حوادث الشغل في القانون المغربي
عرض من إعداد: نورة بوطاهر
ينجم عن إنجاز الشغل العديد من المخاطر، ومن أهم هذه المخاطر نجد حوادث الشغل بالإضافة إلى الأمراض المهنية. وما يميز حوادث الشغل عن الأمراض المهنية، هو أن حوادث الشغل تقع فجأة وتبرز بصورة مهولة، هذا ما استدعى تنظيمها قانونيا بالدرجة الأولى. قبل نهاية القرن 19 م، كانت حوادث الشغل قليلة وأقل خطورة، ويرجع ذلك إلى عدم استعمال الآلة والمواد الخطيرة بدرجة كبيرة، لهذا لم تكن الحماية الاجتماعية متطورة، إذ كان الأجير وعائلته يتحملان لوحدهما مخاطر الشغل، بالإضافة إلى مساعدة المحسنين وخصوصا المنتمين إلى نفس الحرفة بدافع التضامن وخصوصا في حالة الوفاة.
ومع نهاية القرن 19 ارتفعت وثيرة حوادث الشغل وتفاقمت خطورتها نتيجة استعمال الآلة ومعالجة المواد الخطيرة، الأمر الذي استدعى إيجاد حماية قانونية لمواجهة هذه المخاطر. وبالنسبة للمغرب فإنه قبل الحماية لم يكن هناك أي نص خاص بهذه المخاطر، لكن تجدر الإشارة إلى أن تعاليم الإسلام وما تتضمنه من تعاون وتكافل كانت هي المرجع الأساسي للحماية الاجتماعية بصورة عامة. أما في عهد الحماية فقد بدأت النصوص الحمائية الحديثة بالظهور على مراحل:- في البداية لم تكن توجد إلا مقتضيات الفصل 750 ق ل ع وما بعده، حيث كانت مسؤولية المشغل لا تقوم إلا إذا استطاع الأجير إثبات الخطأ، وهو أمر كان عسير المنال.- ومع نمو الصناعة بمجيء الآلة ومخاطرها، صدر ظهير 25 يونيو 1927 بشأن التعويض عن حوادث الشغل الذي اعتبر المشغل مسؤول عن الضرر الناجم عن حادثة الشغل دون حاجة إلى إثبات الخطأ من طرف الأجير.
– وبعد الحصول على الاستقلال تم تغير ظهير 1927 بمقتضى ظهير 6 فبراير 1963. ودراسة هذا الموضوع تكتسي أهمية بالغة، سواء على المستوى النظري من خلال التعرف على المقصود بحادثة شغل والتعرف عن القانون المنظم لها، أو العملي من خلال معرفة مدى مسايرة التشريع الحالي للواقع العملي. والإلمام بهذا الموضوع يقتضي منا التعرف على الإجراءات المتبعة في تطبيق هذا النظام وكذا التعويضات الممنوحة للمصاب أو دويه( المبحث الثاني)، لكن قبل ذلك لا بد من تحديد مفهوم حادثة الشغل وكذا الأشخاص المشمولين بالحماية( المبحث الأول). المبحث الأول: مجال تطبيق نظام حوادث الشغل. المبحث الثاني: التعويض والمسطرة المتبعة في حوادث الشغل. قبل التطرق إلى الأشخاص المشمولين بحماية نظام حوادث الشغل ( المطلب الأول)، سنتطرق إلى المقصود بحادثة شغل ( المطلب الثاني). إن لحادثة شغل مفهومان، مفهوم ضيق ومفهوم واسع:الفقرة الأولى: المفهوم الضيق لحادثة الشغل. بداية نشير إلى أن الظهير المنظم لحوادث الشغل ( ظهير 1963)، لم يضع تعريفا محددا لحادثة الشغل، بحيث نص الفصل 3 من الظهير أعلاه على أنه:” تعتبر بمثابة حادثة الشغل، الحادثة كيفما كان نوعها التي تصيب من جراء الشغل أو عند القيام به، كل شخص سواء كان أجير أو يعمل بأي صفة كانت و بأي محل كان لحساب مؤاجر أو عدة مؤاجرين”.
هذا ما دفع الفقه المغربي إلى البحث عن تعريف لحادثة شغل، وهكذا عرف الأستاذ أمال جلال حادثة الشغل بأنها: ” الحادث الذي يصيب جسم الإنسان فجأة بفعل عنيف وبسبب خارجي”. فحسب هذا التعريف، فإن حادثة الشغل تشمل كل الحوادث المهنية والعوارض الصحية التي تصيب الأجير أثناء قيامه بعمله أو بمناسبته، حتى لو كانت الحادثة ترجع إلى القوة القاهرة، فقد اعتبر القضاء أن وفاة أجير بسبب زلزال مدينة أكادير بمثابة حادثة شغل،وبالتالي فإن المشغل يتحمل المسؤولية حتى وإن كانت الحادثة ناتجة عن نزيف دموي، إلا إذا أثبت المشغل أن المصاب بالحادثة عرضة سهلة لأمراض.
ويتوقف تواجد حادثة الشغل على ثلاثة شروط هي:1- وقوع الحادثة: بحيث ينبغي وقوع الحادثة أيا كان نوعها وسببها وأثرها، سواء كانت راجعة إلى القوة القاهرة أو إلى فعل الإنسان، وكل ما يشترط فيها هو أن تكون مفاجئة وعنيفة، وأن تصيب جسم الأجير، وأن تنشأ عن فعل خارجي.2- وجود رابطة سببية بين الحادثة والإصابة: بمعنى أن تكون الحادثة الواقعة هي السبب في إصابة الأجير بالعجز الصحي أو الوفاة.3- وجود الأجير في حالة تبعية للمشغل: بمعنى أن الأجير يجب أن يكون تابعا لرب العمل أثناء وقوع الحادثة أيا كانت درجة هذه التبعية( مجرد إشراف عام أو مراقبة دقيقة)، أو نوعها ( قانونية أو اقتصادية)، وينطبق هذا على الممثل التجاري( فهو تابع اقتصادي لا قانونية).الفقرة الثانية: المفهوم الواسع لحادثة الشغل. وبجانب المفهوم الأول لحادثة الشغل، والذي يقتصر على الحادثة الواقعة داخل مؤسسة الشغل، هناك مفهوم واسع يشمل حتى الحادثة الواقعة في الطريق، التي يتعرض لها الأجير أثناء تنقله من محل إقامته إلى مقر عمله. وقد حدد الفصل 6 من الظهير المذكور مكان وقوع هذه الحادثة في الحالات التالية:
1- بين محل الشغل ومحل إقامة الأجير: وذلك سواء تعلق الأمر بمحل إقامة رسمي أو ثانوي أو أي محل أخر يتوجه إليه الأجير لأسباب عائلية كأن يكون مقيما عند أبويه أو أصهاره. وفي هذا الإطار اعتبر القضاء أن الحادثة الواقعة أثناء نقل العمال على ظهر القارب بسبب انقطاع الطريق، حادثة شغل.
2- بين محل الشغل والمحل الذي يتناول فيه الأجير طعامه اعتياديا: وذلك سواء تعلق الأمر بطعام الفطور أو الغداء أو العشاء، ولا يشترط أن يكون هذا المحل بالضرورة مطعما أو مقهى، بل يكفي تناول الطعام عند أحد الأقارب أو الأصدقاء.
3- بين محل تناول الطعام اعتياديا ومحل إقامة الأجير. وهناك شرط أساسي لاعتبار حادثة الطريق بمثابة حادثة شغل، وهو أنه يجب ألا ينقطع الأجير عن المرور أو ينحرف عن الطريق العادي لسبب شخصي لا علاقة له بالشغل،
وتبقى المسألة خاضعة للسلطة التقديرية للقضاء. لقد حدد الظهير الشريف رقم 1.60.223، الصادر بتاريخ 6 فبراير 1963، الذي تم بمقتضاه تغير الظهير الشريف الصادر بتاريخ 25 يونيو 1927 الخاص بالتعويض عن حوادث الشغل،الأشخاص المستفيدين من نظام حوادث الشغل من خلال الفصل 7، كالتالي:-العمال والمستخدمين وأعوان الإشراف أو التسيير العاملون في الاستغلالات الفلاحية والغابوية. -الأجراء العاملون في المقاولات الصناعية( مثل المعامل والأوراش وصناعات البناء والأشغال العمومية ومقاولات النقل عبر الطرق أو البحر أو الجو ومقاولات الشحن أو الإفراغ والمخازن العمومية والمناجم والمقالع). – الأجراء العاملون في المقاولات التجارية.
– الأجراء المشتغلون في المقاولات التي تهدف إلى رعاية الشخصية مثل الحلاقة ومؤسسات الحمامات والرشاشات والمعالجة بالماء ومعالجة الأرجل والأيدي والعناية بالتجميل. – الأجراء الذين يعملون لدى المؤجرين المزاولين لمهنة حرة والموثقون والشركات المدنية والتعاونيات والنقابات والجمعيات أو الجماعات أيا كان نوعها ومؤسسات العبادة والمؤسسات الرهبانية والمؤسسات الدينية ومؤسسات الإيواء والمؤسسات الإسعافية أو الخيرية والشركات والجمعيات أو المؤسسات التي تهدف إلى تعاطي الرياضة أو التربية البدنية. وبمقتضى الفصل 8 من هذا الظهير يستفيد أيضا من نظام حوادث الشغل كل من:-مختلف فئات البحارة.- المسافرون والممثلون والوسطاء في التجارة والصناعة.- الوكلاء غير المأجورين لفروع المقاولات التجارية للبيع بالتفصيل وتعاونيات الاستهلاك.- السماسرة والمفتشون وغيرهم من المأمورين غير المفروضة عليهم الضريبة المهنية، التابعون لمقاولات التأمين أيا كان نوعه.- بوابو البنايات المعدة للسكنى( باستثناء البوابين الخاصين بالمالك نفسه)، والمستخدمين بالمنازل الذين ينحصر عملهم الرئيسي في سياقة ناقلة.
– الأشخاص الذين يعملون بالمنازل بصفة اعتيادية ومنتظمة إما وحدهم وإما مع أزواجهم أ, أطفالهم الذين هم تحت كفالتهم.- العاملات بالمسارح ودور السينما وغيرها من مؤسسات المشاهد وكذا الأشخاص الذين يبعون في هذه المؤسسات للنظارة أشياء مختلفة.- الأشخاص المكلفون بحراسة أماكن حفظ الملابس بمؤسسات المشاهد والفنادق والمقاهي أو المطاعم أو في مختلف المهرجانات مثل قاعات الرقص والمهرجانات الرياضية.- سائقي الناقلات العمومية المفروضة على استغلالها تعاريف النقل المحددة من طرف السلطة العمومية إذا كان هؤلاء السائقين غير ملاكي الناقلات. وحسب الفصل 9 تمتد الاستفادة من الظهير لمن يأتي بيانهم:1-الموظفون غير الرسميون التابعين للإدارات العمومية.2- الأشخاص المقبلون للمساهمة في أعمال مصلحة الشببية والرياضة بصفتهم موظفي الإدارة للتسيير أو التدبير.3- أصحاب المطافئ غير المهنيين المجعلون من طرف إدارة عمومية رهن إشارة جماعة عمومية أو مصلحة عمومية أو مكتب أو فرد.4- الأشخاص الذين يقومون بخدمات مقابل أداء الضريبة الشخصية.5- الأشخاص الذين يشاركون عن طواعية وبدون أجرة في إنجاز أشغال لحساب جماعات عمومية.6- العاطلون الذين يقومون بأعمال برسم محاربة البطالة.7- المعتقلون الذين يباشرون عملا صدرت به عقوبة جنائية.8- موظفو الجماعات العمومية غير المرتبطين مع هذه الجماعات بعقدة الحق العام.
كما تم تمديد مقتضيات هذا الظهير إلى المتدربين في إطار التدرج المهني، وذلك من خلال مقتضيات الظهير الشريف رقم 1.00.206، صادر في 19 ماي 2002 بتنفيذ القانون رقم 12-00 بشأن إحداث وتنظيم التدرج المهني. بحيث تنص المادة 19منه على ما يلي:” يتعين على مراكز التكوين بالتدرج المهني تأمين المتدرجين خلال مدة تدرجهم بالمقاولة المستقبلة لهم عن حوادث الشغل والأمراض المهنية طبقا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.60.223 الصادر في 6 فبراير 1963، المغير للظهير الشريف الصادر في 25 من ذي الحجة 1345(25 يونيو1927) المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل”.
كما تم تمديده أيضا إلى المتمرس المهني، بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.96.88 صادر في 4 صفر1417(21يونيو1996) بتنفيذ القانون رقم 96-36 المتعلق بإحداث وتنظيم التمرس المهني”. بحيث تنص المادة 16 على ما يلي:” يتعين على مؤسسات التكوين المهني تأمين المتمرسين خلال مدة تدريبهم بالمقاولة المستقبلة لهم عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، طبقا لمقتضيات الظهير الشريف رقم 1.60.223 الصادر في 12 من رمضان 1382 (6فبراير 1963) المغير للظهير الشريف الصادر في25 ذي الحجة1345(25يونيو1927) المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل). كما تم تمديده إلى الطلبة الخارجيين والداخليين والمقيمين بالمراكز الاستشفائية، بحيث تنص المادة 33 من مرسوم رقم2.91.527 صادر في 21 من ذي القعدة 1413(13ماي1993) يتعلق بوضعية الطلبة الخارجين والداخلين والمقيمين بالمراكز الاستشفائية،على ما يلي:
” يجري على الخارجيين والداخليين والمقيمين غير الموظفين، النظام المحدث بالظهير الشريف الصادر في 25 من ذي الحجة1345(25يونيو1927) المغير من حيث الشكل بالظهير الشريف رقم 1.60.223 الصادر في 12من محرم1382(6فبراير1963) في شأن التعويض عن حوادث العمل. كما تم تمديد حماية هذا الظهير إلى الفنانين، وذلك بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.03.113 صادر في 18 من ربيع الأخر 1424(19يونيو2003)، بتنفيذ القانون رقم 99-41 المتعلق بالفنان. بحيث تنص المادة 13 منه على ما يلي:” يستفيد الفنان الذي تطبق عليه أحكام هذا القانون من التشريع المتعلق بحوادث الشغل…”. بعدما قمنا في هذا المبحث بتحديد المقصود بحادثة الشغل، وبالأشخاص المستفيدين من حماية هذا النظام، سننتقل إلى المبحث الموالي من أجل معرفة المسطرة المتبعة عند وقوع حادثة شغل
وكذا التعويضات المستحقة.1. 2. -عبد الكريم غالي :” في القانون الاجتماعي المغربي”، 2001، منشورات دار القلم ، الرباط، ص 315.3. -أمال جلال:” مسؤولية المؤاجر عن حوادث الشغل والأمراض المهنية في التشريع المغربي”، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1977، ص 184.4. -عبد الكريم غالي :” في القانون الاجتماعي المغربي”، م س ، ص318.5. – قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 10 شتنبر 1990، مجلة المحاكم المغربية، عدد 66، ماي- يوليوز 1992، ص121.6. – عبد الكريم غالي :” في القانون الاجتماعي المغربي”، م س ، ص319.7. – محاضرات ألقاه أستاذنا محمد أقديم، على طلبة السنة الثانية من دبلوم الدراسات العليا المتخصصة ، وحدة المهن القضائية والقانونية، 2004-2005، غير منشورة. 8. – عبد الكريم غالي :” في القانون الاجتماعي المغربي”، م س ، ص320.9. – جريدة الرسمية الصادر بتاريخ 15/3/1963.10. – جريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 25 ماي 2000.11. – جريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 7/11/1996.12. – جريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 2/6/1993.13. – جريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 17/7/2003.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً