الجريمة المستحيلة والتمييز بينهآ وبين الجريمة الخآئبة
يقصد بالجريمة المستحيلة : واحدة من الجرائم الناقصة ، أي استحالة وقوع الجريمة التي يقدم الفاعل على ارتكابها ايا كانت الظروف اللاحقة المحيطة بها. وبعبارة اخرى تعتبر الجريمة مستحيلة اذا استحال تحقق نتيجتها الاجرامية في الاوضاع او الظروف التي اتى فيها الفاعل سلوكه الاجرامي ، لسبب لم يكن في حسبانه وليس لارادته دخل فيه .
أي ان الجاني افرغ كل نشاطه في سبيل التنفيذ ومؤملا النجاح له ، ولكن خاب اثره فلم يبلغ النتيجة .. والاستحالة قد ترجع الى تخلف النتيجة ، او الحق موضوع الحماية القانونية ، وقد تعود تارة اخرى الى عدم كفاية او عدم صلاحية الوسيلة المستعملة في ارتكاب الجريمة .
ومن امثلة الجرائم التي لاتتحقق نتيجتها لتخلف موضوعها : اطلاق النار بقصد القتل على شخص ميت اسلم الروح قبل الاعتداء عليه . ومحاولة اجهاض امرأة فاذا بها غير حامل . واختلاس اشياء يظهر فيما بعد انها مملوكة للسارق المختلس . ومحاولة السرقة من خزينة ليس فيها مال يمكن الاستيلاء عليه.
ومن امثلة الجريمة المستحيلة التي لا تتحقق نتيجتها لعدم كفاية او صلاحية الوسيلة المستعملة في ارتكابها : محاولة اطلاق النار على شخص من بندقية غير معبأة بالطلقات ، او غير صالحة للاستعمال ، او وضع مادة سامة في طعام شخص لاتكون بالقدر الكافي لاحداث الوفاة ، او محاولة التسميم بمادة غير سامة.
ففي كل هذه الصور والحالات يقوم الجاني باتيان فعله الاجرامي كاملا ، ولكن في ظروف يستحيل فيها تحقق النتيجة لسبب خارج عن ارادته أي ان تلك الظروف قد حالت دون تحقيق ما كان يتوقعه الجاني.. (( وهذه النقطة تقترب او تتساوى بين الجريمة المستحيلة والجريمة الخائبة التي يقوم فيها ببذل كل جهده غير انه يخفق في الوصول الى النتيجة لسبب خارج ايضا عن ارادته )) .. كمن يطلق النار على شخص قاصدا قتله فلا يموت لعدم احكام او دقة الرماية ، او مداركته بالعلاج .. ومع ذلك يوجد هناك فارق بين نوعي هذه الجرائم .
ذلك ان عدم تحقق النتيجة في الجرائم المستحيلة امر محقق منه ان اقدم الجاني بفعله الاجرامي . اما عدم تحقق النتيجة او الخيبة التي تصيب النتيجة في الجرائم الخائبة فهي امر محتمل عارض .. اذ انه لما كانت الاستحالة في تحقق النتيجة كما نوهنا امرا يتعلق بتخلف احداث الجريمة ، او عدم صلاحية الوسائل المستخدمة في ارتكابها او عدم كفايتها ، فان الجريمة لايمكن ان تتحقق نتيجتها او ثمرتها في الظروف التي ارتكبت فيها حتى ولو تغير الجاني . وذلك بخلاف الجرائم الخائبة التي يمكن ان تتحقق ثمرتها في الظروف التي ارتكبت فيها ولكنها خاب اثرها فلم يبلغ النتيجة لاسباب عارضة لاشأن لارادة الفاعل فيها .. فلو احكم الفاعل التصويب او الرماية اصابت اعيرته مقتلا في المجنى عليه.
ومن الملاحظ انه يشترط لاعتبار الجريمة مستحيلة بالاضافة الى ما تقدم ان لايعلم الجاني بالاسباب او الظروف التي حالت بين فعله وبين حصول النتيجة. فان كانت معلومة له اعتبر فعله او نشاطه من قبيل العبث الذي لاعقاب عليه. كمن يشهر على اخر مسدسا فارغا او غير صالح للاستعمال مع علمه بذلك. فلا يمكن اعتبار فعله هذا بقصد القتل ، وبالتالي فلا يجوز اعتباره شارعا.. على انه اذا كانت الافعال التي قام بها تشكل في ذاتها جريمة من الجرائم عوقب الفاعل عنها.
اما فيما يتعلق بالجرائم الوهمية او التصورية فهي الجرائم التي لاوجود لها الا في مخيلة الفاعل. كمن يغتصب زوجته ظنا منه انها امرأة اجنبية. او من يحاول القتل مستعينا في ذلك بالسحر والشعوذة.
هذا وقد اختلف الرأي حول مدى امكان العقاب على الجريمة المستحيلة كواحدة من الجرائم الناقصة التي يعاقب فاعلها بعقوبة الشروع.. ففريق يرى، وهم اصحاب المذهب الشخصي، ضرورة العقاب على هذه الجرائم، واعتبار الفاعل فيها شارعا. ويعتبر هذا الفريق القصد الجرمي محورا واساسا لذلك. لكونه اساسا للتجريم والعقاب، أي اساسا للاثم الجنائي.
وعليه فالجرائم المستحيلة تكشف عن ميل او خطورة اجرامية في مرتكبها. ولكن لظروف واسباب يجهلها، لم يصل بسلوكه الاجرامي الى النتيجة.. وبالتالي يكون العقاب واجبا بالنسبة للجرائم المستحيلة في جميع حالاتها، دون البحث فيما اذا كانت الجريمة ممكنة ام مستحيلة الوقوع، بأستثناء الحالات التي يأتي بها الفاعل عن غير فهم، او تتسم فيها نتيجة بالسذاجة، حيث لاتعبر هذه الحالات عن نية او قصد اجرامي خطير.
اما الفريق الاخر، وهم اصحاب المذهب المادي، يرى عدم ضرورة العقاب على الجريمة المستحيلة. اذ لاتشكل خطرا على المجتمع.. وحيث ان البدء في تنفيذها وان عبر عن نية الفاعل الاجرامية، الا انه لاعقاب على هذه النية الا في حدود، اتصالها بماديات الجريمة التي يتعين ان تكون صالحة لتحقيق النتيجة الاجرامية. وقد عيب على هذا الاتجاه انه يؤدي الى افلات كثير من الجناة من العقاب على الرغم من انشطتهم الاجرامية التي تكشف عن ميولهم الاجرامي الخطير..
وازاء ذلك، اتجه الفقه الراجح الى اتجاه اخر في هذا الشأن.. فذهب الفقيه الفرنسي (جارو) الى التفريق بين الاستحالة المادية والاستحالة القانونية. ورأى العقاب على الاولى دون الثانية. وقدم تعريفا للاستحالة المادية بانها تلك التي تنشأ عن ظروف او سبب مادي يحول بين الجاني وبين تحقق النتيجة الاجرامية. وهي بذلك تشمل حالات الاستحالة من حيث الوسيلة، سواء كانت نسبية ام مطلقة, وكذلك حالات الاستحالة النسبية من حيث الموضوع. واما الاستحالة القانونية فهي تلك التي ترجع الى عدم تحقق اركان الجريمة كما ورد النص عليها في القانون .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً