أشكال الدول
تنصب دراسة هذا العنصر حول الصور التي يمكن أن تتخذها الدولة في مجال تركيب وتكوين السلطة فيها، فقد توصف بأنها موحدة عندما لا توجد على إقليم الدولة سوى سلطة واحدة، فيطلق عليها تسمية الدولة البسيطة أو الموحدة، وقد تتعدد فيها السلطة فتسمى دولة مركبة أو دولة اتحادية.
الفرع الأول: الدولة البسيطة أو الموحدة.
نحاول في البداية تعريف الدولة البسيطة ثم التطرق إلى أساليب التسيير الإداري في هذا النوع من الدول.
أولا: تعريف الدولة البسيطة.
يقصد بالدولة البسيطة أو الموحدة كما يدل عليها اسمها الدولة التي تبدو في أبسط صورها ككتلة واحدة من الناحية الداخلية والخارجية، حيث تباشر فيها السلطات التنفيذية من طرف هيئة واحدة ولها دستور واحد وهيئة تشريعية واحدة وشخصية وسيادة واحدة، إلى جانب وحدة القضاء. ومن هنا يظهر أن الدولة الموحدة هي دولة ذات نظام واحد بغض النظر على شكل الحكم، فقد يكون جمهوريا أو ملكيا أو ديمقراطيا أو ديكتاتوريا. ومن أمثلة الدول البسيطة الجزائر وليبيا والمغرب.
غير أن وحدة التشريع والقضاء وخضوع الدولة لدستور واحد لا يعني أيضا ضرورة وحدة التنظيم الإداري فقد تتبع الدولة أسلوب المركزية الإدارية بتجميع الوظيفة الإدارية في يد السلطة التنفيذية التي تعيين موظفين يتولون إدارتها على مستوى القمة وفي الإقليم، والأخذ بهذا النظام ينتج عنه مباشرة رقابة مركزية مستمرة على الأجهزة الإدارية والإقليمية على السواء.
ثانيا: الدولة البسيطة واللامركزية الإدارية.
قد تتبع الدولة أسلوب اللامركزية فتوزع الوظيفة الإدارية بين السلطة المركزية والهيئات اللامركزية المستقلة، فتقوم هذه الأخيرة بوظيفتها الإدارية دون الخضوع أو الرجوع إلى السلطة المركزية، وإن كانت تخضع لرقابتها حتى لا تنعدم وحدة الاتجاه الإداري في الدولة. وهذا يعني أن اللامركزية تختلف عن المركزية ليس في الدرجة وإنما في الطبيعة، وأن الهيئة المحلية تتمتع بسلطة التسيير الذاتي الأمر الذي يجعلها بمثابة سلطة مضادة للحكومة، فضلا عن أن اللامركزية تهدف إلى تحقيق ديمقراطية أوسع، وعليه فاللامركزية تتطلب تمتع الهيئات المحلية بالاستقلالية الإدارية وبالشخصية المعنوية، هذا من الناحية الإدارية أما من الناحية التشريعية فإن وحدة السلطة التشريعية في الدولة لا تمنع من تعدد التشريعات في الأقاليم المختلفة التابعة للدولة الموحدة إذا كان مصدر التشريع واحد ويتمثل في السلطة التشريعية في الدولة وهي البرلمان.
الفرع الثاني: الدولة المركبة.
يطلق مصطلح الدولة المركبة في الفقه الدستوري عندما يظهر اتحاد بين دولتين أو أكثر ويرتبونها من أضعفها إلى أقواها كما يلي:(الاتحاد الشخصي ثم الاتحاد الحقيقي أو الفعلي تم الاتحاد التعاهدي أو الاستقلالي وأخيرا الاتحاد المركزي أو الفدرالي.) ولكن الشكل الذي يصح حقا أن يعتبر دولة مركبة هو الاتحاد الأخير أي الاتحاد الفدرالي المركزي، أما الاتحادات الأخرى فهي اتحادات بين دول يهتم بدراستها القانون الدولي أكثر من اهتمام القانون الدستوري بها.
وعليه سوف نتناول في الفرع الأول الاتحادات بين الدول ثم الفرع الثاني نفرده للدولة الاتحادية الفدرالية.
أولا: الاتحادات بين الدول.
أهم هذه الاتحادات هي الاتحاد الشخصي والاتحاد الحقيقي والاتحاد التعاهدي، نتناولها على النحو التالي:
1) الاتحاد الشخصي: هو اتحاد بين دولتين تحت سلطة رئيس واحد نتيجة ارتباط عرشين بفعل المصاهرة، كأن يتزوج ملك دولة بملكة دولة أخرى أو اتفاق بين رئيسي دولتين أو أكثر لإقامة اتحاد شخصي، ويعتبر هذا الاتحاد من أضعف أنواع الاتحادات لأن المظهر يكمن في وحدة رئيس الدولة المتحدة لا غير والدول تبقى محتفظة بشخصيتها الدولية.
ومن أهم الأمثلة على الاتحادات الشخصية ذلك الذي وقع بين انجلترا وهانوفر سنة 1714 وكذلك الاتحاد بين لوكسمبورج وهولندا عام 1815 وانتهى في 1890.
2) الاتحاد الحقيقي: ينشأ ا الاتحاد بين دولتين أو أكثر، غير أنه لا يكون عرضيا بل نتيجة اتفاق يقع بين الدول التي تريد إنشاءه، فيظهر بذلك شخص دولي جديد يتمثل في دولة الاتحاد، حيث تفقد الدول شخصيتها الدولية، فيكون لها رئيس واحد وتبرم المعاهدات والعقود باسمها.
ومن أمثلة هذا الاتحاد ذلك الذي قام بين النمسا والمجر من عام 1867 إلى 1918 والاتحاد بين السويد والنرويج من عام 1815 إلى 1905.
3) الاتحاد التعاهدي أو الاستقلالي (الكونفدرالي): هو اتحاد يضم دولتين أوأكثر على أن تبقى كل دولة لها سيادتها الداخلية والخارجية ورئيسها الخاص، ويقوم هذا الاتحاد على أساس اتفاق يرمي إلى تنسيق الشؤون الاقتصادية أو الاجتماعية أو العسكرية، فتنشأ هيئة تسمى مجلس أومؤتمر تكون مهمتها تحقيق الأغراض التي وجد من أجلها، هذه الهيئة تختارها حكومات الدول المتحدة وقراراتها ليست ملزمة إلا إذا وافقت عليها الدول الأعضاء.
وأهم ما يترتب على هذا النوع من الاتحاد ما يلي:
ـ الدولة تبقى مستقلة داخليا وخارجيا.
ـ قيام هذا الاتحاد لا يتطلب تشابه الأنظمة.
ـ الحرب التي تقوم بين دول الاتحاد تعد حربا دولية.
ـ العضو الذي لا يتقيد بما ورد في الاتفاق يمكن فصله بالإجماع من قبل الأعضاء .
وأهم نماذج عن هذا النوع من الاتحادات الاتحاد السويسري في بداية تكوينه والاتحاد الأمريكي بعد استقلال 13 مقاطعة عن بريطانيا عام 1776 .هذا قبل أن يتحولا إلى اتحاد فيدرالي فيما بعد.ويرى بعض الفقهاء أن جامعة الدول العربية المنشأة عام 1945 وكذلك منظمة الوحدة الإفريقية تعد نوعا من الاتحادات التعاهدية أو الاستقلالية.
ثانيا: الاتحاد الفيدرالي.
ينشأ هذا النوع من الاتحادات نتيجة اندماج دولتين أو أكثر في اتحاد دائم قصد توحيد أوجه النشاط، بحيث تعد الأكثر انصهارا من بين الاتحادات بين الدول وأقواها ارتباطا بحيث تفقد الدول شخصيتها الدولية وسيادتها الخارجية، وهو يمثل دولة موحدة على المستوى الخارجي ودول متحدة على المستوى الداخلي، وأي نزاع يقع بين الدويلات يعد نزاعا داخليا ويتم حله بحسب النصوص الدستورية وليس حسب قواعد القانون الدولي. ورعايا الاتحاد لهم جنسية واحدة هي جنسية دولة الاتحاد، أما السيادة الداخلية فإنها مشتركة بين الدويلات ودولة الاتحاد المركزية. ووفقا لذلك يكون لكل دويلة في الاتحاد دستورها الخاص بها، وبالتالي لها سلطاتها الثلاث مثلما هو مقرر في الدستور الاتحادي، المنظم لسلطات واختصاصات ومجالات نشاط دولة الاتحاد.
وقد يتكون هذا الاتحاد إما بتجمع دول كانت في الأصل مستقلة، وإما بتفكك دولة كانت في الأصل موحدة إلى دويلات ولكنها لا ترغب في الانفصال التام والكلي عن الدولة الأم ولكن تريد أن تبقى مرتبطة في إطار اتحاد يمنح لها الاستقلال الذاتي الداخلي. ويتميز هذا الاتحاد بأنه ينشأ عن طريق دستور وليس عن طريق معاهدة وبالتالي فالعلاقة بين الدويلات الأعضاء في الدولة الاتحادية تحكمها نصوص الدستور وليس القانون الدولي.
يتميز هذا الاتحاد بخصائص أساسية نجملها فيما يلي:
1) توزيع الاختصاصات بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات وتكون إما بتحديد اختصاصات الحكومة المركزية والباقي يترك للولايات مثل الاتحاد السوفيتي، وإما بتحديد اختصاصات الولايات ويترك الباقي للحكومة المركزية مثل كندا، وإما بتحديد اختصاصات كل من الحكومة المركزية والولايات على سبيل الحصر، وهذه الأخيرة عيب عليها أنها لا تراعي التطور الذي يعرفه المجتمع والدولة.
2) وجود دستور مكتوب.
3) ضرورة وجود قضاء فيدرالي.
4) تمثيل الدويلات في الهيئة التشريعية للاتحاد.
5) تمتع رعايا الاتحاد بجنسية واحدة.
هذا النوع من الاتحادات يتميز بتنوع واختلاف أنماطه من دولة لأخرى ولا يمكن توضيح الأمر إلا من خلال استعراض نماذج من هذه الدول
1) النظام الفيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية: يقوم نظام السلطة المركزية في الولايات المتحدة الأمريكية على ثلاثية الهيئات، التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ـ الهيئة التشريعية وتتمثل في مجلسين حفاظا على تمثيل الشعب والولايات بطريقة عادلة، مجلس النواب ينتخب من قبل الشعب ومجلس الشيوخ يمثل الولايات بالتساوي اثنان عن كل ولاية بصرف النظر عن عدد سكانها.
ـ الهيئة التنفيذية ويوجد على رأسها شخص واحد هو رئيس الدولة المنتخب من قبل الشعب ويساعده في ذلك كتاب دولة (وليسوا وزراء) يعينهم ويقيلهم متى شاء ولا يتقيد بآرائهم إلا عن رض منه والرئيس هو المكلف بتنفيذ القوانين.
ـ الهيئة القضائية و تتمثل في السلطة القضائية المركزية والتي أسندت إلى المحكمة العليا الفيدرالية التي تقوم بدور أساسي في تفسير أحكام الدستور والفصل في المنازعات التي تثور بين الولايات والحكومة المركزية أو المنازعات التي تثور بين الولايات فيما بينها كما تقوم بمراقبة مدى احترام الدستور والقوانين والأحكام الصادرة عن المحاكم الموجودة على مستوى الولايات .
2) النظام الفيدرالي السويسري: يضم هذا الاتحاد المركزي (22) مقاطعة بعد الاتفاق الذي وقع عام 1815 والذي توج بدستور 12 سبتمبر 1848 والمعدل عام 1874. والهيئات المركزية في الاتحاد السويسري هي:
ـ مجلس الدول: والذي تمثل فيه المقاطعات بالتساوي ويهتم بالمسائل التشريعية والتنفيذية غير أن هذه الوظيفة يعهد بها إلى مجلس اتحادي يختاره مجلس الدول لمدة أربع سنوات، توجد إلى جانب المجلس محكمة فيدرالية يعهد لها حل المنازعات التي تقوم بين المقاطعات والدولة الاتحادية، وأهم ما يميز النظام السويسري مظهر الديمقراطية المباشرة عن طريق أسلوب الاستفتاء.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً