دراسة وبحث قانوني متوسع عن التعويض في القوانين المغربية
يســم الله الرحمــن الرحيــم
تقديم :
يعتبر التعويض جزاء مدنيا له وظيفة جبر الضرر الذي أصاب المضرور و محو آثاره أو على الأقل التخفيف من آثاره إذا توفرت أركان المسؤولية المدنية . وقد نضمه المشرع من الفصل 77 إلى 100 فيما يخص التعويض المتعلق بالمسؤولية التقصيرية والفصول 263 و 264 فيما يخص التعويض المترتب عن الإخلال بالتزام عقديي وهدا التعريض قد يدفعه المسؤول رضاء أو قضاء كان يتأثر بالاتفاقية التي قد تهدف إلى الإعفاء من المسؤولية أو التخفيف منها أو التشديد من أثارها .
فما المقصود بالتعويض وما هي وظائف التي يؤديها وما طبيعتها ؟ وما هي الطرق الذي يجب على المتضرر سلوكها في سبيل الحصول على التعويض؟ وكيف يتم تقدير هدا التعويض؟
للإجابة على هده الإشكالية قسمة الموضوع الى مبحثين:
المبحث الأول: التعويض مفهومه وظائفه وأنواعه.
المبحث الثاني: طرق الحصول على التعويض وتقديره.
المبحث الأول: التعويض مفهومه ووظائفه وطبيعته
نظرا للأهمية التي يكتسبها التعويض في جبر الضرر سوف نحاول في هدا المبحث أن نعرفه ونبين وظائفه وطبيعته
المطلب الأول: مفهوم التعويض ووظائفه
الفقرة الأولى: مفهوم التعويض
لم يعرف المشرع المغربي التعويض بل ترك أمر تعريفه للفقه والقضاء فالتعويض حسب تعريف سعد الدغيمر1 هو المقابل الذي يلتزم شخص بدفعه إلى المصاب جبرا للضرار الحاصل له نتيجة الإخلال بالالتزام . والتعويض باعتباره حقا للمضرور ينشأ متى أخل الملتزم الحيطة و الحذر أثناء القيام بسلوك ما فالإخلال مهدا الالتزام هو الذي ينشأ الحق التعويض ويثقل ذمة المسؤول التي لا تبرأ إلا بأداء التعويض بدلا عنه.
أما الفقه الإسلامي فنجدان التعويض ينشأ على أساس إزالة الضرر برد الحالة إلى من كانت عليه قبل وقوع هدا الضرر ودلك لقول الرسول ص : “لا ضرر ولا مضرار ” . وهدا يعني وجوب دفع الضرر وعدم اقراره فمن فقد مال منه نتيجة فعل ضار عوض عنه بمال يحل محله ويساويه.
الفقرة لثانية: وظائف التعويض
أما الوظائف فهي تقريبا نفس الوظائف المسؤولية المدنية فالتعويض ينهض بوظائف تهذيبية تتمثل في ردع السلوك غير الاجتماعية وتهدءة المضرور وإشباع الشعور بالعدالة كما ينهض بوظائف إصلاحية فالهدف الأساسي من المسؤولية المدنية كان وما وال هو الجبر الضرر الذي يلحق المضرور من فعل الغير. فالتعويض يقوم بوظيفة إصلاحية وحدها عند تخلف الخطأ المتميز في جسامته ويقوم بوظيفة الردع عندما يتوفر مثل هدا الخطأ ادن فالتعويض الإصلاحي يؤدي وظيفة جبر الضرر وحدها أما التعويض الردع فانه يقوم بوظيفة الردع إلى جانب وظيفة جبر الضرر . أما بالنسبة للتعويض الردع فانه يقوم على فكرة انه نسب الى المسؤولية خطأ متميز في جسامته فيجب عندها ردع المسؤول من خلال التعويض بالنظر الى جسامته الخطأ المنسوب إليه عند تقدير التعويض .
المطلب الثاني: طبيعة التعويض
ينقسم الى تعويض عيني وتعويض بمقابل :
الفقرة الأولى: التعويض العيني
التعويض العيني هو الذي يقوم على إزالة عين الضرر بأن يقضي على سببه أو مصدره كما يقصد به الوفاء بالالتزام عينا ويقع هدا كثيرا في الالتزامات العقدية أما في المسؤولية التقصيرية فيمكن كذلك في كثير من الفروض أن يجبر المدين على تنفيذ العيني .
الفقرة الثانية: التعويض بالمقابل
التعويض بالمقابل هو الذي يقوم على منح المضرور عوضا عن الضرر الذي ناله قصد التخفيف من وقع هدا الضرر عليه, وينقسم الى قسمين : تعويض نقدي و تعويض غير نقدي
أولا: التعويض النقدي هو الذي يتضمن إعطاء المضرور مبلغ من النقود وهدا المبلغ إما أن يكون مجمدا يدفع للمصاب دفعة واحدة أو أقساطا وأما أن يكون إيرادا مدى الحياة أو مدى معية
ثانيا: التعويض الغير النقدي في الكثير الغالبة من الأحوال يتعذر التنفيذ العيني في المسؤولية التقصيرية فلا يبقى أمام القاضي أى الحكم بالتعويض نقدا فممكن ان يكون التعويض غير نقدي وهو الذي يتضمن التزام المسؤول عن الضرر بان يعمل لصالح المتضرر عملا غير دفع مبلغ النقود .
المبحث الثاني: طرق الحصول على التعويض وتقديره
آدا توفرت أركان المسؤولية وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية أنتجت المسؤولية أثرها هدا الأثر الذي يتمثل في أن مرتكب الفعل الخاطئ يلتزم بتعويض المتضرر عما أصابه من ضرر. والتعويض قد يدفعه المسؤول رضاء أو قضاء كما إن التقدير
يتم وفقا للضرر الذي لحق المتضرر والخسارة التي حلت به والكسب الذي فاتاه طبقا لفصل 98 من القانون الالتزامات والعقود المغربية
المطلب الأول: طرق الحصول على التعويض
آدا تحققت المسؤولية ترتب في ذمة المسؤول التزام بالتعويض عن الضرر الذي أصاب المتضرر. وللمضرور في سبيل الحصول على التعويض ثلاثة طرق :
الفقرة الأولى: التعويض الاتفاقي
أولا: التعريف التعويض الاتفاقي :
يعرف أيضا بالشرط الجزائي وهو يقدر فيه المتعاقدين سلها التعويض الذي يستحقه الدائن اذا لم ينفد المدين التزامه أو ادا تأخر في تنفيذه وسمي كذلك لأنه يوضع ضمن شروط العقد الأصلي ولكن لا شئ يمنع من ان اتفاق لا حق لهدا العقد بل لا شيء يمنع من أن يكون اتفاقا على تقدير التعويض المستحق من مصدر غير العقد كالعمل الغير المشروع وان كان هدا يقع ناذرا . والأمثلة على الشرك الجزائي كثيرة وتصادف كثيرا عقود المقاولة و التوريد و النقل.
ثانيا : طبيعة الشرط الجزائي :
يجوز للمحكمة أن تخفيض التعويض المتفق عليه أو الزيادة في القيمة كما ها حق تخفيض التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الحاصل من الجراء التنفيذ الجزئي وقد نصت على هده الحالات الثلاث الفقرة الثالثة من الفصل 264 من ق.ل.ع :
الحالات الأولى : مدى سلطة المحكمة في تخفيض التعويض المتفق عليه .
الحالات الثانية: للمحكمة أيضا أن تحكم بالرفع من قيمة التعويض المتفق عليه.
الحالات الثالثة: فلا يوجد الشرط الجزائي مستقلا بنفسه بل تبعا لالتزام أصلي سواء كان مصدر هدا الالتزام الأخير هو العقد أو غيره من مصادر الالتزامات.
الفقرة الثانية: التعويض القضائي
التعويض القضائي هو الذي يتم تقديره بواسطة القاضي ويسترشد القاضي في تقرير التعويض بما نصت عليه المادة 98 قانون الالتزامات والعقود “الضرر في الجرائم وأشباه الجرائم هو الخسارة التي لحقت المدعي فعلا و المصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر الى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي ارتكب أضرار به كذلك ما حرم من نفع في دائرة الحدود العادية لنتائج هدا الفعل ” فالقاضي يأخذ في تقريره للتعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب من جراء عدم تنفيذ المدين لالتزاماته وفي جميع الأحوال لا يستحق التعويض إلا الضرار المباشر أي الذي يعتبر نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو التأخر فيه .
المطلب الثاني: تقدير التعويض
قبل أن نتطرق الى كيفية تقدير يجب أولا إن نبين القواعد التي يخضع لها التعويض و العناصر التي يتكون منها ومتى يمكن الاتفاق على الإعفاء من التعويض و دلك من خلال أربع فقرات كالتالي:
الفقرة الأولى : القواعد التي يخضع لها التعويض :
ادا وقع عمل غير مشروع كان للمضرور حق في التعويض عما ألحقه به هدا العمل من ضرر وقد أيد المشرع المغربي حق المضرور في التعويض في المادتين 77 و78و قرر في المواد 98 و99 و100 من قانون الالتزامات والعقود بعض الأحكام الواجبة التطبيق في حقل التعويض وتتلخص في أربعة قواعد كالتالي:
القاعدة الأولى : يجب أن يكون التعويض عن الضرر تعويضا كاملا بحيث يشمل الخسارة التي لحقت المدعي والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي ارتكب أضرارا به وكذلك الكسب الذي فاته.
القاعدة الثانية : يجب على المحكمة عند تقديرها لأضرار أن تدخل في اعتبارها جسامة الخطأ الصادر من المسؤول وتراعي ما ادا كان الضرر الذي أصاب المضرور قد نجم نتيجة خطأ عادي النتيجة تدليس من المسؤول .
القاعدة الثالثة: إذا وقع الضرر من أشخاص متعددين يعملون متوافقين كل منهم مسؤولا بالتضامن عن النتائج لا فرق بين من كان منهم محرضا أو شريكا أو فاعلا أصليا المادة 99 من ق. ل.ع.
القاعدة الرابعة: ويسري الحكم نفسه من حيث المسؤولية التضامنية ادا تعدد المسؤولون عن الضرر وتعذر تحديد فاعله الأصلي من بينهم أو تعذر تحديد النسبة التي أسهموا بها في الضرر المادة 100 من ق ل ع .
الفقرة الثانية: عناصر التعويض:
يتفرع عن القواعد التي يخضع لها التعويض أحكام تتعلق بعناصر ومقدراه ووقت تقديره ويمنك حصر هده العناصر الثلاث كما يلي :
أولا إن مستقبلا مادام محققا ولا يشمل الضرر غير المباشر ومثال دلك ادا جرح شخص في مضاربة وكان يستطيع إن يضع حد للضرر بالمبادرة إلى علاج نفسه علاج صحيح ولكنه أهمل في دلك ونشأ عن إهماله زيادة الضرر فلا تعتبر هده الزيادة ضرر مباشرا ولا تدخل في تقدير التعويض لأنه كان يستطيع أن يتوقاها بالعلاج الصحيح .
ثانيا إن التعويض يشمل ما يعتبر ضرر مباشرا سواء كان خسارة لاحقة المصاب أو كسبا ضعا عليه ومثال دلك ادا أصاب الفعل الضار ممثلا أو مغنيا في أثناء ذهبه إلى حفلة تعهد بإحيائها فان هدا الممثل أو المغني يستحق تعوضا عن تنقلات علاجه وعما قاصه من الألم واعتبار دلك خسارة إصابته ويستحق أيضا تعويضا عن مقدار الريع الذي كان سيجنه من إحياء تلك الحفلة باعتبار دلك كسبا ضعا عليه.
ثالثا : يغطي التعويض في المسؤولية التقصيرية الضرر المباشر كله سواء كان متوقعا أو غير متوقع طالما انه كان مباشرا أي نتيجة طبيعة للعمل الغير المشروع وفي هدا الصدد تختلف المسؤولية التقصيرية عن المسؤولية العقدية التي تقتصر فيها التعويض على الضرر المتوقع فيما عدا حالتي الغش والخطأ الجسيم والمقصود بالضرر المتوقع هنا دلك الضرر الذب كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد. ومثال دلك ادا اعتدى شخص على أخر فأحدث له جرح وتصادفا أن كان المريض مصاب بمرض معين يؤدي بحسب المجرى الطبيعي للأمور إلى مضاعفات بالنسبة للجروح وزيادة في نفقات العلاج مثل مرض البول السكري فيكون المسؤول ملتزما بتعويض عن كل الأضرار ولو كان وجود المرض أمرا لم يتوقعه.
الفقرة الثالثة: وقت استحقاق التعويض:
لقد أثارت مسألة وقت تقدير التعويض خلافا في الفقه والقضاء في فرنسا فرأي يقول إن هدا الحق يوجد من وقت الضرر ورأي ثاني يعتبر أنه لا ينشأ إلى من تاريخ المطالبة القضائية ورأي ثالث يعتبر أن الحق قي التعويض إنما ينشأ من وقت صدور الحكم والصحيح حسب الرأي الغالب أن الحق المضرور في التعويض ينشأ من وقوع الضرر دالك أن العمل غير المشروع هو مصدر الحق في التعويض من دلك الوقت و الرأي الراجح هو الذي يقول بوجوب تقدير التعويض يوم صدور الحكم دالك أن النتائج التي تترتب عني الهمل الضار قد تشتدوا أو تخيفوا تباعا لظروف .
الفقرة الرابعة : الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية :
تجدر الإشارة إلى انه قد يقع الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية التقصيرية وان كان هدا الاتفاق نادر الحصول عملا نظرا لوهن العلاقة بين محدث الضرر والمضرور في العادة ومع ذلك فانه يمكن تصور هدا الاتفاق كما لو اتفق مالك مع جاره على إعفاء نفسه من المسؤولية التي تترتب على الأضرار التي تحدثها ماشيته بالزراعة (الإتلاف) وكما لو اتفق رب العمل مع العمال على عدم المسؤولية عن الأضرار التي تصيبهم من جراء مخاطر المصنع الذي يعملون فيه . ومثل هدا الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية قبل وقوع الضرر يعتبر باطلا لان هده المسؤولية من النظام العام ولان هده الاتفاقيات تشجع على ارتكاب العم غير المشروع ومن ثم فهي ممنوعة قانونا على ما ورد عليه النص في الفصلين 7ز78 من ق.ل.ع.
منقــــــــــــــول للافادة
اترك تعليقاً