مشروعية استخدام القوة بشأن حق تقرير المصير
مشروعية استخدام القوة بشأن حق تقرير المصير وعلاقته بالإرهاب
الدولي في ضوء القانون الدولي العام والشريعة الإسلامية -1-
في ظل هيمنة القوة قد تغيب المعايير بين العدالة والظلم ولكن علينا ألا نفقد الأمل في سيادة
العدل وانتصار الحق في لحظة آتية لا محال.
إن حق الشعوب في المساواة أخذ ردحًا طوي ً لا من الزمن إلى أن أقر كأحد الحقوق الأساسية
والجماعية للشعوب والتي بدونها لا يمكن الحديث عن أي حقوق للإنسان أو للشعوب؟! إذ أن من
أهم النتائج التي ترتبت على حق الشعوب في المساواة هو الحق في تقرير المصير، إذ أنه لا يحق
لشعب أن يحكم أو يستعبد شعب آخر. وقد تطور هذا الحق إلى أن أصبح أحد المبادئ الأساسية
في القانون الدولي.
وقد ثار الجدل الفقهي حول مشروعية استخدام القوة من أجل نيل حق تقرير المصير إذا لم
يتم نيله بالطرق السلمية. وأصبح مقاتلي حروب التحرير محل حماية القانون الدولي الإنساني
بالرغم من تحريم استخدام القوة في القانون الدولي أو التهديد باستخدامها.
وألقى حق تقرير المصير بثقله على الحياة القانونية والسياسية الدولية وأصبح يشكل محور
العلاقات القانونية الدولية بعد الحرب العالمية الثانية في حالتي السلم أو الحرب.
إلا أن مصطلحًا آخر بدأ يطل علينا في خضم الأحداث والتطورات الدولية وإن لم يكن هذا
المصطلح حديثًا إلا أنه في غياب محددات واضحة لهذا المصطلح فإنه يتغير تفسيره واستخدامه
من زمان لآخر ومن مكان لآخر ألا وهو “الإرهاب”.
ومما زاد الأمر تعقيدًا أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن
وأعلنت واشنطن ما عرف “الحرب ضد الإرهاب” والتي كان لها الأثر الكارثي على مجمل
القانون الدولي وتأثر بذلك النضال من أجل نيل حق تقرير المصير حتى كادت أن تصله وصمة
الإرهاب أو هي وصلته بالفعل.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل حاولت بعض السياسات الأمريكية والغربية أن تربط بين
الإرهاب في صورته السائدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وبين الإسلام، والإسلام برئ
من كل ذلك.
كل ذلك ألقى بظلاله كي يكون دافعًا لنا لسبر أغوار هذه المفاهيم من الناحية القانونية
المجردة في محاولة للوصول إلى تفهم الحدود التي يدور فيها كل من حق تقرير المصير وكذلك
الإرهاب إضافة إلى إلقاء الضوء على استخدام القوة في الشريعة الإسلامية من الناحية
الموضوعية المجردة. حتى يمكن لنا تحديد المعايير القانونية في ذلك وهل توجد بينها علاقة أم
هي مجرد آراء سياسية لا علاقة لها بالقانون الدولي ومن ثم يجب وضعها في هذا الإطار
والتعاطي معها وفقًا لذلك.
وفقًا لما تقدم فإننا نقسم هذا البحث إلى ثلاثة فصول:-
-1 الفصل الأول: حق تقرير المصير والإرهاب وفقًا لأحكام القانون الدولي.
-2 الفصل الثاني: استخدام القوة في القانون الدولي.
-3 الفصل الثالث: استخدام القوة في الشريعة الإسلامية.
مشروعية استخدام القوة بشأن حق تقرير المصير وعلاقته بالإرهاب
الدولي في ضوء القانون الدولي العام والشريعة الإسلامية -2-
[ مشروعية استخدام القوة بشأن حق تقرير المصير ] -1
الفصل الأول
حق تقرير المصير والإرهاب
وفقًا لأحكام القانون الدولي
إن القانون كفكرة مجردة هي قواعد سلوك اجتماعي، وبالتالي فإنها تنشأ لتنظم مجتمعًا معينًا
في وقت معين.
إن القانون الدولي قد تأثر بالأحداث والتطورات التي يمر بها المجتمع الدولي، وهذا هو حال
القواعد القانونية بشكل عام فهي تنشأ لتنظم مجتمعًا معينًا في وقت معين، ومما لا شك فيه أن
القانون الدولي يتأثر بالتفاعلات السياسية والاقتصادية والتي تسود المجتمع. وقد كان من أهم
التطورات السياسية التي ألقت بظلالها على المجتمع الدولي هو انهيار المعسكر الاشتراكي وتفرد
الولايات المتحدة كقوة أعظم وحيدة في هذا الكون. وإن هذا الحدث في حد ذاته لا يعني شيئًا
بالنسبة للقانون من الناحية المجردة ولكن تحاول الولايات المتحدة أن تستغل المركز السياسي
الذي تتمتع لإحداث نتائج قانونية ، ولم تكن الولايات المتحدة لتستغل هذا المركز السياسي لولا
أحداث معينة وبظروف معينة أعطتها الذريعة لإحداث هذه النتائج القانونية وأعني بذلك أحداث
الحادي عشر من سبتمبر.
ولعل من أبرز محاولات الولايات المتحدة لاستغلال هذه الأحداث هو إزالة التفرقة بين
النضال من أجل حق تقرير المصير كحق مشروع وبين الاستخدام غير المشروع للقوة، هذا على
الرغم من أن القانون الدولي قد رسخ الحق في تقرير المصير كحق قانوني له أصوله وجذوره
وكذلك مفهومه ومحدداته.
ومن هنا لا بد من إبراز مفهوم حق تقرير المصير وكذلك أيضًا مركزه القانوني مع وجوب
تحديد معالم الإرهاب الدولي التي تحاول الولايات المتحدة أن تخلط به المقاومة المسلحة
المشروعة.
وبذلك نتناول في هذا الفصل المباحث التالية:-
المبحث الأول: حق تقرير المصير والقانون الدولي.
المبحث الثاني: الطبيعة القانونية لحق تقرير المصير.
المبحث الثالث: الإرهاب الدولي.
المبحث الأول
حق تقرير المصير والقانون الدولي
إن الحق في تقرير المصير يعني أن يكون لكل شعب السلطة العليا في تقرير مصيره دون
. تدخل أجنبي، ولهذا الحق جوانب داخلية وأخرى دولية 1
وقد ظل حق تقرير المصير مبدأ نظريًا لفترة طويلة من الزمن إذ نادى به العديد من
المفكرين والفلاسفة. وكان من أهم المبادئ التي نادت بها الثورة الفرنسية عام 1789 م.
وقد برز الحق في تقرير المصير كمبدأ سياسي ثم تطور إلى أن فرضته الظروف والأوضاع
الدولية كحق قانوني.
وقد كان من أهم العوامل التي أدت إلى الإبقاء على مبدأ حق تقرير المصير خارج نطاق
قواعد القانون الدولي هي السياسات الاستعمارية التي مارستها الدول الأوروبية بما كان لها من
سيطرة سياسية واستراتيجية وكذلك قانونية على المجتمع الدولي. وكانت تقوم بمعالجة
موضوعات القانون الدولي من خلال وجهة نظرها ومن خلال معطياتها باعتبارها دو ً لا
استعمارية وهي توزيع الأقاليم المكتشفة أو الصالحة لاستعمار تلك الدول واكتساب السيادة على
. المستعمرات 2
إلا أن هذا المبدأ حظي بدعم وتأييد من قبل الرئيس الأمريكي توماس ولسون أثناء الحرب
العالمية الأولى للحصول على دعم الشعوب للدول المتحالفة وكان أحد المبادئ التي أعلنها عام
1918 م. إذ صرح ولسون عام 1916
“Every people has a right to choose the sovereignty under wich they shall
live”1
كما تضمنه إعلان السلام الذي أعلنته الحكومة السوفييتية بعد ثورة أكتوبر حيث أقر لكافة
شعوب الإمبراطورية الروسية بحق تقرير المصير. كما أعلنه لينين سنة 1920 م بشأن كافة
. حركات التحرير في المستعمرات 2
وبالرغم من قوة الدفع التي أحرزها حق تقرير المصير أثناء الحرب العالمية الأولى إلا أن
عهد عصبة الأمم لم يشر صراحة إلى مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها وإن اعترفت به
النصوص ضمنًا من خلال نصها على نظام الانتداب ووضع الأقليات 3. ولكن لم تقر اللجنة
القانونية الخاصة التي شكلتها العصبة عام 1920 لبحث النزاع بين السويد وفنلندا حول “جزر
آلاند” مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها وذهبت إلى أنه ليس من مبادئ القانون الدولي
. الوضعي 4
إلا أنه في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى ازداد الاهتمام بهذا الحق، خاص ً ة وان
العديد من معاهدات الصلح التي أبرمت اعترفت بحق تقرير المصير لبعض الأقاليم الأوروبية،
لكن لم يصل هذا الحق إلى اعتباره أحد مبادئ القانون الدولي وظل ينظر إليه كمبدأ سياسي وإن
. نظر إليه البعض على أنه مبدأ قانوني استثنا ء يطبق في أضيق نطاق 5
ومنذ الحرب العالمية الثانية فان مبدأ تقرير المصير بدأ يشق طريقه كأحد مبادئ القانون
الدولي، ورسخ وجوده كأحد قواعد القانون الدولي الآمرة، وذلك من خلال التطور القانوني لهذا
المبدأ. فقد وجد مكانه في تصريح الأطلنطي الذي أعلنه الرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس
وزراء بريطانيا تشرشل في 14 أغسطس سنة 1941 م والذي جاء فيه أنهما لا يسعيان إلى أي
توسع إقليمي ويحترمان حق الشعوب في اختيار نظم الحكم التي تروق لها. كما أنه ورد في
كافة التصريحات التي صدرت بعد ذلك إذ أشار إليه تصريح الأمم المتحدة عام 1942 م،
وتصريح موسكو عام 1943 م، وفي مؤتمر دومبرتون أوكس في عام 1944 م وفي مؤتمر يالتا
في فبراير عام 1945 م، وكان ذلك بمثابة المقدمات التي أرست مبدأ حق تقرير المصير كحق
قانوني ملزم وليس مبدأ سياسيًا والتي تم تتويجها بإقرار ميثاق الأمم المتحدة في مؤتمر سان
. فرانسسكو عام 1945 م 1
وإذا القينا نظرة على الأعمال التحضيرية لأعمال الأمم المتحدة من أجل إقرار ميثاق الأمم
المتحدة نجد أنه تم بحث ذلك خلال مؤتمر سان فرانسيسكو، إذ أن وزير خارجية الاتحاد
السوفيتي السيد مولوتوف قد تقدم بتعديلين، فقد اقترح عبارة “على أساس احترام مبدأ المساواة في
الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها”، والتعديل الثاني بشأن التعاون
الاقتصادي والاجتماعي إضافة عبارة “علاقات تقوم على احترام المبدأ الذي يقضي للشعوب
بحقوق متساوية، ويجعل لها تقرير مصيرها”. ومن ثم يبرز جهد الاتحاد السوفيتي في دمج هذا
المبدأ في ميثاق الأمم المتحدة. 2
وقد نص ميثاق الأمم المتحدة في المادة الأولى والتي حددت الأهداف والمبادئ الأساسية التي
تقوم عليها الأمم المتحدة، إذ تنص الفقرة الثانية “إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس
احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير
مصيرها”.
وقد تم التأكيد على هذا الحق مرة أخرى في المادة ( 55 ) من الميثاق إذ تنص على أن ” تهيئة
دواعي الاستقرار والرفاهية الضرورية لقيام علاقات سلمية بين الأمم مؤسسة على احترام المبدأ
الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها”.
13 وهي الخاصة بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم – أما فصول ميثاق الأمم المتحدة من 11
الذاتي فهي تؤكد على مبدأ حق تقرير المصير بصورة غير مباشرة كما تؤكد على وجود هذا
. الحق ووجوب احترامه على المستوى الدولي 3
إلا أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والصادر في 10 ديسمبر عام 1948 جاء خلوًا من
الإشارة إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها ، وهذا ما حاولت الجمعية العامة للأمم المتحدة
تداركه وسد هذا الفراغ بالعديد من القرارات ذات الأهمية في هذا الصدد إذ أصدرت القرار رقم
1951 م واعتبرت فيه أن حق الشعوب في تقرير مصيرها شرطًا سابقًا /12/ 7) بتاريخ 16 ) 637
. وجوهريًا لممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسي
وقد استمر الاهتمام الدولي بحق تقرير المصير نظرًا لارتفاع جذوة النضال من أجل التحرر
من الاستعمار والاستعباد الأجنبي.
إذ أقرت الأمم المتحدة العديد من القرارات التي أعطت لهذا المبدأ سندًا قانونيًا كان أهمها
. إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة بالقرار 1514 في 14 ديسمبر 1 1960.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً