النفس البشرية… والاهواء
تدهب إحدى نظريات علم النفس الجنائى الحديثة إن الإجرام هو وليد الكيان الخسيس للنفس البشرية، حينما يطغى على الكيان السامي فيها ، وأن البيئة ومكوناتها تعمل على إظهار الجناح الكامن بالنفس البشرية مع فقد الوازع الديني والتربوي بين البشر .
وقد تكون دراسة الظروف والعوامل المسببة للجريمة كالفقر والتشرد واختلال النظام الديني والاجتماعي في حياة الفرد أهم وأشمل من دراسة تفاصيل الجريمة لأن القضاء على هذه العوامل يعني انتهاء وجود الجريمة.
ولعل القضية التي نطرحها أمامكم اليوم والتي دارت أحداثها بمدينة بنغازي احدى المدن الكبرى فى ليبيا توضح التباين ودرجة القوة والضعف بين الكيانين »الخسيس والسامي« للنفس البشرية.
صحوة ضمير
بتاريخ 18/7/2010م حضر المدعو »ع.ع.خ« مصرى الجنسية إلى مركز شرطة بوعطني طائعا غير مجبر وبكامل إرادته وأفاد بأنه قد قام برفقة زميله المدعو »ع.ر.ح« مصرى الجنسية بقتل شخص يدعى »ن.م.م« مصري الجنسية وعمره46 عاما وذلك في منطقة بوعطني داخل مخازن للأثاث وقاما بدفنه هناك.
حادثة سرقة
وبالاستدلال مع المدعو »ع.ع.خ« أوضح بأنه هو وشريكه في جريمة القتل قد قاما قبل أسبوع من حدوث الجريمة بسرقة مخزن الأثاث الذي يقيمان فيه، وعندما شرعا في القيام بالسرقة شاهدهما المغدور به والذي كان يشغل وظيفة حارس ليلي بالمخزن وهددهما بالإبلاغ عنهما وكشف سرهما، وبعد تهدئته من قبل الجناة وطمأنته بأنهما سوف يعيدان المسروقات لمكانهما هدأ روعه وأقلع عن فكرة التبليغ متوسماً الخير والتوبة فيهما.
سبق الإصرار والترصد
اتفق الجانيان على قتل الحارس وذلك مدارة لفعلهما المشين بشأن السرقة، وبما أن المجني عليه مقيم معهما في نفس المكان ويشاركهما مقر السكن، كانت مهمتهما سهلة وميسرة، وعند الساعة 8:00 صباحا من اليوم التالي، أحضر المتهم الأول كوب شاي للمجني عليه بعد أن أضاف إليه مبيدا حشريا فشرب منه المجني عليه دون أن يلاحظ أي تغيير في الطعم،وبعد فترة وجيزة من شربه الشاي قام المتهم الأول وقدم له كوباً آخر مملوءاً بالحليب بعد أن أضاف إليه كمية من المبيد الحشري الذي استعمله مع الشاى، بعد ذلك خلد المغدور به للنوم ليزيح تعب وسهر الليل المضني، فما كان من المتهم الثاني إلا أن قام بضربه على رأسه بواسطة حجر كبير، ثم قام المتهم الأول بضربه بقطعة حديدية وقد أدت هذه الإصابات بالإضافة إلى كمية المبيد الحشري إلى قتل المغدور به.
طرف ثالث
عند قيام الجناة بعملية القتل وفي اثناء توجيه الضربات للمجني عليه حدثت جلبة وارتفع صوت المغدور به في محاولة منه بأن يجد شخصاً ينقذه ويخلصه من الجناة، استيقظ شقيق المتهم الأول وهو المدعو »ش.ع.خ« وكان يقيم معهما في نفس المكان على هذه الأصوات وشاهد عملية القتل، فلم يحرك ساكنا، خصوصا بعد أن شاهد شقيقه وهو يقوم بهذه الجريمة، بل شاركهم في حفر حفرة داخل المخزن لدفن المغدور به، بعد أن قاموا بتغطيته ببطانية وصار الطرف الثالث في الجريمة بصفته مشتركا معهما في الدفن.
حضور هيأة التحقيق وعضو النيابة
بناء على هذه المعلومات وعلى الفور توجهت هيأة التحقيق بالمركز إلى مكان الواقعة رفقة المتهم الأول الذي أخبرهم عن مكان دفن الجثة، حيث كانت تنبعث من المكان رائحة نتنة وكريهة بسبب وجود الجثة المتحللة بها، وعند ذلك تم الاتصال بالنيابة العامة واخطارها بالواقعة وبالفعل، تم حضور عضو النيابة وقام بإعطاء الإذن بالحفر واستخراج الجثة التي وجدت ملفوفة ببطانية وبتفتيش الغرفة التي يقيمون بها تم العثور على أداة من أدوات الجريمة وهي القطعة الحديدية ، وكذلك تم العثور على آلة تستعمل لتعاطي المخدرات »كنشة«.
استكمال الاجراءات القانونية
واستكمالاً لتسلسل الإجراءات القانونية المتبعة تمت الاستعانة بجهاز الطب الوقائي والذي قام برش الجثة بمبيدات وتمت كذلك الاستعانة بوحدة الأدلة الجنائية التي قامت بدورها، كما تم الاستعانة بسيارة اسعاف وذلك لنقل الجثة إلى مقبرة الهواري، والتحفظ عليها إلى حين عرضها على الطبيب الشرعي.
وفي نفس الوقت تم تكليف أعضاء التحريات بالمركز بالبحث والتحري وجمع المعلومات حول الواقعة وضبط باقي الجناة، وبجهود دؤوبة ومتواصلة من قبل أعضاء التحري تم ضبط المتهمين »ع.ر« و»ش.ع« بمنطقة القوارشة ، بعد إعداد كمين للايقاع بهما من قبل الأعضاء وفي أثناء ضبطهما وجدت معهم المسروقات المبلغ عنها وكانت موجودة على متن مركبة آلية نوع ميتسوبيشي »كنترا« يقودها شخص ليبي يدعى »ح.ف« وبتفتيش السيارة وجد بها حقيبة ملابس يوجد بداخلها المبيد الحشري المستعمل في الجريمة وتبين من خلال التحقيق أن هذه الحقيبة تخص القاتل المدعو »ع.ع«.
اعترافات
وبالاستدلال مع المتهمين »ع.ر« و»ش.ع« أعترفا بما هو منسوب إليهما وأكدا ما جاء في أقوال المتهم الأول »القاتل«، حيث تم حجز المتهمين الحجز القانوني، ومن ثَمَّ إحالتهم إلى النيابة العامة وتحريز جميع المضبوطات وكذلك التحفظ على السيارة التي تم ضبط المسروقات على متنها، وباستكمال باقي الإجراءات وبالاستدلال مع المتهم »ع.ع« أفاد واعترف بقيامه بعدة سرقات وبوجود شركاء له في هذه الوقائع وهو المدعو »ط.م« ليبي الجنسية والمدعو »م.ع« سوداني الجنسية.
بتاريخ 18/7/2010م تم استدعاء صاحب المخزن الذي وقعت به الجريمة والذي تعرض للسرقة، وبالاستدلال معه أفاد بأن المجني عليه كان يعمل حارساً للمخزن لديه، وأن المتهمين يقيمان مع المغدور به في نفس المكان، كما أفاد بأن المسروقات تقدر بمبلغ 7750 ديناراً ليبياً وهي عبارة عن مجموعة شفاطات توضع فوق غاز الطهي، وعدد من غازات الطهي كبيرة الحجم وغرفتي نوم فرديتين وحوضين مياه نوع استيل.
وعلي إثر ذلك قام أعضاء التحريات بالبحث والتحري على المسروقات، حيث تم العثور على بعض المسروقات في محل بيع للمواد الكهربائية بمحلات نادي »……«، حيث تم استدعاء صاحب المحل، وبالاستدلال معه أفاد بأنه اشترى هذه الأشياء من شخص سوداني »م.ع« وهو نفس الشخص المذكور في اعترافات المتهم الأول، تم استحضار بعض المسروقات إلى مقر المركز ولايزال البحث جار عن باقي المسروقات.
وبتاريخ21/7/2010 تمت إحالة المتهمين إلى النيابة العامة بتهمة السرقة والقتل العمد وإخفاء جثة المجني عليه »ن.م« للمتهمين الأول »ع.ع« والمتهم الثاني »ع.ر« وتهمة إخفاء جثة المجني عليه للمتهم الثالث »ش.ع« وتهمة تعاطي المخدرات للمتهم الأول »ع.ع«، هذا بالإضافة للتهم الأخرى الموجهة إلى باقي المتهمين كشراء وبيع أشياء مسروقة وإخفاء أشياء مسروقة .ومازالت القضية متداولة امام محكمة جنايات بنغازى
للفصل فى الواقعة .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً