقق به تنفيذ التزام الناقــــــل
________________________________________
(1) المادة 781/1 قانون بحري
(2) المادة 781/2 قانون بحري
(3)اجتهادات قضائية مصرية
(4) علي يونس حسن، المرجع السابق، ص 376
(5) المادة 782 قانون بحري
و يترتب عليه انقضاء عقد النقل (1)(2) و قد جرت العادة على أن يقوم الربان بتسليم الحمولة إلى أمين السفينة ليكفل نيابة عنه بتسليم البضاعة، كما قد لا يقوم المرسل إليهم باستلام بضائعهم بأنفسهم و إنما ينيبون عنهم شخصا يدعى أمين الحمولة(3) وعلى الناقل أن يسلم البضاعة إلى صاحب الحق فيها، و هذا بحسب السند الذي بيد المطالب و نفرق بين:
1/سند شحن باسم شخص معني، فعلى الناقل أن يسلم البضاعة إلى الشخص المعني في الوثيقة، أو الشخص الذي انتقل إليه الحق الثابت بموجب حوالة الحق، و هنا يجب على الربان من شخصية المطالب بالبضاعة.
2/سند الشحن للآمر، فلا يجوز تسليم البضاعة إلا للحامل الشرعي لوثيقة الشحن وفقا للتظهير الثابت عليه.
3/سند الشحن للحامل، وجب على الربان أن يسلم البضاعة لأي شخص يتقدم إليه و معه سند الشحن عند الوصول(4).
و مهما يكن فانه لا يمكن للناقل إذا تقدم لاستلام البضاعة عدة أشخاص، يحملون نسخا من وثائق الشحن أن يسلمها لأي منهم. بل عليه أن يودعها في مكان أمين على حساب المرسل إليه الحقيقي أو ممثله القانوني، و أن يخبر جميع المطالبين بها بما في ذلك الشاحن فورا(5).
و إذا ما سلم الناقل البضاعة لمن له الحق فيها مقابل تسليم نسخة من وثيقة الشحن فان باقي النسخ الأخرى تفقد أي قيمة لها(6).
و على الناقل أن يسمح للمرسل إليه أو من ينوب عنه قبل استلام البضاعة بالتحقق من أهمية و حالة البضاعة. كما عليه أن يساعد المرسل إليه و أن يقدم له جميع التسهيلات من اجل تفتيش البضائع و التحقق من عدد الطـــــــرود
________________________________________
(1) علي يونس حسن، المرجع السابق، ص372
(2) قررت المحكمة العليا أن مسؤولية الناقل البحري منذ تكفله بها حتى التسليم إلى المرسل إليه، قرار في 17/12/1987 ملف رقم 59509، غير منشور.
(3) لقد حددت المادة 610 قانون بحري النشاطات التي يقوم بها وكيل السفينة
(4) المادة 784 قانون بحري
(5) المادة 785 قانون بحري
(6) المادة 786 قانون بحري
و ذلك في حالتي الفقدان أو الضرر الأكيدين أو المفترضين (1) و ليس هذا الفحص شكل خاص. و يعتمد أساس على الأوصاف الواردة في وثيقة الشحن و تتم العملية قبل تسليم البضاعة من طرف كلا من الناقل و المرسل إليه اعتمادا على خبير يدفع مصاريفه طلب الفحص، إلا إذا تبين و جود نقص أو ضرر فان المصاريف يتحملها الناقل(2) و التسليم يجب أن يكون فعليا إلى المرسل إليه و ليس حكميا، ذلك أن التسليم إلى السلطات الجمركية، لا يبرأ ذمة الناقل اتجاه المرسل إليه(3).
أخيرا ليقوم الناقل بإيداع البضاعة في المستودع في مكان أمين على نفقه و تبعه المرسل إليه في حالة عدم تقدم هذا الأخير لاستلام البضاعة أو رفض استلامها أو إذا كان غير معروف، و على الناقل إعلام الشاحن بذلك و المرسل إليه كذلك في حالة ما إذا كان معروفا لديه(4).
و بعد فوات اجل شهرين من تاريخ وصول السفينة و لم تسحب البضاعة من المستودعات و لم تدفع المبالغ المستحقة للناقل جاز له بيع البضاعة بموافقة السلطات القضائية المختصة (رئيس المحكمة المختصة محليا)، لكن قد يتفادى صاحب البضاعة هذا كله بدفع كفالة كافية، و هذا الحكم يستثني منه بعض البضائع لسبب طبيعتها الحساسة و قابليتها السريعة للتلف أو أن مصاريف إيداعها اكبر بكثير من قيمتها. هنا لا ينتظر الناقل لا فوات اجل الشهرين و لا الإذن من القضاء(5).
و في كل الأحوال فان لم يف البيع بديون الناقل، فإن الشاحن يبقى مسؤولا عن الفارق.(6)
________________________________________
(1) المادة 788 قانون بحري
و طبقا للمادة 787 قانون بحري يجب ان يضمن الأطراف اتفاقهما و بموجب وثيقة اخرى غير وثيقة الشحن طريقة التحقق من المرسل اليه.
(2) المادة 789 قانون بحري
(3) د.احمد محمود حسني، قضاء النقض البحري، ص 24
(4) المادة 793 قانون بحري
(5) المادة 795 قانون بحري
(6) المادة 796 قانون بحري
المطلب الثاني : أثاره بالنسبة للشاحن و المرسل إليه
يرتب عقد النقل من جهة ثانية التزامات تقع على عاتق طرفه الثاني و هو الشاحن، الذي قد يكون نفسه المرسل إليه و قد يطون شخص آخر و من ثم شخص ثالث لم يكن طرفا عند إبرامه و هو أيضا يتحمل التزامات بموجب عقد النقل البحري للبضائع، و عليه نتطرق لالتزامات الشاحن ثم لالتزامات المرسل إليه.
الفرع الأول : التزامات الشاحن
يلتزم الشاحن بتسليم البضاعة للناقل، و بدفع أجرة النقل.
أولا : الالتزام بتسليم البضاعة.
هذه العملية ينفذها الشاحن و الذي عليه أن يقدم السلع وفقا للشروط المنصوص عليها في التنظيمات الخاصة، و التي تختلف باختلاف طبيعة البضاعة و أيضا طريقة، لكنها كلها تهدف إلى حماية حقوق و مصالح أطراف عقد النقل البحري و الغير ايضا، مما نجم عنه التزاميه القيام بالعديد من العمليات لاسيما منها:
أ/ التغليــــــف.
بمفهوم نص المادة 43 قانون تجاري و التي تنص (إذا كانت طبيعة الشيء تتطلب تحزيمه، وجب على المرسل القيام بالتحزيم بشكل يكون واقيا من الضياع أو التلف و لا يؤدي إلى ضرر الأشخاص و المعدات أو غيرها من الأشياء المنقولة).
و على الرغم من أن النص خاص بالنقل البري إلا أن مفهوم أوسع فيما نصت عليه، كما أنها تؤكد ما تضمنه القانون البحري فيما يخص سند الشحن.
أما معيار التغليف المتناسب مع طبيعة السلعة، فلا معاهدة بروكسل لعام 1924 و لا القانون البحري يسعفنا بحلول، لذلك عادة ما نلجأ إلى التعامل المستقر عليه في السوق، و في كل الأحوال يجب ان يضمن هذا التغليف نقلا في احسن الظروف.
و هذا الالتزام يعتبر جزء من شروط العقد الذي غالبا ما يشكل مصدرا للعديد من المنازعات، أحيانا حتى الانطلاق في الرحلة البحرية بسبب التحفظات التي يضيفها الناقل على سند الشحن من اجل التخفيف من مسؤولياته عن الأضــــــرار
اللاحقة بالبضاعة بسبب انعدام أو نقص التغليف، إلا انه و مع ذلك لا يعتبر إعفاءا كليا فهو يبقى مسؤولا رغم عدم التغليف إذا أقدم أحدهم على سرقة البضاعة.
ولقد تطورت تكنولوجيات التغليف فاصبح يتم بواسطة الحاويات Containes أو Trans-containers ، و عن طريق هذه الوسيلة يمكن منها الشاحن الذي يقوم بشحن بضاعته فيها و يتولى أيضا تستيفها بمعرفته، و الإشكال يطرح في حالة حدوث الضرر للبضائع المنقولة فيها على من تقع مسؤوليتها هل الشاحن أم الناقل؟ هذا الموضوع لم تتطرق له فان مسؤولية المرسل(الشاحن) مفترضة بسبب سوء تستيف البضاعة داخل الحاوية و بالتالي سوء تغليفها بها، و لا يمكنه نفي هذه المسؤولية إلا بإثبات حصول الرص من طرف الناقل(1).
ب/ وضع البطاقات على البضائع.
و نقصد بها وضع بطاقات على البضائع المرزمة، و هذه البطاقات تحمل مجموعة من البيانات، توضع بطريقة لا تسمح بزوالها أثناء عملية النقل، و يجب أن تتضمن في بعض الأحوال بيانات خاصة كعبارة “Fragile” أو غيرها … و هذه البطاقات ليست إلزامية، لكنها موجهة لتذكير الناقل باتباع معاملة خاصة لهذه البضائع.
ج/ الــــــوزن (التكييل).
و المقصود منه التأكد من الوزن المصرح به لمقارنته فيما بعد عند التسليم، و قد يقوم به الناقل من تلقاء نفسه أو بطلب من الشاحن.
د/العــــــــــــد.
هي عملية تكفل الناقل بتعداد الرزم المنوه عنها من طرف المرسل في تصريحاته و بطلب منه، و على الرغم من أنها غير إلزامية، فإن أهميتها بالغـة
(1)– AMAR ZAHI ,OPCIT, page 92.
خاصة بعد الوصول إلى الميناء المتفق عليه مما يمكن الشاحن أو المرسل إليه التأكد بكل سهولة من كمية البضاعة المسلمة إليه دون حاجة إلى استنتاجها من فارق الوزن.
هـ/ تهيئة الوثائق التي يجب أن ترافق البضاعة
و نقصد بها الوثائق التي توجبها مختلف الإدارات كـ : الضرائب- الشرطة – الجمارك أو الصحة ، و استخراج الشاحن لهذه الوثائق أو الحصول عليها هي إلزامية لا مفر منها (1).
ثانيا : الالتزام بدفع اجرة الحمولة
يترتب على الشاحن أجرة الشحن أو الحمولة و التي يحدد مقدارها و كيفية دفعها بموجب اتفاقية الأطراف(2) و في حالة إغفال المتعاقدان تحديد الأجرة فان ذلك لا يبطل عقد النقل و إنما تعتبر أجرة المثل متى تعينت و إلا كان للمحكمة تقديرها معتمدا على الخبرة، و يحصل كثيرا الاتفاق على دفع الأجرة بحسب عدد البضاعة أو كيلها أو وزنها فيكون للربان الحق في طلب عد البضائع أو كيلها أو قياسها أو وزنها (3).
و الأصل أن تحسب الأجرة على أساس كمية البضاعة الواردة في سند الشحن، إلا أنه في الغالب يشترط في تحديد الأجرة حسب كمية البضاعة أو وزنها في ميناء التفريغ.
و يسفر هذا الشرط بان الوقت قد لا يسمح بالتحقق من كمية البضاعة عند الشحن. و إذا ما اتفق على تقديرها بحسب الكمية المسلمة للمرسل إليه، فإنه لا يدخل في حسابها ما قد يطرأ عليها من نقص أثناء الرحلة بسبب طبيعتها الخاصة نتيجة الضغط و التبخر و ما ماثل ذلك.
و يضاف إلى الأجرة بعض الملحقات كمصاريف الشحن و التفريغ و التعويض عن التأخر في الشحن و التفريغ(4).
و الأجرة المتفق عليها قد تزيد و قد تنقص بسبب وقوع حوادث قد تنتج عن القوة القاهرة أو إهمال الناقل أو تلف البضاعة.
________________________________________
(1)-AMAR ZAHI . OPCIT. Pages 93,94
(1) ارجع الى الصفحة 21 و 22 من المذكرة لتفصيل اكثر حول عناصر تحديد الاجرة
(2) يونس علي حسن، المرجع السابق، ص 342،343
(3) مصطفى كمال طه، المرجع السابق، ص 226،227
1- القوة القاهرة
لا تستحق أية أجرة حمولة عن البضائع المفقودة من جراء الأخطار البحرية(1) و هذا الحكم يتفق مع ما تقضي به القواعد العامة انه إذا استحال على أحد الطرفين في العقود التبادلية تنفيذ التزاماته، انقضى التزامه و انقضى في نفس الوقت التزام الطرف الآخر و هذا نظرا للتقابل بين الالتزامين. إلا أن هذه الحكم يرد عليه استثناءان:
أ/ إذا فقدت من جراء عيب ذاتي للحزم الفاسد ( التغليف الذي يقوم به الشاحن)
ب/ إذا فقدت من جراء عيب ينسب إلى الشاحن(2)
و كذلك يرد على القاعدة نفسها استثناءان آخران لم يوردها المشرع و هما:
ج/حالة الضرورة أثناء السفر و التي تؤدي إلى بيع البضائع بسبب تلفها أيا كان سبب التلف(3)
د/إذا عد هلاك وفقد البضائع من الخسائر البحرية المشتركة، كما لو ألقى بها في البحر لأجل السلامة العامة (4)
و تستحق الأجرة كذلك عن البضائع التي يستعملها الربان أو باعها أثناء السفر لاجل حاجات السفر(5)
و ذلك لان الشاحن يحصل على ثمن هذه البضائع و يحسب باعتبار قيمتها في ميناء الوصول، فكأن البضاعة قد وصلت حكما.(6)
2 – إهمال الناقل
إذا لم يقم الناقل بما يجب عليه وفقا للمواد 770،772،775 قانون بحري فإنه لن يستحق الأجرة.
3 – تلف البضاعة
إذا وصلت البضاعة تالفة بسبب القوة القاهرة أو بسبب عيب خاص بهاء التزام الشاحن بدفع الأجرة كاملة ، إذ لا يجوز له في هذه الحالة أن يترك البضاعة مقابل دفعه للأجرة.
________________________________________
(1) المادة 798 قانون بحري
(2) كما اذا اخرج الشاحن بضاعته من السفينة اثناء السفر سواء من اجل بيعها او نقلها على ظهر سفينة اخرى اذا اضطر الربان الى اصلاح سفينته و لم يشأ الشاحن الانتظار، المواد 112/2 و 115/1 قانون بحري مصري، يونس على حسن ، المرجع السابق، ص 347
(3) (4) (5) المواد 181،178 قانون بحري مصري،يونس على حسن، المرجع السابق، ص 669
(6) مصطفى كمال طه، المرجع السابق، ص 669.
و يكون المدين الأصلي بالأجرة هو الشاحن الذي ابرم العقد مع الناقل، و لكن إذا اتفق على أن تدفع الأجرة عند الوصول على أساس كمية البضاعة المسلمة فعلا، كان المرسل إليه مدينا بالأجرة. و هذا قاصد طبعا على الحالة التي يكون فيها المرسل إليه شخصا آخر غير الشاحن(1).
ينظم اتفاق المتعاقدين كيفية الوفاء باجرة النقل و ان كانت العادة جرت على حصول الوفاء عند تسليم البضاعة. و قد يتفق الطرفان على دفع جزء من الأجرة عند الشحن. و يتم الوفاء بعملة البلد محل الوفاء، و لكن عادة يتفق الأطراف أن يكون الدفع بالعملة الأجنبية(2).
قد يتفق الشاحن و الناقل على تسديد أجرة النقل عند بداية تنفيذ العقد، و هنا لا يطرح أي إشكال. غير انه إذا ما اتفق على دفعها عند الوصول و امتنع الملزم بها، فما هي الضمانات التي يقررها المشرع لمواجهة ذلك؟، بهذا الصدد قرر المشرع الجزائري نوعين من الضمانات هي :
1 – حق حبس البضاعة و بيعها
يستطيع الناقل رفض تسليم البضائع و العمل على إيداعها لغاية دفع المرسل إليه ما هو مستحق عن نقل هذه البضاعة و كذلك عن المساهمة في الخسائر المشتركة و أجرة الإسعاف(3). فيحق إذن للناقل من حبس البضاعة عن مستحقيها حتى يستوفي ما هو مطلوب له بسبب نقلها، لكن هذا لا يعني انه يحق له حبس البضاعة في السفينة حتى لا يذهب بها بعيدا عن اربابها، لكن يجوز له نظير ذلك أن يطلب من المحكمة إيداعها عند غير أصحابها لحين دفع مستحقاته، و على نفقة صاحب الحق، و ذلك لمدة شهرين فقط( إذا كانت البضاعة قابلة للإيداع) منذ الوصول إلى ميناء التسليم، و إلا فانه يجوز بيع هذه البضائع بعد موافقة السلطات القضائية المختصة.
________________________________________
(1) مصطفى كمال طه ، المرجع السابق، ص 231
(2) يونس علي حسن ، المرجع السابق، ص 357
(3) المادة 798 قانون بحري
2- حق الامتيـــــــاز
تقدم الامتيازات على البضائع و المذكورة في هذا الباب على كل امتياز آخر عام أو خاص(1) . فالناقل يتمتع بامتياز على البضائع المنقولة من اجل الحصول على أجرة النقل و ملحقاتها و تشمل الأجرة : مصاريف السفر (Frets) و وهبة الربان (primage ou chapeau du capitaine) و المبلغ الذي يستحق الناقل نظير التأخير في الشحن و التفريغ Surestaries لأنه يعتبر أجرة إضافية. و يدخل فيها الحصة التي تتقرر للناقل على الشاحن بسبب الخسارة العمومية و المصاريف التي أنفقها الناقل على البضائع المشحونة. و يكون لاحقا في المرتبة لبعض الديون و هي المصاريف القضائية، مصاريف حفظ البضاعة، أو بيعها و توزيع ثمنها، مصاريف التنفيذ، مصاريف إنقاذ البضائع و مكافأة الإسعاف، و مبالغ المساهمة في الخسائر المشتركة، و التعويضات عن الضرر الذي لحق البضاعة.
هذا الامتياز يبقى قائما بعد تفريغ البضاعة و لمدة 15 يوما. فان لم يرفع دعواه يسقط حقه و يصبح دائنا عاديا، و ينقضي الامتياز قبل نهاية هذه المدة إذا انتقلت البضاعة ليد غير أصحابها حسن النية.( لا يعلم بامتياز الناقل) و يظل امتياز الناقل قائما و لو أفلس الشاحن أو المرسل إليه (2).
الفرع الثاني : أثار العقد بالنسبة للمرسل إليه.
المرسل إليه و خروجا عن قاعدة الأثر النسبي للعقد لأنه لم يشارك في إبرام العقد، و مع ذلك يتحمل التزامات مقابل تمتعه ببعض الحقوق، فما هو المركز القانوني الذي يتبوءه و ما هي حقوقه و التزاماته الناجمة عن هذا المركز؟
أولا : المركز القانوني للمرسل إليه.
وجدت العديد من النظريات تفسر المركز القانوني للمرسل إليه في عقد النقل البحري للبضائع بموجب سند الشحن، و من أهمهــــــا :
________________________________________
(1) المادة 817 قانون بحري
(2) يونس علي حسن، المرجع السابق، ص 360، 361.
1 – نظرية الاشتراط لمصلحة الغير.
الشاحن عندما يبرم عقد النقل، فإن العقد يتضمن اشتراطا لمصلحة الغير أي المرسل إليه مما يكسب الحق في استلام البضاعة، و يقبل هذا الأخير الاشتراط باستلامه فعلا للبضاعة، فيتحمل الالتزامات المرتبطة به.
إلا أن هذا الرأي لا يمكن اعتماده إلا فيما يخص حق استلام البضاعة، دون الالتزامات الأخرى، فالإشتراط لمصلحة الغير لا يمكنه أن يرتب التزامات و إن أمكن أن تتولد عنه حقوق لصالح من تم الاشتراط لمصلحته.
2 – نظرية النيابة الناقصة
يرى البعض أن الشاحن عند تعاقده مع الناقل يعتبر نائبا عن المرسل إليه نيابة ناقصة، فتنصرف إليه آثار العقد.
إلا أنها تبقى محاولة لجعل المرسل إليه الأجنبي عن العقد طرفا فيه، و قد لا يكون المرسل إليه معلوما عند إبرام العقد و إصدار وثيقة الشحن.
3- نظرية الخلف الخاص
يرى هذا الاتجاه أن المرسل إليه خلف خاص للشاحن، على انه مشتريا للبضاعة، و قد عقد المستخلف (الشاحن) عقد نقل يتعلق بهذه البضاعة فان الخلف الخاص (المرسل إليه) ينتقل إليه ما يترتب من التزامات و حقوق عن العقد.
و هذا الرأي لا يصلح لتفسير التزامات المرسل إليه في سند الشحن فلا ينتقل الالتزام مع الشيْ إلى الخلف الخاص (1) و إن كان التزام شخصي لا ينتقل إلى الخلف الخاص(2).
4- نظرية التعاقد لمصلحة الغير.
ظهر اتجاه في الفقه الفرنسي، يشير إلى أن العمل أدى إلى خلق تطبيقا جديدا في العلاقة القانونية ثلاثية الأطراف، هو التعاقد لمصلحة الغيــــــر
________________________________________
1)- باستثناء ما كان : ينقل العين او يمنع مما استعمال بعض حقوقها، او يقيد من استعمالها
(2)- الا بنص في القانون او باتفاق بين السلف و الخلف
Contrat pour autrui ، و هو عقد يبرم بين شخصين باسمهما الشخصي و يرتب للغير حقا بالمطالبة المباشرة و الشخصية بتنفيذ العقد لمصلحته ، سواء اقترن ذلك بالتزامه بأداء لأي من طرفي العقد. أو يكون التعاقد لمصلحة الغير ضروريا إذا ما كان وجود الغير، هو الذي يبرر أبرم العقد الأصلي بين الطرفين، و هذا ما يتفق و تدخل المرسل إليه في تنفيذ العقد.(1)
نلاحظ أن كل نظرية حاولت تفسير و تحديد المركز القانوني للمرسل إليه وفقا لزاوية معينة دون أن تكون نظرتها شاملة لجميع جوانبه. و عليه فان مركز المرسل إليه يفسر استنادا إلى وثيقة الشحن ذاتها، إذ نجد أن حق المرسل إليه في المطالبة باستلام البضاعة، إنما يستند إلى وثيقة الشحن التي يصدرها الناقل، كما أن المرسل إليه لا يكون ملزما إلا بالالتزامات الواردة بوثيقة الشحن.(2)
هكذا فإنه لهذه الأحكام و هذه المزايا، فان عقد النقل البحري للبضائع بموجب وثيقة الشحن، يلعب الدور اللازم في تحريك التجارة البحرية عموما، و النقل البحري خصوصا.
هذا الدور الهام الذي يؤديه عقد النقل البحري للبضائع بموجب وثيقة الشحن، قد يتعطل إذا ما أخل أحد أطر أفه بالتزاماته التعاقدية عند تنفيذه له الذي قد تنتج عنه أضرار تلحق البضاعة و أصحابها، و من ثمة يجوز مساءلته عن ذلك مسؤولية تقصيرية كانت أم تعاقدية.
ما تجب الإشارة إليه فبل ذلك، أن مسؤولية الشاحن و المرسل إليه في عقد النقل البحري للبضائع، تخضع للقواعد العامة، بينما مسؤولية الناقل، تخضع لأحكام خاصة في القانون البحري و معاهدو بروكسل لعام 1924.
و عليه نتطرق من خلال الفصل الثاني من بحثنا هذا إلى أحكام مسؤولية الناقل البحري للبضائع.
_________________________________________
(1) محمود سمير الشرقاوي،مركز المرسل اليه في سند الشحن،مجلة القانون و الاقتصاد سنة 37 في مارس 1967 ص 71
(2) – سليم بودليو ، المرجع السابق، ص 60
الفصل الثاني
أحكام مسؤولية الناقل البحري للبضائع.
المبحث الأول : مدى مسؤولية الناقل البحري للبضائع.
إن الخطأ الحاصل من قبل الناقل البحري للبضائع أو من قبل أحد تابعيه لا يرتب في كل الأحوال المسؤولية على كاهله لوحده بصفة قطعية، بل قد يعفيه القانون البتة من تحمل أية مسؤولية، و هو ما سنشرحه في المطلبين الآتيين.
المطلب الأول : قيام مسؤولية الناقل البحري للبضائع.
تقوم مسؤولية الناقل البحري للبضائع نتيجة أسباب عديدة و التي لا تخلو أن تكون سوى خطأ شخصية للناقل أو خطأ تابعيه. مما ينجم عنه العديد عن الأضرار تصيب البضاعة. و عليه نتطرق إلى أسباب و حالات قيام مسؤولية الناقل البحري للبضائع على التوالي:
الفرع الأول : أسباب قيام مسؤولية الناقل البحري للبضائع.
أولا : الخطأ الشخصي للناقل.
يعد الناقل مسؤولا عن الخسائر أو الأضرار التي تلحق بالبضاعة منذ تكفله بها و حتى تسليمها إلى المرسل إليه، أو إلى ممثله القانوني باستثناء الحالات المدرجة في المادة 803 من القانون البحري(1).مما لا شك فيه إذا كان الضرر الذي لحق بالشاحن أو المرسل إليه، راجع إلى خطأ الناقل نفسه فإن هذا الأخير يعد مسؤولا عن تعويضه، إلا أن هذه الأخطاء قليلة الوقوع من الناحية الواقعية. فالوضع العادي أن يقوم الناقل المتعاقد مع الشاحن بنفسه بتنفيذ النقل برمته أي من بدايته إلى أن يتم تسليم البضاعة إلى المرسل إليه. على أن الناقل المتعاقد قد يعهد إلى ناقل آخر بتنفيذ النقل كله أو بعضه، فنكون بالتالي أمام ناقل متعاقد و ناقل فعلى، و قد يحدث أن يعين في عقد النقل اسم ناقل آخر أو ناقلين آخرين ليتولى كل منهم تنفيذ جزء من النقل فتنتقل البضاعة من ناقل إلى ناقــــــل
______________________________
(1) – المادة 802 قانون بحري.
حتى تبلغ المرسل إليه، و ذلك هو النقل المتتابع و الذي يتم بموجب سند الشحن المباشر.
و عليه نتعرض تبعا لأحكام مسؤولية الناقل الفعلي، ثم لأحكام مسؤولية الناقل بموجب سند شحن مباشر.
1 – مسؤولية الناقل الفعلي Actuel carrier.
يمكن للناقل – كما سبق شرحه- أن يتعهد بتنفيذ عملية النقل أو جزء منها إلى ناقل بحري آخر فيصبح هو الناقل الفعلي أو الناقل البديل. و الناقل المتعاقد يملك هذه المكنة دون العبور على ترخيص من الشاحن، إلا إذا تضمن العقد إلزامية تنفيذ من طرف الناقل المتعاقد. و في هذه الوضعية نصبح أمام ناقلين أحدهما فعلي و الآخر متعاقد، فمن نحمله المسؤولية في حالة الهلاك أو التلف أو التأخر (حصول الضرر)؟
يكون الشاحن أو المرسل إليه في هذه الوضعية الرجوع على الناقل المتعاقد بطلب التعويض عن الأضرار التي تحدث أثناء تنفيذ عقد النقل ، سواء عهد بعملية النقل برمتها إلى ناقل فعلي أو بجزء منها.
كما يجوز لهما الرجوع على الناقل الفعلي بطلب عن الأضرار التي تحدث أثناء الجزء الذي قام بتنفيذه من عقد النقل، و عليه إثبات ليس فقط الضرر و مقداره و إنما أيضا أن الضرر قد وقع أثناء وجود البضاعة في عهدته.
كما يجوز لهما توجيه دعوى التعويض على الناقل المتعاقد و الناقل الفعلي بالتضامن.
و رغم انعدام الرابطة العقدية بين الشاحن و الناقل الفعلي إلا أن الأساس في مطالبة التعويض لن يكون للمسؤولية التقصيرية، و إنما على ذات الأسس التي يتم بها الرجوع على الناقل البحري المقررة في القانون البحري.
و إذا ما أقيمت الدعوى على الناقل المتعاقد وحده و ثبت أن الأضرار قد حصلت أثناء مباشرة الناقل الفعلي تنفيذ العقد، فيجوز للأول إدخال هذا الأخير كضامن، كما يمكنه الرجوع عليه بقيمة التعويض المحكوم به عليه إذا ما وفاه.(1)
_______________________________
(1) – محمد كمال حمدي، مسؤولية الناقل البحري للبضائع في قانون التجارة البحرية رقم 8 لسنة 1990(دراسة مقارنة مع اتفاقية هامبورج)، منشأة المعارف بالإسكندرية طبعة سنة 1995، ص 78 و 79.
في كل الأحوال التعويضات سواء لصالح الناقل المتعاقد أو الناقل الفعلي فهي لا تزيد عن الحد الأقصى المقرر لمسؤولية الناقل البحري المقررة في القانون سدا لباب التحايل بالجمع بين الرجوع على الناقلين معا.
و تبقى الخصوصية الوحيدة للناقل الفعلي أنه لما يعهد إليه بتنفيذ عملية النقل أو جزء منها، فإن العلاقة بينه و بين الناقل المتعاقد لا تعدو مجرد اتفاق، و ليس سند الشحن و من ثمة فلا يحاج به عليه و إنما بالاتفاق الذي يصبح بدلا عنه(1).
2 – المسؤولية في حالة النقل بسند شحن مباشر.
أي النقل الذي يتم بتتابع بموجب سند الشحن المباشر أو ما يعرف بـ Through bill of lading، و ذلك عندما يتعهد الناقل البحري بتوصيل البضاعة ليس بوسائله الخاصة وحدها و إنما بمعونة ناقلين آخرين، و يتم ذلك بواسطة سند شحن يحكم عملية النقل بجميع أجزائها. و من ثم يكون بيد الشاحن سند شحن واحد لكل عمليات النقل المتعاقبة(2). فيذكر فيه ميناء التفريغ أو الوصول النهائي، مع حق الناقل في تغيير السفينة، و سند الشحن المباشر لا يصدر إلا بناءا على اتفاق مع الشاحن الذي يكون على علم بأن هناك ناقلين آخرين سوف يتولون أجزاءا من عملية النقل.
و المسؤولية مسؤولية الناقل الأول الذي أصدر سند الشحن المباشر عن النقل بأكمله. أما مسؤولية الناقلين اللاحقين بما فيهم الناقل الآخر، فتقتصر مسؤولية كل منهم عن الجزء الذي نفذه في عملية النقل، على أن يكون متضامنا في المسؤولية مع الناقل الأول.
إلا أنه و تسييرا على الناقل الأول و على اعتبار أن الشاحن على دراية بحقيقة الوضع لأنه اتفق على ذلك. فلقد أجاز القانون للناقل الأول نفي مسؤوليته تجاه الشاحن إذا أثبت أن الضرر الحاصل قد وقع أثناء وجود البضاعة في حراسة ناقل لاحق(3).
_______________________________
(1) – محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 80
(2) -محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 81
(3) -مصطفى كمال طه، قانون بحري جديد ، المرجع السابق ، ص 279
ثانيا : مسؤوليته عن أخطاء تابعية.
يستغني الناقل البحري للبضائع لتنفيذ التزاماته التعاقدية بعدة أشخاص يمكن تصنيفهم إلى بحريون و بريون.
1- الأشخاص البحريون.
و يقصد بهم كل الأشخاص الذين يعملون في المجال البحري(على سطح السفينة و المياه) و يساعدونه لتنفيذ العقد، و من بينهم ربان السفينة و المرشد. ذلك أن علاقتهم بالناقل علاقة تبعية، يحكمها عقد العمل البحري (أساسا عندما يكون الناقل هو نفسه مجهز السفينة)، كما هو الحال أو الوضع بالنسبة للربان و البحارة.(1) فيكون الناقل مسؤولا عن عدم قيامهم بتنفيذ المهام التي كلفوا بها، على أن نفرق بين الأخطاء المرتبكة بين ما هو ملاحي منها و ما هو تجاري.
أ/ الأخطاء الملاحية.
فلا يعد الناقل مسؤولا عن الأخطاء الملاحية التي يرتكبها الربان أو المرشد أو المندوبون البحريون الآخرون عن الناقل(2). و يعتبر من قبيلها الأخطاء في قيادة السفينة.
ب/الأخطاء التجارية.
يسأل الناقل عن هذه الأخطاء تطبيقا لأحكام المسؤولية العقدية عن فعل الغير، لأن الغير لا تربطه أية علاقة بالشاحن، و من ثم لا يجوز لهذا الأخير أن يسأل عن تنفيذ الناقل لالتزاماته التعاقدية في هذا الإطار، كخطأ الربان المقصر في المحافظة على البضاعة أثناء نقلها(3).
2- الأشخاص البريون.
يساعد الناقل في تنفيذ التزاماته التعاقدية أشخاص بريون، من بينهم وكيل السفينة و القائم بعمليات المناولة أو مقاول المناولة.
أ/وكيل السفينة.
يرتبط الناقل بوكيل السفينة بموجب “عقد الوكالة”، فإذا ما أخل الوكيل بالتزاماته التعاقدية و في حدود وكالته، كالتأخر في استلام البضائع،أو التأخر فـي
_______________________________
(1) – هاني محمد دويدار، الوجيز في القانون البحري-الجزء الأول-السفينة، مكتبة و مطبعة الإشعاع سنة 1993، ص 306
(2) -المادة 803/ب قانون بحري و المادة 04 الفقرة ثانيا بند أ معاهدة بروكسل
(3) -سليم بودليو ،المرجع السابق، ص 66.
تسليمها،أو عدم قيامه بالإجراءات الإدارية اللازمة، و التي تنجم عنها خسائر أو أضرار تلحق بمن له الحق في استلام البضاعة. يكون الناقل هو المسؤول عن ذلك في علاقته بالشاحن أو المرسل إليه أو من يحل محلهما، لأنه لا توجد علاقة تعاقدية ما بينهم و بين الوكيل.
ب/مقاول المناولة.
يقوم مقاول المناولة بعدة أعمال، تشمل عمليات شحن البضائع و رصها و فكها…، و هو يرتبط بالناقل بموجب عقد المناولة الذي يعد مقاولة، و التزامه ببذل عناية فعلية اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة و التي تقرها أصول المهنة بالنسبة لكل بضاعة(1).
و في حالة خطئه، يكون مقاول المناولة مسؤولا تجاه من طلب خدماته،(2) و عليه فإن كل ضرر لحق بالبضاعة نتيجة تنفيذ عقد مناولة فإن المسؤول تجاه الشاحن الناقل بسبب غياب أية علاقة تعاقدية بين مقاول المناولة و صاحب البضاعة(3).
الفرع الثاني : حالات قيام مسؤولية الناقل البحري للبضائع.
يعد الناقل مسؤولا عن الخسائر أو الأضرار التي تلحق بالبضاعة طبقا للمادة 802 قانون بحري، فالمشرع الجزائري ذكر الخسائر أو الأضرار على إطلاقها على عكس ما تضمنته المادة 3 فقرة سادسا من معاهدة بروكسل لعام 1924 و التي فصلت أكثر بنصها ( إذا لم يحصل إخطار كتابي بالهلاك أو التلف، و بماهية الهلاك أو التلف للناقل أو وكيله في ميناء التفريغ قبل أو وقت تسليمها…) و عليه فإن حالات قيام المسؤولية هي ثلاث: الهلاك، التلف و التأخير.
_______________________________
(1)- محمد كمال حمدي، عقد الشحن و التفريغ في النقل البحري، القاهرة، مطبعة الأطلس،1983، ص 232.
(2)- المادة 915 قانون بحري.
(3)- قرار المحكمة العليا الصادر في 16/05/1998 ملف رقم 169663، المجلة القضائية عدد خاص بالغرفة التجارية و البحرية، ص 178.
أولا : هلاك البضاعة.
الهلاك يعني زوال مادة الشيء أو تدميره، أو عدم العثور عليه بحيث يتعذر على الناقل تسليم الشيء إلى المرسل إليه، لينهي الالتزامات التي فرضها عليه عقد النقل(1). فالناقل ملزم بتسليم البضاعة للشاحن كما وردت في سند الشحن، إلا أنه أثناء الرحلة البحرية و إلى تسليم البضاعة إلى أصحابها قد يصيبها ما يؤدي إلى هلاكها كليا، و قد يكون هلاكا جزئيا، فهل استبدال البضاعة، أو نقصها، يعد هلاكا كليا أم جزئيا أم لا يعدان هلاكا أصلا؟
1-استبدال البضاعة.
تتحقق هذه الحالة لما يسلم الناقل إلى المرسل إليه بضاعة أخرى ليست هي عين البضاعة المتعاقد عليها- و غالبا لما تتشابه البضائع المشحونة- و تعتبر هلاكا إذا ما سلم مثلا الناقل شحنه من الرز بستمي عوض شحنته الأصلية من رز صيني، و يكون استبدالا جزئيا إذا ما سلم الناقل شحنة قماش صوفي في جزئية منها و الجزء الآخر من القماش القطني في حين أن الشحنة الأصلية هي قماش صوفي في كل كميتة، فهل هذا يعد هلاكا؟
أثار هذا التساؤل خلافا في أوساط الفقهاء و الاجتهاد القضائي، و اعتبر القضاء الفرنسي الاستبدال الكلي أو الجزئي هلاكا كليا، إلا أن فريقا منهم ميز بين الاستبدال الكلي و الجزئي و يعتبرون الأول هلاكا كليا و الثاني هلاكا جزئيا. و ثار نفس الجدل عند الفقهاء العرب و اعتبر فريق منهم أن المرسل إليه تسلم البضائع بالفعل، بحيث كان في استطاعته أن يتبين النقص أو العيب فيها، هنا الاستبدال مهما كان كليا أو جزئيا يمثل حالة الهلاك الجزئي. في حين ذهب آخرون إلى اعتبار مهما كان الاستبدال كليا أو جزئيا و سواء من الأسوء إلى الأحسن أو العكس فهي تمثل صورة من صور التلف.(2). أما مايمكننا استقراؤه من نصوص التشريع الجزائري، هو أن الناقل ملزم بتسليم البضائع بحسب ما هو مدون من شروط على سند الشحن
_______________________________
(1) –محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 102، 103.
(2) – مجيد حميد العنبكي ، قانون النقل العراقي (المبادىْ و الأحكام) بغداد، منشورات البحوث القانونية 1984، ص
2-نقص البضاعة أثناء السفر.
و هو راجع إما للعيب الذاتي للبضاعة أو عجز الطريق.
أ/العيب الذاتي للبضاعة.
INHERIT VICE
يقصد بالعيب الذاتي للبضاعة هو السبب الناشئ عن طبيعتها الداخلية يؤدي دون ما تدخل من الناقل إلى هلاك البضاعة أو تلفها، و اعتبره جانبا من الفقه عيبا في البضاعة كونها هشة قابلة للكسر ، إلا أنه رأي مردود لأن الضرر الذي يلحق بالبضاعة راجع سواء لسوء المعاملة الناقل للبضاعة أو عدم التغليف الجيد، كما أن إهمال الشاحن الإظهار على الغلاف الخارجي طبيعتها يستبعد معه الخطأ الناقل.
ونتيجة لأن العيب في البضاعة بطبيعته ظاهر فإنه لا يكشف عند قيامه و لا يكون ثمة تحفظ بشأنه في سند الشحن، و لكن عند الوصول يكتشف مثل هذا العيب إلا أن غياب التحفظات لا يبرم الناقل من حق إثبات العيب الذاتي للبضاعة. و يعفى حالناقل من مسؤوليته إن أثبت العيب الذاتي للبضاعة و العلاقة السببية بينه و بين الهلاك. و هذا لا ينفي قيام مسؤوليته فيما يخص اتخاذ الاحتياطات الواجبة عليه للمحافظة عليها و من جهة أخرى واجب على الشاحن إخطار الناقل باتخاذ احتياطات خاصة(1)(2).
ب/عجز الطريق.
WATAGE IN BULK OR WEIGHT
عجز الطريق هو نقص طبيعي في الحجم أو الوزن يلحق البضاعة أثناء النقل ينشأ عن طبيعة البضاعة الخاصة، فمن البضائع ما يتبخر بسبب حرارة العنابر كالسوائل، و منها ما يجف مع الزمن كالحبوب أو اللحوم أو الفواكه. ويعد عجز الطريق حالة خاصة للعيب الذاتي للبضاعة لا تقدر أي عناية من جانب الناقل على تفاديه، و هو قاصر على الحجم و الوزن فلا يدخل في نطاقه العجز بسبب الكسر في الطريق.
و هناك نسبة مئوية من البضاعة يمكن اعتبارها عجز الطريق لا تثار مسؤولية الناقل بصددها، و هذه النسبة تختلف حسب نوع البضاعة و تحددها العادات التجارية في الميناء، و إثبات ما تقضى به هذه العادات يقع على عاتق
_______________________________
(1) – محمد كامل حمدي ، المرجع السابق ، ص 102،103.
(2)-Cour d’Appel de Rouen (2e CH) 2 Décembre 1982, DMF , N°413.
الناقل، و الذي يلجأ غالبا في هذا الصدد إلى الحصول على شهادات من الغرف التجارية في الميناء، و كذا الاستناد إلى أحكام قضائية تقرر وجود تلك العادات و نسب العجز المقررة في شأن أنواع البضائع المختلفة، و لمحكمة الموضوع السلطة التقديرية في تقرير وجود هذه العادات و تلك النسب، و لا تخضع في ذلك للرقابة طالما كان حكمها مسببا وفقا للقانون.
وعليه فإن مسؤولية الناقل تخفف بمقدار النسبة المسموح بها و يتعين عليه تعويض صاحب البضاعة فيما يخص الباقي، و الناقل لا يسأل عن العجز إلا في حدود النسبة المقررة إذا ما أثبت المدعي أنه راجع إلى خطأ الناقل أو أحد تابعيه.
و أحيانا قد يكون الضرر راجع إلى مجموع سببين يختلف كل منهما عن الآخر، فقد يكون راجع إلى عيب ذاتي بالبضاعة و من ناحية أخرى إلى خطأ الناقل في تنفيذ النقل، مما يتعين معه توزيع الأضرار حسب مسؤولية كل طرف.
و في الأخير نشير إلى أن الهلاك الكلي يتضمن إثبات المدعي استلام الناقل البضائع و هو إثبات يمكن أن يتم بكافة الطرق، فإذا أنكر عليه الشاحن التسلم، فإنه لا يطلب من المدعي إثبات واقعة سلبية هي عدم تسلمه البضائع، و إنما يجب على الناقل إثبات تسليمه البضائع للحامل الشرعي لسند الشحن، و تسليمها للغير بعد هلاكا كليا، و لا يعتد سوى بالتسليم الفعلي و لا يغني التوقيع على أوراق الناقل(1)
ثانيا : تلف البضاعة.
DAMAGE.
تلف البضاعة يعني وصولها كاملة من حيث مقدارها و لكن تالفة، أو عطب جزء من البضاعة مع صلاحية الباقي، إذ يستوي أن يشمل العيب كل البضاعة أو جزء منها.
وقد تصاب البضاعة بتلف في جزء دون الآخر، لكن التلف عطل كل الشيْ عما أعد له، فهناك من يقول باعتباره هلاك كلي، لكن إذا ما اعتبرنا أن فيصل التفرقة
_______________________________
(1) – محمد كمال حمدي،المرجع السابق، ص 103، 104، 105
بين الهلاك الكلي و الهلاك الجزئي هو التسليم، فإن التسليم ينفي وقوع الهلاك الكلي.
و يأخذ الهلاك الجزئي حكم التلف و صور التلف أن يصل جانب من البضاعة فقط أي أن يلحقها نقصان في الوزن أو الحجم أو المقاس أو التعداد دون أن تكون لطبيعتها دخل (عجز الطريق) ، و تحديد وجود التلف (الهلاك الجزئي) يتم بمقارنة ما هو وارد في سند الشحن من بيانات مع ما تم تسليمه من قبل الناقل بعد تمام الرحلة(1) و نفرق بين حالتين:
أ/ سند الشحن يتضمن تحفظات فيقع على صاحب الحق في البضاعة إثبات حقيقة المقدار المشحون.
ب/سند الشحن النظيف، يفترض فيه أن الناقل تسلم البضاعة في حالة جيدة، فيسأل عن أي تلف و ليس بإمكانه إثبات عكس ما ورد في سند الشحن تجاه الغير حسن النية الحامل الشرعي للسند(2).
ثالثا : التأخيــــــــر.
DELAY.
التأخير في التسليم هو عدم تسليم البضائع في الميعاد المتفق عليه أو في الميعاد الذي يسلمها فيه الناقل العادي في الظروف المماثلة إذا لم يوجد اتفاق(3)، و التأخر يحتمل فرضين:
أ/حالة وجود اتفاق، و التأخير يكون من جانب الناقل إذا لم يسلم الشحنة لأصحابها وفق الميعاد المتفق عليه.
ب/حالة عدم وجود اتفاق، و التأخير يكون من جانب الناقل إذا لم بسلم الشحنة لأصحابها وفق الميعاد الذي يلتزم به الناقل العادي و في ظروف مماثلة لعملية النقل.
و يقصد بالناقل العادي : الناقل المتوسط الحرص، و هو معيار موضوعي نقيس فيه على تصرف أو سلوك الناقل العادي المألوف، و تقدير ذلك خاضع لسلطة القاضي التقديرية.
__________________________________________
(1)- قرار المحكمة العليا الصادر في 11/04/1995، ملف رقم 119292، نشرة القضاة العدد 49
(2)- محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 73، ص 74.
(3)- المادة 240/2 قانون بحري.
و التأخير لا يلحق ضررا بالبضاعة و إنما يلحق ضررا اقتصاديا بالشاحن (المرسل إليه) فيفوت عليه كسبا أو يلحق به خسارة ، و ما يثبته الشاحن يختلف لما يطالب بالتعويض- إذا ما كان ميعاد التسليم متفقا عليه فمجرد حلول الميعاد دون حصول التسليم يقيم المسؤولية على الناقل و لا يبقى سوى إثبات العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر، عما إذا كان الميعاد غير متفق عليه فعليه أن يثبت الميعاد الذي يسلم فيه الناقل العادي الشيء الذي قد يتمكن الناقل من إثبات عكسه.
المطلب الثاني : الإعفاء من المسؤولية.
يقع على عاتق المرسل إليه (الشاحن) بصدد مطالبة الناقل بالتعويض لإخلاله بتنفيذ التزاماته عبئ إثبات عقد النقل، و أن الناقل لم يقم بتنفيذ التزاماته أو قام بها على نحو تسبب في الإلحاق به أضرارا، فإن تمكن من ذلك يعد إثباتا للخطأ العقدي، و في المقابل يجب على الناقل أن ينفي ذلك، بأن يثبت عدم ارتكابه للخطأ، و ذلك بأن بذل العناية اللازمة لتفادي الأضرار الحاصلة بالبضاعة، بالإضافة إلى تمسكه بأي سبب من أسباب الإعفاء القانونية و الاتفاقية حتى يقطع علاقة السببية بين الخطأ و الضرر الحاصل. و عليه نتعرض إلى حالات الإعفاء القانونية، ثم حالات و شروط الإعفاء الاتفاقية، و من هم الأشخاص المستفيدون من الإعفاء:
الفرع الأول : الإعفاءات القانونية.
يعفى الناقل من المسؤولية المذكورة في المادة 802 من القانون البحري إذا كانت الخسائر أو الأضرار اللاحقة بالبضاعة ناشئة أو الناتجة عن أحد الأسباب المعددة من البند “أ” إلى غاية البند “ل” من المادة 803 قانون بحري و هي كالآتي :
أولا: إعفاء الناقل من المسؤولية عن عدم صلاحية السفينة و عن الأخطاء الملاحية.
1- إعفاء الناقل عن عدم صلاحية السفينة للسفر (1)
و نقرن هذا الإعفاء بشرط بذل الهمة الكافية لجعلها كذلك و الأصل أنه في القواعد العامة أن الناقل يلتزم بتقديم سفينة صالحة للنقل تقوم بتوصيل البضاعة سالمة إلى ميناء الوصول. و هو التزام بنتيجة معينة و إذا لم تتحقق كان الناقل مسؤولا عن الضرر الذي أصاب الشاحن من جراء ذلك إلا أن يتمكن الناقل من رد هذا الضرر إلى السبب الأجنبي.
و للكلام عن السبب الأجنبي وجب أن العيب خفيا، لأن الناقل ملزم ببذل الهمــة
_______________________________
(1) – نصت المادة 803 فقرة ط على العيب الخفي للسفينة و الذي يظهر رغم الاهتمام الكافي. و هذه الحالة تضم إلى إعفاء الناقل بسبب عدم صلاحية السفينة للإبحار.
الكافية قبل السفر أو عند البدء فيه لجعل السفينة صالحة للملاحة، لأن الناقل ليست له أية سلطان عليها، فإن وفى التزامه ببذل العناية الكافية لجعل السفينة صالحة للملاحة في بداية الرحلة و لحق ضرر بالبضاعة أو تأخير في وصولها بسبب عدم الصلاحية للملاحة فلا مسؤولية عليه.
و لكن إذا لم يوف كأن لم يبذل العناية الكافية أو أن العيب ظاهر فيعد مسؤولا و كل شرط في عقد النقل يعفي الناقل من المسؤولية عن عيوب السفينة الظاهرة يعتبر بطلانا مطلقا(1).
و تقدير ما إذا بذل الناقل هذه العناية الكافية مسألة موضوعية يقدرها قاضي الحكم.
كما يمكن للناقل دفع مسؤولية عن عدم صلاحية السفينة للملاحة إن أثبت توفيره
للوسيلة الكفأة عند بداية الرحلة، و لا يجوز أن يتضمن العقد شرطا ينقل عبئ الإثبات على عاتق الشاحن و إلا وقع باطلا(2)(3).
2- الإعفاء من المسؤولية عن الأخطاء في الملاحة أو في إدارة السفينة.
أ/ الخطأ في الملاحة.
هو الخطأ الفني الذي يرتكب في قيادة السفينة و تسييرها كما لو خالف الربان قواعد السير في البحار و ترتب عن ذلك اصطدام السفينة و تلف السفينة، و تخضع فكرة الخطأ الملاحي لتقدير القاضي و هذا من خلال الوقائع المعروضة عليه.
ب/ الخطأ في إدارة السفينة.
ينحصر هذا الخطأ في العمل الذي يترتب عليه عدم المحافظة على سلامة السفينة و صيانتها أو تعريضها للخطر دون أن يكون لذلك علاقة بقيادة السفينة من الناحية الفنية أو تسييرها، كما يجب أن يكون هذا الضرر مستقلا عن الضــرر
_______________________________
(1)-(2)- المادة 3 بند 8 معاهدة بروكسل لعام 1924.
(3)–يونس علي حسن، المرجع السابق ، ص 389 ،390
الذي أصاب السفينة. أما إذا تعلق الأمر بعدم المحافظة على البضاعة فيعد خطأ في إدارة الحمولة و هو خطأ تجاري.
و إعفاء الناقل من المسؤولية عن الخطأ في الملاحة أو في إدارة السفينة لا يشمل الأخطاء العمدية و يقع على الناقل الذي يتمسك بالإعفاء من المسؤولية عبء إثبات أن الضرر الذي أصاب البضاعة نشأ عن الخطأ أحد التابعين البحريين في الملاحة أو في إدارة الملاحة(1).
ثانيا : القوة القاهرة.
القوة القاهرة حادث لا يمكن توقعه و لا تلافيه، و ليس للناقل دخل في حدوثه، و يؤدي إلى استحالة تنفيذ الناقل لالتزامه، و معيار الاستحالة موضوعي لا شخصي(2). و لقد ضمن المشرع المادة 803 قانون بحري بند “ه” عبارة “القوة القاهرة”، لكن معاهدة بروكسل لعام 1924 عددت حالات تندرج تتضمن مفهوم القوة القاهرة و هي :
1- الحريـــــق.
THE FIRE.
لا يؤدي الحريق إلى إعفاء الناقل من مسؤوليته إلا إذا أثبت أنه يرجع إلى سبب غير متوقع لا يمكن التغلب عليه أو منعه، فيجب على الناقل إثبات سبب الحريق و كل حريق مجهول سببه ليس قوة قاهرة و لا حادث مفاجئ مما يقيم مسؤولية الناقل.(3) و يمتد الإعفاء من الحريق إلى الأضرار الناشئة عن الدخان المتخلف من النار و كذلك الأضرار الناتجة عن المياه التي أطفئت بها.
و يقع على عاتق الشاحن(المرسل إليه) إثبات هذا الخطأ، لكن لا يكفي أن يثبت خطأ التابعين لأن النص يعلق مسؤولية الناقل على حصول الحريق بفعله أو خطئه فيكون له التمسك بالإعفاء من المسؤولية و لو أثبت الشاحن أن الحريق حصل بفعل التابعين أو خطئهم(4).
_______________________________
(1) – يونس علي حسن،المرجع السابق، ص 391، 392
(2) – مجيد حميد العنبكي، المرجع السابق، ص 245
(3) – محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 100
(4) – يونس علي حسن، المرجع السابق، ص 392 ، 393
2 – مخاطر البحر أو المياه الملاحية.
و يقصد بذلك الأخطار التي تتعرض لها السفينة بسبب السفر في البحار أو الأنهار المتصلة بها كالعواصف و الضباب و الصخور و غيرهما مما يعوق السفينة أثناء رحلتها و يتسبب في هلاك البضاعة أو تلفها، و لكي يعفي الناقل من مسؤوليته يثبت أن الضرر الذي أصاب البضاعة بسبب أحد هذه الأخطار بشرط أن تتوافر فيه أوصاف القوة القاهرة(1).
و استقر الفقه و القضاء على أن الحوادث أو الظروف الجوية كالمطر و الريح و البرق و اضطراب البحر و المد و الجزر …و التي تحصل بصفة دورية و في مواعيد معلومة لا تعد قوة قاهرة و من ثم لا تعفي الناقل من المسؤولية(2).
2- القضاء و القدر.
نصت عليه المادة 04 فقرة ثانيا “د” من معاهدة بروكسل لعام 1924، بينما لا وجود له صراحة في المادة 803 قانون بحري، غير أنه يمكن اعتباره ضمن مفهوم القوة القاهرة الواردة في الفقرة “هـ”.
و لا يسأل الناقل عن الضرر الناشئ عن القضاء و القدر و يشترط لكي يعتبر الحادث كذلك:
أ/ أن لا يكون لإرادة الإنسان دخل في إحداثه
ب/ أن تعجز القوة البشرية عن تفادي النتائج المترتبة عليه مع استعمالها العناية المعقولة، و ما على الناقل سوى إثباتهما معا ليتفادى تبعات المسؤولية
3- حوادث الحرب.
THE ACT OF WAR.
لم تنص عليها المادة 308 قانون بحري صراحة، مما يفهم أنها تندرج ضمن حالة القوة القاهرة ، بخلاف معاهدة بروكسل(3) و تكون الحرب قوة قاهرة بما ينجم عنها من أحداث و من أزمات اقتصادية ما دامت مستحيلة الدفع و غير متوقعة، و هذه الاستحالة لا ترد على الحرب في حد ذاتها بل على ما خلفته من أحداث و اضطرابات، فليست الحرب إذن بذاتها قوة قاهرة و إنما يتصف بذلك ما ينجم عنها، لذلك فعلى الناقل أن يثبت بأن الظروف التي جعلت التنفيــــــذ
_______________________________
(1)- يونس علي حسن، المرجع السابق، ص393 و محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 99.
(2)- اعتبرت المحكمة العليا أن القضاة قد أخطئوا لما أعفوا الناقل من المسؤولية عن الأضرار باعتبارها نتجت عن القوة القاهرة أن يتحققوا من توفر شروطها (م 282 ق ب)قرار صادر في 02/06/1991 ملف رقم 53657،غير منشور . كما اعتبرت أن مسؤولية الناقل قائمة لما اعترضته عاصفة في فصل الشتاء لأن رداءة الطقس تعتبر حالة عادية بالنسبة للملاحين في قرارها الصادرة في 19/05/1991 ملف رقم 77660 مجلة قضائية عدد 3 سنة 1993.
Cour d’Appel de Caen (1er CH) 30 Avril 1982 (Navire : Prométhée0 DMF n°409 de page 36 à 39.
(3)- المادة 04 فقرة ثانيا بند “هـ” من معاهدة بروكسل عام 1924.
مستحيلا غير ممكن توقعها أو دفعها(1)
5- أعمال الأعداء العموميين.
الأعداء العموميين هم الأشخاص الذين لا تقتصر عداوتهم على دولة دون دولة أخرى و لكنهم أعداء لجميع الدول كالقراصنة(2) و لم يصرح بها نص المادة 803 قانون بحري عكس معاهدة بروكسل(3).
6- الفتن و الاضطرابات الأهلية.
الفتن و الاضطرابات الأهلية هي تلك التي يترتب عنها الفوضى بين الناس و اختلال أمورهم. هي الأخرى لم تنص عليها المادة 803 قانون بحري على خلاف المعاهدة.
7- إيقاف أو إكراه صادر من حكومة أو سلطة أو شعب أو حجز قضائي.
لم ينص عليه سوى البند “ز” من نفس المادة من المعاهدة دون القانون البحري، و هذا السبب يمكن الأخذ به في وقت الحرب كما في وقت السلم و المقصود منه إعفاء الناقل من المسؤولية بسبب الإجراءات التي يتخذها صاحب السلطة الفعلية أو القانونية في الدولة التي تحول دون تنفيذ الناقل لالتزاماته.
8- الإعفاء من المسؤولية بسبب قيود الحجز التحفظي (الحجز الصحي).
و نقصد به الضرر الذي يصيب البضاعة بسبب الإجراءات غير العادية التي تتخذها السلطات في الميناء بقصد عدم انتشار الأمراض المعدية، فيصبح لناقل غير مسؤولا و لو كان عالما بهذه القيود وقت إبرام العقد بشرط ألا يثبت الشاحن بأن الناقل قد ارتكب خطأ(6)
9- الإعفاء من المسؤولية عن الاضطرابات أو إغلاق المستودعات أو المصانع في وجه العمل أو إعاقته كليا أو جزئيا مهما كانت الأسباب.
و يعتبر الإضراب أو الإغلاق أو الإيقاف أنواع مختلفة من العوائق التي :
_______________________________
(1)-محمد كمال حمدي،المرجع السابق، ص 99،100.
(2)(4)- يونس على حسن، المرجع السابق، ص 394
(3)-المادة 04 فقرة ثانيا بند “و” من معاهدة بروكسل لعام 1924
(5)-المادة 04 فقرة ثانيا بند “ك” من معاهدة بروكسل لعام 1924
(6)-يونس على حسن، المرجع السابق ، ص 394،395.
تمنع الناقل أو تأخير تنفيذ التزاماته العقدية، و على الناقل أن يثبت أن الضرر راجع إلى الأسباب السابقة لينفي مسؤوليته، و لا تكفي فقط عسر التنفيذ و إنما استحالته، و مع ذلك لا يشترط في هذه الأسباب أوصاف القوة القاهرة، كما لا يشترط أن يكون العائق كليا بل يكفي أن يكون جزئيا، و مع ذلك لا يكون للناقل أن ينفي مسؤوليته إذا ما استطاع الشاحن(المرسل إليه) إثبات أنه هو من تسبب في خطئه في وجود العائق المحتج به(1).
ثالثا : الإعفاء من المسؤولية عن أعمال الشاحن المختلفة.
و نقصد به فعل المضرور و يستوي بعد ذلك أن يكون الشاحن أو المرسل إليه، و مرد الإعفاء من المسؤولية أنه إذا وقع الضرر بفعل المضرور لا يكون ثمة مسؤول لأن المضرور ألحق الضرر بنفسه سواء بخطأ منه أو تعبير خطأ،فإذا استغرق خطأ المضرور خطأ الناقل تنتفي مسؤوليته لانعدام الرابطة السببية(2) و ورد تعدادها في مواد متفرقة نشير إليها بحسب: المادة 803 فقرة “ح”، المادة 810 و المادة 779 من القانون البحري.
1- أخطاء الشاحن المتعلقة بالتحزيم أو التكييف.
DEFECTIVE PACKING.
يعتبر خطأ من جانب الشاحن أن يصدر بضائعه مغلفة تغليفا معيبا أو دون تغليف كاف، فوجوب كفاية التغليف ليس فقط لضمان حفظ البضائع خلال الرحلة البحرية و إنما أيضا لحميتها أثناء تداولها خلال عمليات الشحن و التفريغ(3). و مرد إعفاء الناقل من المسؤولية هو المنطق ذاته، حيث أن تغليف البضاعة-كما سبق شرحه- التزام يقع على الشاحن.
و لا يعفى الناقل إلا إذا كان التغليف ضعيفا أو ناقصا لا يتفق و عرف المعاملات التجارية، و يقع على الناقل مسؤولية اتخاذ الوسائل الضرورية لتجنب التلف. و يجب على الناقل لتلافي المسؤولية أن يثبت عدم كفاية التغليف و العلاقــــة
_______________________________
(1)-يونس علي حسن،المرجع السابق، ص 395
(2)-أما إذا لم يستغرق أحد الخطأين الآخر نكون أمام ما يسمى بالخطأ المشترك فتكون مسؤولية كل من الناقل و المضرور بالتساوي، و إذا تعدد المسؤولين إلى جانب المضرور توزع عليهم المسؤولية بعدد الرؤوس، محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 105،106، أنظر المادة 804 قانون بحري.
(3)-ارجع إلى الصفحة من المذكرة نفسها لتفصيل أكثر حول موضوع الالتزام بالتغليف.
السببية بينه و بين الضرر الذي لحق بالبضاعة(1)
2- عدم كفاية أو صحة العلامات.
INSUFFICIENCY OR INDEQUANCY OF MARKS.
يجب أن يقدم الشاحن البضائع و عليها بياناتها التي تكون مطبوعة أو موضوعة بطريقة ظاهرة بحيث تظل قرائتها ميسورة حتى نهاية السفر لتسهيل على الناقل التعرف على طبيعتها و تخصيصها بالمعاملة التي تلائمها(2). و عدم كفاية أو إتقان العلامات يعد إهمالا من جانب الشاحن و إخلالا بأحد التزاماته و هو ما يعفي الناقل من مسؤوليته عن هذا الضرر(3)
3-التصريح الكاذب من طرف الشاحن.
فلا يعد الناقل مسؤولا عن الخسارة أو الضرر المسبب للبضائع. أو ما يتبعها إذا ارتكب الشاحن يتعهد تصريحا كاذبا بشأن نوعها أو قيمتها في وثيقة الشحن أو في وثيقة أخرى مؤيدة النقل.
4-خطأ الشاحن أو خطأ مندوبية.
يعد الشاحن مسؤولا عن الأضرار التي تلحق بالسفينة و البضائع من جراء خطئه أو خطأ مندوبيه.
رابعا : أسباب إعفاء تعود إلى أعمال الناقل.
(أعمال الناقل البريئة) :
الناقل لا يسأل إذا قام بالأعمال الآتية:
1- محاولة إنقاذ الأرواح و الأموال في البحر.
إن المعاهدة الدولية الخاصة بالتصادم أو المعاهدة الدولية الخاصة بالمساعدة و الإنقاذ تلزم الربان على تقديم المساعدة للأموال و للأشخاص الذين يوجدون في البحر تحت خطر الهلاك، و يترتب عنه أحيانا تلف أو هلاك الشحنة التي توجد على ظهر السفينة التي تقدم المساعدة، فتنبهت معاهدة بروكسل الخاصة بسندات الشحن( و القانون البحري) فنصا على إعفاء الناقل من المسؤولية بسبب الخسائر التي تلحق بالبضائع(4). و يشترط أن تكون تلك التدابير معقولـة
_______________________________
(1)- و لا شك أن الناقل يستفيد هنا من التحفظات الكتابية المثبتة سند الشحن، و التي يكون قد دونها لتفادي قرينة المسؤولية، محمد كمال حمدي، المرجع السابق ، ص 107،108.
(2)-ارجع إلى الصفحة من المذكرة نفسها لتفصيل أكثر حول موضوع الالتزام بوضع بطاقة البيانات
(3)- محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 108،109
(4)-يونس علي حسن، المرجع السابق ، ص 396.
و تقاس هذه المعقولية بما قد يفعله الناقل متوسط الحرص في نفس الظروف. و أساس التفرقة بين حالتي انقاد الأرواح و إنقاذ الأموال تفادي الاندفاع إلى إنقاذ الأموال برعونة ( طمعا في المكافأة) مع عظم الخطر الذي تتعرض له الشحنة أو ضعف الأمل في الإنقاذ الفعلي.
و يعتبر الإنقاذ في ذاته سبب الإعفاء بغض النظر عن نتيجتة، فقد لا يؤدي إلى إنقاذ الأرواح و الأموال و مع ذلك يظل وجه الإعفاء قائما(1)(2).
2-الانحراف في السير.
إضافة إلى تقرير المشرع لإمكانية الانحراف بسبب محاولة إنقاذ الأموال أو الأرواح في البحر، فإنه زيادة على ذلك يعفي الناقل أيضا عن الخسائر اللاحقة بالبضاعة بسبب الانحراف في السير كلما كان معقولا، و هذا الأمر يقدره قاضي الموضوع مستندا إلى المصلحة التي قصدت السفينة تحقيقها من وراء الانحراف في السير(3)(4).
3-الأعمال التي يقوم بها الناقل في حالة شحن بضاعة ذات طبيعة خاصة أو خطيرة.
تنص المادة 778 قانون بحري على جوازية قيام الناقل في أية لحظة و في أي مكان تنزيل البضاعة القابلة للاشتعال أو الانفجار أو بضائع خطرة أو إتلافها أو جعلها غير ضارة، و هذا في الأحوال التالية:
أ/ عندما لا يكون الناقل أو من يمثله على علم بها
ب/عندما يكون الناقل أو من يمثله على علم بها، و لكنها أصبحت تشكل خطرا على السفينة و الحمولة(5).
خامسا : خطأ الغير.
وفقا للمادة 803 فقرة “ك” قانون بحري و أيضا الفقرة “ل” منه و كذا المادة 04 فقرة ثانيا بند “ف” من معاهدة بروكسل، الناقل لا يسأل عن الأخطاء التي يرتكبها الغير و هو كل شخص ليس طرفا في العقد، كما يجب ألا يكون من الأشخاص الذين يعتبر المدعى عليه(الناقل) مسؤولا عنهم(6).
_______________________________
محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 140،141
المواد 775و803 فقرة “ي” من القانون البحري
يونس علي حسن، المرجع السابق، ص 397
المادة 04 فقرة سادسا من معاهدة بروكسل لعام 1924
محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 109،110.
الفرع الثاني : الإعفاءات الاتفاقية.
الأصل أن أحكام معاهدة بروكسل لعام 1924 و القانون البحري جاءا لتنظيم مسؤولية الناقل البحري على نحو ما هو مقرر في القواعد العامة، إلا أنه يرد استثنائين على هذا الأصل، فمن ناحية نصا على حالات يعفى فيها الناقل من المسؤولية إعفاءا قانونيا لا يتوقف على النص على ذلك في سند الشحن. و من ناحية أخرى وضعا حدا أقصى للتعويض الذي يحكم به على الناقل في الحالات التي لا يكون فيها الناقل معفيا من المسؤولية بنص القانون.
و لقد تقررا هذين الاستثنائين لرعاية الناقل و توفيقا بين مصلحته و الشاحن يجب أن يحترم حدود مسؤولية الناقل كما رسماها المعاهدة و القانون البحري و التي تعد حدا أدنى لا يجوز النزول عنه.(1) لذلك وجب التفرقة بين الشروط الجائز الاتفاق عليها و الشروط غير الجائز الاتفاق عليها :
أولا : الشروط الاتفاقية الباطلة.
يعد باطلا و عديم المفعول كل شرط تعاقدي يكون هدفه أو أثره المباشر أو غير المباشر ما يلي (2):
1- إبعاد أو تحديد المسؤولية الخاصة بالناقل.
و نقصد بها المسؤولية الناجمة عن المواد 770 و 773و 780 و 802 و 803 و 804 من القانون البحري(3) فلا يجوز إدراج شرط في عقد النقل البحري للبضائع يحد من مسؤولية الناقل أو يستبعدها فيما يخص التزاماته بتوفير وسيلة النقل الصالحة للملاحة و إعدادها لهذه الوجهة، و كذا التزاماته المتعلقة بالعناية بالبضاعة من شحن و رص و صيانة و حراسة و فكها و إنزالها و أيضا مسؤولياته عن الخسائر و الأضرار الحقة بالبضاعة منذ تسليمها الى من له الحق عليها.
2- تحديد مسؤولية الناقل بمبلغ يقل عما حددته المادة 805 قانون بحري.
لأنه يعتبر كل شرط يتضمن التنازل إلى الناقل عن الحقوق الناشئــــة
_______________________________
(1) يونس على حسن، المرجع السابق، ص 405
(2) المادة 881 قانون بحري.
(3) المادة 03 فقرة ثامنا من معاهدة بروكسل لعام 1924
عن التأمين أو أي شرط آخر مماثل له بمثابة إعفاء الناقل من المسؤولية فإدراج شرط كهذا يعد بمثابة إعفاء من المسؤولية، إذ أن الناقل عندما يستفيد من مبلغ التأمين الذي يدفع للمؤمن على البضاعة، فإنه يؤدي إلى تغطية مسؤوليته الناشئة عن أخطائه في تنفيذ العقد، حيث يعتبر في حكم إعفاء الناقل من المسؤولية، و عليه يقع الشرط باطلا بطلانا مطلقا.
و يستوي بعد ذلك أن يحدد مبلغ التأمين الذي يستفيد منه المتضرر بأقل ما ينص عليه القانون ( المادة 805 قانون بحري) وفقا للمادة 811 بند “ب” أو يمنح بأكمله أو جزء منه للناقل وفقا للمادة 811 بند “ج”.
3-التكاليف الزائدة بالنسبة لمن أرسلت إليه البضائع.
لأنه تعتبر باطلة كل الشروط التعاقدية الناصة على تكاليف زائدة بالنسبة لمن أرسلت إليه البضائع عن الشروط المبينة في المادة 790 قانون بحري، و هذه المصاريف تخص مصاريف خبرة طبقا للمادة 789 قانون بحري، عمليات فحص و معاينة البضاعة طبقا للمادة 788 قانون بحري.
يجوز على العكس للأطراف الاتفاق على إعفاءات أخرى أباحتها معاهدة بروكسل لعام 1924 و كذا القانون البحري.
ثانيا : الشروط الاتفاقية الصحيحة.
يكون إدراج شرط عدم المسؤولية في وثيقة الشحن صحيحا و لا يبطل أثره المترتب عليه في الحالات الآتية:
1-التنازل من طرف الناقل عن الحقوق و الإعفاءات المخولة له كلها أو جزء منها.
للناقل أن يتنازل عن الحقوق و الإعفاءات المخولة له كلها أو بعضها كما يجوز له أن يزيد في مسؤولياته و التزاماته على الوجوه المبينة في المعاهدة أو القانون بشرط أن يكون هذا التنازل أو هذه الزيادة في المسؤولية واردا في سند الشحن المسلم إلى الشاحن(2).
_______________________________
(1) المادة 3 فقرة ثامنا (8) من معاهدة بروكسل لعام 1924
(2) المادة 5/1 من معاهدة بروكسل لعام 1924
2-الشرط أو الاتفاق الذي ينص على الزيادة في مسؤولية الناقل أو التزاماته.
هذا الشرط يعد أيضا صحيحا(1)، لأنه لا يؤدي إلى إعفاء الناقل، بل على العكس من ذلك يشدد من مسؤوليته و يضاعف من التزاماته، مما يؤدي إلى تحقيق حماية أفضل للشاحن، و لكي يعتد به أيضا ، يجب أن يكون مدونا في وثيقة الشحن.
3-الشروط الخاصة بنقل البضائع على السطح و نقل الحيوانات.
أ/ نقل البضائع على سطح السفينة.
إن الطريقة العادية لنقل البضائع هو إيداعها العنابر التي تعتبر بحكم استعدادها قادرة على استقبال البضاعة مع ضمان ثبات و اتزان السفينة لكن شحن البضاعة على سطح السفينة تؤدي إلى نتائج مؤسفة(2). إلا أن هذه الطريقة متبعة منذ القدم لعديد من الاعتبارات العملية، فإذا قام الناقل البحري بشحن البضائع على سطح السفينة في الأحوال التي يجوز فيها ذلك و ذكر في سند الشحن، فمجرد حصول النقل بهذه الطريقة لا يقوم بذاته سببا لإعفاء الناقل من المسؤولية عن الهلاك أو التلف الذي يلحق بالبضاعة، و إنما تبقى مسؤوليته قائمة لأنه هو الضامن من التلف أو الهلاك و لو على سطح السفينة، لكن تقرر وجه إعفاء خاص من المسؤولية في هذا الغرض إذا ما أثبت أن الهلاك أو التلف الذي لحق بالبضائع ناشئ عن المخاطر الخاصة بهذا النوع من النقل(3)(4).
ب/نقل الحيوانات الحية.
استثنت معاهدة بروكسل من نطاق تطبيقها نقل الحيوانات الحية و هذا لأنها لا تكون ثابتة كالبضائع و إنما تتحرك طالما أنها حية، و من ثم فمخاطر نقلها كثيرة
________________________________________
(1)نفس حكم الإعفاء السابق أي المادة 5/1 معاهدة بروكسل لعام 1924
(2)كتعرض البحارة للخطر و الحوادث التي تقع على السطح خاصة حيث تسوء الأحوال الجوية، و عدم ثبات و اتزان السفينة و تعرض البضائع للتلف بسبب الرطوبة و حرارة الشمس و الأمطار و تكون أول ما يلقى في البحر، و وزنها يؤدي إلى تمايل السفينة و تدفق المياه في العنابر فتفسد البضائع التي في العنابر.
(3)محمد كمال حمدي، نفس المرجع، ص 119،ص 123 و 124.
(4)voir , Raymond Arrad, DMF, N°409, chargement en pontée irrégulier, dol, faute intentionnelle ou inexcusable et limitation de responsabilité du transporteur maritime de la page 03 à la page 26.
و لا يلزم الناقل للإعفاء من المسؤولية أن يثبت السبب الأجنبي و أن يقيم الدليل عن هذا الضرر كان نتيجة المخاطر الخاصة بهذا النوع من النقل(1). إلا أنه يصعب عليه إقامة مثل هذا الدليل و إنما يكتفي القاضي بافتراض قرينة لصالح الناقل مفادها أن الضرر راجع إلى المخاطر الخاصة بنقل الحيوانات بحرا إذا ما أثبت أنه نفذ تعليمات الشاحن بشأن نقل الحيوانات (2)
4-الجهل بالوزن أو ما يماثله.
تكون التحفظات على وثيقة الشحن بمثابة إعفاء الناقل من المسؤولية فهذه التحفظات و الخاصة بوزن البضاعة أو عددها أو كميتها، تكون صحيحة إذا وجد لدى الناقل أو وكيله سبب جدي يحمله على الشك في عدم مطابقتها للبضائع المسلمة إليه فعلا، أو عندما لا تتوافر لديه الوسائل الكافية للتحقق منها(3).
5-حالة الظروف العادية و البضائع المشحونة.
يجوز للناقل أن يبرم مع الشاحن أي اتفاق بصدد مسؤوليات الناقل و التزاماته متى كانت أوصاف البضائع أو الظروف غير العادية التي يتم فيها النقل تبرر اتفاقا خاصا و بشرط ألا يصدر سند شحن قابل للتداول و أن يؤشر في وثيقة النقل بما يفيد ذلك. و من ذلك أن يتعلق الأمر بنقل البضائع سريعة التلف أو أن يقتضي وصول البضائع المرور بمناطق تجري فيها عمليات حربية(4)(5).
الفرع الثالث : الأشخاص المستفيدون من الإعفاء
يستفيد من الإعفاء من المسؤولية كل الأشخاص الذين يساعدون الناقل في تنفيذ التزاماته بما فيهم الناقل نفسه:
أولا : الناقل.
تطبيق التحديدات و الإعفاءات- السابق شرحها- على كل دعوى ترفع ضد الناقل للمطالبة بالخسائر أو الأضرار على أساس المسؤولية غير التعاقديــــة
______________________________
(1) كما إذا لم يتحمل دوار البحر فنقف، أو أخافه منظر البحر فامتنع عن الطعام فهزل، أو أزعجه ارتفاع الأموال فاقتتل مع غيره من الحيوان فقتل، أو حطم قيوده و أنطلق يثير الفزع في السفينة مما اضطر الربان إلى إصدار الأمر بإطلاق النار عليه.
(2) محمد كمال حمدي ، المرجع السابق، ص 125، 126،127
(3) يونس علي حسن، المرجع السابق، ص 409
(4) المادة 06 من معاهدة بروكسل لعام 1924
(5) يونس علي حسن، المرجع السابق، ص 408،409.
أي التقصيرية (1) و قد عرفت المعاهدة بروكسل لعام 1924 في مادتها 01 بند “أ” بأنه يشمل أو يدل مصطلح “ناقل” على مالك السفينة أو مستأجرها المرتبط مع الشاحن بعقد نفل و بالتالي فليس لازما أن يكون الناقل مالكا للسفينة إذ يكتسب صفة الناقل كل من المستأجر و المجهز و الحائز حيازة مؤقتة للسفينة حالة ما إذا كان قد أبرم عقدا مع الشاحن أو أبرم العقد باسمه و يعرف هنا بالناقل المتعاقد، و على كل فإن الناقل الفعلي يحظى بصفة الناقل فيستفيد إذن من أوجه الإعفاء من المسؤولية.
ثانيا : تابع الناقل.
و هو كل تربطه بالناقل علاقة التبعية و التي قوامها ركن السلطة و ركن الإشراف و الرقابة و التوجيه، و على ذلك يعد الربان و البحارة و هم يرتبطون مع المجهر بعقد عمل بحري من تابعي الناقل، و لا يعد مقاول الشحن و التفريغ تابعا للناقل و لهم أن يتمسكوا بكل التحديدات و الإعفاءات التي يمكن للناقل أن يتمسك بها(2)
ثالثا : وكيل الناقل.
و كيل السفينة وكيل للناقل البحري و من ثم يكون له حق التمسك بأوجه الإعفاء المقررة للناقل البحري و هذا بصدد أخطائه الشخصية التي يرتكبها أثناء تأدية مهامه(3)(4)
هذا و إذا تحقق الضرر و لم يتمكن الناقل من قطع العلاقة السببية بين حصوله و فعله أو فعل مندوبية تعتبر مسؤوليته قائمة تستوجب التعويض لجبر هذه الأضرار.
_______________________________
(1) المادة 813 قانون بحري
(2) المادة 814 قانون بحري
(3) و رغم أن الربان يعد من تابعي الناقل إلا أنه بجانب ذلك هو نائب قانوني عنه و من ثم يكون للمضرور الرجوع على الربان بأي من الوصفين و يكون للأخير الدفع في مواجهة الدعوى المرفوعة عليه بأوجه الإعفاء المقررة للناقل البحري
(4) محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 153 و 154.
المبحث الثاني : التعويض عن المسؤولية.
التعويض هو إعطاء مقابل للمضرور عما أصابه من خسارة، و ينشأ الحق فيه من يوم نشوء الضرر أو من يوم اكتمال عناصر المسؤولية، و يكون صدور الحكم كاشفا للحق لا منشأ له(1).
و قد يحدد القانون هذا التعويض، و قد يتم الاتفاق عليه و هذا ما سندرسه في المطلب الأول : و هو التعويض في حالة تحديد المسؤولية، و قد لا يكون محددا فيتوجب على القاضي تقديره و هو موضوع المطلب الثاني: التعويض عن انعدام تحديد المسؤولية.
المطلب الأول : التعويض في حالة تحديد المسؤولية.
التعويض يكون محددا بحد أعلى لا يتجاوزه القاضي و هذا التحديد قد يكون بنص قانوني و قد يكون وفقا لاتفاق الأطراف.
الفرع الأول : التحديد القانوني.
في مقابل حرمان الناقل البحري من إدراج شروط إعفاء من المسؤولية في وثيقة الشحن، و لقد حددت معاهدة بروكسل لعام 1924 و القانون البحري مبالغ قصوى لمسؤوليته، أيا كانت هذه المسؤولية حتى لا ترهقه أعبائها فيعجز عن مواصلة الاستغلال و تطويره، ذلك أن خطأ واحدا في النشاط البحري قد يحدث من الأضرار ما يشكل تعويضها مبالغ ضخمة لا يستطيع الناقل مواجهتها، و أن إطلاق التعويض ينتج ارتفاعا في أسعار التأمين ضد المسؤولية.
و يسري التحديد القانوني لمسؤولية الناقل البحري سواء على مسؤوليته العقدية أو التقصيرية و يسري على دعاوى المسؤولية عن هلاك البضائع أو تلفها أو تأخير تسليمها، كما يستفيد أشخاص آخرون يشاركون في عملية النقل من التحديد القانوني للمسؤولية المقرر للناقل البحري حتى لا يفلت المضرور من هذا التحديد بموجب رجوعه عليهم إهدار لمبدأ التحديد القانوني للمسؤولية(2).
_______________________________
(1) علي علي سليمان، دراسات في المسؤولية المدنية في القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثانية، سنة 1994، ص 197.
(2) محمد كامل حمدي،المرجع السابق ، ص 167، 168.
و سريان التحديد القانوني لمسؤولية الناقل مناطه أن يكون الضرر قد حصل خلال النطاق الزمني لمسؤوليته و الممتد في الفترة التي تبدأ منذ تكلفه بها حتى تسليمها إلى المرسل إليه أو إلى ممثله القانوني(1). و الأضرار الواقعة خارج هذه الفترة تخضع لتطبيق أحكام القواعد العامة لجبر الضرر مما يستوجب معه تقرير التعويض الكامل هذا الأخير خاضع لجميع التعديلات من : إعفاء، تخفيف، أو تشديد وفقا لمبدأ حرية التعاقد.
و لا يسري التحديد إلا على عقد النقل البحري للبضائع بموجب سند الشحن، و بالتالي فهو غير ساري المفعول على النقل بموجب عقد إيجار السفينة إلا إذا صدر تنفيذا له سند الشحن.
و التحديد القانوني للتعويض يخص مسؤولية الناقل تجاه الشاحن أو المرسل إليه دون الغير الذي يصيبه ضرر من تنفيذ عقد النقل، هذا الأخير يستحق تعويضا كاملا(2)
فكيف يحدد مقدار الحد الأعلى للمسؤولية و ما هي الطبيعية القانونية لهذا التحديد؟
أولا : كيفية تحديد الحد الأعلى للمسؤولية.
إن تحديد مقدار الحد الأعلى لمسؤولية الناقل البحري لا يعد تحديدا جزافيا كما لا يعد شرطا جزائيا، و لقد بينت كل من معاهدة بروكسل عام 1924 و كذا القانون البحري مقدار الحد الأعلى لمسؤولية الناقل البحري و هو أمر يختلف بين هذه و ذاك.
1- مقدار الحد الأعلى في معاهدة بروكسل لعام 1924
لا يلزم الناقل في أي حال من الأحوال بسبب الهلاك أو التلف اللاحق بالبضائع أو ما يتعلق بها، بمبلغ يزيد على مائة جنية إنجليزي عن كل طرد أو وحدة أو على ما يعادل هذه القيمة بنقد عملية أخرى ما لم يكن الشاحن قد بين حبس البضاعة و قيمتها قبل الشحن و أن هذا البيان قد دون في سند الشحن(3)، إذن فالتعويض يحسب على أساس 100 جنيه إنجليزي عن كل طرد أو وحدة، فماذا نقصد بالطرد ؟ و ماذا نقصد بالوحدة؟
_______________________________
(1) المادة 802 قانون بحري
(2) محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 169،170.
(3) المادة 04 فقرة خامسا من معاهدة بروكسل لعام 1924.
أ/الطرد.
PACKAGE.
يفترض الطرد وضع البضاعة في غلاف كصندوق أو كيس يحمل أرقاما و علامات مميزة، فكل صندوق أو كيس يعتبر في هذه الحالة طردا(1) و كلمة طرد تعني أن البضاعة قد شحنت بعد حزمها في حزمة واحدة أو أكثر سواء تم تغليفها بورق أو ما شابه أو بوضعها في صندوق مثلا أو في أكياس أو اكتفى بتحزيمها بأربطة بحيث تكون كل حزمة معينة بذاتها، وهذه الطرود بذكر عددها في الشحن و على أساسها يتحدد الحد الأقصى لمسؤولية الناقل عن هلاك البضاعة أو تلفها أثناء الرحلة البحرية(2).
ب/وحدة الشحن.
UNIT.
الوحدة خاصة بالبضاعة التي تشحن صبا in bulk من غير تغليف و التي لا يعرف وزنها أو قياسها أو حجمها كالأخشاب و الغلال و الفحم و البترول، فالمقصود إذن وحدة الوزن أو المقاس أو الحجم التي تتخذ عادة أساسا لتحديد أجرة النقل سواء أكانت طنا متريا، أو كيلوغرام أو مترا مكعبا، فإذا اختلفت الوحدة الواردة في سند الشحن عن الوحدة التي تراعى في احتساب الأجرة كانت العدة بالوحدة الواردة في السند(3).
أ/ الحاويات.
CONTENAIRS.
إن تقدير الحد الأعلى للمسؤولية على أساس عدد الطرود و وحدات الشحن يثير صعوبة لما تجمع في حاوية، ذلك أن السؤال الذي يطرح هل أن المسؤولية تحسب على أساس عدد الطرود و الوحدات أم على أساس الحاويات نفسها؟
قد تعتبر الحاوية نفسها طردا، إلا أن الحاوية نفسه تحتوي على العديد من الطرود أو وحدات الشحن فإنه من غير العدل أن تعتبر الحاوية طردا و يعوض عنها على هذا الأساس ، لذلك استقرت بعض التشريعات (4) و كذا العمل القضائي و الفقه على اعتبار كل طرد أو وحدة شحن بالحاوية يعتبر طردا او وحدة مستقلة بشرط أن يذكر عدد الطرود أو الوحدات في سند الشحن و إلا اعتبرت الحاوية و ما فيها طردا واحدا أو وحدة مستقلة، و هي تعتبر كذلك إذا هلكت أو تلفت و من ثم تدخل في تقدير الحد الأعلى للتعويض بشرط ألا تكون مملوكة للناقل أو مقدمة منه.
_______________________________
(1) محمد كمال حمدي، نفس المرجع، ص 174
(2) قضاء محكمة النقض المصرية في 26/12/1988 طعن 1229 س 53 ق.
(3) محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 175.
(4) التشريع الفرنسي و المصري.
الحد الأعلى للتعويض بشرط ألا تكون مملوكة للناقل أو مقدمة منه.
و هناك من يقول أنه يجب تحديد مبالغ أعلى من ذلك (ثلاثة أمثال أو ربما أكثر) بالنسبة للحاوية، إذ يجب اعتبار طول الحاويات و التفرقة حسب حجمها بالمتر المكعب حيث توجد الحاويات الصغيرة و المتوسطة و الكبيرة(1)
فيعتد إذن بما يسلمه الناقل فعلا، فإذا كانت الحاوية تحتوي على 30 طردا فإن الناقل إذا كان قد تسلم هذا العدد من الطرود فإنه يلتزم إذا ما فقدت الحاوية، و كانت الحاوية مملوكة للشاحن أو مقدمه منه، بتعويض يعادل 31 مرة التحديد القانوني لمسؤوليته، إذ يضاف إلى عدد الطرود التي داخل الحاوية و التي تبلغ 30 طردا، الحاوية ذاتها باعتبارها طردا، أما إذا لم يتسلم الناقل إلا الحاوية ذاتها فإن التعويض يتحدد في قيمة طرد واحد فقط، على اعتبار أن ثمة فقد لطرد واحد فقط هو الحاوية.
و العبرة ليست بوضع الطرود من طرف الشاحن أو الناقل في حساب أو تقدير المسؤولية، و إنما بما تضمنه سند الشحن ذاته تحديدا لعدد الطرود و تعيبنا لها(1)
2- مقدار الحد الأعلى في القانون البحري.
إذا لم يصرح الشاحن أو ممثله بطبيعة و قيمة البضائع قبل شحنها على السفينة و لم يدون هذا التصريح في وثيقة الشحن أو أية وثيقة نقل أخرى مماثلة، فلا يعد الناقل مسؤولا عن الخسائر أو الأضرار التي تصيب البضاعة أو التي تتعلق بها بمبلغ يزيد عن 10000 وحدة حسابية عن كل طرد أو وحدة شحن أخرى أو 30 وحدة حسابية عن كل كيلوغرام يصاب بخسائر أو أضرار من الوزن الإجمالي للبضاعة للحد الأدنى المطبق، و بمقدار يعادل مرتين و نصف من أجرة النقل المستحقة الدفع عن البضائع المتأخرة التي لم تسلم في الوقت المتفق عليه أو في الوقت المعقول المطلوب من ناقل حريص أن يسلم فيه البضائع، و لكن لا تزيد عن مجموع أجرة النقل المستحقة بموجب عقد النقل البحري.
_______________________________
(1) – محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 177.
في حالة استخدام حاوية أو أية أداة أخرى لتجميع البضائع، فإن العبرة في حساب أي المبلغين أكبر لتحديد المسؤولية هي عدد الطرود المدونة في وثيقة الشحن أو أي وثيقة أخرى تثبت عقد النقل البحري.
و إذا تضررت أداة النقل نفسها ولم تكن مملوكة للناقل تعتبر وحدة شحن أخرى(1)
3-كيفية حساب الحد القانوني.
يقصد بالمائة جنيه وفقا للمادة 9/1 من المعاهدة مائة جنيه ذهب، و لكن نظرا لعدم جواز الدفع بالذهب في الجزائر فيجوز للناقل أن يدفع التعويض بنقود (سيولة) محسوبة على أساس سعر الذهب و ذلك يوم وصول السفينة إلى ميناء الوصول طبقا للمادة 9 فقرة ثالثا.
و مبادئ العدالة تقتضي احتساب التعويض على أساس السعر يوم الوفاء. و لقد استقر القضاء في تفسير هذا الشرط على دفع التعويض بالعملة الورقية بما يعادل مائة جنيه إسترليني ورق لا غير(2)، إلا أنه فسر من قبل العديد من الدول المنضمة للمعاهدة على أساس القيمة الذهبية لما يقابل العملات الوطنية، و أيضا جاء البروتوكول المعدل للمعاهدة في سنة 1968 مؤكدا هذا التفسير آخذا بالفرنك البوانكرية الذهب كأساس لتحديد التعويض(3).
و يقصد بالوحدة الحسابية وفقا للمادة 805 قانون بحري المعدلة (4) ، وحدة حساب متشكلة من خمسة وستين ميلغراما و نصف من الذهب على أساس تسعمائة من الألف في النهاية.
و يتم تحويل هذه الوحدة بالعملة الوطنية وفقا لأرقام مضبوطة . بيد أنه في حالة دعوى قضائية فسيتم التحويل حسب قيمة الذهب للعملة المذكورة و يكون ذلك في تاريخ النطق بالحكم.
_____________________________
(1)- المادة 805 قانون بحري
(2)- مبدأ في اجتهاد قضائي استقرت عليه محكمة النقض المصرية
(3)- قايد بهجت عبد الله، القانون البحري، مكتبة نهضة الشرق 1984، الطبعة الأولى، ص 301.
(4)- قانون رقم 98/05 المؤرخ في 25 جوان 1998 يعدل و يتمم القانون البحري.
ثانيا : الطبيعة القانونية للتحديد القانوني و مدى تعلقه بالنظام العام.
1-الطبيعة القانونية للتحديد القانوني لمسؤولية الناقل.
الأصل أن المسؤولية ذاتها لا يرد عليها التحديد و كذلك الأمر بالنسبة للتعويض وفقا لقواعد القانون المدني، و هو الذي يحدده المعيارين فوات الكسب و ما لحق من خسارة، و من ثم يجب أن يعتبر الحد الأعلى لمسؤولية الناقل البحري هو نوع من التعويض أو أحد صوره، و التحديد ليس إلا رغبة من الشرع في إقامة التوازن بين الشاحن و الناقل(1).
و التحديد القانوني لمسؤولية الناقل هو حد أعلى للمسؤولية، و من ثم فهو ليس جزافيا لقيمة الطرد أو وحدة الشحن، فلا يكون محل لتطبيق قاعدة النسبية، فالناقل يلتزم بتعويض كل الضرر الذي يصيب الشاحن إلا أنه يبرأ بدفع 100 جنية إنجليزي عن كل طرد أو وحدة و لو كان الضرر يزيد عن ذلك. كما أن التحديد القانوني لا يشبه بالشرط الجزائي إذ يقع على عبئ إثبات مقدار الضرر الذي لحق به طبقا للقواعد العامة، و يشمل كل من الضررين المادي و الأدبي، أما المادي يشمل ما فات المضرور من كسب و ما لحقته من خسارة.
و إذا ما أثبت المضرور مقدار الضرر فيعوض وفقا لأحد التصورات:
1-إما أن يكون مقدار الضرر يساوي الحد القانوني الأقصى فيرد إلى هذا الحد و لا يعوض إلا بقدره .
2-إما أن يكون مقدار الضرر يساوي الحد الأقصى للتعويض فيعوض بقدره أيضا
3-أما إن كان مقدار الضرر يقل عن الحد الأقصى للتعويض فإن المضرور لا يجوز تعويضه إلا بقدر الضرر الذي أصابه و إلا اعتبر إثراءا بلا سبب.
2- مدى تعلق التحديد القانوني للمسؤولية بالنظام العام.
أحكام مسؤولية الناقل البحري تتعلق بالنظام العام، فالقاضي يعمل بها دون أن يتوقف على تمسك الناقل بها، و إذا ما طالب المضرور بالتعويض دون بيان الضابط الذي يقدر على أساسه التعويض فإن القاضي يحكم بهذا التقدير. و عليه لا يجوز تغيير أحكامه ، و نفرق إذا ما تم الاتفاق على الإنقاص أو الزيـــــادة
في الحد الأقصى، فإن جاءت للإنقاص كان باطلا بطلانا مطلقا، أما إذا جاءت بأكثر ما هو محدد قانونا فالاتفاق صحيح و نافذ(1)
الفرع الثاني : التحديد الاتفاقي .
لقد توصلنا إلى أن التحديد القانوني من النظام العام لا يجوز الاتفاق على مخالفته، لكن هذه القاعدة يرد عليها استثناء هو إمكانية اتفاق الأطراف على الحد الأدنى و جوازية هذا الأمر وفقا لما نصت عليه المادة قانون مدني حيث يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو في اتفاق لاحق(2)، و عليه فإن نطاق هذه الجوازية لا يعدو الحالات الآتية:
أولا : الاتفاق على حد يجاوز الحد القانوني.
عندما ينص القانون على حد أعلى، فإن الأطراف يمكنهم الاتفاق على أن يتحمل الناقل المسؤولية بمقدار يتجاوز الحد القانوني(3) و السبب يعود إلى أن الحد القانوني وجد لحماية الناقل، فإذا تنازل عنه فلا مانع في ذلك، و يكون ذلك صحيحا حتى و لو وصل إلى إلغاء حدود المسؤولية أصلا، بحيث يتحمل الناقل كامل الضرر، بشرط ألا يكون الحد الأقصى المتفق عليه أقل من المبلغ المحدد وفقا للحد القانوني.
ثانيا : الاتفاق على تحديد المسؤولية في فترة زمنية أو مرحلة من مراحل تنفيذ العقد.
لقد أجازت كل من معاهدة بروكسل و القانون البحري المجال لطرفي العقد للنص أو الاتفاق على تحديد المسؤولية بمبلغ كيف ما شاء اخارج نطاق المرحلة البحرية الممتدة منذ تكفل الناقل بالبضاعة إلى غاية تسليمها للمرسل إليه أو ممثله القانوني(4).
ثالثا : الاتفاق على تحديد المسؤولية لبضائع معينة.
هناك من البضائع تفرض خصوصية طبيعتها أو طريقة نقلها معاملة معينة و نقلها قد يرتب مسؤولية الناقل، هذه المسؤولية أجاز القانون للأطراف الاتفاق.
______________________________________
(1)- محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 178، 179.
(2)- المادة 182 قانون مدني.
(3)- المادة 04 فقرة ثالثا معاهدة بروكسل لعام 1924.
(4)- المادة قانون بحري و المادة معاهدة بروكسل لعام 1924.
على حد معين خلافا الحد القانوني وتتمثل في :
1- نقل الحيوانات:
يرخص طبقا للمادة 812 قانون بحري بند ” ب ” بكل الشروط المتعلقة بتحديد المسؤولية أو التعويض في نقل الحيوانات ، وهو في القانون البحري (الاتفاق ) استثناء على الحد القانوني ، كما صرحت معاهدة بروكسل لعام 1924 بإخراج نقل الحيوانات من دائرة تطبيقها ، وعليه فانه يجوز للأطراف الاتفاق على أي تعويض يخالف الحد القانوني زيادة أو نقصانا طالما لا تعتبر ناجمة عن مسؤولية الناقل البحري في تنفيذ عقد النقل البحري للبضائع بسند الشحن وفقا لإٌحكام المعاهدة .
2 – نقل البضائع على السطح .
كما رخصت أيضا المادة 812 قانون بحري بند ” ب ” بالاتفاق حول تحديد المسؤولية و التعويض إذا ما تعلق الأمر بنقل البضائع على السطح
المطلب الثاني : التعويض عن انعدام تحديد المسؤولية
إذا كانت القاعدة هي احترام التحديد لمسؤولية الناقل البحري إلا أن المعاهدة أجازت استثناءا الخروج عن هذه القاعدة بحيث يكون للشاحن الحق في تعويض كامل عن الضرر بصرف النظر عن التحديد الوارد في المعاهدة وذلك في أحوال معنية(1) ويقوم القاضي بتحديد وتقويم هذا التعويض وفقا للمعايير المألوفة في القواعد العامة :
الفرع الأول : الحالات المستثناة من التحديد
للناقل التمسك بأحكام تحديد المسؤولية ولتابع الناقل ذات الحق شرط أن يثبت أن الخطأ قد ارتكب وقت تأدية وظيفته أو بسببها. على أن ثمة حالتين تدلان عن سلوك شائن wilful MISCONDUCT من جانب الناقل أو من نائبه أو من أحد تابعيه هما أن يكون الضرر قد نشأ عن فعل أو امتناع من أي منهم بقصد أحداث الضرر أو بعدم اكتراث مصحوب بادراك أن ضررا يمكن أن يحدث ،وفي أي من هاتين الحالتين لا يكون الناقل جديرا بالرعاية ومن ثم يحرم من التمسك بالتحديد القانوني (2).
__________________________
(1)-قايد بهجة عبد الله، المرجع السابق، ص 301.
(2)-محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 185.
أولا : السلوك الإداري الناقل :
تـقضى المادة 04 فقرة خامسا من معاهدة بروكسل لعام 1924 لا يجوز أن تتعدى مسؤولية الناقل الحد الأقصى المذكور في أي حال من الأحوال ، ولقد جاء حكم هذه المادة مطلقا ، لكن بالرجوع إلى نص المادة 809 قانون بحري نجدها تقضي بأنه لا يحق للناقل الاستفادة من حدود المسؤولية المذكور في المادة 805 أعلاه إذا تبين بأن الخسارة أو الضرر الذي لحق بالبضاعة تنج عن عمل أو إهمال من قبل الناقل سواء كان تعمد لإحداث الضرر أو بالمجازفة مع التيقن من حدوث الضرر على الأرجح .
فيفترض ابتداء حسن نية الناقل في تنفيذ التزاماته، فإذا ما بدر من الناقل أو نائبه أو أحد تابعيه سوء سلوك إرادي يتمثل في فعل أو امتناع يخل بهذا التوازن وجب حرمان الناقل من التمسك بتحديد مسؤوليته ذلك أن المسؤولية المحدودة ميزة قررت لتخفيف عبئ المسؤولية عن الناقل ومن المنطق ألا يستفيد منها إلا إذا كان جديرا جمعا ولا يعتبر كذلك إذا ما تعمد إحداث الضرر أو إهمال ذريعا لا يغتفر(1).
1- العمـــــد أو الغـــــــش.
DOL OR INTENT
إذا قصد الناقل أو نائبه أو أحد تابعية بفعله أو امتناعه الذي نشأ عنه الضرر أحداثه فلا شك أن تكون في مواجهة العمد أو الغش والقاعدة أن الغش يفسد كل قواعد القانون، فماذا نقصد بالغش؟ يعتبره البعض مرادفا للخطأ العمدي، وهو انصراف إرادة الناقل إلى ارتكاب فعل أو امتناع مع علمه التام بأن من شأنه حصول ضرر ومع ذلك يقدم على ارتكابه لكن لا يشترط توافر قصد الإضرار بصاحب البضاعة و ذلك بخلاف المفهوم التقليدي الذي كان يتطلب في تعريفه لفكرة الغش توافر نية الأضرار ويقع على المتضرر عبئ إثباته.
______________________________
(1) – محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 186، و بهجت عبد الله قايد، المرجع السابق،ص 302،ص 303.
2- عــــدم الاكتــــراث .
RECKLESS DISREGARD
تتحقق فكرة عدم الاكتراث عندما يعلم الناقل بأنه من المحتمل وفقا لمجريات الأمور أن يترتب على فعله أو امتناعه الإرادي هلاك أو تلف أو تأخير وصول البضاعة محل عقد النقل ويقدم مع ذلك على ارتكاب الفعل أو الامتناع غير مكترث بالضرر الذي سوف يحدث، فهو ينطوي إذن على عنصرين :
أ-أن تنصرف إرادة الناقل إلى ارتكاب الفعل أو الامتناع، فإذا كان الفعل غير إرادي فلا يعد عدم اكتراث ويحق للناقل أن يتمسك بتحديد المسؤولية.
ب-أن يكون الناقل وقت قيامة بالفعل على يقين باحتمال وقوع الضرر.
و فيصل التفرقة بين العمد وعدم الاكتراث يكمن في أن الناقل يعلم على وجه أكيد بحدوث الضرر في حالة العمد أما في حالة عدم الاكتراث فان الناقل يعلم باحتمال وقوع الضرر وفقا لمجريات الأمور.
ثانيا : تقديم الشاحن بيان بطبيعة البضاعة و قيمتها
إذا لم يصرح الشاحن أو ممثله بطبيعة وقيمة البضاعة قبل شحنها على السفينة ولم يدون هذا التصريح في وثيقة الشحن أو أية وثيقة نقل أخرى مماثلة فلا يعد الناقل مسؤولا عن الخسائر أو الأضرار التي تصيب البضاعة (1) والأساس الذي ينبني عليه عدم تحديد المسؤولية أن الناقل على علم بالطبيعة الخاصة لهذه البضاعة ويقبل أو يتعهد بالتزامه بنقل البضاعة رغم معطياتها الخاصة ويسلمها عند الوصول سليمة ومن ثم يستطيع التأمين على مسؤوليته ونقل تكاليف التأمين إلى الشاحن في صورة زيادة أجرة النقل عن الاجرى المعتادة (2).
____________________________
(1)- المادة 805 قانون بحري .
(2)- ويحدث هذا في نقل البضائع الناذرة الكبيرة القيمة المادية والمعنوية كاللوحات الفنية والقطع الأثرية والتحف و المخطوطات القديمة ومخلفات العباقرة والمعادن الكريمة والأجهزة الدقيقة ، والغالب أن يتقاضى الناقل أجرة إضافية لقاء العناية الخاصة بالبضاعة ، وبسبب هذه الظروف سلبه القانون ميزة تحديد المسؤولية بشرط ذكر البيان الخاص بالبضاعة في سند الشحن ، محمد كمال حمدي،المرجع السابق ، ص195
وحتى ينتج البيان آثاره من حرمان الناقل من تحديد مسؤليته يجب أن تتوافر فيه شروط نحصرها في :
1- أن يقدم الشاحن هذا البيان قبل الشحن ، وقد يقبله الناقل بعد ذلك فيصبح ملزما له.
2- أن يتضمن البيان طبيعة البضاعة وقيمتها معا ، مما يمكن الناقل من إعداد المكان المناسب لها على ظهر السفينة والمعاملة التي تستحقها ومن جهة أخرى التأمين عليها.
3- أن يدرج هذا البيان في سند الشحن ، ولا يغنى ذكره على سند آخر.
فإذا ما ذكر البيان على هذا النحو وحصل هلاك كلى يلتزم الناقل بدفع كافة القيمة المعلنة في سند الشحن ، وإذا كان جزئيا فيلتزم (التلف أيضا) فيعوض بنسبته ، ويعتبر هذا البيان حجة على الناقل وقرينه على صحة طبيعة وقيمة البضاعة الواردة به و موافقته عليها و رضائه بزيادة مسؤوليته لتغطية تلك القيمة بالكامل ، لكنها قرينة بسيطة يمكن للناقل دحضها بكافة طرق الإثبات.
وإن تمكن من إثبات عدم صحة البيان المدرج في سند الشحن، كأن يثبت عدم صحة البيان المتعلق بطبيعة البضاعة ، فانه يظل مسؤولا بقدر قيمة هذه البضاعة طالما أن البيان إليها لا يزال صحيحا (لم يتمكن من إثباته ) كما أنه يعوض في حدود قيمة البضاعة المذكورة بسند الشحن مهما كانت قيمتها الحقيقية .
__________________________
(1)- محمد كمال حمدي، المرجع السابق، من ص 185 إلى ص 200.
الفرع الثاني : إثبات التضرر و تقدير التعويض.
أولا : إثبات الضرر و إجراءات المعاينة.
أ / إثبات الضرر.
1- الإثبات في حالة الهلاك.
الهلاك قد يكون كليا و قد يكون جزئيا، ففي الحالة الأولى يكفي صاحب الحق تقديم دليل على استحالة تمكن الناقل من تسليم مجموع البضاعة المسلمة له للنقل ، فيجب عليه تقديم الدليل بأن الناقل قد تكفل فعلا بالبضاعة و أنه يصبح منذ هذه اللحظة حارسا عليها بمفهوم نص المادة 138 قانون مدني، هذا الدليل يمكن إقامته بجميع الوسائل.
أما الحالة التي يكون فيها الهلاك جزئيا فإن الأمر لا يتعلق بإثبات استحالة التسليم للبضاعة كاملة، و إنما تقديم دليل على وجود اختلاف أو نقص بين البضاعة المستلمة حقيقة و تلك التي وضعت تحت عهدة الناقل، و المتضرر هنا يمكنه الاحتجاج بوثائق النقل المتيسرة له و التي –كما سبق شرحه- تحتوي على العديد من البيانات الخاصة بوزن البضاعة أو عدد الطرود، و في هذا الصدد يمكنه أن يفرض حتمية الوزن أو العد الوسيلتان الناجعتان لإظهار النقص بجلاء، و وثيقة العد أو الوزن تقوم دليلا على أهمية و كمية البضاعة الهالكة.
2- الإثبات في حالة التلف.
على الشاحن أو المرسل إليه إثبات أن التلف كان موجودا وقت تسليم البضائع، ومن ثم فيستحسن التأكد من حالة البضاعة قبل الشروع في التسليم، و الضرر المراد إثباته إما ظاهر بمجرد معاينة عادية لطبيعة البضاعة، و قد يكون غير ظاهر فيستعان بالخبرة. و في كل الأحوال على الشاحن إثبات حقيقة الضرر و أسبقيته على التسليم، فيسهل الإثبات قبل التسليم لكنه أمر يصعب تحقيقه في أي لحظة أخرى عداها. لكن الخبرة يمكنها أن تساعد في التحديد الدقيق للحظة وقوع الضرر.
3- إثبات الضرر في حالة التأخر.
ليس على المتضرر فقط إثبات التأخر و إنما وقوع الضرر أيضا من جراء التأخر، هذا الدليل يمكن إقامته بكل الوسائل، و بدون انتظار وصول البضاعة لإجراء المعاينة، فالشاحن (المرسل إليه) يمكنه و منذ انتهاء آجال الوصول المتفق عليه أو العـــــادي
(بحسب الأحوال) توجيه إعذار للناقل للتسليم و الذي يعبر فيه بعبارات واضحة عن تحفظاته بشأن الأضرار التي أصابته من جراء التأخير(1)(2).
ب / إجراءات معاينة الضرر.
يسمح للمرسل إليه أو من ينوبه قبل استلام البضائع التحقق من أهمية و حالة البضاعة التي تقدم إليه من قبل الناقل، و ذلك عن طريق خبرة، شريطة أن يتحمل مصاريف الخبرة صاحب الطلب لإجرائها.
و إذا ما تبين من المعاينة وجود نقص أو ضرر بالبضاعة مما يوجب مسؤولية الناقل، فإن هذا الأخير هو من يتحمل مصاريف هذه الخبرة(3).
و الخبرة المنصوص عليها في المادة 789 قانون بحري اختيارية قد يبادر بها أي طرف، لكن إذا بادر أحد الأطراف بإنجاز هذه الخبرة فلا يجوز له الاحتجاج بها في مواجهة الطرف الآخر إلا إذا اتخذ جميع الإجراءات التي تضمن وجاهية الإجراء.
كما أنه لا يجوز إبداء الاحتجاجات ضد الخبرة المتضمنة لمجموعة الوقائع المعاينة و التي تثبت مسؤولية أحد الأطراف و أعترف هذا الأخير بصدقها، لأن النزاع هنا يعتبر محسوما في إطار هذا الإجراء الودي المدرج في الخبرة، و في الحالة العكسية يلجأ إلى القاضي لتحديد المسؤوليات(4).
_______________________________________________
(1) – AMAR ZAHI, OPCIT, de la page 146 à la page 151.
(2) – قرار المحكمة العليا في 11 أفريل 1995، ملف رقم 119292،نشرة القضاة العدد 49.
(3)- المواد 788، 789 قانون بحري
(4)- يجب احترام إجراءات المعاينة عند وصول البضاعة كشرط لتحديد مسؤولية الناقل، قرار المحكمة العليا في 15 /02/1993، ملف رقم 89835، نشرة القضاة العدد 51،و قضت بأنه عندما يكون الضرر ناتج من نقص البضاعة إثبات التعويض بشهادة عدم التفريغ إلا أن الأمر قد يتطلب إثباته بتقدير الخبرة في القرار الصادر في 11 أفريل 1995 ملف رقم 119292، نشرة القضاة عدد 49. كما قضت بأن السلطة التقديرية للقاضي في طلب تقديم وثيقة ذات صلة بالنزاع لا يمس بمبدأ حياد القاضي (م 43 ق إ م) و ما دام الطلب قبل إقفال باب المرافعة في القرار الصادر في 05/03/1989 ملف رقم 53882، غير منشور، الموسوعة القانونية لدار الهلال ( قرص مضغوط).
ثانيا : تقديــر التعويــــض.
الضرر هو ركن من أركان المسؤولية فان لم يحدث ضررا فلا تقوم المسؤولية، وتكون دعوى التعويض غير مقبولة لانعدام المصلحة في رفعها ،ويمكن اعتباره المقابل المادي المقوم بالنقد و الذي يرى فيه القضاء عوضا عما أصاب المضرور من خسائر أو ما فاته من كسب وقد يصيب المدعي إما ضرر مادي واما ضرر معنوي وكليهما يقبلان التعويض :
أ ) الضرر المادي هو الذي يصيب الشخص في جسمه أو ماله و يشترط فيه أن يكون ناشئا عن الإخلال بمصلحه مشروعة والثاني أن يكون محققا.
ب) الضرر الأدبي (المعنوي ) هو الذي يؤذي الإنسان في شعوره أو عاطفته فيسبب له ألما أو حزنا وهو عكس الضرر المادي لا يمس مصلحة مالية للمضرور و يشترط فيه أن يكون محققا غير احتمالي، وينتقل الحق في التعويض عن الضرر المعنوي إذا ما اتفق بشأنه الطرفان من حيث مبدئه ومقداره أو إذا ما رفع المضرور دعوى فعلا أمام القضاء(1).
ويقدر التعويض على أساس الضرر وبقدر كل الضرر فهو يتناسب معه ومن ثم فلا تعويض حيث لا ضرر، وفي حالة وجوده فيقدر التعويض على أساس كل الضرر الناجم عن التأخير في التنفيذ أو عدم التنفيذ (2). فإذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو في القانون فالقاضي هو الذي يقدره ، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب(3) فالتعويض عما لحق الشاحن من خسارة هو ضرر مادي يخل بمصلحة مشروعة و خاصة أنه محقق فعلا عكس تفويت الكسب ، فهل تفويت الفرصة ضرر محقق أو احتمالي وهناك فرق بين تفويت الفرصة PERTE D UNE CHANCE والضرر المحتمل ذلك أن الفرصة ذاتها وان كانت أمرا محتملا ، إلا أن تفويتها أمر محقق ومن ثم تصلح لأن تكون أساسا لدعوى التعويض، و يراعى في تقدير هذا التعويض مدى احتمال الكسب الذي ضاع على المضرور من جراء تفويت الفرصة عليه.
_________________________
(1)- د.محمد المنجي، دعوى التعويض (مراحل الدعوى من تحرير الصحيفة إلى الطعن بالنقض)، توزيع دار الفكر العربي، الطبعة الأولى1990، ص 183 ، 184 ، 185.
(2)- د.محمد حسنتي، الوجيز في نظرية الالتزام، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1983،ص259.
(3)- المادة 182 فقرة 1 قانون مدني.
إذن فالحد الذي يقوم عليه التعويض هو :
أولا: الضرر المباشر دون الأضرار غير المباشرة، و الضرر المباشر هو ما يعتبر نتيجة مباشرة أو طبيعية لعدم تنفيذ الالتزام أو التأخير فيه، إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول، ذلك أن السير الطبيعي للأمور يقتضي أن يقوم الدائن من ناحيته ببذل جهد معقول لاتقاء تعاقب الأضرار فلا يترك الأمور تتدهور إلى مالا نهاية ، طبقا للمادة 182/1 من القانون المدني.
ثانيا: الضرر المتوقع دون الأضرار غير المتوقعة، فيسأل فقط عن الأضرار المباشرة المتوقعة دون الأضرار المباشرة غير المتوقعة، وهو ما يتفق مع إرادة العاقدين المفترضة، فالضرر غير المتوقع لم يدر بخلد العاقدين ومن ثم لا يدخل في نطاق العقد ، فلا يكون العاقد مسؤولا إلا عن الضرر المتوقع عادة وقت التعاقد، لا المتوقع بعد التعاقد : طبقا للمادة 182/2 من القانون المدني .
ومعيار التوقع هو معيار موضوعي، ويقال أن الضرر يجب أن يكون متوقعا من ناحية سببه ومن ناحية مداه معا.
فهل يسأل المتعاقد من الأضرار غير المتوقعة في بعض الأحيان؟ بصفة استثنائية يسأل في حالة ارتكابه غشا إذا ما تعمد التأخير في التنفيذ أو إذا تعمد عدم التنفيذ، فالغش يفسد كل شيء، وتلحق بحالة الغش حالة الخطأ الجسيم (الذي لا يرتكبه أقل الناس تبصرا) والذي يعد قرينه على سوء النية، ومع ذلك تبقى قرينة بسيطة تقبل اتباث العكس طبقا للمادة 182/ 2 قانون مدني (1).
والأصل هو التنفيذ العيني، والعدول عنه إلى التعويض النقدي هو رخصة لقاضى لموضوع كلما رأى في التنفيذ العيني إرهاقا للمدني على ألا يلحق ذلك بالدائن ضررا جسميا.
كما لا يجوز الجمع بين التعويضين يتضمن أحدهما الآخر، و يجوز للقاضي الخفض من التعويض و لو كان متفقا عليه إلى الحد الذي يتناسب مع مقدار الضرر الحقيقي، كما أن عدم وصول المحكمة بالتعويض وجعله مساويا للضرر الحقيقي فانه يكتفي بتقديره في مبلغ رمزي مناسب وهو يحدث غالبا عند التعويض عند الضرر المعنوي(2).
_________________________________
(1)-محمد حسين، المرجع السابق،ص 259 ، 260.
(2)- المنجي محمد، المرجع السابق، ص 340 ، 341، 342، 343.
أما فيما يخص وقت تقدير التعويض فان العبرة بقيمته وقت الحكم به وليس بقيمته وقت وقوعه (1) والعملة التي يقدر بها التعويض فهي العملة الوطنية عند عدم اتفاق المتعاقدين على نوع التعويض أو مقداره عند إخلال أحدهما بالتزاماته المترتبة على العقد حتى و لو تم الاتفاق على الوفاء بعملة أجنبية.
والتعويض يقدره القاضي وفقا للمادة 131 قانون مدني فتقدير التعويض يعد من المسائل الواقعية التي يستقل بها قاضى الموضوع متى تبين العناصر المكونة له ، ومن سلطة قاضى الموضوع الاستهداء بمعايير معينة لتقدير التعويض حال عدم وجود نص ملزم (2) وهذا خارج الحالة المحددة في المادة 805 قانون بحري.
________________________________
(1)-أي هل أن الحكم بالتعويض كاشفا للحق أو منشئ ؟ الحكم بالتعويض في الحقيقة كاشف للحق في التعويض أو مقرر له لأن الذي أنشأ الحق هو الضرر، فحق الدائن في التعويض نشأ له من يوم وقوع الضرر وهو رأي الفقه في فرنسا، وهو رأي سديد من الناحية النظرية، لأنه إذا قام المسؤول بالوفاء بالتعويض بغير صدور حكم يكون الوفاء بالتزام غير موجود.
غير أن محكمة النقض الفرنسية قضت بأن الحكم بالتعويض منشئ للحق ونحت في ذلك منحى عملي أكثر انطباقا على العدالة حيث يكون الضرر متغيرا فيعتد بمقداره وقت الحكم فإذا ساءت الأحوال من يوم وقوع الضرر أو تحسنت روعي هذا الاعتبار أو ذاك عند تقدير التعويض، كذلك قد تغيير قيمة النقود وهي الكفة الأخرى في ميزان التقدير، فيحسب التعويض على أساس قيمتها وقت الحكم فإذا ساءت الأحوال من وقوع الضرر أو تحسنت روعي هذا الاعتبار أو ذاك عند تقدير التعويض، كذلك قد تتغير قيمة النقود وهي الكفة الأخرى في ميزان التقدير ، فيحسب التعويض على أساس قيمتها وقت الحكم حتى لا يستفيد الدائن من إطالة أمد النزاع .د.حسنين محمد، المرجع السابق، ص 261.
(2)- د. محمد المنجي، المرجع السابق، ص 356 ، 359 ، 360.
اترك تعليقاً