سلطات القاضي في تقدیر عقوبة جرائم التعزیر والغایة منها
التعزير: لغة المنع أو النصرة أي المنع من العدو وشرعا : هو التأديب والإهانة دون الحد, لكونه يمنع الجاني من العودة للفعل المحرم الذي ارتكبه سواء كان جناية أو معصية لاحد فيها أصلا في الكتاب أو السنة, مثال ذلك : الإفطار في شهر رمضان• التعامل بالربا وغيرهما .
و يقوم ولي الأمر أو نائبه بالتعزير في كل مايراه مسيئا للمجتمع أو منهى عنه شرعا مهما كان الفاعل, وذلك إما بالزجر بالكلام أو بالضرب الغير المؤدي إلى عاهة أو بالحبس, كل ذلك حسب مايراه الإمام أو نائبه رادعا للفاعل . و لكون الحبس من التعزير فقد شدد الفقهاء في الحالات الجائز فيها, سواء كان ذلك في الحبس الإحتياطي أو السجن بحكم القاضي .
و قد سبق لنا أن تكلمنا عن مشروعية الحبس والأدلة التي أستند إليها الفقهاء الذين يجيزونه.
و يشرع الحبس في التعزير في ثمانية مواضع حددها الإمام القرافي في كتابة الفروق وهي:
-01 حبس الجاني لغيبة المجني عليه لحفظ أصل القصاص.
-02 حبس الآبق سنة حفظا للمال رجاء أن يعرف صاحبه.
-03 حبس الممتنع عن دفع الحق.
-04 حبس من أشكل أمره في العسر واليسر إختبارا لحاله فإذا ظهر حاله حوكم بموجبه عسرا أو يسرا.
-05 الحبس للجاني تعزيرا وردعا عن معاصي الله تعالى.
-06 يحبس من امتنع عن التصرف الواجب كمن دخل الإسلام وهو متزوج بأختين وامتنع عن طلاق واحدة.
-07 من أقر بمال مجهول عنده ورفع تعيينه إلا أن تتم الإستجابة لطلب ولى الأمر.
-08 حبس الممتنع في حق الله تعالى مثل ترك الصوم عند غير القائلين بوجوب قتله عند رفض التوبة .
قال القرافي في تأكيد ما ذهب إليه ):(( أن الحبس في ماعدا الثمانية لا يجوز •ولا يجوز الحبس في الحق إذا تمكن من استيفائه, فإن امتنع المدين من دفع الدين وعرف ماله أخذ منه عنوة مقدار الدين ولا يجوز حبسه, وكذلك إذا ظفرنا بماله أو بيته أو شيء يقضى به الدين, رهنا كان أو غيره فعلنا ذلك ولا نحبسه لأن في حبسه استمرار ظلمه ودوام المنكر في الظلم)) .
كما أجاز فقهاء المالكية والحنفية أن تكون عقوبة التعزير بالقتل سياسة أو لمصلحة المجتمع, مثل حالة العودة لبعض العادات الفاسدة والمفسدة للمجتمع مثل ممارسة فعل اللواطة عند المالكية.
وكذلك من سب النبي ” صلى الله عليه وسلم” من أهل الذمة, فيقتل سياسة عند الحنفية حتى وإن دخل الإسلام بعد التمكن منه, لكون المسلم إذا سب النبي ” صلى الله عليه وسلم” يقتل سياسة كما نقل ذلك عن القاضي عياض.
ومن باب مصلحة المجتمع أجاز بعض العلماء قتل السارق إذا تكرر فعله وكذلك من تكرر منه فعل الزيغ بالمجتمع أو كل من لا يدفع شره إلا بالقتل, فيقتل سياسة للحفاظ على راحة المجتمع وسلامة أفراده ونظامه العادي, الذي يضطرب بفعل غير شرعي منهي عنه, مثال ذلك ممارسة السحر والزندقة وكذلك قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو على المسلمين, خاصة إذا كان العدو في حرب مع المسلمين, باستثناء أبي حنيفة والإمام الشافعي الذي يرى عدم قتله وحبسه بما يراه ولي الأمر مانعا للأذى.
لكن إتفق الفقهاء على قتل الجاسوس الكافر الحربي واختلفوا في المعاهد والمستأمن, وعموما فإن الرأي الراجح في المذاهب الإسلامية وعند جمهور العلماء, متجه نحو قتل كل من لا يرد فساده إلا بالقتل لأجل الحفاظ على سلامة المجتمع, مثل الذي يرتكب جريمة التفريق بين المسلمين سواء كان ذلك بدعوة إلى بدعة ضالة في الدين ولو بتأويل باطل إذا كان المفرق يتعمد التفرقة في دعوته لصالح الدولة المعادية أو بدعوة إلى نظرية مخالفة للدين المراد بها الفساد في الأرض والقضاء على تعاليم الصلاح وحسن الخلق, فله نفس الحكم أن يقتل سياسة مثل : دعاة الإباحية •و دعاة نفي التوحيد ونشر الإلحاد وما شابه ذلك من معتادي الفساد والإجرام عموما هذا إلى جانب التعزير بوسائل أخرى قد يراها الحاكم مفيدة للقضاء على الفساد والمفسدين, وهو ما يعرف بالتعزير بالمال, إلا أنه مختلف في جوازه وفي شرعيته, فمن أنكر جوازه عموما دون قيد, المذاهب الأربعة عامة بحجة تسلط بعض الحكام على أخذ مال المسلمين عنوة, ظلما وعدوانا .
لكن بعض العلماء يرون جواز التعزير بالمال في مواضع محددة شرعا لا يجوز تعديها, منهم الإمام مالك وأحمد والإمام الشافعي في أحد قوليه مستندين في أرائهم على الأدلة الشرعية التالية:
-01 أمره (صلى) أخذ منظر من قال ما نهى الزكاة.
-02 حرق أماكن التي تباع فيها الخمر من طرق عمر ابن الخطاب.
وهؤلاء المجيزون بالتعزير بالمال جعلوه حقا لولي الأمر إذا رأى مسلما مفسدا لماله مضرا لنفسه أو للمجتمع, فيجوز سلب كل ماله إلى أن يعود إلى صوابه ويتوب مما يفعله ليرد إليه, لكن إذا أعاد الكرة وأيس من توبته, صرفه الحاكم عن مصالح المسلمين ولا يدخله إلى بيت المال مادام ليس له سبب شرعي, باستثناء عمال بيت المال إذا وجد لديهم مال غير معروف المصدر, فإنه يعود لملك بيت المال, أما مصادرة أموال المسلمين وغيرهم فلم يرخص لأحد بسلبها بأي حجة من الحجج الغير الشرعية•و قد بين ابن تيمية رحمه الله أقسام العقوبات المالية في ثلاثة أنواع : الإتلاف، التغيير، التمليك .
الإتلاف : ويكون في المحلات التي خصصت للمحرمات والمنكرات مثل : الملاهي• المخامر، أماكن الدعارة والتماثيل المخصصة لنشر عقيدة فاسدة, كل هذه وما شابهها تتلف عن آخرها ويقضي الحاكم بما يراه على أصحابها أو مريديها.
التغيير : مثل تغيير العملة المتداولة بين المسلمين لغرض إقتصادي أو سياسي, بشرط التغيير بالمثل أو تغيير المطاعم التي يباع فيها الخمر في بيع الحلال وما شابه ذلك قياسا.
التمليك : هو عقوبة مالية على السارق, فمن كتم نعجة جلد نكالا له حتى يرد النعجة ويغرم أخرى معه.
اعادة نشر بواشطة محاماة نت
اترك تعليقاً