تـــوســيـــع اخــتــصـــاص الــمــحــكــم
يعتبر من قبيل تهميش الرضا، سواء وجد اتفاق للتحكيم أم لم يوجد، ذلك الذي يطال إرادة الدولة والناتج عن توسيع المركز والهيئات التحكيمية لاختصاصها خارج النطاق الزمني، أو الشخصي، أو حتى النوعي، لاتفاقيات الاستثمار.
فمن حيث توسيع النطاق الزمني يمكن ملاحظة هذا التوجه مند أول قضية عرضت على المركز وتتعلق بنزاع بين شركة هوليداي اينس Holiday Inns ضد المملكة المغربية[1]، وفي هذه القضية لم يكن الأمر متعلقا بتحكيم بدون اتفاق لأن الطرفين وقعا وبصورة فعلية اتفاقا خاصا بالتحكيم سنة 1966، لكن الإشكال الذي طرح هو أنه في تلك الفترة لم يكن البلد الذي ينتمي إليه فرع هوليداي اينس طرفا في معاهدة واشنطن، حيث قام المغرب بالمنازعة في صفة “رعية دولة أخرى” التي استندت عليها شركة هوليداي اينس، باعتبار أن هذه الصفة تقدر وقت الاتفاق على التحكيم وليس وقت نشوء النزاع، لكن الهيئة التحكيمية رفضت التفسير الذي ذهب إليه المغرب مفضلة تفسيرا أكثر ليبرالية للمادة 25 وقررت بأن الوقت الذي يعتد به ليس هو تاريخ تبادل الرضا وإنما التاريخ الذي تحقق فيه الشرط الواقف لأثار الاتفاقية، وهو في قضية الحال تاريخ انضمام سويسرا لاتفاقية 14 يونيو 1966.
ومند ذلك التاريخ يعتبر هذا الشرط مستوفيا كلما كان هناك انضمام سابق عن تحريك المركز للفصل في المنازعة ومهما كان تاريخ التوقيع على اتفاق التحكيم.
اما من حيث توسيع النطاق الشخصي فإن اللجوء إلى مركز التحكيم بواشنطن مرهون بصفة الدولة المضيفة للاستثمار الطرف في الاتفاقية من جهة، وبصفة رعية دولة أخرى من جهة ثانية. وبخصوص الدولة الطرف فإن المعاهدة لم تتجاهل الهيئات التي تعتبر تجزئات للدول في إطار التنظيم الإداري اللامتمركز، جماعات محلية، أقاليم وعمالات، مقاطعات، فالمادة 25 نصت على أن المركز يمكن أن يفصل في المنازعات التي تكون إحدى هده الهيئات طرفا فيها بشرط أن تكون الدولة التي ينتمون إليها قد وافقت على أن يشملهم اختصاص المركز، حقيقة القليل من الدول فعلت ذلك [2] ومع ذلك فهده الهيئات ليست طرفا في المعاهدة الثنائية، لذا فمن الصعب إسناد التصرفات الصادرة عنها إلى الدول التي ترتبط بها نظرا لاضطلاعها بصلاحيات متميزة عن الدولة المركزية، اللهم من حيث الاختصاص الجغرافي، فيمكن مثلا إثبات مسؤولية الدولة على أساس تقصير منها في الالتزام بحماية الاستثمارات التي تتم على أراضيها.
في ظروف كهاته، رفع مستثمر فرنسي قضية ضد مقاطعة مستقلة من مقاطعات إحدى دول أمريكا اللاتينية بشأن مراجعة من قبل المقاطعة للتعريفات ترتب عنها تعطيل للاستغلال، والقضية لازالت عالقة أمام المركز ومشمولة بسرية المداولات ولكن مايمكن التصريح به هو أن الهيئة التحكيمية قبلت اختصاصها للفصل في النزاع[3].
أما بخصوص صفة رعية دولة أخرى غير الدولة المضيفة للاستثمار، فيمكن ذكر القضية التي جمعت الحكومة المصرية بشركة وينا للفنادق، هذه الأخيرة التي وقعت مع شركة الفنادق المصرية عقدا لإدارة فندقي النيل والأقصر واتفقا على أنه في حالة النزاع يكون التحكيم في مصر وفقا لأحكام القانون المصري، وفي مناسبة أولى صدر قرار تحكيمي بشأن نزاع خص فندق النيل بتحميل الطرف المصري غرامات، وأقيمت بعد ذلك دعوى ثانية بشأن الفندق الثاني، فانتهت بإبطال القرار التحكيمي، فأقامت شركة وينا دعوى جديدة أمام مركز واشنطن مدعية خرق الحكومة المصرية لالتزاماتها، بموجب الاتفاقية الانجليزية المصرية، المركز قبل اختصاصه رغم أن مدير شركة وينا مصري ويمتلك 90% من رأس مال الشركة مما يعني بالتبعية عدم توفر صفة رعية دولة أخرى في هذا المجال.
[1] حيث وقع المغرب على اتفاقية واشنطن بتاريخ 11/10/1965 وصادق عليها بتاريخ 13/10/1966 بموجب المرسوم الملكي رقم 566-564 الجريدة الرسمية عدد 2820 ص 1288 وقد دخلت حيز النفاذ بالنسبة إليه يوم 10/06/1967 .
[2] حيث نجد أن المملكة المتحدة مثلا خصت بالمعاهدة كذلك اقليم جبل طارق وكذلك برمودس…
وكذلك استراليا ألحقت أربعا من الدول الست والأقاليم المنضوية تحث لواء الاتحاد .
[3] مقال تهميش الرضا السابق الإشارة إليه ص 7
لكن الأمر الذي يثير الاستغراب في هدا الخصوص فعلا في المغرب ادا كان التقاضي في المجال الإداري الداخلي فقط لايجوز اللجوء فيه إلى المحاكم الإدارية بخصوص نزاعات الجماعات المحلية الا بعد الحصول على ترخيص للتقاضي من قبل السيد وزير الداخلية .
نجد المركز الدولي للاستثمار يتخطى كل هاته المسائل في مجال العلاقات الخاصة الدولية ويعطي لنفسه الاختصاص كلما رأى أن هناك فقط ولو شبه إشارة إلى اختصاصه.
اما من حيث توسيع النطاق المادي، فقد كان من الممكن لواضعي اتفاقية واشنطن أن يقدموا تعريفا للاستثمار ولكنهم لم يفعلوا ذلك، الشيء الذي أمكن معه تكيف الاتفاقية مع المعطيات الجديدة والأشكال العصرية التي أصبح يتخذها الاستثمار. كتشييد فندق وتسييره، أوتسير مصنع للقطن، أو اتفاقية المساعدة التقنية، أو ترخيص باستغلال براءة لصنع أسلحة …
وما نجم عن ذلك من اتفاق التحكيم أن وجد،لأن الأمر في غالب الأحيان أصبح يتعلق في إطار الاستثمار بتحكيم بدون اتفاق خاص، ينتج أثاره خارج نطاقه المادي وبتعبير أخر خارج الاختصاص النوعي للمركز، وهذا مايظهر بشكل جلي في قضية ساليني كونسترو وايطالستراد ،ضد المملكة المغربية[1]. والتي جاءت وقائعها كالأتي.
في سنة 1994 قامت شركة الطرق السيارة بالمغرب بطرح مناقصة دولية لبناء طريق سيار يربط بين مدينتي فاس والرباط، وفي السنة الموالية 1995 تم منح الصفقة لشركتين إيطاليتين، لكن نظر للتأخير الذي عرفته الأشغال فقد رفضت شركة الطرق السيارة بالمغرب أداء مجموع المبالغ المالية التي تشبثت الشركتين الايطاليتين بأحقية تسلمها، وفي شهر يونيو 2000 قرر الطرف الايطالي اللجوء إلى المركز الدولي لتسوية منازعات المتعلقة بالاستثمار، مع ارتكاز طلب التحكيم على المقتضيات أو الأحكام المتعلقة بفض المنازعات المتعلقة بفض المنازعات التي تتضمنها اتفاقية حماية وترقية الاستثمار الموقعة بين المغرب وايطاليا سنة 1990[2].
ومن بين الدفوع التي أثارها المغرب أن الأمر لا يتعلق باستثمار بالمعنى الحقيقي للكلمة، كما أنه لم ينبني على خرق لمقتضيات الاتفاقية الثنائية للاستثمار، وإنما يعتبر مجرد انتهاك لعلاقات تعاقدية بين الأطراف الايطالية والشركة المغربية، لكن المحكمة التحكيمية ارتأت أن الأمر بالفعل يتعلق بالاستثمار. وذكرت أن الفقه يعتبر عموما بأن الاستثمار يفترض مدة من الزمن من حيث إنجاز المشروع والمشاركة في المخاطر اللصيقة به، وكذلك المساهمة في التنمية الاقتصادية للدولة المضيفة. كما يتضح ذلك من خلال ديباجة اتفاقية واشنطن وهو ما اعتبرته متوافرا في قضية الحال.
أما من حيث كون أن الحكومة المغربية في دفوعها تشبثت بكون شركة الطرق السيارة بالمغرب شركة خاصة وليست مؤسسة عمومية أو وحدة مراقبة من قبل الدولة المغربية، فأتى في ذلك منطوق الحكم في هذا الخصوص على أنه ورغم اعتبار المحكمة الشركة المغربية مؤسسة عمومية لأنها مالكة لأسهمها بنسبة 80 في المائة، مسيرة من طرف الدولة المغربية، وأنها تتكفل بمهام وأنشطة تكتسي طابع المرفق العام، إلا أن الهيئة التحكيمية لم تقضي باختصاصها بالنظر للخروقات التي تضمنتها مقتضيات الاتفاقية المغربية الايطالية وعقد الاستثمار الذي تكون فيه الدولة طرفا مباشرا. حيث أن المركز لايعتبر نفسه مختصا في الإدعاءات أو القضايا العقدية التي يكون طرفها المباشر مع المستثمر عقد الاستثمار كيانا أخر حتى ولو كان هذا الكيان ملكا للدولة لأنه ليس الدولة ذاتها.
رغم أن المركز بالفعل قد أعطى الاختصاص لنفسه إلا أن ما أثار الاستفهام في هذا الخصوص، هو اعتبار تشيد الطريق السيارة الرابطة بين مدينتي الرباط وفاس استثمارا ينعقد به الاختصاص للمركز. ففي الوقت الذي كان يجب اعتبار الطريق السيار يدخل في إطار تأهيل البنية التحتية لجلب الاستثمار أعتبر من ذات المركز استثمارا بين دولة وشخص خاص أجنبي، الأمر الذي لايعد مستساغا في التجارة الدولية، من منضو رنا الخاص، لكن مادام المركز يجلب الاختصاص لنفسه بأي وسيلة كانت فله الحق في ذلك مادامت المراكز العربية لاتعبر عن وجود حقيقي إن لم نقل أنها مجرد مراكز على الورق لاأقل ولا أكثر. عموما إذا كان هذا هو الوضع بخصوص ظاهرة تهميش الرضا في التحكيم التجاري الدولي،
[1] محمد الزر والي ، ورقة حول قرار المركز الدولي لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار في قضية سليني واطلستراد ضد الحكومة المغربية . المجلة المغربية للمنازعات القانونية عدد 1 – 2004 ص 71 .
[2] تتمثل المحطات الزمنية الأساسية للقضية فيما يلي بدايتها كانت في 13 يونيو 2000 أحدثت محكمة تحكيم تتكون من Robert Briner من سويسرا بصفته رئيسا ، Cremades Bernardo من اسبانيا و كدا إبراهيم فضل الله من لبنان ، وعقدت المحكمة التحكيمية الاجتماع الأول مع الأطراف بباريس في 27 من أكتوبر2000 وقام المغرب بالدفع المتعلق باختصاص المركز في 21 من دجنبر 2001 وفي 23من يوليوز 2001 تعلن الهيئة التحكيمية قرارها حول الاختصاص وفي 6 غشت 2003 تعلن المحكمة التحكيمية بان القضية جاهزة للتحقيق .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً