التنفيذ العيني الجبري لعقود بيع العقارات غير المسجلة
١. تكتسب العقود التي ترد على العقارات أهمية خاصة ولا شك، لأن العقارات وخصوصًا الأراضي تعد جوهر الاقتصاد الوطني في كل البلدان. وهذا ما دفع المشرع في الدول كافة إلى إحاطة نقل الملكية بالنسبة لمحل هذه العقود بإجراءات معينة. وهذا الأمر ليس بالجديد علينا، بل هو نهج اعتمدته حتى التشريعات القديمة، كالقانون الروماني مثلا، فقد كان البيع فيه لا ينقل الملكية بذاته، ولا بد من اعتماد الأشكال المقررة كالإشهاد أو التنازل القضائي أو القبض أو التقادم.
ولم يكن البيع في القانون الروماني يرتب في ذمة البائع التزامًا بنقل الملكية، وكل ما يلتزم به البائع نقل الحيازة الهادئة إلى المشتري. ولكن القانون الروماني ابتعد عن الشكلية شيئًا فشيئًا إلى أن ظهرت العقود الرضائية ومنها عقد الشراء والبيع.
وإذا كان المراد بالإجراءات أن تكون عملية تنظيمية، يقصد منها حصر العقارات وبيان ملاكها وتاريخها والتصرفات الواردة عليها والحقوق المترتبة بشأنها، فلا تعتبر هذه الإجراءات قيدًا يحول دون حركة هذه العقارات الاقتصادية، بل تسدي نفعًا كبيرًا من خلال معرفة مالك العقار والحيلولة دون بيعه أكثر من مرة والحد كذلك من إمكانية بيع ملك الغير ومنع التجاوز بين الملاك. ولكن هذه الإجراءات تصبح ثقيلة إذا كانت تشكل عائقًا أمام انعقاد العقد، أي إذا كان العقد لا ينعقد ويعد باط ً لا عند عدم استيفائها.
بمعنى أن هذه الإجراءات يجب أن تقدر بقدرها فتعتمد من أجل إعداد الهيكل التنظيمي لكل العقارات في البلد، وليس سلاحًا يوفر الحصانة القانونية والقضائية الأبدية للمدين وهو هنا البائع ضد المشتري. فلا وجه لهذه الحصانة أبدًا ولا مبرر لوجودها. فلماذا لا نسمح لمشتري العقار مطالبة البائع بتنفيذ التزامه بنقل الملكية عند امتناع البائع عن ذلك؟ أي فلسفة تكمن وراء حماية البائع وعدم إلزامه بتنفيذ التزامه حتى ولو كان ممكنًا وفق كل المعايير القانونية؟
٢. وإزاء ذلك نجد توزع القوانين على عدة طوائف، فمنها من أخذ بالقاعدة الأساسية وهي أن عقد البيع المنصب على عقار ينقل ملكية العقار بمجرد اتفاق البائع والمشتري على عناصر العقد الجوهرية. ومنها من سهل الأمر أيضًا وأبقى على رضائية العقد ولكنه أبقى أثرًا واحدًا من آثاره لحين التسجيل وهو انتقال الملكية، وفسح المجال أمام المشتري للمطالبة بالتنفيذ العيني عند تمنع البائع عن الذهاب معه إلى الدائرة المختصة لنقل الملكية وفقًا للاتفاق بينهما.
أما الاتجاه الآخر فأعادنا إلى الشكل الذي اعتمدته القوانين الغابرة، وبذلك وضع القيود لهذا النوع من التصرفات، وأحاط المدين وخصوصًا بائع العقار بحماية لا تجد لها أي مبرر.
٣. أن نصوص القانون المدني الأردني المنظمة لهذا الموضوع، لم تكن متسقة بل جاءت متناقضة وغير موفقة، لذلك نرى ضرورة أن يعتمد المشرع الأردني أحد طريقين: فإما أن ينفض عنه غبار الشكل الذي اعتمده المشرع العراقي والذي كان عرضة لانتقاد الفقه العراقي دائما (مما اضطر المشرع العراقي-كما لاحظنا-إلى إعادة تقييمه وترقيعه بحلول تسمح للمشتري المطالبة بالتنفيذ العيني في بعض الحالات). ونحن نؤيد هذا الاتجاه الذي يؤدي إلى اعتماد نهج المشرع المصري لأنه الأقرب لتحقيق التوازن الاقتصادي والقانوني بين بائع العقار ومشتريه. والطريق الآخر (وهو أضعف الإيمان) الإبقاء على النهج الحالي والسماح للمشتري بالمطالبة بالتنفيذ العيني في بعض الحالات، كحالة سكن المشتري في العقار، أو بنائه المنشآت والمحدثات في الأرض المشتراة من قبله دون معارضة تحريرية من البائع، وكذلك قيام مشتري الأرض بغرس المغروسات فيها دون هذه المعارضة.
٤.وقد حسم الفقه والقضاء في الأردن الموقف من هذه المسألة باعتبار العقود الواردة على العقارات التي تمت فيها التسوية عقودًا شكلية لا تنعقد إلا بتسجيلها في دائرة تسجيل الأراضي، أما الأراضي التي لم تتم فيها التسوية فتبقى العقود بشأنها صحيحة وإن لم يتم تسجيلها، بالاستناد إلى نص المادة الثالثة من القانون رقم ( ٥١ ) لسنة ١٩٥٨ (القانون المعدل للأحكام المتعلقة بالأموال غير المنقولة).
ولكن القرارًات القضائية في الأردن اختلفت بالنسبة للآثار التي تترتب على التعهد بنقل الملكية خارج دائرة تسجيل الأراضي وخصوصًا بالنسبة للتعويض-كما لاحظنا-وكذلك العربون إذ جاء في أحد قرارًات محكمة التمييز الأردنية: “يعتبر بيع الأموال غير المنقولة بيعًا عاديًا خارج دائرة التسجيل بيعًا باط ً لا وعليه فيجوز لدافع العربون في هذه الحالة استرداده”.
جاء في أحد قرارًات محكمة التمييز العراقية ما يلي: “أن عقد بيع العقار غير المسجل وأن لم تنتقل به ملكية العقار غير أنه عقد صحيح نافذ لازم وكل طرف فيه ملزم بالقيام بما تعهد به، فإذا اتفق الطرفان على جعل العربون المدفوع تعويضاً عن الإخلال بالعقد فيسقط حق المشتري بالعربون عند نكوله”، في حين جاء في قرار آخر: “أن العربون لا يكون إلا في العقود الصحيحة بينما العقد موضوع الدعوى (أي البيع خارج دائرة التسجيل العقاري) يعتبر باط ً لا”.
٥. ومع أن القضاء الأردني قد أوصد الباب أمام إمكانية التنفيذ العيني الجبري كنهج عام، إلا أن محكمة التمييز الأردنية أخذت في النادر من قرارًاتها بمبدأ التنفيذ العيني الجبري، فقد جاء في أحد هذه القرارًات ما يلي: “أن حكم المحكمة المكتسب الدرجة القطعية القاضي بنقل ملكية الأرض من مالك إلى آخر ينقل الملكية إلى المحكوم له ولو لم يجر تسجيلها لدى دائرة التسجيل”. ويأتي هذا الحكم-على الرغم من ثنائنا عليه-دلي ً لا آخر على الارتباك الحاصل في النظرة إلى هذا الموضوع وكيفية معالجته.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً