تطبيق قواعد قانون المنافسة على الأشخاص العموميين
الأشخاص العموميون من الاحتكار إلى الخضوع لقواعد قانون المنافسة
يمثل الأشخاص العموميون العمود الفقري للتنمية الاقتصادية هذه الأخيرة زادت أهميتها بصفة خاصة مع تنامي الاتجاه نحو العولمة والاندماج في بنية الاقتصاد العالمي.
وهذا نظرا لما شهدته الدول من تطور سريع لأشخاصها العامة أصبحت قدرة أي اقتصاد على المنافسة تقاس بمدى توافر واتساع شبكات الفاعلين الاقتصاديين العموميين وجودة وكفاءة خدماتها.
ومن منطلق الأهمية الكبرى لتواجد الأشخاص العموميين في الساحة الاقتصادية بالقدر المطلوب والجودة الملائمة، ونظرا لما تتوفر عليه من إمكانيات وما تحظى به من وسائل تقنية وقانونية، احتكرت حكومات معظم الدول بما في ذلك المغرب لسنوات طويلة النشاط الاقتصادي وبالتالي شهدت بعض البلدان اعتمادا كبيرا على القطاع العام في القيام بالمشروعات وقامت حكومات الدول النامية خلال عقدي الستينات والسبعينات بالسيطرة على تلك المشروعات من ناحية تملكها، وتشغيلها، وتمويلها وتنظيمها.
وإذا كان التدخل للأشخاص العموميين في الاقتصاد يعزى إلى السعي نحو تنشيط النمو الاقتصادي. فإنه في ظل تحديات الواقع المعاصر المستند على الليبرالية الجديدة([1])، أصبحت مجبرة على إعادة النظر في تدخلاتها واحتكاراتها للأنشطة الاقتصادية لتتنازل عن جزء مهم من هذا النشاط الاقتصادي لفائدة الفاعلين الخواص القادرين على الانخراط في هذا الواقع([2]). فبعد أن عرف المغرب خلال الفترة الممتدة ما بين 1956 حصول المغرب على الاستقلال إلى غاية 1983 بداية سياسة التقويم الهيكلي حضورا قويا للأشخاص العموميين على مستوى السياسة الاقتصادية نتيجة لضعف أو غياب المبادرة الخاصة، حيث سجل حضورا قويا لتدخلات الفاعلين العموميين على صعيد مختلف المجالات وكذا الأنشطة، إلا أنه وابتداء من سنة 1983 مع بداية سياسة التقويم الهيكلي ([3]) وأمام الصعوبات التي أضحت تواجهها الوحدات الاقتصادية العمومية برزت على سطح إستراتيجية جديدة قوامها سياسة التحرير الاقتصادي بما تعنيه من الحد من هيمنة واحتكار الدولة للأنشطة الاقتصادية وكذا تدخلاتها في إدارتها وتنظيمها برزت آليات هذه الإستراتيجية على الخصوص من خلال برنامج سياسة الخوصصة([4]). وتطويرا وتكريسا للنظام الليبرالي المتبع من طرف المغرب منذ استقلاله الذي تجلت مقوماته في نظام السوق الحرة والرفع التدريجي ليد الدولة في الاقتصاد.
لقد اهتم الفكر الاقتصادي لسنوات بفكرة تدخل الأشخاص العموميين في النشاط الاقتصادي واعتمدوا على الخصائص الفنية لهذه المرافق في تبرير هذا التدخل، إلا أن التجربة أثبت عدم نجاعة الاحتكار العمومي للنشاط الاقتصادي ولذلك ظهرت نظريات اقتصادية مناهضة لاحتكار الدولة وداعية لتعدد الفاعلين الاقتصاديين كنظرية الأسواق التنافسية (Marché Contestable) كما ظهر على المستوى الاديولوجي الفكري اتجاه حمل لوائه الفكر الليبرالي الجديد .
وعموما يمكن القول إن الأمر يتعلق برؤية جديدة للدولة تعتمد على الانسحاب التدريجي من الحياة الاقتصادية لصالح المبادرة الخاصة وتثبيت النهج الليبرالي في الاقتصاد([5]).
فالدولة التي كانت في السابق دولة دركية ثم أصبحت دولة تدخلية([6]) أصبح مطلوبا منها اليوم أن تتحول إلى ما يصطلح عليه بالدولة المنظمة بمعنى ، أن تسعى إلى تأطير القطاعات الاقتصادية من خلال احترام التوازن بين المصالح المعبر عنها من قبل المشرع، وهو ما يعني أن الأمر لا يتعلق بالانسحاب الكلي للدولة من النشاط الاقتصادي أو بتبعية هذا الأخير لمنطق السوق، بل يعني حضور جديد لدور الدولة يتمثل في الضبط وتأطير القطاعات الاقتصادية والتزامها بالمقتضيات القانونية المنظمة لتدخلاتها الاقتصادية([7]). وتبعا لذلك أصبح تدخل الدولة
في النشاط الاقتصادي يخضع للقواعد المنصوص عليها في إطار قانون حرية الأسعار والمنافسة([8]) مثلها في ذلك مثل الفاعلين الخواص على الرغم من أن المشرع المغربي حدد لها إطارا لهذا التدخل وبالتالي الخضوع لقواعد المنافسة حيث استلزم ذلك قيام شروط إيجابية وأخرى سلبية.
انطلاقا مما سبق سنحاول الوقوف على عناصر منظمة لتدخل الأشخاص العموميين في النشاط الاقتصادي من خلال فرعين نخصص الفرع الأول للحديث عن أفول القاعدة الاحتكارية للأشخاص العموميبن استنادا على اعتبارات اقتصادية واديولوجية على أن نتناول في الفرع الثاني الشروط الواجب توفرها لخضوع الفاعلين العموميين لقواعد المنافسة.
الفرع الأول:
أفول القاعدة الاحتكارية للأشخاص العموميين لاعتبارات اقتصادية وإيديولوجية
أدى انهيار النظم الاشتراكية([9]) وحدوث الثورة التكنولوجية والتدفق في رأس المال الخاص الدولي نتيجة لافتتاح الأسواق بالعديد من الاقتصاديين إلى مراجعة أفكارهم ونظرياتهم وكذا سياساتهم الاقتصادية بحيث شكل هذا ثورة في مفاهيم استمرارية احتكار الأشخاص العموميون للأنشطة الاقتصادية.
فإذا كانت معظم تدخلات الأشخاص العموميون في النشاط الاقتصادي
في السابق لاسيما في الدول النامية تجد تبريراتها إما في ضعف قدرة القطاع الخاص، وإما في تعويض الانسحاب الأجنبي([10]) مما مكنها من لعب دور طلائعي
في بداية عطائها إلا أنه سرعان ما ظهرت على السطح العديد من السلبيات
في عملها انعكست نتائجها على فعالية هياكلها مما استدعى معه إعادة النظر
في هذه القاعدة الاحتكارية من خلال تبني نظريات اقتصادية كنظرية الأسواق التنافسية (Marché Constable) والمستندة على فتح الأسواق أمام الفاعلين الاقتصاديين الخواص وعلى إمكانية ولوجهم إليها.
كما نهجت بعض الدول في إطار سياستها للتحلل من احتكاراتها للأنشطة الاقتصادية (الاحتكار الحكومي) سياسة اقتصادية متدرجة بنيت على مراحل لينتهي بها المطاف إلى تبني مخطط اقتصادي قوامه الخوصصة كسبيل لتحررها من هيمنة واحتكار الفاعلين العموميين.
وإذا كانت هذه هي أبرز العوامل الاقتصادية التي ساهمت ففي أفول القاعدة الاحتكارية للأشخاص العموميين (المبحث الأول)، فإنها من دون شك لم تكن العوامل الوحيدة والمؤثرة في هذا التوجه بل كان للعوامل الإيديولوجية الفكرية والتي برزت من خلال الخطاب الليبرالي الجديد([11]) المناهض لاحتكارية الأشخاص العموميون والداعي إلى تخلي الأشخاص العموميين عن السيطرة الاقتصادية وبالتالي فتح الأسواق أمام الجميع بدون استثناء أو شروط مسبقة (المبحث الثاني).
المبحث الأول:
تحدي العوامل الاقتصادية لاحتكارية الأشخاص العموميين
إن الحديث عن المنافسة يعني التوجه نحو محاربة كل أشكال الاحتكار، نظرا إلى آثاره الجانبية بالنسبة للمتدخلين الجدد في السوق أو على مستوى جودة المنتوجات في حد ذاتها، ولعل هذا هو السبب الذي جعل جل التشريعات التي اختارت نهج السوق الحرة تتعامل بصرامة مع مظاهر الهيمنة والاحتكار داخل السوق، إلى درجة أن بعض التشريعات عنونت تشريعاتها محاربة المنافسة ومحاربة الاحتكار كما هو الشأن بالنسبة للتشريع المصري([12]).
فإذا كانت الاحتكارات العمومية فيما مضى تجد تبريرها إما في أسباب اقتصادية للدول المستعمرة وإما في أسباب سياسية كرمز لقوة الدولة وسيطرتها على القطاعات الاقتصادية الحيوية والأساسية باعتبارها مظهر من مظاهر السيادة، وإما لأسباب إدارية إظهار مكانة وأهمية المرفق العام المحتكر([13])، فإن هذا التصور أصبح اليوم متجاوزا خصوصا مع تنامي الشركات العابرة للقارات والتوقيع على مجموعة من الاتفاقيات كاتفاقية المنظمة العالمية للتجارة([14]) وكذا اتفاقية التبادل الحر مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية([15]) وتركيا([16]) بالإضافة إلى الاتفاقية الأورمتوسطية([17])، دون أن ننسى التراجع الذي أصبح يعتري نشاط الأشخاص العموميون. كل هذه الأسباب ساهمت في إعادة النظر في احتكارية الفاعلين العموميين للأنشطة الاقتصادية.
و تنامى هذا التصور خصوصا مع بروز نظريات اقتصادية كان من أبرزها نظرية الأسواق التنافسية التي نادى بها Baumol Panzar, Willig, ([18]) والتي عرفت بدايتها الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية في بداية الثمانينات.
وتبعا لذلك سنحاول في هذا المبحث التركيز على مؤشرين بارزين لأفول التصور الاحتكاري للدولة يتعلق الأمر بـ:
² نظرية الأسواق التنافسية (المطلب الأول)
² ضعف الفاعلية الاقتصادية للأشخاص العموميون(المطلب الثاني).
المطلب الأول:
نظــــرية الأســواق التنـــافسية
تعرف الأسواق شكلين من الاحتكار: احتكار ناتج عن المبادرة الخاصة أي احتكار القطاع الخاص لمجموعة من الأنشطة الاقتصادية التي يتحكم فيها وفق رغباته وتطلعاته، وآخر احتكار حكومي يجد أساسه في سيطرة الدولة على النشاط الاقتصادي استنادا لمقتضيات تشريعية أو تنظيمية. ويعتبر هذان النوعان من الاحتكار كأحد المظاهر المخلة بالحرية التنافسية داخل السوق، لذلك وجهت عدة انتقادات لمجموعة من الأفكار القانونية والاقتصادية المناهضة للاحتكار والتي عرفت بدايتها الأولى في النصف الثاني من السبعينات بالولايات المتحدة الأمريكية على يد كل من Hayek Triomphaient الليبرالي الاقتصادي الذي استفاد من التيار السائد آنذاك المناهض لاحتكار الأشخاص العموميين. وتوطد هذا التيار مع المدرسة Chigago “شيكاغو”([19]) التي دعت إلى إعادة النظر في السياسة الحمائية التي تتمتع بها المؤسسات العامة والخاصة وخصوصا تلك المرتبطة بالقطاع العام الاقتصادي كما دعت إلى إنشاء أسواق تنافسية تعتمد على التعددية ووجود عدد كبير من البائعين أو المنتجين الذين ينتجون السلعة أو يعرضونها وعدد من المستثمرين أو المستهلكين الذين يطلبون السلعة بحيث لا يستطيع أي منهم أن يؤثر تأثيرا محسوسا على السوق حتى ولو انسحب منه أو تواجد فيه.
لقد عرف هذا التيار الليبرالي التحريري للأسواق صدى واسعا حيث اعتبر في بريطانيا كحل للأزمة الاقتصادية الحادة التي شهدتها([20]) حيث اضطرت معها الحكومة إلى تبني التوجه الأمريكي وخصوصا أفكار مدرسة شيكاغو([21]) ليجتاح بعد ذلك أوربا في نهاية الثمانينات([22]) في إطار التوجه الأوروبي نحو خلق سوق مشتركة.
مما لا شك فيه أن هذا التوجه الليبرالي للأسواق ساهم في بروز نظريات اقتصادية داعية إلى الحرية التنافسية ومناهضة كل أشكال الاحتكار، في هذا الإطار تندرج نظرية السوق التنافسية التي تطورت على يد كل من “Bwmol” “Panzar” “willig” في كتابهم ” السوق التنافسية و نظرية الصناعة المنظمة ” Conteste Markeets and théory of industry structure” بحيث هدفت إلى صياغة قواعد علمية تسعى إلى فهم العلاقة بين السوق والمنافسة ( شدة المنافسة لم تعد ترتبط بعدد المشاركين والمتدخلين في السوق) وأيضا إعادة صياغة قواعد جديدة لاحتكار القلة، وعدم إعارة أي اهتمام للاختلافات الظرفية للمؤسسات المستقرة، بالإضافة إلى تعميم مبدأ الفعالية الاقتصادية([23]).
إن نظرية السوق التنافسية تقوم على إمكانية الولوج إلى الأسواق أو الخروج منها بكل حرية دون أن يكون ذلك مرتبط بتحمل تكاليف غير إضافية. فالسوق التنافسية هي سوق تعطي الحق لكل متدخل أن يصبح منافسا للشركات المحتكرة مع غياب أي تحملات غير ظاهرة بالإضافة إلى ذلك فإن السوق التنافسية مرتبطة أيضا بعدم إمكانية المؤسسات المحتكرة من ردع المتدخلين الجدد للسوق بالاعتماد على تفوقهم الإنتاجي الضخم .
غير أن التنافسية في السوق قد تكون أكثر صعوبة على المؤسسات الموجودة في حالة احتكار عند قيامهم بالزيادة في الإنتاج بغية الوصول إلى تخفيض التكاليف بهدف مقاومة المنافسين الجدد إلا في حالة حصولها على إعانات الحكومة فستكون في وضعية تنافسية مريحة.
إن نظرية السوق التنافسية تقوم على مقاربة تشجيعية، ذلك أنها تحفز المؤسسة المحتكرة على نهج تسيير أكثر فعالية وديناميكية بمعنى آخر العمل على تطبيق أسعار تنافسية والحد من الربيحة الاحتكارية، ذلك أن المنافسة المحتملة من قبل الشركات المتدخلة الجديدة يدفع بالمؤسسات الاحتكارية إلى بدل الجهد من أجل المحافظة على مكانتها داخل السوق من خلال العمل على ضمان ثقة الزبون بالمنتوج أو الخدمة وبالتالي المحافظة على استمرارية المقاولة .
لقد اعتبر جون هبكس “John Hiks” أن المنافسة هو تصرف قوي مبني على تشجيع المبادرة الخاصة بطريقة تؤدي إلى قلب الحياة الهادئة للمؤسسات الاحتكارية([24]) حسب رأيه تشكل أحد مفاتن الاحتكار.
إن الشرط المتطلب من أجل وجود المؤسسة في وضعية احتكارية أن تكون مخالفة للتنظيم وأن يكون تهديد المتدخلين الجدد عليها في الأسواق ذو مصداقية، بحيث تؤسس هذه المصداقية على كون المتدخلين المحتملين في السوق عند قيامهم بتغيرات في السوق، تكون لهم ضمانات الخروج منه بتغطية تكاليف الدخول.
فالتنافسية هي مؤشر عملي لتنظيم السوق ، وفي الواقع يمكن الارتكاز على هذه الخاصية من أجل الدفع بالمحتكر إلى الفعالية عن طريق إدخال منافس حقيقي باعتباره كأحد الحلول البديلة والمرغوب فيها نظرا لكونه يؤدي إلى تحقيق نتائج عالية أكثر فعالية وديناميكية في حركية السوق وأكثر من تلك المتوقعة من الاحتكار([25]). وفي هذا الصدد أصدر القاضي “Green” أمرا بحل الشركة الأمريكية للاتصال والتلغراف”American telephone and telegraph” “َAT&T” وتحرير الاتصال الهاتفي للمسافة البعيدة على اعتبار أن الشركة الأمريكية للاتصال
و التلغراف (AT& T) لم تكن أكثر فعالية في تنظيم القطاع حيث في بداية القرن 20 انتهجت الشركة الأمريكية للاتصال سياسة خطيرة تمثلت في قيامها بشراء الفاعلين الصغار، مما أدى إلى عزل المقاولات الرافضة وبالتالي دخولها مكرهة
في حظيرة الشركة الأمريكية للاتصال والتلغراف من أجل تطوير نظام يسمى “Belle système” (النظام الجميل)([26]). هذا التصرف من قبل شركة الاتصال الأمريكية والتلغراف لقي عدة انتقادات مما دفع المجموعة الأمريكية للاتصالات بالتهديد مرارا على متابعتها في إطار قانون مكافحة الاحتكار. وفي سنة 1913 اتخذت قرارا برفض ربط شبكتها إلا أنه في سنة 1934 تم إنشاء اللجنة الفدرالية للاتصال (F.C.C)([27]) من أجل تنظيم الاتصالات. وفي سنة 1949 وجهت للشركة الأمريكية للاتصال والتلغراف دعوى استنادا إلى قانون مكافحة الاحتكار، غير أن منطوق الحكم ذهب إلى أن وضعية الشركة كقطاع شبه عمومي غير خاضع لهذا القانون (قانون مكافحة الاحتكارات).
في ظل هذا السياق المبني على الاحتكار المحمي دفع بالشركة الأمريكية للاتصال والتلغراف إلى التفكير في حل “Belle système” غير أن مع قدوم الرئيس ريتشارد نكسون وإداراته الليبرالية إلى البيت الأبيض شدد على اللجنة الفيدرالية للاتصال في البحث عن انفتاح قطاع الاتصالات على المنافسة([28])، مما انعكس تدريجيا على استمرارية “Belle système” التي أصبحت مطالبة بأن تلعب دورا اجتماعيا باعتبارها قطاع شبه عمومي. وفي بداية الثمانينات و في إطار الدعوى المقام المتابعة فيها الشركة “Belle système” وقع الاختيار في إطار الدعوى المقام منذ 1974 من طرف الهيئة القضائية في إطار قانون مكافحة الاحتكار بين تعزيز الإجراءات التنظيمية وحل الشبكة الأمريكية للاتصال والتلغراف، التي أكدت رغبتها في حل “Belle système” ، حيث استنادا إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه والذي عرف” “Nodified final judyementقضى بتفكيك الشركة الأمريكية للاتصال والتلغراف ، مما دفع بالشركات الجهوية إلى التجمع في إطار Régional Holding companie أو في إطار “Babies belle” غير أن القاضي Green الذي أصدر الحكم اعتبر أن الشركة الأمريكية للاتصال والتلغراف لم تكن قانونية بشكل فعال.'([29]).
فإذا كانت المنافسة هي المحرك للحياة الاقتصادية، فإن الأسواق هي المحقق لمصالح المستهلكين والمنتجين على حد سواء، فهي تسمح للمستهلك بالحصول على السلع ذات الجودة العالية بأفضل الأسعار، كما أنها تشكل دافع للمنتج للرفع من درجة الجودة ونوعية السلع المنتجة، ويعتبر السوق في إطار تنافسية تامة بمعنى خضوعه للعبة المنافسة في حالتين:
² حالة الأولى وتتعلق بإمكانية الولوج إلى السوق بالنسبة لكل متدخل بكل حرية بمعنى آخر فأن الشركات التي ترغب في المشاركة ودخول حلبة السوق لن تعاني من عدم المساواة مقارنة مع الشركات القائمة.
² الحالة الثانية وتتمثل في إمكانية مغادرة أو الخروج من السوق بكل حرية وبدون أي تحملات.
لقد استبدل كل من Baumol و Panzarو Willig مفهوم المنافسة المثالية (contestable parfaite)بمفهوم التنافسية المثالية وعلى هذا الأساس يشكل في نظرهم كل سوق منافسة مثالية بالضرورة سوق تنافسية (Marché contestable)، ومع ذلك فإن العكس ليس صحيحا أي أن السوق التنافسية لا تنحصر فقط في حالة سوق منافسة مثالية بصيغة أخرى هذا يعني أن وجود منافسة (Situation de concurrence) لا يكون بالضرورة مرتبطا بوجود عدد كبير من العارضين في السوق المعنية، (بمعنى آخر أن فرضية الانقسامية (Atomicité ) لم تعد شرطا ضروريا للوصول إلى أسعار تنافسية) وبالنتيجة و في إطار هذا المفهوم الجديد للسوق التنافسية، فإننا لا نكون قريبين من الأوج (l’optimium) عندما يزداد عدد العارضين بل يمكن أن يكون وجود مقاولتان فقط كافيا لضمان استقرار سعر السوق في مستوى التكلفة الدنيا للإنتاج (Au niveau du coup marginale de production).
أما حرية الخروج من السوق فتشكل الفرضية الأساسية للسوق التنافسية، ففي هذه النقطة تتركز المساهمة الأساسية لمؤلفي كتاب Contestable makets theory of Industry Structure([30])، حرية الخروج تعني أن الشركة يمكن أن تتوقف عن الإنتاج ومغادرة القطاع بدون أن تتحمل أي تكاليف غير متوقعة، كما أن العارض يمكنه معاودة الإنتاج دون أن يكون مضطرا إلى تحمل تكاليف مغادرته للسوق باستثناء تلك المرتبطة بالاستهلاك العادي للرأسمال المستثمر، فحرية مغادرة السوق هي شرط تابع ومرتبط بحرية الولوج إلى السوق أي أن الأولى هي مكملة للثانية فلا يتصور أن يكون البقاء في السوق أبدي يولد أجواء احتكارية.
إن الارتكاز على فرضيتي الدخول والخروج من السوق كمظهر للتنافسية حسب Panzar, Baumol, Willig لا يستبعد معه دعم للموارد الأساسية في سوق عدد العارضين فيها جد ضعيف، فالسوق التنافسية تعمل في أجواء أقرب للمثالية نظرا لتميزها بسماحة الحرب التجارية التي تفسح المجال للمتنافسين المحتملين بالدخول إلى السوق وتحقيق نتائج في حال ارتفاع الأسعار مقارنة مع التكاليف ومغادرته بسرعة وبدون أي خسارة في حالة انخفاض الأسعار أو في حالة رد فعل الشركات المحتكرة([31]).
ومما لا شك فيه أن احتمال قيام تنافس نتيجة لعملية الدخول والخروج كافيا للدفع بالمؤسسات المتواجدة على التصرف كمؤسسات في حالة منافسة عن طريق عدم تحديد سعر أعلى من سعر التكلفة الجديد.
لقد أكدت نظرية السوق التنافسية على مجموعة من الخصائص التي ينبغي أن يتميز بها السوق والشركات بهدف خلق بيئة للتنافس الحر ومقاومة كل أشكال الاحتكار التي من شأنها التأثير بشكل سلبي على حركية السوق التنافسية ويمكن إجمال هذه الخصائص فيما يلي:
1. التأكيد على حرية الولوج للأسواق ومنافسة المؤسسات المتواجدة بدون أي قيود .
2. دخول شركات متعددة ومختلفة.
3. توفر تماثل في الاستفادة من التكنولوجيا بحيث أن الشركات المتواجدة والمتدخلين الجدد لهم نفس الوظيفة والتكاليف.
4. غياب التكاليف والتحملات غير المسترجعة.
5. الخروج من السوق يتم بدون تكاليف مما يعطي المصداقية الدخول([32])، كما تستوجب المنافسة تعدد المنتجبين أو الموزعين في سوق السلعة أو الخدمة وهذا التعدد لازم حتى يكون هناك عدد كاف من الأشخاص ليتنافسوا في الحصول على أكبر قدر من العملاء وإلا كنا بصدد احتكار يمكن صاحبه من التحكم في الأسعار، فالتنافس يفترض وجود سوق حرة تضمن التنافس وتحمي الشركات المنتجة للسلع من احتكار الشركات المسيطرة، كما تحمي المستهلك من تعرضه لضغوط الشركات المنتجة للسلع والمحتكرة من فرض أسعارها في غياب أية منافسة([33]).
فالسوق التنافسية تتميز بالشفافية في المعرفة الكاملة بكل الظروف السائدة
في السوق مما يترتب عليه مقدرة كل شخص سواء كان مشتريا أو بائعا على معرفة الأثمان التي تعرض بها السلع للبيع أو تطلب تقدير ثمن شرائها في الأسواق، وكذلك حرية الدخول والخروج من السوق وعدم وجود عوائق أمام المشتري
في اتخاذ قرار الشراء من عدمه، عن طريق دخوله إلى السوق أو الخروج منها، وكذا حرية البائع في اتخاذ قرار البيع من عدمه. بالإضافة إلى حرية المنتج في الدخول إلى ميدان إنتاج سلعة معينة أو الخروج من ذلك الميدان وقتما شاء، وإمكانية تنقل عناصر الإنتاج بين فروع الإنتاج وهذا يعني سهولة انتقال عناصر الإنتاج من سلعة إلى أخرى ومن مناطق جغرافية إلى أخرى لعدم وجود عوائق أمام انتقال عناصر الإنتاج فالأسواق العالمية تنافسية تقترن بمبدأ تسهيل الدخول والخروج من الأسواق([34]).
إن الحديث عن الأسواق التنافسية، لا يقتضي بالأساس التأكيد على شكل من أشكال الرأسمالية، بقدر ما يهدف إلى الدفاع عن الحرية الفردية والنظام التلقائي. فالسوق التنافسية الحرة تنشأ عندما يتاح للأفراد اكتساب الملكية مع عدم انتهاك حقوق الآخرين([35]).
لقد شكلت نظرية الأسواق التنافسية كأحد التصورات الاقتصادية المناهضة لاحتكارية الأشخاص العموميون مؤشرا هاما في تأسيس أسواق تنافسية تعتمد على تعدد المتدخلين مع تمتيعهم بالحقوق ودون إخضاعهم للالتزامات التي قد تثقل كاهلهم، إلا أنها لم تكن المؤشر الوحيد المعارض للاحتكار بل كان لعوامل أخرى داخلية ترتبط أساسا بالأشخاص العموميين ودورهم في تغيير التصور الاحتكاري ويتعلق الأمر بالخصوص في ضعف الفعالية الاقتصادية للفاعلين العموميين.
اترك تعليقاً