ثقافة تفويض السلطة الإدارية
إن تفويض السلطة في نشاط المنظمات يشكل عاملاً
أساسياً في تفعيل الأداء الوظيفي والمؤسسي على حد سواء .هذا
ما تؤكد عليه نظرية التنظيم والإدارة من خلال تطبيق
مبدأ ” التكافؤ بين السلطة والمسؤولية ” كأسلوبٍ فعالٍ تستخدمه الإدارة في ممارستها
لوظائفها، وتحقيقها لأهدافها على نحو أفضل .
من هنا، لا يمكن النظر إلى إشكالية تفويض السلطة إلا في إطار النمط الإداري السائد في المؤسسة
المعنية ، الأمر الذي يجعل ” مهمة “التفويض
صعبة ، سهلة ، ومعقدة أيضاً .
يعود ذلك ، في الواقع ، إلى ترابط علاقات
التفويض التفاعلية ، المتبادلة التأثير مع غيره من المفاهيم
والجوانب الحيوية في محيط العمل المؤسسي ، مثل :
*السمات الشخصية للرؤوساء – المفوِّضين ، والمرؤوسين – المفوَّضين .
*المركزية واللامركزية في الإدارة .
*مدى حرية التصرف في مجال
سلطة اتخاذ القرار .
*القرار الإداري ..أهميته ..مستواه ..إصداره ..تبليغه إلى المنفذين ..أهدافه ..نتائجه وتبعاته .
*سلطة المنصب/ المركز الإدارية ، المستمدة من المنصب ذاته .
*سلطة المركز الوظيفية ، لما يقدمه من الخدمات إلى الإدارات الأخرى .
*المفوِّض ..المفوَّض إليه ..والرقابة ..
*السلطة..المسؤولية ..الإلتزام ..المساءلة والمحاسبة .
*الحالة ..الموقف..واستقلالية القدرة على التصرف .
1-ماهية التفويض :
يعني التفويض أن يعهد مستوى تنظيمي إداري معين أعلى ببعض سلطاته إلى
المستوى التنظيمي الإداري الأدنى مباشرة.يعني ، أن يعهد بها ، في حالات خاصة ، إلى شخص معين ،
لتعطيه مجالاً أوسع للاستقلالية والحرية في اتخاذ القرارات .
يعني أن الرئيس (المفوِّض) يفوِّض مرؤوسه (المفوَّض إليه)مسؤولية وسلطة
اتخاذ القرار بشأن قضايا معينة هي ، أصلاً ،
من صلاحيات الرئيس .
2-مبدأ التفويض :
يشير هذا المبدأ إلى
جواز ، بل إلى ضرورة تفويض الرئيس أو المسؤول الإداري
مرؤوسيه المباشرين، وعلى جميع مستويات الهيكل التنظيمي ، بممارسة بعض صلاحياته .
3-التفويض ..والمسؤولية :
يتضمن التفويض ، في جوهره ، مسؤولية ثنائية
تتجلى في:
آ-المفوَّض ، المرؤوس الذي فوِّضت إليه سلطات أو صلاحيات
معينة ، يصبح مسؤولاً مسؤولية مباشرة أمام من فوّضها إليه ، عن مدى حسن استخدام تلك
الصلاحيات في أداء العمل الموكول إليه .
ب-المفوِّض ، الرئيس الذي فوَّض بعض صلاحياته ..يبقى مسؤولاً عن السلطات المفوَّضة ، وعن
نتائجها .
ج-التفويض لا يعني، في أي حال من
الأحوال، تخلي الرئيس المفوِّض عن مسؤولياته ..ولا
يعني إعفاءه من مسؤولية نتائج القرارات المتخذة بتفويض منه .
د-التفويض لا يمنع الرئيس المفوِّض حقه في استرداد ما منح مرؤوسيه من صلاحياته .
هـ-يحق للمفوِّض أن يفوّض أياً من مرؤوسيه المباشرين وفي أية لحظة ، كما يحق له أن
يلغي التفويض، أو يعدل فيه متى يريد ..
4-التفويض ..والمساءلة :
*يرتبط التفويض بالمساءلة ..أي
بالتزام المفوَّض حسن ممارسة الصلاحيات المفوَّضة إليه ، في
تنفيذ المهام المنوطة به،و تحمل المسؤولية .
*إن تحميل المفوَّض مسؤولية ممارسة الصلاحيات المفوَّضة إليه في تنفيذ مهام محددة ، أو تحقيق
أهداف معينة مسبقاً، إنما يستوجب، بالضرورة،
توفير متطلبات ومستلزمات تنفيذ المهام المحددة وتحقيق
الأهداف المعينة .
5-التفويض .. وعامل الوقت :
*يمكن أن يكون التفويض إما لمرةٍ واحدة ، وإما أن يكون مؤقتاً أو
مستمراً .ففي حال كانت صلاحية التفويض مستمرةً ، فإن المفوَّض إليه لا يكون مطالباً أو ملزماً بأخذ
الموافقة المسبقة من الرئيس المفوِّض على القرارات التي يتخذها وفقاً للتفويضات
الممنوحة له ، وإلا فالتفويضات ستكون شكلية ، دون معنى .
6-التفويضات ..وسلطة اتخاذ القرار :
تقسم التفويضات ، من حيث علاقتها بسلطة القرار ، إلى :
آ-التفويض باتخاذ قرارات نهائية بشأن قضايا معينة ، من دون موافقة مسبقة من
المفوِّض على تلك القرارات .
ب-التفويض بالمشاركة في اتخاذ قرارات نهائية ، بشأن أمور
معينة ، أي المشاركة في صنع
قرارات هامة ، يريد أن يتخذها المفوِّض .
ج-التفويض باتخاذ
قرارات يومية ، إجرائية ، تنفيذية ..مستمدة ، أصلاً من شغل
المنصب الإداري ، ومتعلقة بإدارة العمل وتنفيذه ..ويبدو هذا التفويض في صورة سلطة
الأوامر التي يصدرها الرئيس على كل
مستوى إداري، ويقوم بتنفيذها المرؤوسون.
7-التفويض ..والعمل الإداري –المؤسسي :
*إن التفويض ، سواء بسلطة
اتخاذ القرار أو المشاركة في اتخاذه
، هو أساس العمل الإداري .فلا إدارة من دون قرارات ، كونها
محور العملية الإدارية .
*التفويض الفعلي، المرتبط بالتقسيم الطبيعي للعمل ، ومسار تنفيذه ، وتأدية المهام ..هو الذي
يعكس الوعي الحقيقي بجماعية العمل المؤسسي
، المبني على التعاون والتكامل..
*من دون هكذا تفويض، لا تستطيع أية مؤسسة أن تحقق أهدافها بفعالية،.. بل لا يمكنها أن
توجد ،أن تبقى وتستمر.
*الهدف الرئيس من التفويض هو تكوين المنظمة (مؤسسة ، شركة، منشأة ،…)بوصفها
كلاً منظماً، منسجماً، متماسكاً،
متوازناً وقادراً على القيام بأداء وظيفته.
*إن وجود عدد محدود من المستويات الإدارية ، يقتضي، بالضرورة، ومن وجهة نظر
الأداء الجيد للعمل، تفويض كل مستوىً ببعض صلاحياته إلى المستوى الأدنى الذي يليه
مباشرة.
*في حال غياب التفويض بالصلاحيات اللازمة لإنجاز الأعمال الموكولة ، وتنفيذ
المهام المطلوبة، لا يمكن أن
تمارس الواجبات والمسؤوليات التي يتطلب أداؤها التنسيق
والتعاون بين مختلف الأنشطة والفعاليات.
8-التفويض ..والأداء الوظيفي :
إن العامل الموظف يؤدي واجبات
مركز العمل الوظيفي أو المنصب الذي يشغله من خلال ممارسته صلاحيات هذا المنصب .فالمفهوم الإداري لـ
“الوظيفة”يتضمن الواجبات والمسؤوليات والصلاحيات ، وهي من مكونات الوظيفة الأساسية.
*إن إسناد الوظائف ، كواجبات ومسؤوليات معينة ، إلى من تتوافر فيهم شروط
شغلها ، من دون تفويضات (صلاحيات)متناسبة ، ومتكافئة لتلك الواجبات والمسؤوليات،
لا معنى لها ..وينطبق
ذلك على أية صلاحيات من دون تحديد المجال الذي يجب أن تمارس فيه هذه الصلاحيات .
*مادام المفوَّض مسؤولاً مباشرة أمام المفوِّض عن حسن وسلامة
ممارسة التفويض ، فمن الضروري
أن تكون الصلاحيات (السلطات المفوَّضة)واضحةً ومحددةً، بما
يساعد المفوض إليه على ممارستها في مجال أداء واجباته
وتنفيذ مهامه بالشكل الأفضل .
*إن اتخاذ القرارات التنفيذية ، على المستويات الإدارية
الدنيا، لايتطلب ، عادة ، وقتاً طويلاً، بحكم قربها ، في الواقع، من المنفذين .وتكون
هذه القرارات أكثر نجاحاً من
الناحية الفنية والموضوعية، خاصة عندما تتوفر الكفاءات والمهارات المطلوبة.
*إن تركيز الصلاحيات في مستوى الإدارة العليا يؤثر تأثيراً
سلبياً على العاملين ومبادراتهم
..وعلى الرغبة لديهم في العمل..وعلى درجة حماسهم في تأدية
واجبات وظائفهم وأعمالهم..
9- سلامة التفويض:
*التفويضات السليمة تقوم ، أساساً ، على قاعدة
التكافؤ مع المهام المنوطة بكل وحدة تنظيمية..ولكن ذلك لا يعني بعد ضمان سلامة التفويض.إذ لا بد هنا من
الأخذ بعين الإعتبار أيضاَ السمات
الشخصية للمديرين ..المفوِّضين والمفوَّضين.
*بالاستناد إلى تلك المهام المنوطة، وتلك السمات الشخصية …يستطيع الرئيس
المفوِّض، في قمة الهرم الإداري (الوزير – المدير العام )أن يجيب عن هذا السؤال:ما
هي الصلاحيات التي يمكن ، بل يجب تفويضها إلى كل من المعاونين والمديرين الذين يعملون
تحت إشرافي المباشر؟ وتأتي
الإجابة الصحيحة والمفيدة لتؤكد على :
-أن تكون الصلاحيات
المفوَّضة إلى كل معاون أو مدير أو مشرف بحسب اختصاصه..
-أن تلبي الصلاحيات
متطلبات الأداء المنوط بالمفوَّض إليه.
-أن تكون السمات الشخصية ، والقدرات
والمهارات الضرورية بالقدر الذي يمكن المفوض إليه من ممارسة
الصلاحيات المفوضة بدرجة عالية من المسؤولية.
أما الصلاحيات التي يجب الاحتفاظ بها، وممارستها شخصياً ، ولا يجوز تفويضها، فهي تلك التي
تتعلق باتخاذ القرارات الأكثر جوهرية،
والأشد تأثيراً وأهمية بالنسبة للمؤسسة ككل.
بمثل هذه الرؤية الشاملة ..والتدرج
في التفويض ، يصبح القائد الإداري أفضل تحكماً وقدرة على
تنظيم إدارة وقت عمله..
10-فاعلية التفويض:
لكي يكون التفويض فاعلاً لا بد ، قبل كل شيء ، من :
-تمكين المفوَّض إليه من اتخاذ القرارات المفوَّض بها ،
بدرجة عالية من الاستقلالية، والإعتماد على الذات، مع تحمل المسؤولية عن النتائج..
-معرفة اختيار الإنسان المناسب في المكان المناسب، وتدريبه وتأهيله ، بما
يساعد على تطوير الأداء ، وتحقيق النتائج المستهدفة.
-مراقبة مدى حسن ممارسة التفويضات لجهة
الأهداف والسياسات والخطط وسهولة سير العمل واقتصادياته..
-تعزيز”السلطة”الاستشارية ..ولكن من دون أي تدخل
أو تعدِ على السلطة الإدارية
للرؤساء المباشرين في جميع مستويات الهيكل التنظيمي.
كل ذلك يساعد على نشر ثقافة التفويض ، وترسيخ قيم جماعية العمل
المؤسسي، القائمة على قاعدة التعاون والتنسيق والتكامل كقوة دفعٍ ذاتيةٍ للتطوير
والتحديث، وتعميم الفائدة.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً