أساس تدخل القضاء لإعادة التوازن إلى العقد
في ظل غياب مقتضيات قانونية، في القانون المغربي، وتبعا لما جاءت به المادة 230[1] من ق.ل.ع فإنه لا يحق للقاضي مراجعة مضمون العقد طالما كانت عباراته واضحة ولا ينتابها غموض أو مخالفة للنظام العام وحسن الآداب، وباعتبار كذلك وظيفة القاضي تقتصر فقط على تطبيق القانون، وتفسيره والبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين أما التشريعات المقارنة فقد أعطت للقاضي صلاحية تعديل بنود العقد، ذلك كلما اعتبر العقد، عقد إذعان (الفقرة الأولى) والطرف الضعيف مستهلكا (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: اعتبار عقد الترخيص التجاري عقد إذعان
المادة 149 من القانون المدني المصري تنص على أنه:
“إذا تم العقد بطريقة الإذعان وتضمن شروطا تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط وأن يعفي الطرف المذعن منها، وذلك وفقا لما تقضي به العدالة، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك”[2]. وهو نفس الاتجاه الذي ذهب فيه المشرع الفرنسي في القانون الخاص بحماية المستهلك ضد الشروط التعسفية الصادر في 10 يناير 1978 والذي خول للقضاء سلطة إنهاء هذه الشروط في عقود الاستهلاك، إذن فالتشريع المصري والفرنسي خول للقاضي الحق في التدخل في كل عقود الإذعان التي تحمل في طياتها شروط تعسفية تؤثر على التوازن والتكافؤ بين الطرفين سيما بعد الانتشار السريع لهذا النوع من العقود، وقيام المرخصين بفرض سيطرتهم على حساب الطرف الضعيف المستهلك، فمنح القاضي السلطة لإعادة التوازن إلى مثل هذه العقود، ستجعل محرريها يعملون منذ البداية على جعلها توازن بين مصلحة الطرفين حتى لا يفاجأ بتعديلها من طرف القضاء في ما بعد، الأمر الذي يطرح معه السؤال حول مدى تطبيق مثل هذه القوانين على حالة الطرف الضعيف في عقد الترخيص التجاري؟ وهل يمكن تشبيه المرخص له بالمستهلك؟ وبالتالي إعطائه مركزا قانونيا يمكن من توفير الحماية له؟
الفقرة الثانية: اعتبار المرخص له مستهلكا[3]
عقد الترخيص التجاري، عقد يجمع بين طرفين محترفين[4]، بإمكانهما التفاوض بحرية، الأمر الذي يصعب معه مساواة المرخص له بالمستهلك مما يستبعد التزام المرخص بإعلامه طبقا لقواعد حماية المستهلك، ومن تم البحث عن حمايته عن طريق تعديل شروط العقد من طرف القضاء، فالمرخص له يعتبر مستقلا في ممارسة نشاطه التجاري، وبإمكانه البحث عن مشاريع أخرى بعيدة عن مجال الترخيص التجاري أو البحث عن مرخص آخر يلائم وضعيته رغم صعوبة ذلك فالمرخص له لا يوجد تحت رحمة المرخص كما هو الشأن بالنسبة للمستهلك في علاقته بالمهني في عقود الاستهلاك التي يكون مضطرا لقبولها، لذا عليه أن يكون واعيا بما سيتم الإقدام عليه مادام أنه يعتبر مستثمرا يبحث عن الربح السريع، وبالتالي عليه تحمل نتائج اختياره، كما أن المرخص له لا يكون دائما شخصا محترفا ومهنيا إذ قد يكون مبتدئا ليس له أية خبرة أو مهنة سابقة سواء بأسلوب الترخيص التجاري أو ممارسة النشاط التجاري[5].
وعليه ومن أجل توفير حماية للمرخص له يجب على المشرع أن يتدخل صراحة للحد من الشروط التعسفية، فما هو واقع القضاء المغربي للتدخل في تعديل شروط العقد؟
واقع القضاء المغربي في التدخل لتعديل شروط العقد
كما سبقت الإشارة إلى ذلك[1] فإن القاضي تنحصر مهمته في تفسير القانون فقط، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول مدى إمكانية تدخل القضاء لتعديل الشروط المجحفة المتضمنة في العقود؟
إنه على الرغم من التعديل الذي أدخله المشرع المغربي على الفصل 264 من ق.ل.ع المتعلق بالشرط الجزائي أو التعويض الاتفاقي في الفقرة الثانية حيث جاء فيها “يمكن للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه إذا كان مبالغا فيه أو الرفع من قيمته إذا كان زهيدا، ولها أيضا أن تخفض من التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي، يقع باطلا كل شرط يخالف ذلك”[2]. فالقاضي لا يمكنه التدخل في شروط العقد كيفما كانت طبيعتها وآثارها بالنسبة للطرف الضعيف إعمالا للفصل 230 من ق.ل.ع.
فالتطور الذي يعرفه ميدان المعاملات التجارية يؤدي بدوره إلى تطور أنواع الشروط المضمنة في العقد. بذلك يجب أن يتفاعل القضاء والقانون من أجل صياغة نظرية تتلاءم مع الوضعية الخاصة بعقود الترخيص اعتبارا لأهميتها بالنسبة للاقتصاد والاستثمار وتوفير حماية للطرف الضعيف.
فالقواعد العامة المنصوص عليها في ق.ل.ع كتلك المتعلقة ببطلان العقد وإبطاله، ونظرية التعسف في استعمال الحق، وما يتعلق بعيوب الرضى، كلها تحمي المتعاقد، إلا أنها رغم ذلك تبقى غير كافية، ويبدو لنا وتماشيا مع الرأي الذي يرى بأنه من أجل ضمان حماية للمرخص لهم يجب عليهم التكثل في إطار جمعيات تهدف الدفاع عن مصالحهم والعمل على التفاوض مع المرخصين فيما يخص الشروط العامة لعقود الترخيص مع إمكانية مراجعتها من حين لآخر، ثم التدخل التشريعي الذي يبقى أهم وسيلة في هذا المجال.
[1] – انظر المطلب الأول من المبحث الثاني من هذا الفصل.
[2] – القانون رقم 95-27 المتمم بموجبه ق.ل.ع الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 157-95-1 بتاريخ 13 ربيع الأول 1416/ 11 غشت ج.ر، عدد 4323 بتاريخ 06/09/1995.
[1] – الفصل 230 من ق.ل.ع الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أن في الحالات المنصوص عليها في القانون.
[2] – العربي مياد، “إشكالية التراضي في عقود الإذعان”، أطروحة دكتوراه الدولة في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، أكدال كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، 2000/2001، ص 593.
[3] – تحديد مفهوم المستهلك من الموضوعات التي احتدم الخلاف حولها مما خلق اتجاهين متباينين اتجاه يأخذ بالمفهوم الضيق للمستهلك، وآخر يأخذ بالمفهوم الموسع له، أما أنصار المفهوم الضيق فيعتبرون المستهلك هو كل شخص يقوم بشراء مجموعة من البضائع والخدمات من اجل الانتفاع بها، كما هو مأخوذ به في فرنسا، أما أنصار المفهوم الواسع للمستهلك، فيعتبرون هذا الأخير، كل شخص يتعاقد بهدف الاستهلاك أي بمعنى استعمال واستخدام مال أو خدمة، انظر في هذا الصدد:
Guide pratique de cla franchise et des adhérents de loi FFF, 1997, 215.
انظر كذلك بخصوص المستهلك:
– Abdellah Boudahrain , « le droit de la consommation au Maroc », almadariss, Casablanca 1999, p. 7 – 10.
[4] – Martine Behar, le contrat de distribution, delta, L.G.D.J, 1999, p. 117.
[5] – حنان البكوري، “عقد الترخيص التجاري بالمغرب”، م.س، ص 271.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً