عدم إدراك الكفاية الذاتية في العقود النموذجية
ذهب الاتجاه المؤيد لصفة القاعدة القانونية للعقود النموذجية كما مر معنا أن هاته الأخيرة، تكفي ذاتها بذاتها ولا يمكن لها أن تتوقف في وجودها على أي نظام قانوني أخر. لكن الواقع العملي يدل على أن العقد الذي يكفي ذاته بذاته، هو مجرد أماني، ليس حقيقة البتة، فالنقص والقصور في بنود العقد النموذجي وأحكامه آمر قائم، فالأطراف أو الهيئات، مهما كانت خبرتهم وتوقعاتهم لأحداث المستقبل، لايمكنهم الإحاطة بكل الجوانب العملية والتعاقدية، وهذا ليس بالأمر الغريب، فالنقص إذا كان يشمل القانون ذاته فما بالنا بالعقد النموذجي، باعتبار أن المشرع الوطني أو الدولي على فرض وجوده ومهما بلغت حنكته ودرايته وكذلك سرعة تعديله وتطويره لتشريعاته لمواكبة التطورات، فإنه ومع ذلك يبقى قاصرا لأن صفة القصور سمة من سمات العمل الإنساني.
كما يرى البعض[1] أن هناك استحالة عملية في خلق مجموعة من الاشتراطات التعاقدية التي يمكن أن تكون كافية بذاتها كلية، وتستبعد بالنتيجة الحاجة إلى اللجوء إلى أحكام القانون وهو ما أدركه البعض من الفقهاء[2] بخصوص عقد نقل التكنولوجيا، أيا كانت العناية التي بدلت في تحريره أن يحيط بكل المسائل التي قد يثور الخلاف فيها بين الطرفين، ولهذا ينبغي بل يتعين على المتعاقدين في ضل هاته العقود النموذجية أن يعينوا القانون الذي يرجع إليه المحكم عندما يخلوا العقد من الحلول.
ورغم أن العقود النمطية والتي يدعي بأنها نموذجية فإنها ومع ذلك تضل الحاجة قائمة بالنسبة إليها إلى أحد القوانين الوطنية، أو المبادئ أو العادات المنظمة للمسألة في إطار التجارة الدولية. ذلك أن عقد نموذجي، لم ينظم فيه مسألة معينة كالتعويض عن فسخ العقد وأو التعويض عن إنهائه قبل مدته، وكذلك عقد نموذجي لم يثر فيه شيء عن مسالة تقادم الالتزامات الناشئة عنه أو لم يواجه فيه الأطراف كيفية حل المشكلات الناجمة عن ظهور أحد عيوب الرضى عند إبرام العقد.
ذلك أن التمسك بمبدأ الكفاية الذاتية للعقود النموذجية مع الاعتراف بثغراته وعدم كماله، وحرمان المحكم بالتبعية من الرجوع إلى قواعد القانون يحرم المحكم الذي يقع عاتقه مهمة إكمال الثغرات الحتمية أو تلك التي لايمكن تلافيها في ذلك العقد، مع كل المثالب التي قد يتضمنها وذلك بالنسبة لمسألة توقع الحلول واستقرارها والإحساس بالأمان القانوني في الحل المتوصل إليه، وإذا كنا نشير بأن العقود الدولية، وحتى ماكان منها مفصلا، إلى درجة كبيرة ويصل حجمها أحيانا إلى الكتب الحقيقية [3]، لاسيما العقود التي تبرمها الشركات الأمريكية ، والتي تكون دائما ناقصة وتحتوي على فجوات خطيرة[4]، فإنه لايكون مقبولا إمكانية وجواز وجود العقود النمطية التي تعتمد على ذاتها بنحو كامل والمنعزلة عن النظم القانونية الوطنية، حتى وإن تعلق الأمر بعقود نمطية أو نموذجية أعدتها هيئات علمية ومهنية متخصصة.
عموما إذا كان هذا هو الوضع الذي توجد عليه العقود النموذجية في ضل عدم القدرة على تحقيق مبدأ الكفاية الذاتية، فإنه يحق لنا أن ننتقل للحديث عن العقود النموذجية ومعادلة إقرار التوازن العادل.
[1] احمد عبد الكريم سلامة العقد الدولي الطليق المرجع السابق الإشارة إليه ص 66 ومايليها .
[2] Jakubowski وارد في هامش كتاب العقد الدولي الطليق السابق الإشارة إليه ص 67 .
[3] احمد عبد الكريم سلامة العقد الدولي الطليق المرجع السابق الإشارة إليه 69 ومايليها.
[4] للمزيد من التوسع حول العقود النموذجية باختلاف المجالات التي تعمل فيها يرجى الرجوع الى محمد المؤيد المرجع السابق الإشارة إليه ص 306 ومايليها .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً