نظرية البطلان من نوع خاص
مما سبق تبين لنا، بأن جميع النظريات التي قيلت في تأصيل بطلان بيع ملك الغير لم تسلم من الانتقادات التي وجهت لها، لأن البطلان المنصوص عليه في بيع ملك الغير ليس بطلانا مطلقا، كما أنه ليس بطلانا نسبيا. لأن البطلان المطلق لا يكون إلا في حال تخلف أحد أركان العقد، والبطلان النسبي لا يكون إلا في حالتين هما، نقص الأهلية وعيب في الإرادة. وهذا لا يقع في بيع ملك الغير. لهذا نادى قسم آخر من الفقهاء بالفسخ، إلا أن نص القانون صريح في إعطاء المشتري حق الإبطال، وهذا النص لا يمكن تجاوزه بأي حال، لاعتبار العقد قابلا للفسخ، و إلا لكان هذا الرأي أصوب مما سبقه من آراء.
ولم يكتف البعض بالاستناد إلى ال قواعد العامة لتأصيل هذا البطلان، فلجؤا إلي فكرة العقد الموقوف، هذه الفكرة الغريبة عن فقهاء القانون الوضعي، والتي احتاجوا إليها عندما وقعوا في بحر النظريات القانونية في صدد تأصيل بيع ملك الغير. وبما أنهم ابتعدوا عنها لايمكن التعويل عليها كأساس لحل مشاكلهم. إزاء كل هذا الخلاف والتعارض والتضارب في الآراء، ظهر فريق من الشراح ينادي بفكرة البطلان من نوع خاص، أي لا بد من البحث عن البطلان في حالة بيع ملك الغير في النص نفسه الذي أنشأ هذا النوع من البيوع، هذا النص الذي قرر البطلان لمصلحة المشتري الذي يكون وحده من يملك طلب إبطال هذا البيع، وهو أيضا من يملك إجازته، وهذا النص الخاص لم
ينسى المالك الحقيقي من الحماية، فجعل البيع غير نافذ في حقه.
أي أن هذا البيع قابلا للإبطال من ناحية وغير نافذ من ناحية أخرى، لهذا وصف البعض الطبيعة القانونية لبيع ملك الغير بازدواجية الجزاء البطلان وعدم النفاذ أو بالمركز المركب.
وإن اتفق هؤلاء الشراح على اعتبار البطلان في بيع ملك الغير بطلانا من نوع خاص، إلا أنهم اختلفوا في علة تقرير هذا البطلان. فيرجع البعض علة تقرير هذا البطلان إلى أن البيع أصبح عقدا ناقلا للملكية، ولكون البائع غير مالك لا يستطيع نقل الملكية، تدخل المشرع لمنع هذا البيع في هذا النص الخاص، بينما جعل آخرون أساس هذا الإبطال التزام البائع بنقل الملكية، ولأن عدم التزام البائع بتنفيذ.
التزامه هذا لا يؤدي بأي حال إلى بطلان العقد، تدخل المشرع بالنص على البطلان.
وذهب فريق ثالث إلى القول بأن علة هذا الإبطال ترجع إلى أن انتقال الملكية يتم قانونا بمجرد إبرام العقد، لأنه حتى في حالة الاتفاق الذي لا ينقل الملكية في الحال وإنما يقرر التزاما في ذمة البائع بنقلها، يجوز للبائع أن يحصل على الملكية لينقلها إلى المشتري وينفذ بالتالي التزامه.
مما تقدم يتضح عدم اتفاق الآراء الثلاث في علة تقرير البطلان الذي نص عليه المشرع في بيع ملك الغير، وواضح أيضا أن هذه الآراء تدور حول مبدأ انتقال الملكية في عقد البيع، وهذا الاختلاف كما هو واضح ليس بسيط، لما يترتب على كل حالة من نتائج تختلف عن الأخرى، فبموجب الرأي الأول والذي يجعل من عقد البيع ناقلا للملكية، فهو لا يجعل من عقد بيع العقار ناقلا للملكية وبالتالي ليس للمشتري المطالبة في الإبطال قبل التسجيل وإن كان له الحق في المطالبة بالفسخ وذلك لانتفاء علة الإبطال.
أما الرأي الثاني فيكون للمشتري بموجبه الحق في المطالبة بالإبطال في بيع العقار سواء قبل التسجيل أو بعده وذلك لأن بيع ملك الغير منافي لطبيعة البيع باعتباره عقدا منشئا لالتزام بنقل الملكية.
أما الرأي الثالث فيجعل من بيع عقار الغير صحيحا قبل التسجيل أو بعده ولكنه قابلا للفسخ في حالة عدم تنفيذ البائع لالتزامه بنقل الملكية وسبب ذلك صدور قانون التسجيل المصري.
ويرى آخرون بأنه لا يوجد أي أساس فني يبرر إبطال بيع ملك الغير، في صدد انتقاده للآراء الثلاثة السابقة، ويكتفي بالوقوف على النص الذي يقرر البطلان.
والرأي الذي انتهى إلى اعتبار البطلان المنصوص عليه في بيع ملك الغير بطلانا من نوع خاص، لم يسلم هو الآخر من الانتقاد. فوصم البعض هذا الرأي بالعجز عن تفسير النص الخاص في بيع ملك الغير وإمكانية رده إلى القواعد العامة.
ولا أرى بأن هذا يعد من قبيل العجز، لأن إرادة المشرع اتجهت إلى هذا القصد، إذ لو أراد المشرع – كما يقول البعض – رده إلى القواعد العامة، لما احتاج الأمر إلى النص عليه، ولو كان الأمر كذلك لقلنا بأن بيع ملك الغير هو بيع قابل للفسخ. ولكن النص يقف حائلا أمام هذا القول. وهذا يجعلنا نؤيد القول بالطبيعة القانونية الخاصة لبيع ملك الغير، لوجود النص التشريعي الذي ينشئ هذا النوع من البطلان، فهو بيع قابل للإبطال لمصلحة المشتري وغير نافذ في حق المالك.
ولا يوجد مبرر لتضارب آراء الفقهاء العرب في صدد تأصيلهم للطبيعة القانونية لبيع ملك الغير، فنص المادة ( 466 ) من القانون المدني المصري صريح في اعتبار بيع ملك الغير قابلا للإبطال لمصلحة المشتري. ولكن على ما يبدو أن الفقهاء المصريون تأثروا بشروحات الفقهاء الفرنسيين، ذلك أن القانون المدني الفرنسي اقتصر في المادة ( 1599 ) منه على ذكر كلمة “باطل” دون توضيح ماهية هذا البطلان. فإن كان للفرنسيين ما يبرر موقفهم من اختلافهم حول طبيعة البطلان في بيع ملك الغير، فلا يوجد مبرر للمصريين لاختلافهم حول هذه الطبيعة. فنص الماد ( 466 ) جعل العقد قابلا للإبطال لتصبح حالات العقد القابل للإبطال في القانون المدني المصري ثلاث وهي:
-1 حالة تصرف ناقص الأهلية.
-2 حالة صدوره من معيب الإرادة.
-3 حالة بيع ملك الغير.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً