الأساس القانوني للتأديب
العقوبة التأديبية
عرف الفقه العقوبة التأديبية بصفة عامة بأنها إيلام مقصود بسبب ارتكاب مخالفة تأديبية يقرره المشرع على نحو مجرد، توقعه السلطة التأديبية بقرار إداري أو مهني أو حكم قضائي، و يترتب على توقيعه الحرمان من بعض أوكل حقوق الموظف العام أو العامل الخاص أو المهني الحر.
أما العقوبة التأديبية للمحامي فهي العقوبات التي ينص عليها القانون المنظم لمهنة المحاماة في حالة مخالفة المحامي للنصوص القانونية أو التنظيمية وقواعد المهنة وأعرافها أو إخلال بالمروءة والشرف ، ولو تعلق الأمر بأعمال خارجة عن النطاق المهني وهو ما أكدته مقتضيات المادة 61 من قانون المحاماة كما أن المشرع المغربي في قانون المحاماة، وعلى غرار التشريع المقارن حدد في المادة 62 العقوبات التأديبية التي يمكن للمجلس التأديبي أن يحكم بها على المحامي المتابع إما عقوبات أصلية وإما عقوبات إضافية في بعض الحالات.
والملاحظ أنه إذا كان المشرع لم يحدد المخالفات التأديبية على سبيل الحصر ، فإنه حدد العقوبات على سبيل الحصر وبالتالي فهي تخضع لمبدأ لا عقوبة إلا بنص.
وقد ذهب بعض الفقه إلى اعتبار التأديب يخضع لنظام المخالفة الغير المحددة والعقوبة المحددة.
أولا: العقوبات الأصلية
لقد تعرضت المادة 62 من قانون المحاماة إلى العقوبات الأصلية التي قد تطبق على المحامي مرتكب المخالفة التأديبية وهي بالترتيب التصاعدي من حيث شدتها: 1) الإنذار 2) التوبيخ 3) الإيقاف عن ممارسة المهنة لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات 4) التشطيب من الجدول أو من قائمة التمرين أو سحب الصفة الشرفية.
وقد أشار القانون المقارن إلى هذه العقوبات كالمصري والسعودي واللبناني والفرنسي، لكن المشرع التونسي أشار إلى ستة أنواع من العقوبات عوض أربعة التي نصت عليها باقي القوانين.
تنص المادة 65 من قانون المحاماة التونسي (( العقوبات التأديبية هي ألآتية: 1) الإنذار 2) التوبيخ 3) الحط من قسم التعقيب إلى قسم الاستئناف 4) الإيقاف المؤقت عن ممارسة المهنة لمدة لا تتجاوز عامين 5) التشطيب على الاسم من الجدول لمدة لا تتجاوز ثلاثة أعوام 6) محو الاسم من الجدول بصفة نهائية.
والملاحظ أن عقوبتي الإنذار أو التوبيخ هي عقوبة تأديبية خفيفة وتسجل باعتبارها سابقة تأديبية في ملف المحامي ويعتد بها لتحديد العقوبة في حال العود، كما أن هذه العقوبة لا تحرم المحامي من ممارسة المهنة.
إلا أن عقوبة الإيقاف عن ممارسة المهنة لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات تكتسي خطورة اشد لما يترتب عنها من آثار على وضعية المحامي المهنية. فهي تزيل عنه صفة محام طيلة مدة ثلاث سنوات.
وقد خول المشرع في المادة 63 من قانون المحاماة، للمجلس التأديبي إمكانية الأمر بتنفيذ هذه العقوبة معجلا في حالة الإخلال الفادح بالقواعد المهنية.
والملاحظ أن الإيقاف المؤقت عن ممارسة المهنة يختلف عن المنع المؤقت في ممارسة المهنة لأن الأول يعد جزاءا تأديبيا يتخذه المجلس في حق المحامي مرتكب المخالفة التأديبية في حين أن الثاني لا يعدو أن يكون تدبيرا احتياطيا يتخذه المجلس بصورة تلقائية أو بناء على طلب من النقيب أو الوكيل العام في حالة الضرورة القصوى عند إجراء متابعة زجرية ضد أي محام وذلك بمقتضى قرار معلل، وذلك حماية لمصالح موكلي المحامي المتابع وحفاظا على كرامة المحامي واستقلال المحاماة.
ومن آثار عقوبة الإيقاف عن ممارسة المهنة لمدة معينة منع المحامي القيام بأي عمل يتعلق بمهنة المحاماة كما يفقده حقوق وامتيازات المحامي كما هو منصوص عليه في القانون المنظم لمهنة المحاماة.
وتتجلى آثار هذه العقوبة أيضا في تعيين النقيب محاميا لتسيير شؤون مكتب المحامي الموقوف، إذا لم يقع اختيار المحامي المذكور على أحد زملائه، إذا لم يحض بموافقة للنقيب. أما بخصوص عقوبة التشطيب من الجدول أو لائحة التمرين أو سحب الصفة الشرفية فهي تعتبر من أخطر العقوبات التأديبية التي يمكن للسلطة التأديبية أن توقعها على المحامي المتابع.
وإذا كان المشرع المغربي اعتبرها هي العقوبة الرابعة والأخيرة من حيث الترتيب شأنه شأن القانون المصري واللبناني والجزائري والسعودي والفرنسي، أما القانون التونسي أوردها في الرتبة السادسة ضمن العقوبات التأديبية.
وقد أشارت المادة 71 من قانون المحاماة إلى آثار هذه العقوبة بحيث يتعين على المحامي المشطب عليه بمجرد ما يصبح المقرر قابلا للتنفيذ، أن يتخلى عن ممارسة أي عمل من أعمال المهنة، وأن يتعامل بصفته محاميا. ويفقد المحامي المشطب عليه في وصف نفسه بصفة محام ويشطب على اسمه من جدول الهيئة بصفة نهائية ولا يمكن تقييده بجدول أية هيئة أخرى أو بلائحة التمرين.
والملاحظ أن عقوبة التشطيب هي عقوبة مؤيدة في قانون المحاماة المغربي، بخلاف العقوبات الأخرى كالإنذار أو التوبيخ أو الإيقاف عن ممارسة المهنة، فإن المادة 62 من قانون المحاماة أجازت للمحامي الصادر في حقه العقوبات المشار إليها أعلاه أن يقدم لمجلس الهيئة التماسا برد الاعتبار، يبث فيه المجلس داخل أجل شهرين من تاريخ التوصل.
وتجدر الإشارة أن بعض القوانين المنظمة لمهنة المحاماة في بعض البلدان العربية كلبنان ومصر أجازت للمحامي المشطب عليه من جدول هيئة المحامين أن يطلب إعادة التسجيل بالجدول بعد مضي مدة 5 سنوات على صدور المقرر النهائي بالنسبة للقانون اللبناني ، وبعد مرور سبع سنوات من صدور المقرر النهائي بالنسبة للمقرر المصري ويبث المجلس في الطلب إذا تبث له أن المدة التي مضت كافية لإصلاح شأنه وإزالة ما صدر منه من مخالفات، ويمكن للمجلس أن يرفض الطلب إذا تبين له خلاف ذلك.
والملاحظ أن نظام العفو لا ينطبق في ميدان التأديب وبالتالي لا يمكن للمحامي المشطب عليه المطالبة بالعفو عنه من العقوبة التأديبية.
ثانيا: العقوبات الإضافية
العقوبات الإضافية أو الفرعية كما يسميها القانون اللبناني هي التي لا يمكن الحكم بها وحدها . بل تكون مضافة إلى إحدى العقوبات الأصلية.
وقد أشارت المادة 62 من قانون المحاماة إلى هذه العقوبة الوحيدة، مع العلم أن ظهير 8نونبر 1979 كان يشير إلى عقوبة الحرمان من العضوية بمجلس الهيئة لمدة لا تزيد عن العشر سنوات كعقوبة إضافية في حالتي المؤاخذة من أجل عقوبة الإيقاف عن ممارسة المهنة.
والملاحظ أن ظهير 1993.10.10 كان يشير إلى عقوبة إضافية بالتعليق بكتابة الهيئة في حالات الإنذار أو التوبيخ أو الإيقاف عن ممارسة المهنة في حين أن القانون الحالي المنظم لمهنة المحاماة الصادر بتاريخ 2008.10.20 اكتفى بإمكانية تضمين المقرر الصادر بالإيقاف عقوبة إضافية بتعليق منطوقه بكتابة الهيئة لمدة معينة.
وفي حالة التشطيب يكون تعليق منطوق المقرر الصادر بصفة نهائية وجوبيا.
وتجدر الإشارة أن القانون المصري والجزائري المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة لم يشر إلى العقوبات الإضافية بل اكتفى بالعقوبات الأصلية.
لكن القانون الفرنسي ينص على عقوبتين إضافيتين يمكن للمجلس أن يأمر بهما في القرار التأديبي القاضي بالإنذار والتوبيخ أو الإيقاف، وهما نشر العقوبة التأديبية، والحرمان من الترشيح لعضوية مجلس النقابة لمدة 10 سنوات.
وتلاحظ أن القانون المنظم لمهنة المحاماة بالمغرب لم يشر إلى عقوبات إضافية بالغرامة كما هو الشأن بالنسبة للقانون الإسباني، الذي يعطي إمكانية لمجلس الهيئة بإصدار عقوبة إضافية بالغرامة ضد المحامي المتابع تؤدى لفائدة صندوق الهيئة.
والملاحظ أن القانون المنظم لمهنة المحاماة بالمغرب في المادة 86 يشترط في المحامي الذي يرغب في ترشيح نفسه لمنصب النقيب أو العضوية للمجلس أن لا يكون قد صدرت في حقه عقوبة تأديبية.
وبمفهوم المخالفة فإن المحامي المحكوم من أجل مخالفة تأديبية فإنه يحرم من حقه في الترشيح لمنصب النقيب أو عضوية المجلس إلا إذا رد اعتباره. وبالتالي فإني اعتبرهما عقوبة إضافية ضمنية طبقا للمادة المذكورة.
ذ/ شهبون محمد
المحامي بهيئة بني ملال
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً