مقال قانوني عن إتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة
بقلم: البروفسور أميتا دهاندا، كليّة الحقوق، نالسار، حيدر آباد.
تعهدات ملزمة في القانون الدولي
الاتفاقية أو المعاهدة هي إلتزام قانوني ملزم في القانون الدولي. وللمعاهدة أو الإتفاقية صفة إلزام خاصة لأن الإلتزامات المحددة فيها هي تلك التي دخلت الدول الأطراف فيها طوعاً بعد عملية مفاوضات. تدخل إرادة الدول في كل مرحلة من مراحل العملية من التفاوض إلى التوقيع إلى التصديق. وحتى كدولة يتم التأكيد على سيادتها بشكل مستمر في صياغة الإتفاقية سيكون من المهم التقدير بأن هذه الحرية نسبية. تخضع الدول في نقاط تقاطع مختلفة لشد وجذب وضغوط من كل من المجموعة الدولية ومواطنيها. من المهم الملاحظة بأن هذه الضغوط تشد أحياناً في نفس الإتجاه وأحياناً تضغط بالإتجاهات المعاكسة. وهكذا تصبح القضية مسألة تخمين فيما يتعلق بأي الضغوط سينجح في كسب موافقة الدولة في نهاية الأمر. وجنبا الى جنب مع الإتفاقيات هناك مستندات أقل إلزاماً من القانون الدولي مثل إعلانات وقرارات الجمعيّة العمومية التي ليست ملزمة للدول لكنها تحدّد الاتجاه الذي يتوقع وينتظر من الدول تبنيه فيما يتعلق بالقضية التي أعلن عنها الإعلان.
خلفية الحقائق
إن ما نحتاج الى تقديره من مفاوضات دولية حالية حول إتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة يأتي في خلفية هذا الفهم الأساسي جداً للقانون الدولي. بالرغم من أن تاريخ القانون الدولي يشير لبعض الجهود الفاشلة في محاولة تأطير إتفاقية للأمم المتحدة خاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أن قانون الأمم المتحدة الخاص بالاعاقة كان متضمنا بصورة أولية في بعض الوثائق القانونية غير الملزمة. بعضها كان إعلان الأمم المتحدة الخاص بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛ وإعلان الأمم المتحدة الخاص بحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة العقلية، وقواعد الأمم المتحدة الخاصة بتكافؤ الفرص للأشخاص ذوي الاعاقة. في المرحلة الحالية، أول ما قدم من قرارات تتعلق بإتفاقية اعاقة كان من قبل المكسيك في المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية، وعندما حظي بالدعم، دفعت المكسيك قرار إنشاء اللجنة المخصصة من خلال الجمعيّة العمومية إلى الامام. ولاحقا لهذا الجهد، أنشأت الجمعية العمومية للأمم المتحدة لجنة مخصصة برئاسة السفير الإكوادوري لصياغة إتفاقية دولية خاصة بحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة. كانت المكسيك قد أعدت أيضاً مسوّدة قدّمتها علنا بالاشتراك مع خبراء من اقاليم مختلفة كانوا مجتمعين في نيسان 2002. كما تم نشرها على الإنترنت للتعليق. وقد نشرت نسخة مراجعة ومنقحة قبل إجتماع اللجنة المخصصة الأول في آب/تموز 2002. إضافة إلى إجتماع الخبراء في المكسيك، كانت هناك إجتماعات إقليمية عقدت في كويتو (منطقة الأمريكيتين)، وبانكوك (آسيا والمحيط الهادي) وجوهانسبيرغ (أفريقيا). وكانت إجتماعات بانكوك التي عقدت برعاية دول شرق وجنوب اسيا والمحيط الهادي الأكثر تطورا وجرت في فترة زمنية أطول، ونتج عنها نص فعلي في تشرين الأول 2003. وأصبحت مسوّدة بانكوك المصدر الرئيسي لمسوّدة الرئيس التي قدمت لمجموعة العمل. زوّدت هذه المسوّدة بإطار عمل للمناقشة في مجموعة العمل بالرغم من أن المجموعة كانت حرة في المغادرة من حيث الجوهر. شملت المجموعة الدول الأطراف، منظمات أهلية (غير حكومية) ومؤسسة حقوق إنسان وطنية واحدة. إجتمعت مجموعة العمل لمدة إسبوعين في كانون الثاني 2004 وأنهت مسوّدتها في ذلك الوقت. إنها مسوّدة مجموعة العمل هذه التي تزوّد بالقاعدة التأسيسية للمفاوضات بين الدول الأطراف.
من المهم أيضاً ملاحظة أنه كانت هناك منذ اللحظة الاولى منظمات اعاقة مختلفة، ثم بدأ ممثلون عن دول وممثلون إقليميون للأشخاص ذوي الاعاقة بالمشاركة كمجموعات متباينة. على أية حال وعلى نحو متزايد من خلال عملية حوار مستمر جاءت مجموعة متفرقة من المنظمات لتكرس نفسها كمؤتمر اعاقة تحضيري خاص بالإتفاقية وهي تعمل بجدّ كي تتكلم بصوت واحد إلى الدول. يمكن أيضاً الحصول على التفاصيل المتعلقة بعضوية المؤتمر التحضيري وبعض من أوراق مواقفها من موقع الأمم المتحدة على الشبكة المذكور أعلاه.
بعد أن زوّدت ببعض المعلومات العامّة حول صنع القوانين الدولية وحساب هذا في عالم الاعاقة أتمنّى فيما تبقى من هذه الملاحظة تركيز الإنتباه على أولا بعض الخلافات في التصورات التي تحيط بالإتفاقية وثانيا التركيز على تلك الأجزاء من الإتفاقية التي تهم الأشخاص ذوي الاعاقة الإجتماعية النفسية بشكل خاص.
الخلافات الحاسمة
ما الذي يجب إدراجه في الإتفاقية؟
قضية واحدة تستمر بالظهور على السطح مرة تلو الاخرى في المشاورات على الإتفاقية وتدور بشكل أو بآخر حول ما الذي يجب إدراجه في الإتفاقية؟ تبرز هذه الأسئلة لأن الإتفاقية تتضمّن في طياتها حقوق سياسية مدنية شاملة مثل: الحقّ في الحياة، الحريّة، حرية التعبير أو الحقوق الاقتصادية الإجتماعية مثل الحق في العمل أو الصحة أو إعادة التأهيل أو حتى حقوق مصالح خاصّة مثل حقوق النساء أو الأطفال. تجهد عدد من الدول للايضاح بأن هناك إتفاقيات موجودة قبل الان وتشمل مثل هذه الحقوق، وأن حقوقا كهذه ستمتد أيضاً إلى الأشخاص ذوي الاعاقة بحيث يصبح تشريعها من جديد في إتفاقية الاعاقة غير ضروري. وبينما ما تزال الأسئلة حول الحقوق التي تمتد إلى مجموعات خاصّة بانتظار مناقشتها، تم الرضوخ الى تكرار الحقّ السياسي المدني بناء على التعليل الذي يقول إنّه ما دامت هذه الحقوق في الحقيقة سهلة الوصول إلى الأشخاص ذوي الاعاقة فلن تكون هناك حاجة الى مفاوضات حول هذه الإتفاقية. وعلاوة على هذا، تتطلب هذه الحقوق الأساسية أن يتم دمجها في الإتفاقية لأنها تحتاج الى تكييف مع المخاوف المحددة للأشخاص ذوي الاعاقة. ويجب ملاحظة انه حتى مع الرضوخ لتعليل كهذا تجهد الدول للايضاح أن الإتفاقية تظهر على أرضية عدم التمييز والذي يعني ان ما هو متوفر لكل الأشخاص الآخرين يجب أيضاً أن يتوفر للأشخاص ذوي الاعاقة لكن تلك الحقوق التي لم تمنح لغير المعوقين يجب الا تمنح إلى الأشخاص ذوي الاعاقة. والخلاف هنا في أغلب الأحيان يكون حول ما اذا كانت توفير المرافق المعقولة تعني منح نفس الحقوق أو أكثر للأشخاص ذوي الاعاقة؟
التحقيق التدريجي للحقوق الاقتصادية الإجتماعية
كانت عقيدة مقبولة من القانون الدولي أنه بينما الحقوق السياسية المدنية قابلة للتحقيق فوراً كان لزاماً على الحقوق الإجتماعية الإقتصادية أن تتحقق تدريجيا. وتستخدم الحقيقة القائلة بأن الحقوق الإقتصادية الإجتماعية تتحرك بفعل الموارد كسبب لتأخير تطبيق هذه الحقوق. أحد الأسئلة التي تثير جدلا صاخبا في المفاوضات الحالية يتعلّق بإدراج بند واضح ينص على وجوب التطبيق الفوري لهذه الحقوق الإقتصادية الإجتماعية التي لا تتطلّب موارد. لكن الدول التي تعارض مثل هذا البند تقدم أسبابا متعددة. بعض هذه الأسباب يقول بأن فكرة التحقيق التدريجي تعترف ضمنا بوجوب تنفيذ هذه الحقوق التي لا تتطلّب موارد فوراً. فلا حاجة إذن لإشارة واضحة. وعند سؤال هذه الدول لماذا لا يتم التصريح بما هو مذكور ضمنا تكون الاجابة أنه إذا تم عمل هذا فسيحصل الأشخاص ذوي الإعاقة على حقوق غير معطاة إلى السكان الآخرين.
ماذا تعْني توفير المرافق المعقولة؟
من الواضح أنه إذا كان سيتم التصدي للتمييز ضد الأشخاص ذوي الاعاقة بفعالية ونشاط فمن الضروري بأن تتم عملية تكييف وملاءمة لحاجاتهم الخاصة. ولضمان بأن هذه الملاءمة ليست غير متكافئة وغير محدودة فمن البديهي ان تكون ملاءمة كهذه ملاءمة غير معقولة. وهنا في مقابل التعليل الذي تم تقديمه في البند المتعلق بالتحقيق التدريجي للحقوق الإقتصادية الإجتماعية نجد عددا من الدول مقتنعة بأن المادة نفسها يجب أن تبين بأنّه ينبغي القيام بمثل هذه الملاءمة ما لم تؤد إلى عبء غير متكافئ أو غير متناسب. ومصدر القلق المعبر عنه هنا هو أن مثل هذا المحَدِد قد يزوّد الدول بمهرب وينفي أحد المفاهيم الرئيسية لحقوق الاعاقة.
كيف يجب أن تذكر الإتفاقية العائلات؟
تتعلّق إحدى الإلتزامات الرئيسية للدول في الإتفاقية بالإعتراف بالمشاركة وبالحقوق التمثيلية للأشخاص ذوي الاعاقة. تؤكّد عدد من الدول حقيقة أن أشخاصا مختلفين من ذوي الاعاقات العقلية أو الاعاقات المتعدّدة قد يكونون غير قادرين على تمثيل أنفسهم يرغبون بأن هذا البند يجب أن لا يشير فقط إلى الأشخاص ذوي الاعاقة لكن إلى الأشخاص ذوي الاعاقة وعائلاتهم حيثما كان ذلك مناسبا. ويجادل مؤتمر الاعاقة بأنّه ينبغي أن تكون المشاركة من الأشخاص ذوي الاعاقة ومنظماتهم التمثيلية. وهناك تأكيد أن مثل هذه الصياغة تسْمح باستشارة العائلات والمنظمات العائلية حيثما تكون المنظمة الممثلة وتقْبل أسبقية للتطلّعات بالمدافعة الذاتية. انها تسْمح بالدمج بين المعايير المتعلقة بالطموحات وبين التطبيق الواقعي.
مخاوف الأشخاص ذوي الاعاقة النفسية الاجتماعية:
بينما يجري التفاوض على الإتفاقية حول نسخة عالمية للاعاقة، ما يزال واضحا بأن بعض الحقوق ذات أهمية أكبر بالنسبة لأشخاص ذوي إعاقات معينة من حقوق اخرى. في هذا القسم سأعيد ذكر المشاورات التي جرت حول قضية الأهلية القانونية والتدخّلات الإجبارية الذي ثبت ان لها أهمية خاصّة لدى الأشخاص ذوي الاعاقة النفسية الاجتماعية لأنهم أكثر من أي أشخاص آخرين من ذوي الاعاقة كانوا الطرف المتلقي لوصمة عدم الأهلية والايداع المدني الالزامي في مؤسسات الرعاية.
أوصت مجموعة العمل بوجوب اعتراف الدول الأطراف في المادة (9) (التي تتعامل مع الأهلية القانونية) بالأشخاص ذوي الاعاقة كأفراد ذوي حقوق أمام القانون مساوية لحقوق غيرهم من الأشخاص. كما يجب أن تقبل بأن للأشخاص ذوي الاعاقة أهلية قانونية كاملة على قاعدة مساوية مع الآخرين. وحيث تكون المساعدة ضرورية لممارسة الأهلية القانونية فيجب أن تكون متناسبة مع حاجات الشخص. وهناك من يؤكد على أن صنع مدعوم لقرارات كهذه سيبقي رغبات وتطلّعات الأشخاص ذوي الاعاقة في المقدمة وأنه لن يكون ممكنا للشخص الذي يقدم الدعم بأي حال من الاحوال ان يحل محل الشخص ذوي الاعاقة. أخذت توصية مجموعة العمل إلى اللجنة الموقف القائل بأن كل شخص معوق يمْكن أن يتخذ القرارات مع الدعم وأن القرار المسْتبْدل او الوصاية لا حاجة لهما. في قراءة هذه التوصية في إجتماع أيار للجنة المخصصة كان هناك إقتراح من قبل كندا التي حصلت على دعم البلدان الأخرى حيث يتقرر بموجبه اضافة فقرة جديدة إلى المادة التي تسْمح بتعيين صانعي قرار بديل او اوصياء لأولئك الأشخاص ذوي الاعاقة الذين لا يقدرون على اتخاذ القرارات حتى مع الدعم. سيعين هؤلاء الاوصياء بعد مراعاة حماية الإجراء العادل الذي يفهم معناه عادة بانه جلسة استمع للمحكمة، تمثيل من قبل محامي الخ.
وأساس الخلاف هنا هو انه ما ان يتم تضمين هذا البند حتى يتم اختبار تطبيقه على كل الأشخاص ذوي الاعاقات النفسية الاجتماعية. وسيتم تعزيز الفكرة الشائعة التي تقول بعدم الاهلية التي تحاول الإتفاقية دحضها. ولذلك يناقش مؤتمر الاعاقة وبعض الدول بضرورة بذل الجهد لرؤية ما اذا كان من الممكن القيام بمهام الوصاية من خلال اتخاذ قرارات مدعومة ومستندات قانونية مثل التوجيهات والتوكيلات. في إقتراح اتخاذ القرارات المدعومة، يميّز مؤتمر الاعاقة بين الحاجة لتزويد الدعم إلى أولئك الذين يحتاجونه والسماح للاشخاص بكرامة المخاطرة.
هناك اشكالية في الوصاية اذ بإسم توفير الاولى تُصادر الثانيةً أيضاً.
القضية المقلقة الأخرى هي كيف يجب أن تتعامل الإتفاقية مع التدخّلات الإجبارية؟ يأْخذ مؤتمر الاعاقة بوجهة النظر القائلة بأن إتفاقية حقوق الاعاقة يجب أن تؤيد بالضرورة موقف الأشخاص ذوي الاعاقة بان المعالجة الإلزامية تناقض الشروط. وإذا لم يكن من الممكن الأخْذ بهذا الموقف بشكل صريح فمن الافضل اذا الا تتعامل الإتفاقية مع القضية. ويوجه السؤال اضافة لكل هذا: ألا يعد الايداع الإلزامي للأشخاص ذوي الاعاقة في مؤسسات الرعاية لأنهم خطر على انفسهم او على الاخرين تمييزا؟ لا يوجد سلوك خطر آخر يستدعي مثل هذه المعاملة. لذا يناقش مؤتمر الاعاقة ان السلوك الخطر على الآخرين يجب أن يتم التعامل معه بموجب القانون الجنائي وينبغي منع الخطر على النفس فقط إذا كانت الدول تخطّط للتدخّل بالنسبة لكل سلوك خطر.
الخاتمة:
تهدف الملاحظة أعلاه الى التزويد بتحديث للمعلومات المتعلقة بالمشاورات حول الإتفاقية والمناقشات التي رشحت من الإجتماع الذي انعقد مؤخراً للجنة المخصصة من الثالث والعشرين من آب إلى الثالث من أيلول 2004. ومع تأمّلنا في فوائد ومضار الإقتراحات المختلفة وما لها وما عليها فسيكون من الملائم أن نتذكر أن إتفاقية دولية في مقابل القانون والسياسة المحلية تهدف الى ان تكون مستقبلية في مضمونها. وأنها ليست موضوعة فقط للمستقبل القريب بل للمستقبل البعيد. وعليه ينبغي ان تزود بالمبادئ التي تحدد الاتجاه. وينبغي أن تكون المبادئ التي نقبلها هي التي في حين تعترف بقيود الحاضر فانها لا تحجر على المستقبل.
البروفسور أميتا دهاندا مدافع يتميز بنفس طويل في مجال حقوق الاشخاص ذوي الاعاقات النفسية الاجتماعية وقد شارك في اجتماعات في لجنة الامم المتحدة المخصصة بصفته عضوا في الشبكة العالمية للخاضعين للعلاج النفسي الحاليين والمتعافين منه. لمزيد من التفاصيل وحوار متواصل حول الاتفاقية يرجى الاتصال مع:
البروفسور أميتا دهاندا
21/1 جاناكبوري، غونروك انكليف،
سيكوندر آباد 500009، ايه بي الهند.
اترك تعليقاً