سلطات القاضي في تقدیر عقوبة جرائم الجنایات والغایة منها
الجناية لغة هي : إسم لما يجنيه المرء من شر وما إكتسبه، تسمية المصدر جنى عليه شرا، وهو عام إلا أنه خص بما يحرم دون غيره .
أما في الإصطلاح القانوني فهي الجريمة الخطيرة التي يعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو المؤقت.
و قد نص المشرع الوضعي الجزائري في المادة الخامسة من قانون العقوبات على عقوبة الجنايات بقوله : ((العقوبات الأصلية في مواد الجنايات هي : الإعدام، السجن المؤبد والسجن المؤقت تتراوح بين خمس سنوات وعشرين سنة )) .
وجعل المشرع الوضعي الجزائري الجزء الثاني تحت عنوان التجريم وبين في الكتاب الثالث الجنايات والجنح وعقوباتها، وخصص الفصل السادس لكل الجنايات والجنح ضد الأمن العمومي، أو كما سماها بالجنايات والجنح الماسة بالسلامة العمومية والجنايات والجنح ،ضد الأفراد والأموال والشرف وأمن الدولة .
وقد نص صراحة في المادة الرابعة من نفس القانون على المذاهب الفلسفية التي إعتمد عليها في تقرير العقوبات وغايتها بقوله : ((يكون جزاء الجرائم بتطبيق العقوبات، وتكون الوقاية منها بإتخاذ تدابير أمن)) .
وظاهر هذا النص أن المشرع الوضعي حدد غاية العقوبة بعد وقوعها حسب نظرية جروزيو ومن جاء بعده, أي ردع الجاني وغيره من إرتكاب الجريمة وتسمى هذه النظرية بالأتجاه النفعي للعقوبة . بينما أخذ بنظرية الدفاع الإجتماعي التي إعتمدتها المدرسة الحديثة في الوقاية من الجرائم قبل وقوعها، أي بإتخاذ تدابير أمن ويمكن لنا توضيح هذا النص في العناصر التالية :
1)- تنص المادة 84 من قانون العقوبات الجزائري على مايلي : ((كل من يرتكب إعتداء يكون الغرض منه نشر التقتيل أو التخريب في منطقة أو أكثر يعاقب بالإعدام، وتنفيذ الإعتداء أو محاولة تنفيذه يعتبر في حكم الإعتداء )) .
– من هذا النص يتبين أن المشرع الوضعي الجزائري أخذ بمفهوم الزجر والردع في الجنايات، فإذا وقعت الجريمة فلا بد من الجزاء للجاني حتى يزجر بالعقوبة، ويحجم عنها مستقبلا، مادام قد خالف القانون الذي يحمي مصالح الجماعة، التي لا يستقر حالها إلا إذا رأت المعتدي على سلطة القانون عوقب جزاء لفعله .
و من جهة أخرى فإن الزجر كغاية للعقوبة يؤدي إلى ردع الغير، وبذلك تؤدي الوظيفة غايتها الأخرى وهي التهديد العام بإنزال العقوبة على كل مخالف لأوامر القانون، ويحيق به كما حاق بالجاني الذي ارتكب فعلا مجرما وثبتت مسؤوليته عنه وبهذا تحول دون إرتكاب جرائم مستقبلا من الأفراد الآخرين ويرى فيورباج ((أن جميع الجرائم ترتكب لإشباع حاجة أو نفع الجاني وهذا الدافع النفسي يمكن مقاومته فقط عن طريق التهديد بتوقيع أذى أكبر درجة من النفع الذي ينتظره الجاني من الجريمة )).
فالعقوبة المحددة في المادة ( 84 ) السالفة الذكر أخذت بهذا المفهوم فشددت العقوبة إلى أقصى ردع ممكن للحيلولة دون وقوع جرائم من هذا النوع في المجتمع، لكن هل الزجر أو الردع يؤدي إلى محاربة الجريمة والقضاء عليها ؟ الظاهر من الإحصاءات الجزائية يفند ذلك مطلقا كما سنبينه في جدول الإحصاءات الرسمية في آخر هذا البحث .
ونظرا لما آلت إليه هذه الفلسفة من فشل ذريع في تحقيق الغاية من العقوبة، فقد إجتهد المشرع الوضعي، وقرر بنظرية الوقاية من الإجرام، أو ما يسمى عند علماء القانون الجنائي بنظرية الإصلاح لكن ذلك يشترط بنص صريح عدم إرتكاب الجريمة وهذا نظري محض إذ لم نقل بأنه خيالي.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً