دراسة وبحث قانوني كبير عن الدور التشريعي لرئيس الجمهورية
مقدمة
إن دراسة وتحليل السلطات المخولة دستوريا لرئيس الجمهورية لا يمكن إعطائها مفهومها الصحيح إلا إذا حددنا مكانة رئيس الجمهورية في النظام السياسي فبعدما كان رئيس الجمهورية بدون منازع المسؤول الوحيد عن السلطة التنفيذية في ظل دستور 1963 فهو المسئول وحده أمام المجلس الوطني نظرا للنزعة الشخصية .
أما في ظل 1976 نجد رئيس الجمهورية هو محور النظام ومفتاح قبته لكونه مقترح من طرف الحزب وهو أمينة العام ومنتخب من طرف الشعب ومجسد وحدة القيادة السياسية للحزب والدولة مما يجعله بمركز أسمى مقارنة مع غيره من المؤسسات.
إن هذه المكانة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية عن غيره من المؤسسات كان لها أثرها البالغ على واضعي دستور 1989 ، فعلى الرغم من محاولة التقليص ن تلك المكانة لصالح المجلس الشعبي الوطني ورئيس الحكومة إلا أن رئيس الجمهورية بقى رغم ذلك محافظا على مكانته لعدة أسباب منها :
• إن انتخاب رئيس الجمهورية بطريقة مباشرة يحقق له استقلالية اتجاه المجلس ويجعل منه المعبر عن الشعب مباشرة والناطق باسمه وهذا ما أكده الدستور بأن جعله مجسدا لوحدة الآمة وصاحب الحق في مخاطبة الشعب بمختلف الطرق والرجوع غليه مباشرة مما يضفي على شخصيته باعتباره رئيسا للجمهورية سموا وهيبة خاصة تؤهله لقيادة الدولة بقوة من أجل تحقيق ما يتطلع إليه المجتمع ، غير انه يمكن أن تستخدم هذه الوسائل لأغراض غير ديمقراطية .
• إن الأنظمة السياسية المعصرة بأولية السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية دستوريا غن لم يكن فذلك عمليا نتيجة للتنظيم المحكم للأحزاب وضرورة تضامن ممثليها على مستوى السلطتين التنفيذية والتشريعية لمواجهة المعارضة .
• إن إسناد مهمة وضع مشروع لتعديل الدستور أو إعداد مشروع دستور جديد للبلاد إلى لجان أو لجنة فنية أو أشخاص بقيادة السلطة التنفيذية لا يخدم في غالب الأحيان هذه الأخيرة في حين انه لو أسند الأمر إلى هيئة تأسيسية منتخبة لكان الامر مختلف ، صحيح انه لا تحيد عن القاعدة العامة الذكر لكنها لن تقدم للشعب نصا بتلك الصياغة لا سيما فيما يتعلق باختصاصات رئيس الجمهورية الواسعة والقيود المفروضة على رئيس الحكومة لآداء مهمة .
• إن وضع الدستور في وقت لم تكن فيه المعارضة موجودة أو معترف بها دون الإعارة إلى الاهتمام الكبير لمداه بسبب قلة الوعي فوجود المعارضة تساهم في تجسيد الديمقراطية وتوعية الشعب والارتقاء به إلى مصاف الشعوب المتحضرة وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى وضع نصوص دستورية في مستوى تطلع هذا الشعب ، لكن هذا الأخير يكون دائما مختارا بين نص سابق مرفوض ونص أعد هو أفضل من الأول لكنه أحيانا لا يرتقي إلى مستوى لا يرغب فيه الشعب الذي ليس له بالطبع الخيار وبالتالي الخضوع إلى الأمر الواقع ، إن دستور 1989 لدليل على النية التي كانت متجهة نحو اعتماد إصلاحات مع الحفاظ على مركز ومكانة رئيس الجمهورية لكونه المؤسسة السامية في الدولة والتي تحاسب ولا تحاسب إلا من طرف الشعب أثناء الانتخابات الرئاسية .
كما تبدو مكانة رئيس الجمهورية المتميزة في كونه يجسد وحدة الأمة وهو حامي الدستور ويجسد الامة داخل البلاد وخارجها .
ونظرا للسلطة المخولة له فإنه يتحول إلى مفتاح قبة النظام ومحوره يمارس سلطة فاعلة لكفالة حماية الدستور.
حيث أن دستور 1996 منح لرئيس الجمهورية دورات تشريعية فعالة وما زاد في تقرير ذلك التطور الدستوري الذي نتج عن وجود الأحزاب السياسية حيث أن ذلك أدى إلى تجاوز الدستور للحدود المرسومة في النصوص وإبراز الدور التشريعي لرئيس الجمهورية وحصر دور البرلمان في دائرة ضيقة هي التصويت على القانون وقد ساعد هذا الدور القيادي نظام انتخاب لرئيس الجمهورية مباشرة من الشعب صاحب السيادة ، من هذا تتضح أهمية بحثنا هذا .
فالدور التشريعي لرئيس الجمهورية في الظروف العادية في تزايد مستمر نتيجة الاتجاه الحديث في تقوية السلطة التنفيذية والاستفادة من خبرتها العملية ، كذلك فإن تطور مفهوم الظروف الاستثنائية من فكرة المخاطر الغير متوقعة إلى مجرد مواقف غير عادية قد أحكمت قبضة الرئيس على التشريع الوطني .
وقد استقر بنا الرأي على اختيار هذا الموضوع لأنه القضية المحورية في تنظيم وممارسة السلطة والمسألة التي تثير جدلا حادا في أوساط المفكرين والباحثين والساسة والإشكالية التي تستقطب اهتمام وسائل الإعلام وتشغل الرأي العام ولهذا أردنا أن نسهم ولو بقدر ضئيل في تسليط الضوء على هذا الجانب الهام من جوانب التجربة الدستورية الجزائرية ونطمح من وراء ذلك إلى تحديد معالمها البارزة وكشف مواطن التوافق والانسجام والتوازن بين السلطة التشريعية للرئيس والبرلمان كسلطة تشريعية أصلية ، ومواطن هيمنة بعضها على البعض ، بسيطرة إحداها وضعف وتبعية الأخرى
ونستخلص مما ذكرناه أن دستور 1996 كرس إطلاق سلطة التشريع على سلطة التنظيم وإبراز الدور التشريعي لرئيس الجمهورية الذي منحه إياه دستور 1996 ، ارتأينا طرح الإشكالية التالية :
– ما هي مختلف التطورات والتغيرات التي حدثت في توسيع الصلاحيات التشريعية لرئيس الجمهورية ؟
– ما هي حدود الصلاحيات التشريعية لرئيس الجمهورية في ظل دستور 1996 ؟ وهل دستور 96 كان موفقا عندما سمح بإفساح المجال واسعا لرئيس الجمهورية للتشريع عن طريق الأوامر ؟
– هل فعلا يعد التشريع بأوامر تعدي عبى مبدأ الفصل بين السلطات ؟
هذا وغيرها من التساؤلات التي نحاول الإجابة عنها من خلال الدراسة التالية والتي بدأناها بفصل تمهيدي تناولنا فيه بداية الإشارة إلى المركز القانوني لرئيس الجمهورية من حيث تولي منصب رئاسة الجمهورية وانتهاء مهام رئيس الجمهورية وشغور منصب الرئاسة ، وكل دلك معروض بصورة مختصرة وهذا بهدف الوقوف على حساسية هذا المنصب المتميز في الدولة ، أما الفصل الأول فقد خصصنا فيه دراسة للدور التشريعي لرئيس الجمهورية في الظروف العادية والصلاحيات المخولة له في مجال التشريع والأسس التي يستند إليها لكي يستطيع ممارسة هذا الاختصاص حيث تحدثنا عن صلاحيات رئيس الجمهورية في اقتراح القوانين والاعتراض عليها ، وكذلك تطرقنا إلى حقه في تعديل الدستور بالإضافة إلى حق رئيس الجمهورية في الإصدار والنشر أما الفصل الثاني فقد قمنا فيه بتحديد الاختصاص المخول لرئيس الجمهورية في الظروف الغير عادية فقد تناولنا فيه سلطات رئيس الجمهورية بمقتضى المادة 124 من دستور 1996 توسيعا لاختصاصه التشريعي ، كذلك القيود الواردة على التشريع بالأوامر المتخذة من رئيس الجمهورية .
لكن الدروب وعرة والسبيل غلى ذلك شائك ومعقد ، ومشاق الإبحار إلى هذا المبتغى كثيرة ومتنوعة ، تقتضي الصبر الجميل ، وضمان شروط وظروف وأدوات البحث فالمراجع على هذا الخصوص تعتبر العقبة الكؤود أما بحث من هذا النوع ، للان المهتمين بهذا الموضوع من الكتاب والباحثين هم قلة ، وعلى قلتهم فإن كتبهم وبحوثهم نادرة الوجود إن لم تكن منعدمة فبأغلب ولايات الوطن كما يبقى حاجز اللغة أهم عاتق أمام الباحث ، فالكتب الأجنبية في هذا المجال كثيرة ومتوفرة لكن ترجمتها جد صعبة ، ويزداد حجم الصعوبة لمن يكون مستوى اللغة الأجنبية لديه متواضعا ، لا يرقى إلى ترجمة المصطلحات واستخراج روح النص .
ورغم كل هذا فإن الأمل في تجاوز هذه العقبات قائم والسعي نحو تحقيق الهدف المرجو دائب والاتكال على الله عز وجل في هذا يقين راسخ ، والله الموفق
الفصل التمهيدي المركز القانوني لرئيس الجمهورية
يجسد رئيس الجمهورية ، رئيس الدولة وحدة الأمة وهو حامي الدستور له أن يخاطب الأمة مباشرة ويمثل الدولة بالداخل و الخارج من خلال المادة 70 من الدستور 1996 ، والتي تقابل المادة 67 من دستور 1989، والمادة 104 من دستور 1976 ، والمادة 39 من دستور 1963 ، حيث تبين صياغة هذه المادة الدور المتميز لرئيس الجمهورية باعتباره المركز الأسمى في الدولة والذي يمكنه من الإستحواذ على سلطات جد واسعة ، إلا أن هذا الإستحواذ لن يكون إلا من خلال صناديق الإقتراع . (1)
– وعليه رأينا أن ندرس هذا الفصل التمهيدي في مبحثين نتناول فيهما على التوالي :
المبحث الأول : تولي منصب رئيس الجمهورية .
المبحث الثاني : رئيس الجمهورية بين رئاسة السلطة التنفيذية وممارسة الوظيفة التشريعي
يحتل رئيس الجمهورية في النظام الجزائري المركز الممتاز باعتباره منتخب من طرف الشعب بطريقة مباشرة تطبيقا للمبدأ المعتمد وينبغي أن يحصل على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين المعبر عنها كما أنه يجب أن تتوفر فيه شروط الترشيح المنصوص عليها (1) .
وإذا توفرت في الشخص المترشح شروط الترشيح وفاز بالانتخابات ، فإنه يتولى منصب رئيس الجمهورية وذلك لمدة محددة بخمس سنوات (2) يتولى خلالها ممارسة الاختصاصات التنفيذية والصلاحيات المخولة له من طرف الدستور المؤرخ في : 28 نوفمبر 1996، كما نظم هذا الأخير عدة مسائل حساسة متعلقة بمنصب رئيس الجمهور، كحالة الشغور، و انتهاء مهام رئيس الجمهورية ، وذلك لتفادي أي فراغ سياسي يمكن أن يؤدي بالبلاد إلى مشاكل سياسية ، باعتبار أن رئيس الجمهورية الشخصية الأولى في النظام وعلى قمته . (3)
الشروط التي يتعين توفرها في المترشح ، نصت عليها المادة 70 من دستور 1996 بقولها : ″ لا يحق أن ينتخب لرئاسة الجمهورية إلا من كان جزائري الجنسية أصلا ويدين بالإسلام ، عمره أربعون سنة كاملة يوم الانتخاب ويتمتع بكامل حقوقه المدنية والسياسية . ″ كما أضافت المادة 73 من دستور 1996 على انه ″ لا يحق ان ينتخب لرئاسة الجمهورية إلا المترشح الذي :
• يتمتع فقط بالجنسية الجزائرية أصلا .
• يدين بالإسلام .
• يكون عمره أربعون سنة كاملة يوم الانتخاب .
• يتمتع بكامل حقوقه المدنية والسياسية .
• يثبت الجنسية الجزائرية لزوجه .
• يثبت مشاركته في ثورة أول نوفمبر 1954 إذا كان مولود قبل يوليو 1942 .
• يثبت عدم تورط أبويه في أعمال ضد ثورة أول نوفمبر 1954 ، إذا كان مولودا بعد يوليو 1942
• يقدم تصريح علني بممتلكاته العقارية والمنقولة داخل الوطن وخارجه .
– ويتضح مما سبق أن المشرع الجزائري إكتفى بالشروط التالية :
1) الجنسية : بالرجوع إلى الدساتير التي عرفتها الجزائر (1) ، يلاحظ اشتراط الجنسية الأصلية للمترشح وبالتالي استبعاد المتجنس من الترشح للرئاسة ، بل تشددت بعض الدساتير المقارنة كالدستور المصري والتونسي بخصوص هذا الشرط ، حيث لا يعتد بالجنسية المكتسبة نظرا لأهمية المنصب ، كما يجب أن لا يكون المترشح متمتعا بجنسية أخرى ″ ازدواجية الجنسية ″)2(
2) الإسلام : وهذا الشرط ضرورة واقعية ، ويمكن اعتباره امتدادا للمادة الثانية من دستور 1996، الناصة على أن دين الدولة الإسلام ، بل أن الدستور يحمل رئيس الجمهورية نصا وروحا بأعباء لا يقوم بها إلا المسلم ويمكن أن نلمس ذلك من خلال القسم الذي سيؤديه أثناء اعتلائه السلطة وأخيرا يمكن اعتبار هذا الشرط كإفراز طبيعي لفطرة المجتمع الجزائري .
3) السن : يجب أن لا يقل عمر المترشح لرئاسة الجمهورية عن أربعين سنة كاملة يوم الانتخاب ، وقد حدده دستو1996 بأربعين سنة ميلادية اقتداءا بسن النبوة، فالرسول صلى الله عليه وسلم بدأ ينزل عليه الوحي ابتدءا من هذا العمر (3) ، كما أن الفرد عمليا يكتسب النضج الكافي والتجربة والحنكة لممارسة هذه الوظيفة عند بلوغه سن الأربعين ، أما غير ذلك فقد يؤدي إلى التهور في العديد من المسائل الجوهرية .
4) التمتع بالحقوق المدنية والسياسية : وهو شرط كاشف ، أي لا يمكن إيداع أو تامين مصير امة في يد شخص ناقص الأهلية أو محكوم عليه أو محروم من حقوقه السياسية والمدنية ، وحرص المشرع على تأكيد هذا الشرط كدليل على خطورة هذا الإجراء فكم من فضائح سياسية تم اكتشافها نتيجة عدم الالتزام بهذا البند (1) ، كما يجب أن تتوفر مجموعة من الشروط الشكلية للترشح لمنصب رئيس الجمهورية وهي تتمثل في التصريح بالترشيح لدى المجلس الدستوري وتقديم مجموعة من الإثباتات والقيام بإجراءات معينة (2) ، وهو ما يتلخص في ما يلي :
• إثبات الجنسية الجزائرية لزوجه ، سواء كانت أصلية أو مكتسبة وهذا لكي يكون الرئيس المنتخب مؤهلا وكفؤا وأهل ثقة ، وذلك لضمان المستقبل لحماية منصب رئيس الجمهورية كأعلى هيئة دستورية في البلاد .
• إثبات وضعيته حيال ثورة أول نوفمبر 1954 ، إذا كان مشاركا فيها أي إذا كان مولودا قبل جويلية 1942 ، أو عدم مناهضة أبويه للثورة التحريرية إذا كان مولودا بعد جويلية 1942 .
• التصريح العلني بممتلكاته العقارية والمنقولة داخل الوطن وخارجه ، وهذا من اجل التأكد من أنها لا تؤثر على استقلالية مهام رئيس الجمهورية أو تشكل عائقا للقيام بمهامه بصورة عادية .
– يقدم ملف الترشح لرئاسة الجمهورية للمجلس الدستوري ، بإيداع طلب يتضمن فيه توقيع المترشح واسمه ولقبه وتاريخ ومكان ميلاده ومهنته وعنوانه ، وفي المقابل يسلم له وصل إيداع (3)، علما أن المترشح في هذه المرحلة حر ، أي يمكن لكل جزائري تتوفر فيه الشروط القانونية أن يترشح للانتخابات الرئاسية وذلك تماشيا مع الإصلاحات السياسية المنتهجة من خلال دستور 1996 .
وبالتالي فإن إجراءات الترشح تشمل :
أولا : ملف الترشح :
نصت المادة 108 من القانون الانتخابي على محتوى ملف الترشح :
• طلب خطي يحتوي على اسم ولقب ومكان الولادة ومهنته وعنوان المترشح .
• إثبات جنسية مسلمة من طرف وزارة العدل .
• شهادة ميلاد لم يمضي على استخراجها أكثر من سنة
• تقديم قائمة تتضمن على الأقل توقيعات 600 عضو منتخب لدى المجالس البلدية و الولائية والمجلس الشعبي الوطني ، موزعين على نصف ولايات التراب الوطني على الأقل .
– يختص المجلس الدستوري، طبقا للمادة 163 من دستور 1996 بالانتخابات الرئاسية سواء من حيث قبول الترشح أو الطعن في النتائج (1) .
ثانيا : أجال الترشيح :
– نصت المادة 109 من قانون الانتخابات ، أنه يقدم التصريح بالترشح في ظرف 15 يوما على الأكثر الموالية لنشر المرسوم الرئاسي المتضمن استدعاء الهيئة الانتخابية ، وقد تستدعي هيئة الناخبين بموجب مرسوم رئاسي في ظرف 60 يوما (2) ، وتاريخ الاقتراع أو الانتخابات في الظروف العادية تكون في ظرف ثلاثين يوما السابقة لانقضاء مدة رئاسة الجمهورية (3) .
– أما في ظل الظروف الاستثنائية ، كالمرض المزمن الذي يصيب رئيس الجمهورية ، واستقالته أو وفاته ، أو اقتران وفاة رئيس الجمهورية بشغور المجلس الشعبي الوطني بسبب حله ، حيث يتولى رئيس المجلس الشعبي أو رئيس المجلس الدستوري مهام رئيس الدولة ، كما يقوم ه\ا الأخير بإصدار مرسوم رئاسي يتضمن استدعاء الهيئة الانتخابية في حدود 15 يوما الموالية لوثيقة التصريح بالشغور النهائي لرئاسة الجمهورية وفي جميع الحالات فإن المجلس الدستوري هو المكلف بإثبات الشغور النهائي .
وتقدم التصريحات بالترشيح في ظرف 08 أيام على الأكثر الموالية لنشر المرسوم الرئاسي ،أما الغاية التشريعية من تحديد الانتخابات بثلاثين يوما قبل انقضاء المدة الرئاسية حتى لا تجد البلاد نفسها أمام فراغ مؤسستي Vide Institutionnels (1) .
– وبالتالي تضمن السير العادي للمؤسسات الدستورية، وبالأخص مؤسسة رئاسة الجمهورية ، الجهاز الحساس ومفتاح النظام السياسي الجزائري (2) .
– وفقا للمادتين 155 و156 من الأمر رقم : 97 – 07 المتضمن نظام الانتخابات ، ″ ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام المباشر السري ، يتم الفوز بالانتخابات بالحصول على الأغلبية من الأصوات المعبر عنها ……. ″ .
– و تنص المادة 74 من دستور1996 على أن : ″ مدة المهمة الرئاسية خمس سنوات ، يمكن تجديد إنتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة ″ .
– يتضح مما سبق ذكره من النصوص بأن انتخاب رئيس الجمهورية يتم عن طريق الاقتراع العام المباشر، ولمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط (3) .
– وبالرجوع إلى المادتين 155 و 156 من الأمر 97-07 المؤرخ في : 29 شوال1417 هـ الموافق لـ 6 مارس 1997 ، المعدل والمتمم المتضمن القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات فإن الاقتراع يتم على على إسم واحد في دورتين بالأغلبية المطلقة للأصوات المعبر عنها في الدور الأول ، ينظم دور ثاني لا يساهم فيه سوى المرشحين اللذين أحرزوا على أكبر عدد من الأصوات خلال الدور الأول ، وتدوم المدة الرئاسية خمس سنوات وهي نفس المدة المعتمدة في دستور 1989 بموجب المادة 71 منه وكذلك دستور 1963 بموجب المادة 71 منه .
– وهذه العهدة الرئاسية قابلة للتجديد مرة واحدة فقط ، بينما المدة في ظل دستور 1976 كانت 6 سنوات قبل التعديل الذي حدث بموجب دستور 1996 ، أين قلصت المدة إلى خمس سنوات كما لا يسمح بمزاولة هذه الوظيفة أكثر من عشر سنوات متتالية، وذلك قمة التداول على السلطة هذا من جهة، ومن جهة أخرى حتى تكتسب المؤسسة الدستورية المناعة الكافية ضد المخاطر والانحرافات المنجرة على الدوام في الحكم ، وقد جربتها بعض الأنظمة الأخرى كمصر وفرنسا (1) ، ورئيس الجمهورية قبل توليه المنصب يؤدي اليمين المعتمد في دستور 1996 ، بموجب المادة 76 منه حسب النص الآتي :
بسم الله الرحمان الرحيم
″ وفاءا للتضحيات الكبرى ولأرواح شهدائنا الأبرار، وقيم ثورة نوفمبر الخالدة ، أقسم بالله العلي العظيم ، أن احترم الدين الإسلامي وأمجده ، وأدافع عن الدستور ، وأسهر على استمرارية الدولة وأعمل على توفير الشروط اللازمة للسير العادي للمؤسسات والنظام الدستوري ، وأسعى من اجل تدعيم المسار الديمقراطي ، واحترام حرية اختيار الشعب ومؤسسات الجمهورية وقوانينها وأحافظ على سلامة التراب الوطني ووحدة الشعب والأمة واحمي الحريات والحقوق الأساسية للإنسان والمواطن ، وأعمل بدون هوادة من اجل تطور الشعب وازدهاره وأسعى بكل قوايا في سبيل تحقيق المثل العليا للعدالة والحرية والسلم في العالم ″.
– تنتهي مهام رئيس الجمهورية بانتهاء مدة انتخابه – خمس سنوات – أو بوفاته آو باستقالته ، وتاخذ منه هذه الأخيرة طبقا للمادة 88 من دستور 1996 شكلين أساسين هما :
أولا : الاستقالة الحكمية الوجوبية
– بقوة القانون تحكم هذا الشكل من الاستقالة القواعد والأحكام الأساسية التالية :
1) من حيث السبب : تسند الاستقالة الحكمية إلى حصول مانع ″ Empêchement ″ يتمثل فقط في واقعة مادية هي المرض الخطير المزمن الذي يترتب عنه استحالة قيام رئيس الجمهورية بمهامه لمدة تزيد عن 45 يوما ، ذلك أن المانع الذي تقل مدته عن 45 يوما لا يقضي استقالة رئيس ج ، وإنما يتولى مهام رئاسة الجمهورية نيابة عن رئيس مجلس الأمة لفترة مؤقتة .
2) من حيث الإجراءات : تتمثل في إعلان الشغور النهائي بموجب اقتراح مقدم بالإجماع من المجلس الدستوري إلى البرلمان الذي يجتمع بغرفتيه معا لإثبات حالة الشغور بأغلبية ثلثي أعضائه .
ثانيا : الإستقالة الإرادية
تسمح الفقرة الرابعة من المادة 88 من دستور 1996 لرئيس الجمهورية أي يقدم استقالته بإرادته ، وتحكم هذا الشكل القواعد الأساسية التالية :
1) من حيث السبب : يمكن لرئيس الجمهورية ان يقدم إستقالته لأي سبب يراه ويقدره من الناحية الشخصية .
2) من حيث الإجراءات : يجتمع المجلس الدستوري ويثبت حالة الشغور، ثم يجتمع البرلمان بغرفتيه ليبلغ بشهادة الشغور .
3) من حيث الآثار : يتولى مهام رئيس الجمهورية رئيس مجلس الامة لمدة أقصاها 60 يوما تنظم خلالها انتخابات رئاسية (1) .
– ويعتبر شغور منصب الرئاسة من المسائل الحساسة التي شغلت فقهاء القانون الدستوري وبالتحديد فيما يخص تنظيم مدة الشغور ، فالمشرع الجزائري من خلال الدساتير الثلاثة لم ينظم الشغور بكيفية شاملة (2) .
– اما دستور 1996 كان أكثر وضوحا ، فنص في المادة 88 منه على أنه ″ إذا استحال على رئيس الجمهورية ان يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن ، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا ، وبعد ان يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة يقترح بالاجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع ، يعلن البرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي ″3/2″ أعضائه ، ويكلف برئاسة الدولة بالنيابة مدة أقصاها خمسة وأربعون يوما ، رئيس مجلس الامة الذي يمارس صلاحياته مع مراعاة أحكام المادة 90 من الدستور (3) .
– وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعين يوما ، يعلن الشغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه في الفقرتين السابقتين …….. ″ .
– اما الحالات الاخرى التي نصت عليها المادة 88 من دستور 96 ، في فقرتها الرابعة وهي حالة ″الاستقالة أو الوفاة ″ فإن المجلس الدستوري يجتمع وجوبا ويبثبت حالة الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية ، وتبلغ شهادة التصريح بالشغور النهائي فورا إلى البرلمان الذي يجتمع وجوبا طبقا للفقرة الخامسة من المادة 88 ، كما يتولى رئيس مجلس الامة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها ستين يوما ، تنظم خلالها إنتخابات رئاسية طبقا للفقرة السادسة من نفس المادة ، اما اذا اقترنت استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الامة لأي سبب فإن المجلس الدستوري يجتمع وجوبا ويثبت بالإجماع الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية وحصول المانع لرئيس مجلس الامة ، وفي هذه الحالة يتولى رئيس المجلس الدستوري مهام رئيس الدولة ، وهذا حسب الفقرة الثامنة من نفس المادة (1) .
– إن رئيس الجمهورية لا يعتبر رئيسا فقط للسلطة التنفيذية ، ولكنه يمارس اختصاصات رئاسية متأتية من كونه رئيسا للجمهورية تخوله ممارسة نوع من التدخل في اختصاصات بقية السلطات من قضائية من خلال حقه في تعيين القضاة بمن فيهم رئيس المحكمة العليا ومجلس الدولة ، وتشريعية وهو ما يتضح من خلال إقرار اختصاص تشريعي استثنائي يمارسه رئيس الجمهورية في حالات خاصة ومحددة في الدستور (2) .
لقد أكد دستور 1996 على ثنائية السلطة التنفيذية التي تبناها دستور1989 غير أنها ثنائية غير متوازنة باعتبار أن رئيس الجمهورية في مركز أسمى من مركز رئيس الحكومة ، وهو المتعارف عليه في النظم الجمهورية ذات الطابع شبه الرئاسي كما هو عليه الحال في فرنسا ، فرئيس الجمهورية هو الذي يجسد وحدة الامة ويحمي الدستور ، ويمثل الدولة داخل وخارج البلاد وهذا ما نصت عليه المادة 70 من الدستور .
– والملاحظ أن اغلب مهام وصلاحيات رئيس الجمهورية التي تضمنها دستور 1996 هي نفسها التي تضمنها دستور 1989 ، ورغم أن رئيس الجمهورية يمارس سلطات واسعة في الظروف العادية إلا أن فكرة مسؤوليته السياسية سكت عنها دستور 96 ، كما سكت عنها دستور 76 و 89 ، وإذا كانت المسؤولية السياسية تقع على عاتق رئيس الحكومة في الصلاحيات المشتركة بينه وبين رئيس الجمهورية فهناك صلاحيات أخرى يمارسها رئيس الجمهورية بمفرده ولكن هذه الصلاحيات لا تقابلها مسؤولية سياسية (1)
– فمكانة رئيس الجمهورية في دستور 96 تسمو على كل السلطات ، إن لم تكن تهيمن عليها جميعا ، فمظاهر الاستقلالية في هذا الدستور جلية منها عدم مسؤولية الرئيس أمام البرلمان ، ورغم صدور هذا الدستور الذي يبشر بالانفتاح والتعددية وثنائية السلطة التنفيذية والتشريعية ، وأقر ازدواجية القضاء حفاظا على حقوق وحريات الأفراد ، فإن الموقع المرموق للرئاسة لم يتغير ، بل تعززت مكانة الرئيس ، فهو غير مسؤول سياسيا أمام البرلمان وله حق حله واستدعائه وممارسة سلطات واسعة في الظروف العادية والغير عادية ، ما يؤكد سمو هذه السلطة وأسبقيتها على غيرها من السلطات ، ولا شك ان انعدام مسؤولية الرئيس السياسية عن أعماله أثناء تأدية وظيفته في دستور 96 يؤدي إلى اختلال التوازن بين السلطة والمسؤولية ، ونظرا لتمتع رئيس الدولة في هذا النظام بسلطات واسعة لا تقابلها مسؤولية متوازنة معها ، فإن التوازن بين سلطة ومسؤولية رئيس الدولة أصبح منعدما أو مختلا بشكل كبير ، وهذا الإختلال يشكل خطورة كبيرة على استقرار النظام السياسي الجزائري ، لان السلطة التي تخلوا من المسؤولية تمثل استبدادا محققا (2) .
– كما ان النقص الموجود في قانون الانتخابات ، وتدخل السلطة في العملية الانتخابية وضعف الوعي لدى الرجل البرلماني مما يجعله غير حر كفرد ، وبالتالي تبعية البرلمان للسلطة التنفيذية مما يترتب عنه
اعتبار نظامنا السياسي نظاما رئاسيا مشددا ، النفوذ فيه والأسبقية والهيمنة للسلطة التنفيذية ، ولكن هذا النظام لا يكفي لتحقيق ما يصبوا إليه صانعوا القرار السياسي في بلادنا ، وقد سعى رئيس الجمهورية السيد «عبد العزيز بوتفليقة » فعلا عندما أصبح رئيسا للجمهورية إلى الحد من التعددية ، وإرسال نظام رئاسي تقليدي فاستقلالية السلطة التشريعية في دستور 96 ، تبقى محدودة ومحاطة بالعديد من القيود التي تكرس هذه المحدودية (1) .
– كما كرس دستور 28 نوفمبر 1996، مبدأ الفصل بين السلطات من خلال تنظيمه لمؤسسات الدولة بشكل محكم ، كما اعتنق مبدأ ازدواجية القضاء فنهج بذلك نهج المدرسة الفرنسية سعيا منه إلى إيجاد أنسب الصيغ ، من اجل إبعاد العدالة عن تأثيرات السلطة السياسية ، وضمان حياد حقيقي لها بقدر ما يمكن من الموضوعية ، إلا ان رئيس الجمهورية يرأس المجلس الأعلى للقضاء ، وهذا ما نصت عليه المادة 154 من دستور 96 . وهذا لكونه المسؤول الاول عن الجهاز التنفيذي والقاضي الاول في البلاد ولكن توليه رئاسة أعلى جهة قضائية معناه إهدار تلقائي لمفهوم استقلالية السلطة القضائية ، لذا فإن احترام المؤسسة القضائية من قبل المؤسسات الاخرى والشعب ، يعد الضمانة الأساسية والرئيسية لتجسيد حكم الشعب والعدالة (2) .
– رغم الفصل الظاهر بين السلطات الثلاث وظيفيا وهيكليا ، إلا ان هناك حدودا دنيا من التداخل البشري بل وحتى الرقابي بين كل سلطة وأخرى حيث تلعب كل سلطة دور الرقيب على أعمال السلطة الأخرى ،فالقضاء يمارس رقابته بصفة شخصية على أعضاء كل من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وذلك عند دخولهم في منازعات شخصية ، أو حتى في حالة مسائلتهم بسبب أخطاء أو هفوات قانونية خاصة بآداء وظائفهم تصل إلى إلغاء الأعمال ، الحبس ، السجن ،
الحكم بالتعويض غلى غير ذلك ، وتتولى السلطة التشريعية الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية من خلال وسائل تؤثر على السلطة التنفيذية من اجل تحقيق التوازن في العلاقة بين الهيئتين غير ان هذه الآليات محدودة وعديمة الفاعلية وهذا راجع إلى عدة اعتبارات منها خاصة انسحاب النواب للإهتمام بتغليب المصالح الشخصية عن المصالح العامة للمجتمع ، إضافة إلى انعدام التكوين العالي والقانوني لممثلي الشعب ، إضافة للقيود المفروضة من السلطة التنفيذية ، فبحكم العلاقة الوظيفية بين السلطتين نتج عنها تمكن الهيئة التنفيذية من الاختصاص التشريعي ، إظافة إلى ان النظام الدستوري جعل مجال القانون في متناول رئيس الجمهورية ، ومن هذا المنطلق أصبح يشرع بأوامر ، فأصبحت سيطرة السلطة التنفيذية تظهر تدريجيا حتى تفوقت نصا وواقعا على مجال المبادرة (1) ، لدرجة ذبول الإقتراحات البرلمانية مقابل إزدهار مستمر للمبادرات الحكومية ، إذ ان مبررات تفوق الحكومة على مستوى المبادرة فرضته عدة عوامل منها جدية الأفكار المطلوبة إلى جانب ضخامة جهازها الإداري الذي يعمل لصالحها ويوفر لها كافة المعلومات .
– كما يمثل الدور التشريعي لرئيس الجمهورية خير دليل على التداخل الوظيفي الذي يعزز التداخل الرقابي بين السلطات ، وتدخل رئيس الجمهورية في الإختصاص التشريعي لا نجد أساسه في كونه رئيسا للسلطة التنفيذية فقط بل اعتباره رئيسا للجمهورية وللدولة بجميع سلطاتها ، ولا يحق للرئيس ممارسة هذا الحق إلا عند الضرورة التي تولى الدستور تحديد مجالاتها (2) ، ولعل ممارسة رئيس الجمهورية لهذا الدور التشريعي هو مستمد من المكانة التي تحتلها رئاسة الدولة من الدستور ، حيث يكون من حقه الإتيان بأي تصرف من شانه ان يضمن قيامه بهذه الوظيفة على أكمل وجه ، حتى ولو عنى ذلك حلوله محل بعض السلطات في ممارسة وظائفها التي تعتبر حيوية وضرورية لديمومة وانتظام الحياة داخل الدولة ، ولا يخفى على الجميع أهمية الوظيفة التشريعية في إرساء دعائم الحياة الهانئة والمطمئنة داخل الدولة ، هذه الوظيفة على أهميتها وعلى رغم إسنادها إلى سلطة تشريعية تكون وظيفتها الوحيدة هي سن هذه التشريعات ، إلا ان عمل هذه السلطة ليس دائما ودون تقطع بل يمكن أن ينقطع عمل هذه السلطة بعوارض وعوامل قد تكون إرادية أو غير إرادية ، مخطط لها أو عشوائية ، ولا يتصور ان تترك الدولة بجميع ما يعتريها من تغيرات يومية تفرض ضرورة التغيير في النص القانوني سواء عن طريق التعديل أو الإلغاء وذلك بإصدار نصوص جديدة تواكب هذه التغيرات خاصة إذا ما تم هذا الأمر بالمطالب الشعبية المتزايدة ، لذلك يلاحظ تزايد دور السلطة التنفيذية مقابل انكماش دور السلطة التشريعية (1) .
– ومن هنا برزت ضرورة ان يتصدى رئيس الجمهورية وبوازع من عبء المهمة الملقاة على عاتقه بموجب المادة 70 من دستور 96 ، حيث يتم سد الفراغ القانوني في الدولة من خلال تدخل رئيس الجمهورية ولو بصفة استثنائية في الوظيفة التشريعية لتسيير أمور الدولة إلى غاية زوال المانع الذي حال السلطة التشريعية أصلا من ممارسة وظيفتها (2) .
– فالأصل أن ممارسة الوظيفة التشريعية هي حق واختصاص أصيل مخول دستوريا للسلطة التشريعية ، وقد تولى الدستور تحديد كيفيات وعموميات ممارسة هذه الوظيفة ، إلا انه حددها في الوقت ذاته بدورات برلمانية محددة بمدة زمنية معينة تنقضي فتترك البلاد دون تشريع ، كما يتصور أيضا أن تقع حالة شغور في المجلس الشعبي الوطني باعتباره احد الغرفتين الرئيسيتين في البرلمان الجزائري ، كما يمثل الغرفة الأولى والتي لا تستطيع الغرفة الثانية ألا وهي مجلس الامة بدونها ممارسة الوظيفة التشريعية ، لكن في حالات الإختلاف هناك عدة إجراءات وتدابير
الدور التشريعي لرئيس الجمهورية في الظروف العادية
تعد عملية سن التشريع من المهام والوظائف الأساسية التي تظطلع بها مؤسسات الدولة الدستورية لتنظيم الحياة العامة للمجتمع في كافة المجالات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية و الإدارية ، كما أن هذه العملية تعتبر المحور الأساسي والمجال الحيوي لتحريك وتفعيل العلاقات الدستورية المختلفة بصورة متناسقة ومتكاملة في الآداء (1) .
– وتحكم عملية سن التشريع في النظام الجزائري العديد من المراحل والإجراءات والشروط والميكانيزمات الدستورية القانونية والتنظيمية ، يكون مجموعها النظام القانوني لهذه العملية ، والسلطة التشريعية في الجزائر يمارسها البرلمان الذي يتكون من غرفتين وهما :
– المجلس الشعبي الوطني ومجلس الامة ، والبرلمان له السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه غير ان هذا الامتياز ليس مطلقا ، بل تشاركه فيه الحكومة ، دون ان ننسى الحق المخول لرئيس الجمهورية في مجال التشريع .
– وللإلمام بكل الجوانب المتعلقة بهذا الفصل ، فقد قسمنا هذا الاخير إلى مبحثين :
– المبحث الاول : الإختصاص التشريعي لرئيس الجمهورية
– المبحث الثاني : إمتداد سلطات رئيس الجمهورية في مجال التشريع
الفصل الأول الدور التشريعي لرئيس الجمهورية في الظروف العادية
لرئيس الجمهورية صلاحيات دستورية عريضة في المجال التشريعي ، على ضوء ما كان مقررا في الدساتير السابقة ، وما قرره الدستور الحالي الصادر في نوفمبر 1996 ، بدءا بسلطة اقتراح القوانين ، والاعتراض عليها بالإضافة إلى الحق في الإصدار والنشر إلى غاية تعديل الدستور ، وكلها إمتيازات تجسد مكانة رئيس الجمهورية في الدولة .
الدساتير الجزائرية اعترفت بحق اقتراح القوانين لرئيس الجمهورية ،فالممارسات أثبتت أن أغلب القوانين هي تقريبا من أصل حكومي ، وقد جعل دستور 1963 اقتراح القوانين حقا مشتركا بين رئيس الجمهورية والبرلمان (1) ، وقد انتهج المؤسس الدستوري سنة 1976 نفس الأسلوب (2) ، أما بالنسبة لدستور 1989 فقد أعطى حق اقتراح القوانين لكل من رئيس الحكومة وأعضاء المجلس الشعبي الوطني (3) ،
أما دستور 1996 قد جعل اقتراح القوانين بصريح المادة 119 الفقرة الأولى : « لكل من رئيس الحكومة والنواب حق المبادرة بالقوانين …….. » ، حيث تكون اقتراحات القوانين قابلة للمناقشة إذا قدمها عشرون نائبا ، وبالتالي نتساءل ؟ هل أستبعد رئيس الجمهورية من هذه العملية التشريعية ؟ .
والإجابة ستكون في الفقرة الثنية من نفس المادة : « على انه تعرض مشاريع القوانين على مجلس الوزراء بعد الأخذ برأي مجلس الدولة ثم يودعها رئيس الحكومة للمجلس الشعبي الوطني …… » ، وما دام ان رئيس الجمهورية يترأس مجلس الوزراء يمكن القول أن من ابتكارات دستور 1996 ، أنه جعل اقتراح القوانين إرثا مشتركا بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ، وعليه فإنه لا يجوز لغير هذه الهيئات اقتراح القوانين (1) .
– يعتبر حق الإعتراض على القوانين أحد الأركان التي تحقق توازن سلطتين ، التشريعية والتنفيذية ، فلا يكفي لحسن تطبيق مبدأ فصل السلطات أن تباشر كل سلطة الإختصاصات التي حددها لها الدستور وإنما يجب إلى جانب ذلك ان تتسلح بما يكفل لها وقف تعدي السلطات الأخرى ، من هنا كانت الحاجة إلى النص على حقوق الإعتراض حيث يمكن لرئيس الجمهورية أن يعارض النص ثم التصويت عليه من خلال طلب القراءة الثانية « deuxième lecteur » ، فقد نصت عليه كل الدساتير السابقة (2) .
– فالقراءة الثانية هي معارضة عن تنفيذ النص المصوت عليه لإخلاله بروح الدستور ، مما يؤدي إلى تدخل رئيس الجمهورية بإعتباره حامي الدستور ، وذلك بإدراج هذا الإعتراض حتى يتم تدارك الموقف ، والإعتراض في الأصول الدستورية إما يكون بالطريقة الأمريكية أو الإعتراض بالطريقة الفرنسية (3) فما هي الطرق التي اهتدى إليها المشرع الجزائري ؟ .
الطريقة الأمريكية : تقرر انه يحق لرئيس الجمهورية حق الإعتراض على القوانين ولكنه يمكن للبرلمان التغلب عليه إذا اقر مشروع القانون محل اعتراض بأغلبية الثلثين ( 3/2 ) الأعضاء .
الطريقة الفرنسية : حيث قررت في دستور 1875 حق الإعتراض لرئيس الجمهورية على مشروعات القوانين التي سبق ان قررها البرلمان ، لكن الدستور منح السلطة على حق الإعتراض إذا اعد النص فأقر المشرع بالأغلبية العادية أي النصف زائد واحد) 2/1+ 1) في إجتماع لكل من المجلسين ( الشيوخ والنواب ) .
– فمن خلال ما سبق يلاحظ ان المشرع الجزائري أخذ بالطريقة الأمريكية ، أي طلب أغلبية مشددة ، فإن كانت ميسرة في ظل دستور 1976 لإنتماء رئيس الجمهورية والنواب لنفس العائلة السياسية ، فإن في ظل دستور 1989 يصعب تحقيق هذه الأغلبية لتواجد العديد من العائلات البرلمانية ذات الحساسية السياسية (1) .
– يبقى دستور 1996 الذي ظل على نفس الوسائل التقليدية المقررة لرئيس الجمهورية في الإعتراض على أي نص تشريعي وافق عليه البرلمان بهدف صدور القانون على قرينة من الدقة من خلال إحداث التعاون بين السلطتين ، وعلى إثر تكرس مبدأ مداولة ثانية ، هذا المبدأ الذي يزيد من تقوية سلطة الهيئة التنفيذية حيث يعد الإعتراض « فيتو رئاسي غرضه تدعيم الدور التشريعي للبرلمان » .
– ينصب الإعتراض الرئاسي على إمكانية طلب قراءة ثانية للنص التشريعي الذي صوت عليه البرلمان ، وعليه يمكن لأي نص تم إرساله من قبل البرلمان للرئيس من اجل الإصدار والنشر .
كي يصبح القانون نافذا بان يرجع للبرلمان مرة ثانية من طرف رئيس الجهورية ليعيد النظر فيه بمقتضى تلاوة ثانية (1) .
– إن الهدف من طلب المداولة الثانية هو حرص المؤسس الدستوري على مراقبة رئيس الجمهورية للنصوص التشريعية التي يوافق عليها البرلمان بإعتباره حامي الدستور والقاضي الاول للدولة لذلك فإن خاصية طلب القراءة الثانية تعتبر ذات طبيعة تقديرية فإما ان :
يعترض رئيس الجمهورية على النص التشريعي الذي وافق عليه البرلمان بغرفته ، وهنا يعتبر الرئيس معرقلا لنفاذ القانون الذي لا يتماشى مع نظرة الهيئة التنفيذية .
او يوافق على النص التشريعي وهو الشرط اللازم لصدور القانون وهذا ما يجعل الإعتراض مانعا يحول دون تطبيقه .
– وبالنظر إلى مبدأ الإعتراض من حيث الممارسة بالخصوص في الجزائر يتعين ان له مكان ثانوي من حيث التطبيق ، ومع ذلك المؤسس الدستوري لم يحاول ان يتخلى على مبدأ طلب القراءة الثانية ، بل كرسه أكثر ، ربما لان المشرع الدستوري بقي ينظر للبرلمان على أنه يملك إمكانية قلب أي مشروع حكومي رأسا على عقب ، وكأن المشرع لم ينتبه إلى أن البرلمان أصبح يتألف من غرفتين وعليه للمجلس الثاني ان يتماشى ومبتغى الحكومة (2) .
إصدار قانون هو إجراء تنفيذي يلتزم به رئيس الجمهورية بعد ان يكون القانون قد أصبح نهائيا أن أقره المجلس الشعبي الوطني ولا يعترض عليه رئيس الجمهورية أو اعترض عليه الرئيس خلال المدة الدستورية وأقره مجلس الشعب للمرة الثانية بأغلبية ثلثي أعضائه .
– والإصدار عمل منفصل عن القانون ذاته ومستقل عنه ولاحق عليه وهو على حد الفقيه « هوريو » أول خطوة تقوم بها السلطة التنفيذية عندما تبدأ بتنفيذ القانون (1) ، و به تثبت وجود القانون والملاحظ من خلال ما تقدم انه في حالة عدم إصدار النصوص القانونية من طرف رئيس الجمهورية لا يترتب عليه جزاء سواء في دستور 1976 ، او في 1989 ، بينما في دستور 1963 قد ينتقل الإختصاص بحكم (2) .
ولقد حدد دستور 1996 مدة إصدار النص في المادة 126 منه التي جاء فيها : « يصدر رئيس الجمهورية القانون في اجل 30 يوما إبتداءا من تاريخ تسلمه إياه » .
– غير انه إذا أخطرت سلطة من السلطات المنصوص عليها في المادة 166 المجلس الدستوري وفق الشروط التي تحددها المادة 167، فعلاوة على إلزامية عرض القانون العضوي على المجلس الدستوري ، يمكن لرئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني او رئيس مجلس الامة ، اخطار المجلس الدستوري الذي يبدي رأيه او قراره حسب الحالة في ظرف 20 يوما الموالية لتاريخ الإخطار طبقا للمادة 167 من الدستور ، وتقوم الأمانة العامة للحكومة بالسلطة الدستورية لرئيس الجمهورية في مجال إخطار المجلس الدستوري (3) .
– أما النشر فيعد عملية مادية لاحقة للإصدار لان الغاية من وراء إشهار قانون بالجريدة الرسمية تتلخص من جهة ، في إخطار وإشعار الجمهور بتطبيق القانون الجديد (1) ، ومن جهة أخرى في جعل القانون نافذ المفعول بالنسبة لمنطقة الجزائر العاصمة يمضي يوما كاملا من تاريخ نشره ، أما فيما يخص باقي أرجاء الوطن ، فيجري العمل به بانقضاء يوم من تاريخ وصول الجريدة الرسمية إلى مقر الدائرة ، ويشهد على ذلك ختم الدائرة المعنية (2) .
– وفي جميع الأحوال لكي يصبح القانون موضع التنفيذ و ملزما ، يتوجب إصداره ونشره ، أما دون ذلك فإنه لا يترتب عليه حقوقا والتزامات ، عملا بالمبدأ القائل : ″ لا تكليف بلا معلوم ″
– ونخلص إلى القول ، أن رئيس الجمهورية بمقتضى إصدار ونشر القانون بالجريدة الرسمية للجمهورية ، يكون قد راعى بذلك إرادة البرلمان المعبر عن السيادة الوطنية ، وتقيد بأحكام الدستور واحترام متطلبات مبدأ الإنفصال و الإتصال بين الهيئتين التنفيذية والتشريعية (3) .
– بالرجوع على دستور 1963 نجد المبادرة بالتعديل يشترط لصحتها ان تكون بمشاركة رئيس الجمهورية والأغلبية المطلقة لنواب المجلس (4) .
غير أن ذلك لا يعني بان توافر ذلك الشرط يؤدي إلى تعديل الدستور ،
بل ينبغي ان يمر على عدة إجراءات ومراحل مرتبطة بآجال قانونية معينة ، حتى يمكن في الاخير عرضه على الشعب بغرض إستفتائه حول الموضوع ، فإن وافق عليه يتولى رئيس الجمهورية إصداره خلال الثمانية أيام الوالية لتاريخ اللإستفتاء وإلا عد كأن لم يكن ، لان صاحب الاختصاص في المصادقة والرفض هو الشعب (1) .
– إن مقارنة هذه الطريقة بطرق تعديل الدستور في ظل دستوري 1976 – 1989 تعد أفضل لو اعتمدت في ظل نظام التعددية الحالي ، لأنها تضمن استقرار أكثر للمؤسسات ، ويتجلى ذلك من خلال عدم إقصار المبادرة على رئيس الجمهورية ، وحتى إذا كان صاحب الأغلبية في البرلمان فإن المبادرة المشتركة لا تشكل أي خطر على مؤسسات الجمهورية وحريات المواطنين ، لأن مدة شهرين تكون غير كافية لتوعية الشعب بواسطة الأحزاب ووسائل الإعلام بمخاطر وسلبيات او إيجابيات التعديل الدستوري .
أما في ظل دستور 1976 ، فالمبادرة بالتعديل معقودة لرئيس الجمهورية و إقتصار دور المجلس الشعبي الوطني على إقرار المبادرة (2) .
– والحقيقة أنه كان من المفروض تقييد رئيس الجمهورية في المبادرة باشتراط مشاركة النواب معه في ذلك ، او منح حق المبادرة لكل من المؤسستين على حدى ، مع وضع شروط تنفيذ من سلطة النواب باشتراط نصاب معين (3) ، فمن المعروف أن الجهة المقيدة بتوافر نصاب معين هي صاحبة المبادرة .
– خلافا لما هو عليه في دستور 1976 ، حيث المبادرة خولت للرئيس من جهة ، إلى جانب ما يتمتع به من وسائل تأثيرية على المجلس ، تضاف لها من جهة ثانية قيود على المجلس تؤثر على آدائه لمهامه ، ومنها الإنتماء السياسي ، فلدى تعديل 1979 وجد النواب أنفسهم مجبرين على تبني مشروع التعديل الدستوري المقدم من طرف رئيس الجمهورية لأنه جاء تطبيقا لتوصية من المؤتمر الرابع للحزب الوحيد اللذين يتنمون إليه ويرأسه رئيس الجمهورية ، فقد تقدم بعض النواب باقتراحات لكنها لم تأخذ بعين الاعتبار و اكتفى ممثل الحكومة بتسجيلها واعدا رفعها إلى رئيس الجمهورية ليتولى دراستها وأخذها بعين الاعتبار مستقبلا ؟ (1).
– كما جاء في عدة اجتماعات لممثلي الحكومة تقديم مشاريع تستهدف عدة تغييرات نصت عليها توصيات المؤتمر الرابع ، فتحول النواب إلى منقذين لا مراقبين ، عليهم ان ينصاعوا ويخضعوا لتوجيهات المؤتمر وبالتالي الموافقة بالإجماع على المشاريع المقدمة من طرف الحكومة ، وهنا نتسائل عن قيمة إشتراط موافقة ثلثي النواب او ثلاثة أرباع النواب ، طالما كانو خاضعين لتوجيهات الحزب الوحيد الذي يقوده رئيس الجمهورية (2) .
-+ أما في دستور 1989 فأول ما يلاحظ هو الإبقاء على حق المبادرة لرئيس الجمهورية بصفة انفرادية دون مشاركة المجلس ، لكنه إشترط موافقته بالأغلبية ، وأن تتبع في ذات الإجراءات المعتمدة للنص التشريعي ثم يعرض مشروع النص على الشعب لاستفتائه خلال الخمس والأربعين يوما الموالية لإقرار المجلس إياه (3
– أما بشأن التعديل في ظل دستور 1996 فقد نصت المادة 174 منه على : « لرئيس الجمهورية حق المبادرة بالتعديل الدستوري وبعد ان يصوت عليه المجلس الشعبي الوطني ومجلس الامة وبنفس الصيغة حسب الشروط نفسها التي تطبق على نص تشريعي ، يعرض التعديل على استفتاء الشعب خلال الخمسين يوما الموالية لإقراره »
كما نصت المادة 177 على ان : « يمكن لثلاثة أرباع (3/4) أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعين معا أن يبادر بإقتراح تعديل الدستور على رئيس الجمهورية الذي يمكنه عرضه على الإستفتاء الشعبي ، ويصدره في حالة الموافقة عليه » .
– إن المبادرة بمراجعة الدستور تعد سلطة ذات إعتبار هام وعلى ذلك جعلها المؤسس الدستوري من نصيب هيئتي البرلمان « المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة » ، ورئيس الجمهورية كما ان نص المادة 176 من الدستور تبيح إمكانية عدم لجوء رئيس الجمهورية للشعب إذا إرتئى المجلس الدستوري أن مشروع المجلس الدستوري لا يمس بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما (1) .
ولا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية ، كما أكد المجلس الدستوري على إمكانية إصدار رئيس الجمهورية لقانون يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون ان يعرضه على الإستفتاء الشعبي ، متى أحرز على ثلاثة أرباع (3/4) أصوات أعضاء غرفتي البرلمان ،
وهناك طريقة أخرى أكثر تعقيدا للتعديل دون إشراك الشعب ، حيث يشترط عرض المشروع على المجلس الدستوري الذي يبدي رأيه ويعلله ، ولكي يصبح التعديل مقبولا يجب موافقة ثلاثة أرباع النواب في البرلمان على المشروع (2) .
– لكن الذي لا يغيب عن الأذهان هو ان رئيس الجمهورية لو عرض المشروع على المجلس الدستوري و أدلى هذا الاخير برأيه وعلله ، فإن ذلك لا يعني أبدا أنه ينبغي على رئيس الجمهورية تكملة الإجراءات بطرح المشروع على المجلس لكي يوافق عليه بالأغلبية المطلوبة وهي ثلاثة أرباع ، فيترك لرئيس الجمهورية الخيار بعرض النص على الشعب أم عدم عرضه ، متى أحرز ذلك النصاب المطلوب (1) ،
لكنه يجبر رئيس الجمهور على اللجوء إلى الشعب لإستفتائه حول الشروع إذا لم يتوفر النصاب المطلوب ، وهو ما يضمن لرئيس الجمهورية في حالة حصول النص على الأغلبية البسيطة فقط إمكانية تمريره لعرضه على الشعب ، مما يؤكد دور وثقل رئيس الجمهورية في هذا المجال بالمقارنة مع المجلس الشعبي الوطني لا سيما وان الدستور يخوله اللجوء إلى الشعب بالإعتماد خصوصا على المادة السابعة التي تمكنه من الرجوع مباشرة إلى الشعب دون واسطة أو قيود (2) .
– إن القراءة المناسبة لأحكام ونصوص المراجعة الدستورية لسنة 1996 ، تبين بوضوح وبصفة صريحة سلطة واختصاص رئيس الجمهورية التشريعي عن طريق إصدار الأوامر في بعض الحالات المعينة (3) ، فاللجوء إلى هذا الأسلوب من التشريع يعود إلى ترجيح كفة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية بسبب ازدياد مهام السلطة التنفيذية ، وعدم نجاعة السلطة التشريعية في مواجهة المسائل الصعبة المتداخلة والتي تتطلب التدخل السريع ، وبسرعة فعالة (4) .
– إن القاعدة في الانظمة الحديثة تقوم في حكمها على الإرادة الشعبية ، حيث نجد على جانب البرلمان رئيس المؤسسة التنفيذية أيضا منتخب مباشرة أو بطريقة غير مباشرة ، الأمر الذي جعل الدساتير الحديثة ، جاءت بقاعدة جديدة مفادها توزيع الوظيفة التشريعية بين جهات ثلاثة ، يتماشى والتغيير الذي حدث في مفهوم السيادة التي أصبحت ملكا للشعب مما يسمح بتجزئتها ، وبالتالي تعدد ممارستها ، فقد تمارس من قبل الشعب بالإستفتاء ، او بواسطة البرلمان عن طريق التشريع او رئيس الجمهورية بواسطة الأوامر ، يساعده في ذلك عامل التشريع بكل حرية في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو بين دورتيه ، وكذلك شرط الموافقة التشكيلية التي تقلل من دور المجلس في مجال التشريع وتدعم مركز رئيس الجمهورية إلى جانب ذلك نتائج هذه الموافقة (1) .
أولا : حرية رئيس الجمهورية في مجال التشريع
تظهر حرية رئيس الجمهورية في مجال التشريع في إنعدام القيود عليها فالمادة 124 من المراجعة و الدستورية ، أو غيرها لم تحدد المواضيع التي يجوز او لا يجوز له أن يشرع فيها أو انه مفوض في ممارستها من قبل البرلمان ، بل هو صاحب الإختصاص التشريعي الكامل أثناء المدة المحددة بثلاثة أشهر في حالة حل مجلس لإنتخاب مجلس جديد ، او فيما بين دورتي المجلس والمحددة بأربعة أشهر ،
– أما الحالة الاستثنائية فقد نصت عليها المادة 93 من دستور 1996 كذلك بعد انقضاء المدة القانونية المحددة لإصدار قانون المالية او الميزانية وهي بعد مرور 75 يوما من تاريخ إيداعه لدى البرلمان بحيث تكون لرئيس الجمهورية سلطة التشريع في مختلف المواضيع (1) ، مما يجعل منه صاحب اختصاص أصيل منقوص فيه يستمده من الدستور مباشرة . (2)
ثانيا : الموافقة الشكلية تقلل من دور البرلمان في مجال التشريع وتدعم مركز رئيس الجمهورية
لما كان رئيس الجمهورية يتمتع بالاختصاص التشريعي إلى جانب البرلمان في أول دورة له ليوافق عليها ، فإن هذه الأوامر التي تعرض على كل غرفة من البرلمان في أول دورة له ليوافق عليها ، فإن هذه الأوامر التي تعرض على كل غرفة ليوافق عليها ، فإن هذه الأوامر تكتسب الصفة التشريعية بمجرد إصدارها ، وبالتالي فإن المسألة لا تبقى معلقة على موافقة المجلس بعد مناقشتها ، ذلك ان الدستور لم يمنح أي سلطة لمراقبة أعمال رئيس الجمهورية في مجال التشريع بل انه قيد سلطته من خلال إلزامه بالموافقة على تلك النصوص دون مناقشة في اول دورة ، وهذا ما أكده النظام الداخلي للمجلس تطبيقاته العملية (3) .
حيث لا تترك للمجلس الشعبي الوطني أية حرية للتحرك ، فهي تأمر مكتب المجلس بإدراج الموافقة على الأوامر وجدول الأعمال دون مناقشة على أي مستوى .
فالمقصود بالموافقة حسب نص المادة 124 من المراجعة الدستورية ،هو إخطار النواب فقط ، لان الأوامر تكتسب قوة وسمو القانون بمجرد صدورها ، فالموافقة لا تضفي على الأوامر الصفة التشريعية ، ورفضها لا ينفي عنها تلك الصفة لكونها اختصاص أصيل مكتسب من الدستور مباشرة ، وهذا معناه تمتع المؤسستين بسلطة التشريع ، ومن ثمة الموافقة ليس لها معنى لأنها تحول الاوامر إلى قوانين ، وبالتالي فهي إجراء شكلي ، ولا معنى له (1) .
– لرئيس الجمهورية وسائل وأدوات تمكنه من التعبير عن إرادته ، والتأثير على الأوضاع في المجتمع وتوجيه السياسة العامة ، والتحكم في التعبير عن إرادته دون أية ضغوط ، بالإضافة إلى التحكم في البرنامج الحكومي ، وكل ذلك يتم إما عن طريق مراسيم رئاسية أو بواسطة أوامر ، عملا بأحكام المادة 124 من دستور 1996 ، إلا أن هذه الأخيرة تتم أثناء غيبة البرلمان ، وعلى ذلك لا يستطيع استخدام هذا الحق إلا في الحالات التي تعتبر فيها الحياة البرلمانية معطلة لسبب او لآخر ، كغيبة البرلمان بين دورتي المجلس ، أو فترة شغور المجلس ، أو الإعلان عن انتخابات تشريعية مسبقة ، او في المدة الفاصلة بين فصلين تشريعيين ، بالإضافة إلى هذه الحالات أضاف المشرع الدستوري حالات أخرى قد تؤدي إلى تعطيل الحياة البرلمانية بسبب العمل بالدستور (2) .
– كذلك هناك حالات أخرى تخول لرئيس الجمهورية حق التشريع بالأوامر دون ان يتقيد بحالة غياب البرلمان ، بل وحتى في حالة انعقاده وذلك استنادا إلى الظروف الاستثنائية المنصوص عليها في المادة 93 من دستور 1996 ، دون حاجة إلى تفويض من السلطة التشريعية أو إذن مسبق (1) .
– يستمد رئيس الجمهورية اختصاصه التشريعي من الدستور ذاته ، وذلك طبقا لأحكام الدستور لسنة 1996 ، وهذا ليس عن طريق تفويض من المجلس الشعبي الوطني مثلما هو الحال عليه في دستور 1963 ، والدستور الفرنسي لعام 1958 (2) .
– بعد صدور دستور 1989 فقد رئيس الجمهورية سلطة التشريع عن طريق الاوامر ، ولم ينقل هذا الدستور هذه السلطة إلى رئيس الحكومة كما هو الحال بالنسبة للكثير من الدساتير التي اعتنقت مبدأ ازدواجية السلطة التنفيذية ، لا سيما الدستور الفرنسي لسنة 1958 (3) .
– بعدما كان رئيس الجمهورية يتمتع بصلاحيات تشريعية يمارسها عن طريق الأوامر بعد المرور على عدة إجراءات وتدابير قانونية منصوص عليها في دستور 1963 ، بل شهد الميدان آنذاك اللجوء إلى تطبيق المادة 58 و59 من نفس الدستور والمتعلقة بالظروف الاستثنائية ، فأصبح رئيس الجمهورية المشرع عن طريق الاوامر ، يمارسها دون حصوله على موافقة مسبقة او لاحقة من طرف الجمعية الوطنية المختصة آنذاك بالتفويض (4) .
وإلى غاية صدور أمر 10 جويلية 1965 ، أصبحت الأوامر هي المصدر الوحيد للتشريع في الجزائر ، فتصدر جميع التدابير التشريعية التي تتخذها الحكومة في شكل أوامر ، ومن خلال ذلك ظهر تدرج جديد للقواعد القانونية في الجزائر (1) .
– وفي دستور 1976 لم يقتصر دور التشريع على المجلس الشعبي الوطني رغم نص المادة 126 عليه كصاحب اختصاص أصيل ، بل صار يتقاسمه في ذلك رئيس الجمهورية عن طريق الأوامر لكن بشرطين (1) ، الأول يتعلق بالزمان بحيث يمارس رئيس الجمهورية طبقا للمادة 153من دستور 1976 هذه السلطة فيما بين دورات المجلس الشعبي الوطني في جميع المجالات المحددة للقانون بدون استثناء ، ويتمثل الشرط الثاني في وجوب عرض الأوامر التي يتخذها رئيس الجمهورية على المجلس الشعبي الوطني في أول دورة له مقبلة للموافقة عليه مع الملاحظة والتذكير ان المادة 155 من النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني ، تأمر مكتب المجلس بإدراج الموافقة على الأوامر في جدول الأعمال دون مناقشتها ، فالمقصود إذا من العرض هو مجرد إخطار النواب لا غير .
– أما دستور 1989 ، فلم ينظم التشريع عن طريق الأوامر ، وبالتالي قضى على التدخل المباشر لرئيس الجمهورية في التشريع ، فما هو وضع رئيس الجمهورية في دستور 1996 واختصاصاته التشريعية ؟ .
– من خلال ما تقدم يتبين لنا ان كل المواثيق والدساتير والقوانين لا تعتبر سوى وسائل تستعملها الحكومات لتحقيق أغراض معينة ، وعليه فإن صياغة ووضع المواثيق والنصوص رغم أنها تعبر عن إرادة الشعب أو أغلبيته لا يكون لها قيمة قانونية وتاريخية إلا إذا تم تطبيقها واحترامها من قبل ممارسي السلطة ، وذلك حتى تحترم من قبل الشعب .
وفي ظل التداخل الرقابي والذي يعزز التداخل الوظيفي ، برزت هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية أدت إلى تدخل رئيس الجمهورية في الاختصاص التشريعي ،
باعتباره رئيسا للدولة بجميع سلطاتها (1) . كما ان هذا الاختصاص مخول دستوريا لرئيس الجمهورية لكن في أوقات وحالات محددة طبقا للدستور بغرض عدم وضع البلاد في فراغ تشريعي قد يؤدي إلى بروز عدة أزمات لا يحمد عقباها .
الفصل الثاني الدور التشريعي لرئيس الجمهورية في الظروف غير عادية
تعد عملية التشريع المحور الأساسي والمجال الحيوي لتحريك وتفعيل العلاقات الدستورية الوظيفية بين سلطات ومؤسسات الدولة ، ولضمان استمرارية هذه الحركة التشريعية برزت ضرورة ان يتصدى رئيس الجمهورية لأي خلل قد يعيق هذه الحركة وهذا بموجب المادة 70 من دستور 1996 ، بوصفه الراعي والحامي لمصالح الدولة ، هذا من خلال تدخله ولو بصفة إستثنائية في الوظيفة التشريعية لتسيير أمور الدولة إلى غاية إنقضاء المانع الذي منع السلطة التشريعية من ممارسة وظيفتها (1) .
– ولتنظيم حالة الظرورة أعطى المشرع الدستوري بموجب المادة 124 من دستور 1996 ، الحق لرئيس الجمهورية بالتشريع عن طريق إصدار الأوامر .
وللإلمام بكل الجوانب المتعلقة بهذا الفصل ، فقد قسمناه إلى مبحثين على النحو التالي :
– المبحث الاول : سلطات رئيس الجمهورية بمقتضى المادة 124 من دستور 1996 ، توسيعا لاختصاصه التشريعي .
– المبحث الثاني : القيود الواردة على التشريع بالأوامر المتخذة من رئيس الجمهورية .
– طبقا للمادة 124 من الدستور ، فإن لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني ، او بين دورتي البرلمان ، او في حال عدم المصادقة على فانون المالية وسنتعرض على هذه الحالات بالتفصيل .
– إن حالة شغور المجلس الشعبي الوطني حسب نص المادة 124 الفقرة الأولى من الدستور بمفهومها الواسع هي غياب البرلمان وتعطيل الحياة البرلمانية لسبب أو لآخر ، أو يكون بسبب حل المجلس الشعبي الوطني ، ويعد هذا الأجراء من اخطر الأساليب التي يتعرض لها البرلمان ، حيث يجعل من هذا النظام صعوبة في التوازن نتيجة طريقة استعماله فذلك من شأنه أن يغير من طبيعة النظام ، كما يصبح البرلمان بهذا الشكل مظهرا و خداعا للديمقراطية في هذا النظام (1) .
– لذلك نصت الكثير من دساتير الدول على ضمانات عدم التعسف في استعمال هذا الحق ، أما في النظام السياسي الجزائري فيتمتع رئيس الجمهورية بحق الحل فهو صلاحية من صلاحياته الدستورية ، وغالبا ما يلجأ رئيس الجمهورية قبل الحل إلى التشاور والتفاهم مع الحكومة القائمة والتي غالبا ما يكون طلب الحل قد صدر منها أولا ، فإذا ما لجأ رئيس الجمهورية إلى استعمال هذا الحق دون مشاورة الحكومة القائمة ، ولم تكن هذه الأخيرة موافقة على الحل فلا يكون أمامها سوى أن تستقيل ، وهو ما أشارت إليه المادة 20 من دستور 1989 ، وهنا يكون لرئيس الجمهورية استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني وكذا رئيس الحكومة (2) .
ومع كل ذلك فإن رئيس الجمهورية يسعى دائما جاهدا إلى فظ أي نزاع قائم بين السلطتين ، التشريعية والتنفيذية ، وهذا لضمان استقرار المؤسسات من جهة ، وتعزيز ثقة الشعب به من جهة أخرى (1) ،
ويكون حل المجلس الشعبي الوطني في حالتين :
1. عندما يرفض المجلس الشعبي الوطني برنامج الحكومة رفضا متتاليا طبقا لنص المادة 82 من دستور 1996 .
2. عند عدم موافقة المجلس الشعبي الوطني على لائحة الثقة التي يطلبها رئيس الحكومة حسب نص المادة 84 من الدستور ، بمناسبة مناقشة عمل الحكومة إثر البيان السنوي عن السياسة العامة للدولة ، الذي تقدمه الحكومة أمام الغرفة الأولى من البرلمان .
– فالبرلمان هو الهيئة التشريعية الأصلية الغير موجودة ، ونتيجة لغيابها فالحياة البرلمانية معطلة ، كذلك لا بد من سلطة تتولى التشريع وتحل محل السلطة التشريعية لآداء الوظيفة التشريعية لأن هذه السلطة عادة ما تكون لرئيس الجمهورية كعضو تشريعي أصيل مستمد اختصاصه مباشرة من الدستور ، دون تفويض او إذن مسبق من المجلس الشعبي الوطني ، وهذا خلافا لرئيس الجمهورية في ظل الدساتير السابقة (2) .
– إن إحلال رئيس الجمهورية محل البرلمان في آداء الوظيفة التشريعية في ظل أحكام المراجعة الدستورية في عام 1996 ، إختصاص غير مفوض ومطلق يمارسه رئيس الجمهورية بصفة كاملة ومنفردة ، وفي فترة غياب البرلمان وهي وضعية مؤقتة يزول أثرها بزوال سبب وعلة شغور المجلس الشعبي الوطني .
– وينقضي حق رئيس الجمهورية في إصدار الأوامر في هذه الحالة لانعدام أساسها ومبررها ما دامت الحياة البرلمانية عادت إلى طبيعتها المعتادة ، وهذا ما نصت عليه المادة 113 من الدستور بقولها : « تبدأ الفترة التشريعية وجوبا في اليوم العاشر الموالي لتاريخ انتخاب المجلس الشعبي الوطني …… » .
– إضافة إلى التشريع الرئاسي أثناء حل الغرفة الأولى ، ووصف على انه تشريع في حد ذاته ، فهي أوامر ذات صيغة قانونية لأنها لا تحتاج لا لتصويت ولا لموافقة (1) .
– من خلال المادة 124 من دستور 96 ، يتضح أن رئيس الجمهورية له أن ينعقد اختصاص بشكل منفرد ولفترة معينة تمثل الفترات الفاصلة لدورات انعقاد البرلمان ، ودورات المجلس الشعبي الوطني تفوق نصف السنة أي لا تتعدى ثمانية أشهر على الأكثر ، وقد نصت على ذلك المادة 118 من دستور 1996 بقولها : « يجمع البرلمان في دورتين عاديتين كل سنة ومدة كل دورة أربعة أشهر على الأقل ……. »
إعتبارا لذلك فإن فترة اختصاص رئيس الجمهورية التشريعية ، تعتبر محددة ومقيدة بمدة معينة و هي أربعة أشهر المتبقية والخارجة عن نطاق الفترتين التشريعيتين العاديتين ، فهو اختصاص أصيل وكامل ومنفرد وجزء لا يتجزأ من الجهاز التشريعي المتكون من رئيس الجمهورية والبرلمان معا ، لكن دستور 963 أضاف بعض القيود على السلطة التنفيذية في حالة التشريع عن طريق الأوامر ، وذلك لأجل إيجاد التوازن بين السلطة التنفيذية والتشريعية (2) .
– ويمارس رئيس الجمهورية هذا الإختصاص في غياب البرلمان وخلال الفترات الفاصلة بين انعقاده ، ومكملة للوظيفة التشريعية إستعدادا لأي طارئ قد يحدث خلال الفترة الزمنية التي تفصل بين دورتي السنة التشريعية وهي حسب المادة 118 من دستور 96 محددة ومحصورة بأربعة أشهر لا يمكن مواجهتها إلا بقانون ، فإن الدستور خول لرئيس الجمهورية اتخاذ الأوامر المناسبة والملائمة لذلك ، بالرغم من ان هذه المدة قد جعلت فرص المجلس التشريعي في الآداء قد أصبحت أكبر ، ولكن المجلس لم يتخلص بعد من القيود الإجرائية التي تعيق آدائه رغم تمديد المدة الزمنية لأربعة أشهر (1) .
– كما أن النص الدستوري يوحي بأن ممارسة هذا الاختصاص التشريعي من قبل رئيس الجمهورية هو عمل إداري واختياري وغير وجوبي ، أي أن لرئيس الجمهورية الحق في ان يشرع متى أراد ، أو لا يشرع أيضا إن لم يرغب في ذلك ، أما النصوص التشريعية التي يستعملها رئيس الجهورية فهي تصدر في صورة أوامر قانونية ، والتي بعد أن تحدث آثارا قانونية على مستوى المجتمع و مؤسساته و بعد أن ترتب مراكز قانونية على مستوى الأفراد والهيئات ، تعرض على الموافقة من طرف البرلمان في اول دورة تشريعية له (2) .
– وهذا الإجراء يعد بمثابة رقابة لاحقة من قبل ممثلي الشعب عن الأوامر المتخذة من قبل رئيس الجمهورية ، وجزاء هذه الرقابة في حالة عدم موافقة البرلمان يكون مصيرها الإلغاء (3) .
– و في حالة عرضها على البرلمان ، ونالت موافقته ترتقي هذه الأوامر إلى مرتبة القانون خلال الفترة التي تصدر فيها هذه الأوامر
– ولقد حددها ورتبها النص الدستوري وهي فترة غياب البرلمان ، وبالتالي يتوجب في هذه الحالة أن تعرض اول دورة له خلافا لبعض النصوص الدستورية في بعض الدساتير والتي تفرق بين حالتين عند عرض الأوامر التشريعية على البرلمان :
الحالة الأولى : أن تصدر الأوامر والمجلس قائم ، وفي هذه الحالة يجب أن تعرض على المجلس في فترة زمنية محددة (1) .
الحالة الثانية : صدور الاوامر والمجلس في فترة الحل ، وفي هذه الحالة يتوجب أن تعرض في أول جلسة له (2) .
– حسب نص المادة 120 من دستور 1996 ، فإن البرلمان يصادق على قانون المالية في مدة أقصاها خمس وسبعون يوما من تاريخ إيداعه .
– وفي حالة عدم المصادقة على قانون المالية في الأجل المحدد سابقا ، يصدر رئيس الجمهورية مشروع الحكومة بأمر (3) .
– ومن خلال عبارة « مشروع الحكومة » دلالة على أن المبادرة في المجال المالي خص بها الدستور الحكومة دون البرلمان ، وذلك استنادا إلى ما هو جاري به العمل وحماية للخزينة العامة من أي اقتراحات قد تضر بالمال العام خاصة إن كان يهدف اقتراح البرلمان إلى تحقيق منفعة جوهرية أو طائفية .
والمقصود بالمنفعة الجهوية أو الطائفية هي المصالح الخاصة التي يسعى لها النواب على حساب المصالح العامة للشعب وللدولة (1) .
– فعدم موافقة البرلمان بمجلسيه على مشروع قانون المالية في ظرف شهرين ونصف ، ابتداءا من يوم إيداعه لدى مكتب الغرفة الأولى ، يصدر قانون المالية بأمر رئاسي (2) .
– والجديد في المراجعة الدستورية لسنة 1996 هو إمكانية إصدار قانون المالية بأمر رئاسي وفقا لما أتى عليه المشروع من قبل الحكومة ، أي لا يأخذ بما أدخله المجلس الشعبي الوطني من تعديلات إن بقى النص مراوحا مكانه لدى رحاب الغرفة الثانية (3) .
– وصدور قانون المالية بأمر رئاسي يرجع لما للميزانية من أهمية ، أي لا بد من توافر موازنة مالية للدولة قبيل بداية حلول العام الجديد ودون ذلك تصبح الدولة من الناحية المالية في ريبة ، والظاهر ان رئيس الجمهورية أسندت له مسألة الإصدار بناءا على خطورة الآثار التي تنجم عن عدم تواجد قانون المالية ، لكون ذلك يؤدي بالضرورة إلى الفوضى أو بالأحرى إلى الشلل الكلي للدولة (4) .
– وعلى أي حال فالسلطة التنفيذية لها دور معتبر في المجال المالي ، ويرتد ذلك إلى كونها هي التي تبادر فيه بمشاريع مالية ، ومن ذلك لرئيس الجمهورية ،
أن يصدر بأمر رئاسي له قوة قانون المالية إن اقتضى الأمر ذلك ، ودون ذلك فالتصويت على مشاريع قوانين المالية يجري وفقا الإجراءات والضوابط المقررة بشأن القوانين العادية (1) .
و يحض قانون المالية بإحتفال رسمي على خلاف النصوص القانونية الأخرى التي تجري بعيدا عن كل المراسيم والشكليات ، حيث أن رئيس الجمهورية يريد بذلك إعلام الرأي العام بنجاح سياسته (2) .
– إن القوانين قد وضعت في الأصل لتطبق في الظروف العادية ، إلا انه أحيانا ما يتغير المناخ الطبيعي لتطبيقها ، حيث تطرأ ظروف استثنائية تهدد كيان الدولة وتعجز القوانين العادية عن مواجهتها ، وقد تقع هذه الظروف أثناء وجود البرلمان إلا ان هذا الأخير يعجز عن التدخل التشريعي السريع لمواجهتها ، وما يصحبها من أخطار جسيمة قد تزيد الأمر سوءا ، ومن هنا يجبر رئيس الجمهورية استنادا للظروف الاستثنائية الواردة في نص المادة 93 من دستور 1996 ، سلطة واسعة ومطلقة في اتخاذ التدابير الاستثنائية اللازمة والتي تحتملها الظروف الخطيرة والتي تهدد الوحدة الوطنية او سلامة ترابها ، وتتخذ هذه التدابير في شكل أوامر تشريعية (3) .
– حيث يمكن لرئيس الجمهورية ان يشرع في الحالة الاستثنائية المذكورة في المادة 93 من دستور 1996 ، وقبل اتخاذ هذه التدابير من قبل رئيس الجمهورية يجب استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ، ورئيس مجلس الأمة والمجلس الدستوري ، بالإضافة إلى الاستماع للمجلس الأعلى للأمن ومجلس الوزراء ، ولكن القرار النهائي هو من اختصاص رئيس الجمهورية وحده ودون حدود ، ولا يحق لأية جهة أن تراقبه مما يجعله حرا في الدولة ، وان كل ما في الأمر لا يتعدى موقف رئيس الجمهورية من حد الاستشارة لا غير ، وليس له ما يلزمه او يمنعه من الأخذ به أو رفضه (1) .
– وتتخذ هذه الأوامر في مجلس الوزراء بحكم أن رئيس الجمهورية يرأسه ، للإطلاع على ما يتخذه من إجراءات استثنائية لا غير ، واجتماع البرلمان يكون وجوبا وذلك حتى يكون ممثلي الشعب على علم ، ولا يعقل أن تتخذ إجراءات استثنائية وممثلي الأمة في غفلة من ذلك (2) .
– أي ليس هناك إشارة صريحة إلى ذلك الدستور بصفة عامة ، ولا حتى في المادة 93 ، أو المادة 124 من الدستور بصفة خاصة ، مما يجعل القول في هذا المجال أنه نظرا لكون التدابير هي تدابير وقتية أملتها ظروف عابرة ، فإنه ليس بالإمكان استغلال ظروف وقتية وخطيرة لتعديل الدستور .
– وكل ما في الأمر انه بالإمكان تعليق بض القواعد والأحكام الدستورية ، وعدم العمل بها مؤقتا ، على أن لا يتعلق هذا الإجراء بالقواعد و الأحكام المتصلة بوجود البرلمان ذاته ، فبالإمكان تجميد نشاطه والحد من حدود السلطات العامة إلى حد ما (1) .
– تستند سلطة رئيس الجمهورية في إصدار الأوامر التشريعية في دستور 1996 ، على نص المادة 124 منه ، وحرصا من المشرع الدستوري على اعتبار الأوامر في حقيقتها ممارسة الاختصاص التشريعي ، وبالتالي تمثل اعتداء على مبدأ الفصل بين السلطات (2) .
– فقد عمل الدستور بشروط تضمن عدم إساءة استعمال هذه السلطات ، وما قد ينجم عنها من مساس بحقوق وحريات الافراد ، ولقد حددت المادة 124 من دستور 1996 قيود لممارسة رئيس الجمهورية لاختصاصه التشريعي عن طريق الاوامر (2) .
– نصت المادة 124 فقرة 05 من دستور 1996 ، على أنه تتخذ الأوامر في مجلس الوزراء ، وهو شرط يجعل المسؤولية لا تقع على عاتق رئيس الجمهورية ،
والمقصود من ذلك ان المسؤولية السياسية لا تقع على رئيس الجمهورية لوحده فقط ، طالما أنه يتولى تعيين رئيس الحكومة وإبداء رأيه على الطاقم الوزاري المعين ، إضافة إلى مشاركته في ضبط البرنامج الحكومي بعرضه على مجلس الوزراء الذي يرأسه شخصيا (1) .
– بل تتحمل الحكومة كامل العبء معه في المسؤولية عن طريق التشريع بأوامر (2) .
فالمشرع الدستوري ترك لرئيس الجمهورية تقدير ما إذا كانت هذه الظروف تستوجب اتخاذ إجراءات عاجلة لا تحتمل التأخير لمواجهتها أم لا ، باعتباره السلطة القائمة في هذه الأحوال والمشرفة على الموقف في حالة غيبة البرلمان ، والجدير بالذكر ان النص الدستوري لم يذكر بالتحديد صراحة شرط قيام حالة الضرورة والاستعجال في غيبة البرلمان ، وهو شرط أساسي وجوهري لصحة الاوامر ووجودها ، لكن هذا لا يعني أن المؤسس الدستوري الجزائري يكون بذلك قد استغنى عنها ، بل يستخلص ضمنيا انه لم يتخل عنها وإلا ما كان ليبرره (3) .
– حسب نص المادة 124 فقرة 2 من دستور 1996 ، يعرض رئيس الجمهورية النصوص التي اتخذها على كل غرفة من البرلمان في اول دورة له للوافقة عليها ، وهذه الأوامر يتم التصويت عليها من طرف البرلمان بدون مناقشة .
اترك تعليقاً