عــقــد الــتــرخــيـص الــتــجـاري
مما لا شك فيه أن التغيرات التي أصابت النظام الاقتصادي العالمي في النصف الثاني من القرن العشرين، وحلول الاقتصاد الدولي محل الاقتصاد الوطني انعكست على مجال العقود التجارية الدولية التي لم تبق قاصرة على العمليات التقليدية من بيع وشراء مواد وبضائع، بل أصبحت تنصب على الاستيراد والتصدير ونقل التكنولوجيا وتقديم المساعدات والاستشارات والبيع والترخيص باستغلال عناصر الملكية الصناعية والفكرية.
ومن بين العقود التجارية التي عرفت إقبالا وتزايدا سريعا، هناك عقد الترخيص التجاري contrat de franchise التي يرجع أصلها إلى بداية القرن الماضي، حيث ظهر عقد الترخيص التجاري لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنه انتقل إلى باقي الدول الأوربية خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ومن تم انتشر عبر العالم بأسره الذي تعرف على هذه التقنية الجديدة في ممارسة النشاط التجاري، كالقارة الأسيوية والشرق الأوسط ودول أوربا الشرقية وإفريقيا والمغرب عرف هذه التقنية منذ الستينات وساعده على ذلك موقعه الجغرافي القريب من أوربا، حيث كان يستفيد من كل ما يستجد بأوربا خاصة كل ما من شأنه أن يساعد على تطوير نظامه الاقتصادي حتى يستطيع أن يساير التقدم خاصة تحديات العولمة التي أصبحت تحتم عليه تطوير تجارته وقوانينه التجارية[1].
ويعتبر عقد الترخيص التجاري تقنية حديثة للتعاون تمكن من جمع مختلف الاختصاصات والتقنيات المركبة في علم التسويق أو طرق الإنتاج والتصنيع أو تقديم الخدمات التي يتوفر عليها المرخص والاستفادة منها من طرف المرخص له لمضاعفة أرباح الطرفين وخلق شبكة قوية تقوم على التعاون والالتحام من أجل نشر العلامة وتطويرها محليا ودوليا.
فالترخيص التجاري أسلوب مبتكر ابتدعته حاجيات التجارة العالمية لزيادة المؤسسات التجارية وتوسيع دائرة نشاطها، وغزو الأسواق بواسطة الترخيص الذي تمنحه مؤسسة تجارية لمؤسسة أو عدة مؤسسات أخرى لبيع منتجات أو تقديم خدمات أي خلق وحدات إنتاجية باتباع شكل أو نظام تجاري معين عن طريق نقل المعرفة الفنية للمرخص له والعلامات المميزة وباقي حقوق الملكية الصناعية المتفق عليها بين طرفي العقد، وإتباع شكل ونظام تجاري وفق المساعدات التقنية والتجارية التي يقدمها المرخص للمرخص له. بذلك تم التفكير في إيجاد طريقة جديدة وفعالة لتسويق المنتجات التجارية والصناعية بأقل تكلفة وبمردودية مرتفعة، فتم ابتكار أسلوب الترخيص التجاري أو ما يعرف بالانجليزية Franchising إذ عرف لأول مرة على يد صانعي السيارات الذين استحدثوا هذه الطريقة للتحايل على قانون محاربة الاحتكار الأمريكي، la loi antitrust الذي كان يمنع البيع المباشر للسيارات من طرف الصناعيين إلى المستعملين النهائيين[2].
وأمام الانتشار والنمو المتزايد الذي عرفه هذا النوع من العقود كان لابد للمشرع الأمريكي أن يتدخل لتقنين عقد الترخيص التجاري، حيث صدر أول قانون فدرالي أمريكي يتعلق بالترخيص التجاري في 21 أكتوبر 1979 وهو ما يعرف بـ full, disclosure Act[3] .
كما أن هذا الأسلوب سرعان ما غزا القارة الأوربية التي عرفت أول تجربة له مع شركة Bata للأحذية وذلك على يد شركة فرنسية لصناعة النسيج la lanière de Roubin تحت علامة Pingouin stemm [4].
أما في فرنسا فقد عرف عقد الترخيص التجاري انطلاقته الحقيقية في سنوات الثمانينات خاصة بين 1985 و1988، الأمر الذي أدى بالحكومة الفرنسية إلى وضع قانون 31 دجنبر 1989 المعروف بقانون دوبان[5]، ومرسومه التطبيقي الصادر بتاريخ 14 أبريل 1991[6]، وأمام الانتشار السريع والمتطور لهذا الأسلوب، فقد غزا كذلك معظم دول أمريكا اللاتينية والقارة الآسيوية والدول العربية، كما أنه أمام هذا الاهتمام المتزايد لهذه التقنية المتطورة عملت مجموعة من الدول[7]، في السنوات الأخيرة على تنظيم هذا العقد بإصدارها للعديد من القوانين والتنظيمات.
فعقد الترخيص التجاري هو أسلوب لممارسة النشاط التجاري يقوم بين مقاولة مرخصة من جهة ومقاولة مرخص لها من جهة أخرى، حيث يقوم المرخص بمنح المرخص له، الحق في استغلال المعرفة الفنية والعلامات الفارقة الخاصة به، مع التزامه بتقديم المساعدات التقنية طيلة مدة العقد في مقابل تعويض مالي يتخذ عدة أشكال حسب اتفاق الطرفين، بهدف تطوير المقاولات المتعاقدة تحت مراقبة المرخص المستمرة وفي جو من التعاون والاستقلال، سواء تعلق الأمر بعقد ترخيص مباشر أو عقد ترخيص رئيسي أو ثانوي[8]، فمن خلال هذا التعريف يتضح أن عقد الترخيص التجاري يرتكز على مجموعة من العناصر المتداخلة والمتشابكة، بحيث يمكن اعتباره عقد يضم مجموعة من العقود في طياته، وهذا ما يجعله يتشابه مع العديد من العقود، الشيء الذي يؤدي إلى إحداث التباس فيما بينهم، لذلك وجب تمييزه عنهم.
[1] – Nezha Aissi, « la franchise au Maroc, enquête sur quelques entreprises franchisées », mémoire pour l’obtention de diplôme des études supérieure aprofondé, en économie des organisations Université Mohammed V, Rabat – Agdal, Faculté des science juridique économiques et sociales, 2007, p. 8.
[2] – Christine Matray, « le contrat de franchise », Maison larcier, Bruxelles, 1992, p. 11, voir aussi, Karam Wadihy, « le contrat de franchisage commercial à travers les réseaux de franchise », thèse pour le doctorat en droit, université, Jean Lyon III, faculté de droit, Lyon 1982, pp. 34, 35.
[3] – full disclosure Act : déclaration nécessaires, et interdictions relatives à la franchise et à d’autres offres de coolaboration commerciale.
[4] – حنان البكوري، “عقد الترخيص التجاري بالمغرب”، أطروحة لنيل الدكتوراه الدولة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال- الرباط، 2003 – 2004، ص 17.
[5] – نسبة إلى Francois Doubin، الوزير المنتدب في التجارة الذي كان وراء وضع هذا القانون.
[6] – la loi n° 89- 1008 du 31 décembre 1989, relative au développement des entreprise commerciales et à l’amélioration de leur environnement économique, juridique et social, publié au J.O.F, du 2 janvier 1990.
[7] – المكسيك سنة 1994، البرازيل وكندا 1995، رومانيا كوريا وإندونيسيا سنة 1997، أستراليا سنة 1998، اليابان سنة 2000، للمزيد في هذا الصدد انظر:
– Guide sur les accords internationaux de franchise, principal, uni droit, Rome 2000, pp. 275, 276.
[8] – علاء عزيز حميد الجبور، “عقد الترخيص”، دار الثقافة للنشر، الطبعة الأولى، 2003، ص 20.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً