بحث قانوني هام عن المتابعة القضائية للعون الاقتصادي المخالف لقواعد قانون المنافسة
مقدمة:
تؤكد المواد الواردة في الأمر 03/03 المتعلقة بالمنافسة[1]، أن تطبيق قانون المنافسة موزع بين مجلس المنافسة المهيآت القضائية بصفة عامة، الهيآت القضائية العادية بصفة خاصة فإلى جانب نص المادة 44/2 [2]من نفس القانون التي أخضعت المخالفات لأحكام المواد 6،7،10،11و12 لاختصاص مجلس ألمنافسة نجد مواد أخرى تؤكد على اختصاص الهيآت القضائية العادية ويتعلق الأمر بالمادتين[3] اللتان تنصان على التدخل المباشر للهيآت القضائية العادية في مجال تطبيق القانون كما نجد المادة 63 من نفس الأمر التي تنص على اختصاص هيئة قضائية عادية برقابة فرارات مجلس المنافسة .
من المتعارف عليه في الدول ذات الاقتصاد الحر أن تكريس مبدأ المنافسة الحرة يعتبر من أهم العوامل التي تؤدي إلى خلق بيئة تنافسية وفعالة ولا يكون ذلك إلا في إطار التزام جميع الأشخاص الذين يمارسون نشاطا اقتصاديا في السوق بأحكام القانون،فتحت تأثير المنافسة يلجأ المتعاملون الاقتصاديون في غالبية الأحيان إلى مضاعفة قواهم الاقتصادية في السوق عن طريق استعمال أساليب تتنافى مع قواعد المنافسة ألحرة بحيث يسعى هؤلاء إلى تلبية حاجات المستهلكين وتحقيق الأرباح مما يفرض عليهم بذل جهود مستمرة في مجال البحث والتطوير والإبداع ومن أجل تحقيق أقصى ما يمكن من الأرباح قد يحاول البعض منهم تقليص عدد منافسيهم أو إقصاءهم من السوق بوسائل غير قانونية توصف بالممارسات المنافية للمنافسة والهدف منها الحد من المنافسة أو إلغاءها.
لذلك وبغية القضاء على كل ممارسة من شأنها المساس بالسير العادي للسوق لم يتردد المشرع في منح الهيآت القضائية العادية صلاحية تطبيق قانون ألمنافسة فما مدى فعالية الجزاءات التي يفرضها القضاء ضد العون الاقتصادي المخالف لقواعد حرية المنافسة في الجزائر؟
للإجابة على الإشكالية سنتم باستعراض مفصل للسلطات التي تتمتع بها الهيآت القضائية العادية لحماية حرية المنافسة بدء بالسلطة العقابية للقاضي العادي في مواجهة الممارسات المنافية للمنافسة (مبحث أول، إلى السلطة الرقابية للقاضي العادي مجال الممارسات المنافية للمنافسة (مبحث ثان).
المبحث الأول:السلطة العقابية للقاضي العادي في مواجهة الممارسات المنافية للمنافسة
أدت الأوضاع الاقتصادية التي عرفتها الجزائر غداة انهيار أسعار البترول سنة 1986 إلى إعادة النظر في النظام الاقتصادي القائم، وهو ما ترجم عمليا بمباشرة السلطات العمومية للعديد م الإصلاحات في المجالين الاقتصادي والمالي والتي نتج عنها تغيير نمط النظام الاقتصادي من موجه إلى حر[4].
فبتحرير النشاط الاقتصادي وانسحاب الدولة منه وإزالة الطابع الجنائي من الممارسات المنافية للمنافسة، ظهرت ضرورة إنشاء مجلس المنافسة كجهاز متخصص يتمتع بسلطات واسعة لتنظيم المنافسة وضبطها، كما أن مجلس المنافسة جاء ليحل محل القاضي الجنائي للفصل في المنازعات التي تثيرها هذا الممارسات، إلا أن نصوص قانون المنافسة تؤكد أن مجلس المنافسة ليس الوحيد الذي يملك الاختصاص في تطبيق تشريع الممارسات المنافية للمنافسة،كون صلاحيات هذا المجال ليست مانعة حيث يظل القاضي العادي (القاضي المدني أو التجاري) اختصاص معاقبة الممارسات المقيدة للمنافسة مدنيا (مطلب أول)، ليتقاسم بذلك مع مجلس المنافسة مهمة السهر على ضمان المنافسة الحرة في السوق، إلا أن يدخل القاضي العادي لمعاقبة الممارسات المنافية للمنافسة، يرتبط غالبا بإثارة عدة تساؤلات تتعلق أساسا بإثبات في مادة الممارسات المنافية للمنافسة، وكذا تقدير التعويض التي قد تصل إلى حد عرقلة التطبيق السليم للجزاءات المدنية مما يهدد فعالية القاضي العادي في حماية قواعد المنافسة الحرة(مطلب ثان).
المطلب الأول:اختصاص القاضي العادي بتسليط الجزاءات المدنية على الممارسات المنافية للمنافسة:
قد يلاحظ مبدئيا إن إنشاء سلطات إدارية مستقلة مثل مجلس المنافسة قد وضع جانبا دور القاضي في بعض المحالات التي كان يختص بها، حيث لم تترك له إلا مهمة رقابة قرارات هذه الهيآت[5]،، لكن ذلك غير صحيح فرغم تمتع مجلس المنافسة بصلاحيات كاملة في متابعة ومعاقبة الممارسات المقيدة للمنافسة تنفيذا لدوره الرئيسي والمتمثل في ترقية وحماية المنافسة، إلا أن صلاحياته الكاملة في هذا المجال ترد عليها استثناءات إذ توجد بعض الاختصاصات التي تتخرج من نطاق صلاحيات المجلس رغم أن الأمر يتعلق دائما بممارسات تنافي قواعد المنافسة الحرة.
وعليه لا يعد تخويل مجلس المنافسة سلطة إصدار الأوامر وتوقيع الجزاءات المالية قصرا للاختصاص عليه بنظر دعاوي الممارسات المضادة للمنافسة بل يظل للقضاء التجاري والمدني مجالا للاختصاص[6]، بمعنى هناك حدود تتوقف عندها صلاحيات مجلس المنافسة لتنفرد بها المحاكم المدنية والتجارية دون منازع، وذلك عندما يتعلق الأمر بتوقيع الجزاءات المدنية ، حيث يكون لهذه الأخير اختصاص إبطال الممارسات المنافية للنافسة (فرع أول)، وكذا التعويض عن الأضرار التي سببتها (فرع ثان).
الفرع الأول: إبطال الممارسات المقيدة للمنافسة:
أولا:مجال تطبيق البطلان:
تنص المادة 13 من الأمر 03/03 المعدل والمتمم على أنه:” دون الإخلال بأحكام المادتين 08و09 من هذه الأمر يبطل كل التزام أو اتفاقية أو شرط تعاقدي يتعلق بإحدى الممارسات المحظورة بموجب المواد 6و7و10و11و12و أعلاه”.
1/ شمولية البطلان لكل الممارسات المقيدة للمنافسة:
كثيرا ما يلجأ المتعاملون الاقتصاديون في معاملاتهم إلى إبرام اتفاقات وعقود فيما بينهم، فإذا كانت هذه الممارسات من شأنها الإخلال بحرية المنافسة والمساس بها[7]، فإن مصيرها البطلان، وهو ما يعكس رغبة المشرع في إزالة كل الآثار التي قد تترتب على مثل هذه الالتزامات، فالقاعة العامة هي بطلان كل العقود والالتزامات والشروط المضادة للمنافسة حيث يطبق البطلان على جميع الممارسات المناهضة للمنافسة وذلك دون أي قيد[8]، فيبطل بقوة القانون كل التزام أو اتفاقية أو شرط تعاقدي يصدر عن متعامل اقتصادي ويتعلق بإحدى الممارسات المحظورة بموجب المواد 06و7و10و11و12 وعليه، لابد من اللجوء إلى القضاء لإبطال هذه الممارسات ، ولا يحق للقاضي رفض إبطالها لعدم تمتعه بسلطة تقديرية، فالقاضي بإمكانه النطق ببطلان كل الاتفاقات التي تتميز بطابع منافي للمنافسة[9]، حيث يمكن أن يتعلق البطلان بالاتفاق بكاملة أو بشرط محدد فيه، وفي هذه الحالة الأخيرة فالقاضي يبحث فيما إذا كان البند المتنازع فيه لا يمثل شرطا جوهريا[10]، فأول صعوبة يتعرض لها القاضي المدني أو التجاري عند النظر في دعاوي البطلان تكون عندما يتعلق البطلان بشرط تعاقدي معين، حيث يبحث القاضي في الاشتراط المتنازع فيه، إذا كان جوهريا في اتفاق الإطراف أم أن العقد يمكن استمراره بعد إلغاء الشرط المتنازع فيه أو تعديله.
مثال عن بعض الالتزامات والعقود المنظمة للممارسات المقيدة للنافسة:
عقد يتفق بموجبه المتعاملون الاقتصاديون على احترام التوزيع الجغرافي للسوق أو اللجوء إلى الخفض من قدراتهم الإنتاجية، فالبطلان يمس كل المعاملات غير القانونية بشرط ألا تكون مرخصة لكون هذه الشمولية مجرد أصل يرد عليه استثناء.
2/ استثناء الممارسات المرخصة:
استهل المشرع المادة 13 بعبارة:”دون الإخلال بأحكام المادتين 8و9 من هذا الأمر…”، وبالرجوع إلى المادة 08 نجدها تنص على أنه:” يمكن أن يلاحظ مجلس المنافسة بناء على طلب المؤسسات المعنية واستنادا إلى المعلومات المقدمة له، ان اتفاقا ما أو عملا مدبرا أو اتفاقية أو ممارسة كما هي محددة في المادتين 6و7 أعلاه لا تستدعي تدخله.
تحدد كيفيات تقديم طلب الاستفادة من أحكام الفقرة السابقة بموجب مرسوم”، أما المادة 9 جاء مضمونها كالتالي:” لا تخضع لأحكام المادتين 6و7وأعلاه الاتفاقات والممارسات الناتجة عن تطبيق نص تشريعي أو نص تنظيمي اتخذ تطبيقا له.
ليخص بالاتفاقات والممارسات التي يمكن أن يثبت أصحابها أنها تؤدي إلى تطور اقتصادي أو تقني أو تساهم في تحسين التشغيل، أو من شانها السماح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بتعزيز وضعيتها التنافسية في السوق، لا تستفيد من هذا الحكم سوى الاتفاقات والممارسات التي كانت محل ترخيص من مجلس المنافسة.
فطبقا لهاتين المادتين لا تعد ممارسات ممنوعة الأحكام الواردة في المادتين 6و7 من الأمر 03/03 كلما كانت هذه الممارسات مرخص بها من طرف مجلس المنافسة[11]، وكانت ناتجة عن تطبيق نص تشريعي أو نص تنظيمي اتخذ تطبيقا له، أو أثبت أصحابها أنها تؤدي إلى تطور اقتصادي أو تقني أو من شانه المساهمة في التشغيل أو السماح للمؤسسات الصغيرة و المتوسطة بتعزيز وضعيتها التنافسية في السوق .
ثانيا : أصحاب الحق في التمسك بالبطلان :
تهدف قواعد المنافسة إلى الحفاظ على حسن سير السوق الذي هو جزء لا يتجزأ من النظام العام الاقتصادي، وعليه فأي مساس بهذا النظام مصيره البطلان ويترتب على ذلك أن الدعوى المدنية المتعلقة ببطلان الالتزامات المحظورة يمكن أن يحركها احد طرفي العقد وكل ذي مصلحة تضرر من هذا العقد وكذا يمكن للنيابة العامة تحريكها باعتبارها ممثلة المجتمع[12].
-1- أحد أطراف العقد :
حيث يستطيع أي طرف في الالتزام أو في الاتفاقية أو في الشرط التعاقدي المطالبة بإبطال ما التزم به .
-2- كل ذي مصلحة تضرر من العقد :و هنا نجد كل من الغير ومجلس المنافسة وجمعيات حماية المستهلك .
-2-1- الغير : ومن أمثلة دعوى البطلان المرفوعة من طرف أجنبي عن الاتفاق، نجد الدعوى المرفوعة من طرف ممون تمت مقاطعته تجاريا نتيجة اتفاق مبرم بين منتج السيارات ومجموعة من ……………….. تابعين له ،يطلب بطلان الاتفاق مؤسسا دعواه على المسؤولية التقصيرية وخطأ منتج السيارات في حقه،حيث حكمت محكمة فرساي التجارية ببطلان الاتفاق على أساس المواد 7و8و9 من الأمر الصادر في 1 ديسمبر 1986، وليس على أساس الدعوى التقصيرية كما تمسك به المدعي [13].
-2-2- مجلس المنافسة:
ويكون ذلك عندما يتضمن الملف المعروض عليه التزامات منافية للمنافسة ،حيث يتولى بنفسه رفع دعوى البطلان .
–2-3- جمعيات حماية المستهلك :
لكون البطلان يهدف إلى محو آثار الاتفاق المحظور الذي خالف قواعد المنافسة وتحقيق هذه النتيجة يمكن لجمعيات المستهلك المعنية رفع القضية إلى المحكمة للمطالبة بإبطال أي التزام آو أي اتفاقية آو شرط تعاقدي يتعلق بالاتفاقيات المنافية للمنافسة[14]
-2-4- النيابة العامة :
حيث يحق لها رفع دعوى البطلان لأنها تعتبر ممثلة المجتمع
الفرع الثاني : شروط قيام المسؤولية المدنية لمرتكبي الممارسات المقيدة للمنافسة :
ليتمكن القاضي من الحكم بالتعويض لصالح الطرف المتضرر من ممارسة مقيدة للمنافسة يجب عليه التأكد من توفر شروط المسؤولية،فتطبيق قواعد هذه الأخيرة يتطلب وجود خطأ وضرر وعلاقة سببية مباشرة بين الخطأ والضرر،فعلى المدعي شخصا طبيعيا أو معنويا أو جمعية لحماية المستهلك أو جمعية مهنية أن يثبت ادعاءه وذلك بإثبات الطابع المنافي ، كما عليه إثبات الضرر الشخصي أو الضرر الجماعي الذي أصاب جمعية معتمدة لهذا الغرض، وعليه أخيرا إثبات العلاقة السببية بين الإخلال بالمنافسة والضرر ،لتكتمل أركان المسؤولية المدنية التقصيرية .[15]
المطلب الثاني : الإشكاليات التي يثيرها تطبيق الجزاءات المدنية على الممارسات المنافية للمنافسة :
لتطبيق الجزاءات المدنية أمام المحاكم العادية غالبا ما ترتبط بإشكالية الإثبات ضف إلى ذلك ما يعانيه القاضي العادي في سبيل تقدير التعويض .
الفرع الأول : إشكالية الإثبات في مادة الممارسات المنافية للمنافسة :
أولا : إرهاق المدعي بعبء الإثبات : على المدعي في دعوى البطلان إقامة الدليل على أن الاتفاق أو الالتزام أو الشرط التعاقدي الصادر عن المتعامل الاقتصادي يتعلق بإحدى الممارسات المحظورة بموجب قانون ألمنافسة وهي من الأمور الصعبة عليه باعتبارها مسائل اقتصادية محضة، ويجب أن لا ننسى أن هناك ممارسات مباحة لا تدخل في مجال تطبيق البطلان، مما يتطلب على المدعي التأكد من أنها لا تشملها أحكام المادتين 8و9 من الأمر المتعلق بالمنافسة، حيث يجب على المدعي كذلك أن يثبت الخطأ والضرر والعلاقة السببية
ثانيا : الحلول المقترحة لمواجهة صعوبة الإثبات : أول حل يتمثل في اللجوء إلى مجلس المنافسة الذي يتمتع بوسائل فعالة للبحث عن الأدلة،وهناك حل آخر يتمثل في إمكانية اللجوء مباشرة إلى الجهات القضائية المعنية والمطالبة بتدخل سلطة ضبط المنافسة في الدعوى المدنية من أجل تقديم رأي.[16]
الفرع الثاني : إشكالية تقدير التعويض : بتأكد القاضي توفر الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما يلتزم بتقدير مبلغ التعويض، والحكم بالتعويض يرتبط أساسا بمدى مطابقة التعويض مع الضرر اللاحق لكون التعويض لا يكون فعالا إلا إذا كان فوريا وكافيا من الناحية المالية، فالحكم بالتعويض الجزافي أو الرمزي لا يخدم مصالح الضحايا وقد لا يؤدي إلى قمع الممارسات المرتكبة .
ولإصلاح الضرر الناتج عن الممارسة المقيدة للمنافسة، القاضي له الخيار بين تطبيق قواعد المسؤولية المدنية بطريقة كلاسيكيه مما يفرض تناسب دقيق بين التعويض و الضرر، وبين أن يتولى بنفسه معاقبة التصرف المنافي للمنافسة مع الأخذ بعين الاعتبار جسامة الخطأ وكذا ما حققته المؤسسة المرتكبة لتلك الممارسة من فوائد بناءا على ذلك.إلى جانب ذلك يمكن للقاضي مواجهة إشكالية تقدير التعويض بالاعتماد على السلطات الأخرى الممنوحة له قانونا[17]
المبحث الثاني : السلطة الرقابية للقاضي العادي في مجال المنافسة :
إن ضمان السير الحسن للسوق استلزم إنشاء مجلس المنافسة حيث تم تخويله عدة سلطات تتنوع بين إصدار أوامر ،توقيع عقوبات ،وكذا اتخاذ إجراءات تحفظية ،وذلك من أجل الأداء الجيد لوظيفة الضبط المخولة له قانونا .
لكن لا يمكن لوظيفة الضبط التي يقوم بها مجلس المنافسة أن تكون قانونية وشرعية ،إلا إذا كانت خاضعة لمبدأ المشروعية والرقابة القضائية ،وبالتالي لضمان تأدية مجلس المنافسة لوظيفته في إطار الشرعية القانونية ولمواجهة سلطة العقاب التي يتمتع بها ، كان لا بد من إيجاد ضمانات قانونية لحماية حقوق الأطراف المعنية بالقرار ،غير أنه وإذا كان من الطبيعي أن يتولى مهمة رقابة قرارات مجلس المنافسة القاضي الإداري (مجلس الدولة)،باعتبار الأمر يتعلق بقرارات صادرة عن سلطة إدارية مستقلة ،إلا أن المشرع استحدث اختصاص جديد للقاضي العادي في مجال المنافسة ويتعلق الأمر بمنح القاضي العادي ولاية النظر في منازعات قرارات مجلس المنافسة (المطلب الأول )،ليتمتع بذلك بصلاحية الفصل في الطعون المرفوعة أمامه مستعملا سلطاته الطبيعية كقاضي عادي (المطلب الثاني).
المطلب الأول : الاختصاص المستحدث للقاضي العادي برقابة قرارات مجلس المنافسة :
لجأ المشرع الجزائري للبحث في القانون المقارن عن المناهج التي يتم بها ضبط هذا النشاط مما جعله يقتدي بالتجربة الفرنسية ،وذلك بنقل الأحكام والحلول المقدمة من طرف المشرع الفرنسي بما في ذلك تكريس اختصاص القاضي العادي برقابة قرارات مجلس المنافسة[18]
الفرع الأول : تكريس المشرع الجزائري لاختصاص القاضي العادي برقابة قرارات مجلس المنافسة :
لم يتردد المشرع الجزائري في الأخذ عن نظيره الفرنسي استثناء منح الاختصاص لمنازعات قرارات مجلس المنافسة للقاضي العادي [19]وهذا لتحقيق الفعالية الاقتصادية،والحالة الوحيدة التي نجدها في القانون الجزائري هي التي تخص الطعن في قرارات مجلس المنافسة أما باقي الهيئات الإدارية المستقلة فيعد حق النظر في الطعون المقدمة ضد قراراتها القمعية لمجلس الدولة وهذا ما نصت عليه المادة 17 من القانون رقم 2000 -03 المحدد للقواعد العامة المطبقة على البريد والمواصلات [20]،وبالتالي فالقرارات الصادرة عن مجلس المنافسة تشكل استثناءا على القاعدة العامة حيث تفلت من رقابة القاضي الإداري لتكون من اختصاص مجلس قضاء الجزائر العاصمة الفاصل في المواد التجارية (المادة 63/1 من الأمر 03-03 المتعلق بالمنافسة المعدل والمتمم).
الفرع الثاني : عدم دستورية عملية نقل الاختصاص في النظام القانوني الجزائري : إن مجلس المنافسة بتكييفه كسلطة إدارية مستقلة من طرف المشرع، كان من المنطقي أن يعود اختصاص النظر في الطعون ضد قراراته إلى مجلس الدولة مثل باقي قرارات السلطات الإدارية المستقلة الموجودة في الجزائر وذلك وفقا لأحكام القانون العضوي رقم 98-01[21]
بالتالي فالمشرع تدخل لنقل اختصاص رقابة قرارات مجلس المنافسة من مجلس الدولة إلى القاضي العادي،لكن المشكلة في نقل الاختصاص تتمثل في كون اختصاص مجلس الدولة تم تحديده بقانون عضوي،في حين أن إحالة الاختصاص لمجلس قضاء الجزائر طبقا للأمر رقم 03-03 المصادق عليه بموجب قانون عادي، مما يشكل مخالفة صريحة لقانون عضوي بموجب قانون عادي[22]
المطلب الثاني : السلطات المخولة للغرفة التجارية لمجلس قضاء الجزائر:
إن تخويل الغرفة التجارية لمجلس قضاء الجزائر سلطة النظر في منازعات قرارات مجلس المنافسة،يجعل هذه الأخيرة تنظر في القضية بصفة ابتدائية [23]ونهائية وليس كدرجة ثانية للتقاضي،فالطعن ضد قرارات مجلس المنافسة يجعل الغرفة التجارية لمجلس قضاء الجزائر تباشر السلطات المخولة لها قانونا عند النظر في هذه الطعون، وتقرر إما إلغاء القرار المطعون فيه(الفرع الأول)، أو تعديله أو تأييده(الفرع الثاني).
الفرع الأول : إلغاء القرار المطعون فيه :
ليتمكن القاضي العادي من إلغاء القرار الصادر من مجلس المنافسة لابد عليه من مراقبة مدى مشروعية وذلك من خلال رقابة المشروعية الخارجية والداخلية للقرار محل الطعن (أولا)،ليتمكن من التصدي لعدم مشروعية هذه الأخيرة(ثانيا)،ليبقى إدراج دعوى مسؤولية مجلس المنافسة عن قراراته غير المشروعة ضمن اختصاص الغرفة التجارية ضرورة حتمية لإرساء مبدأ توحيد الاختصاص في قضايا المنافسة(ثالثا)
أولا : رقابة مشروعية قرارات مجلس المنافسة : كما سلف ذكره، فرغم كون الغرفة التجارية لمجلس قضاء الجزائر هيأة قضائية عادية إلا أنها تستخدم تقنيات الرقابة التي يستعملها القاضي الإداري والمتمثلة في رقابة المشروعية الخارجية والداخلية للقرار
-1- رقابة المشروعية الخارجية : إن هيأة الطعن المختصة عند مراقبتها للمشروعية الخارجية لقرارات مجلس المنافسة تتأكد من أن هذا الأخير لم يتعدى اختصاصاته ولم يتجاوز صلاحياته التي خولها له القانون ، وأنه احترم القواعد الشكلية المتعلقة بقراراته،وكذا التأكد من عدم مخالفته لمبادئ المواجهة وحقوق الدفاع وقواعد المحاكمة العادلة[24]
-2- رقابة المشروعية الداخلية : حيث يبحث القاضي عن مدى تطبيق مجلس المنافسة للقواعد الموضوعية المنصوص عليها في قانون المنافسة.[25]
ثانيا : التصدي لعدم مشروعية قرارات مجلس المنافسة : في هذا المجال يمكن أن نتصور حالتين :
-1- في حالة ما إذا كان سبب الإلغاء يتعلق بالإجراء بكامله ويمس بحقوق الدفاع أو يؤدي إلى إفراغ الملف بإبعاد عناصر الإثبات ففي هذه الحالات فإن قرار الغرفة التجارية القاضي بالإلغاء يضع حدا للمتابعات .
-2- وفي الحالة العكسية فإن الغرفة التجارية تنظر من جديد في القضية من ناحية الوقائع والقانون .[26]
ثالثا : ضرورة إدراج دعوى مسؤولية مجلس المنافسة ضمن اختصاص الغرفة التجارية : إن اعتبار مجلس المنافسة يتمتع بالشخصية القانونية فذلك يمنحه أهلية التقاضي فالدعوى ترفع مباشرة ضده، مما يجعل أمر تحمل الدولة مسؤولية تصرفاته من الأمور المستبعدة ( المادة 23 من الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة المعدل والمتمم)،فمسألة ترتيب مسؤولية مجلس المنافسة قائمة،مادام أنه يتمتع بالشخصية ألمعنوية ومن شروطها أن يترتب عن القرار المشوب بإحدى عيوب المشروعية ضرر وأن ترتبط بين العيب والضرر علاقة سببية .
وما اختصاص مجلس قضاء الجزائر في إلغاء أو تعديل قرارات مجلس المنافسة إلا استثناء،وعليه يجب عدم التوسع في تفسير النص القانوني الذي أورد هذا الاستثناء.
بناءا عليه فالحل هو أن تتولى نفس الجهة المختصة بالنظر في منازعات قرارات مجلس المنافسة الفصل في طلبات التعويض لحسن سير إدارة العدالة[27]
الفرع الثاني : تعديل القرار المطعون فيه أو تأييده : من المتعارف عليه أن القاضي العادي يتمتع بسلطات أوسع من تلك المخولة للقاضي الإداري فهو لا يكتفي بإلغاء القرار غير المشروع و إنما يتدخل مستعملا اختصاصه الذاتي لتعديل القرار تخفيفا أو تشديدا وفقا لمقتضيات القضية ، أما عن تأييد القرار المطعون فيه فهو أمر مفروغ منه كلما كان القرار صحيحا من كل جوانبه الإجرائية والموضوع[28]
خاتمة:
صحيح أن مجلس المنافسة هو السلطة المختصة التي تم إنشاؤها من طرف المشرع لضبط النشاط الاقتصادي ومعاقبة الممارسات المنافية للمنافسة، لكن وجود هذا الأخير لا يقصي أبدا اختصاص الهيآت القضائية العادية، فهذه الأخيرة تلعب دورا هاما لضمان حماية المنافسة الحرة، فالمحاكم المدنية و التجارية هي الوحيدة المختصة للنطق بالبطلان الكلي أو الجزئي للتصرف غير المشروع، وكذا تعويض الضرر اللاحق بالضحايا، إضافة إلى ذلك فمنازعات قرارات مجلس المنافسة تعود لاختصاص مجلس قضاء الجزائر الفاصل في المواد التجارية، فهذا الأخير يساهم في وظيفة الضبط ولو بطريقة غير مباشرة .
لكن من خلال هذه الدراسة لمسنا عدة ثغرات تجعل تدخل الغرفة التجارية في مجال المنافسة تدخل متواضع وقليل الشأن فرغم أن القاضي العادي يتمتع بسلطات أوسع من تلك المخولة للقاضي الإداري إلا أـن الوضع القائم يؤكد على عدم تمتع الغرفة التجارية بوسائل قانونية كافية لممارسة مهامها الرقابية، فغالبا ما يجد القاضي نفسه مجبرا على العودة إلى القانون الإداري بحثا عن الحل للنزاع المعروض أمامه، كما أن قدرة الغرفة التجارية على تعديل ما قرره مجلس المنافسة أمر صعب في الوضع الحالي لعدم توفرها على الوسائل القانونية خاصة إذا ما قارناها بتلك التي يمتلكها مجلس المنافسة كما أن التعديل الحاصل في 2008 لم يحمل أي جديد لحل الإشكال القائم حول تحديد القاضي المختص بالنظر في دعوى المسؤولية .
وعليه لضمان تدخل فعال للهيآت القضائية العادية في مجال حماية مبدأ المنافسة الحرة لابد من :
تكوين قضاة هذه المحاكم تكوينا كافيا يمكنهم من التصدي لمثل هذه الممارسات وقمعها
البحث عن التخصص وذلك عن طريق منح بعض المحاكم ولاية النظر في الممارسات المنافية للمنافسة دون سواها ،وتزويدها بقضاة على قدر كبير من الكفاءة لتفادي تعارض الأحكام الصادرة في هذا الإطار .
تجسيد ما كرسته المادة 38 من الأمر رقم 03-03 من تعاون بين مجلس المنافسة والجهات القضائية على أرض الواقع،فلا يكفي النص على إمكانية طلب الجهات القضائية لرأي مجلس المنافسة فيما يخص معالجة القضايا المتصلة بالممارسات المقيدة للمنافسة والمعروضة أمامها.
-إعادة النظر في مسألة الإزالة المطلقة للطابع الجزائي عن الممارسات المقيدة للمنافسة، نظرا للدور الذي تلعبه العقوبات الجزائية في قمع مثل هذه الممارسات .
-دعم حقوق الأعوان الاقتصاديين الماثلين أمام القاضي العادي وذلك لوجود بعض النقائص في الضمانات القانونية المقررة خاصة ما تعلق منها حماية سرية أعمال الأعوان الاقتصاديين .
أمر رقم 03/03 مؤرخ في 19 جمادى الأولى عام 1424 المرافق ل 19 يوليو سنة 2003،معدل ومتمم[1]
2 تنص المادة 44 في فقرتها الثانية على أنه:” ينظر مجلس المنافسة إذا كانت الممارسات والأعمال المرفوعة إليه تدخل ضمن إطار تطبيق المواد 6و7وو10و11 و12 أعلاه ، أو تستند على المادة 10 أعلاه”.
3 تنص المادة 13 على أنه:”دون الإخلال بأحكام المادتين 8و9 من هذا الأمر، يبطل كل التزام أو اتفاقية أو شرط تعاقدي يتعلق بإحدى الممارسات المحظورة بموجب المواد 6و7و10و11و12 أعلاه”، وتضيف المادة 48:”يمكن كل شخص طبيعي أو معنوي…المعمول به”
4عبد الهادي بن زيطة، نطاق اختصاص السلطات الإدارية المستقلة (دراسة حالة لجنة تنظيم عمليات البورصة وسلطة الضبط للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية)، م.د.ق، عدد 01ن 2008،ص28.
[5] Romain Godet, La participation des autorités administratives indépendantes au règlement des litiges, juridictionnels de droit commun : l’exemple des autorités de marché, R.F.D.A , N°05, Septembre-Octobre, 2002 ,p957.
6 لين حسن ذكي، قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار (دراسة مقارنة في القانون المصري والفرنسي والأوربي)، دار النهضة العربية، القاهرة، 2006، ص 357.
7 نبيل ناصري، المركز القانوني لمجلس المنافسة بين الأمر 95/06 والأمر رقم 03/03، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون ، فرع قانون الأعمال، كلية الحقوق ن جامعة مولود معمري- تيزي وزو،2003/2004،ص 48
8 محمد الشريف كتو، الممارسات المنافية للمنافسة في القانون الجزائري (دراسة مقارن بالقانون الفرنسي)، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق جامعة مولود معمري –تيزي وزو، 2004/2005، ص357
[9]Marie MALAURI-VIGNAL, droit interne de la concurrence, Armand Colin, Paris, p162.
[10] Marie chantal BOUTARD-LABARDE , Guy CANIVET, droit français de la concurrence( droit des affaires),L.G.D.J , Paris, 1994, p246.
المرسوم التنفيذي رقم 05/175 مؤرخ في 12 مايو 2005، يحدد كيفيات الحصول على التصريح بعدم التدخل بخصوص الاتفاقيات ووضعية الهيمنة على السوق، جريدة رسمية عدد 3 لسنة 2005.[11]
عيساوي محمد،القانون الإجرائي للمنافسة،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في الحقوق،فرع قانون الأعمال،كلية الحقوق،جامعة مولود معمري، تيزي وزو، 2005 ،ص 134[12]
محمد الشريف كتو، الممارسات المنافية للمنافسة في القانون الجزائري (دراسة مقارنة بالقانون الفرنسي)،مرجع سابق،ص 359 .[13]
محمد الشريف كتو،حماية المستهلك من الممارسات المنافية للممارسة، مجلة إدارة،عدد 1،سنة 2002،ص 75 .[14]
لينا حسن ذكي،قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار(دراسة مقارنة بالقانون المصري والفرنسي والأوربي)،مرجع سابق،ص 371و372 .[15]
[16] Daniel FASQUELLE , les dommages et intérêts en matière anticoncurence ./
أنظر المادتين 27و28 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية .[17]
عمورة عيسى،النظام القانوني لمنازعات مجلس المنافسة،مذكرة لنيل درجة الماجستير في القانون ،فرع قانون الأعمال،كلية الحقوق،جامعة مولود معمري، تيزي وزو، 2007،ص [18]
جوهرة بركات،نظام المنازعات المتعلقة بنشاط سلطات الضبط الاقتصادي،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون العام،فرع تحولات الدولة،كلية الحقوق،جامعة مولود معمري،تيزي وزو،2006-2007،ص[19]
جريدة رسمية، عدد 48،لسنة 2000.[20]
[21] Rachid ZOUIMIA , « Remarques critiques sur le contentieux des décisions de conseil de la concurrence de droit algérien »
محمد الشريف كتو،الممارسات المنافية للمنافسة في القانون الجزائري(دراسة مقارنة بالقانون الفرنسي)،مرجع سابق،ص 338[22]
ليلى ماديو، تكريس الرقابة القضائية على سلطات الضبط المستقلة في التشريع الجزائري، مرجع سابق، ص 281و282[23]
لخضاري أعمر،”إجراءات الطعن في قرارات مجلس المنافسة”،ملتقى حول سلطات الضبط المستقلة في المجال الاقتصادي والمالي،جامعة بجاية ،أيام 23-24 ماي 2007 ،ص 269 .[24]
ليلى ماديو، تكريس الرقابة القضائية على سلطات الضبط المستقلة في التشريع الجزائري مرجع سابق ، ص 282 .[25]
لخضاري أعمر ، مرجع سابق ، ص 269 .[26]
محمد الشريف كتو، الممارسات المنافية للمنافسة في القانون الجزائري مرجع سابق، ص 344و345 .[27]
[28] Rachid ZOUAIMIA .les autorités administratives indépendantes et l régulation économique en Algérie édition Houma Alger 2005 op.cit p 136
اترك تعليقاً