المساطر الجبائية المحلية 1
إذا كان المفهوم الحقيقي للمشاركة بين الملزم والإدارة الجبائية يتجلى في عمليات التأسيس للرسم وكذا الأداء وحتى المراقبة فإن الرسوم ولطبعتها تنتج نتائج متعددة غالبا ما تكون مقدمة للنزاع والخصومة .
إذا بصرف النظر عن الحالة أو الحالات التي لا تتم فيها اكتشاف خطأ أو إغفال أو غش من الملزم الخاضع للمراقبة مما يؤدي إلى إبراءه من الرسوم المعنية بالمراقبة فإن علاقة الملزم بالإدارة الجبائية تدخل مرحلة جديدة أكثر حساسية من سابقاتها ويتعلق الأمر هنا على الخصوص باستعداد الإدارة الجبائية لتصحيح الأسس المصرح بها من طرف الملزم من جهة وبسلطتها الواسطة في التقدير التلقائي للرسم .
وفي تصحيحها الأساس المفروض عليه الرسم تجد الإدارة الجبائية مرغمة على نهج اسلوب التواجه مع الملزم الشيء الذي يجعل لقاءهما الكتابي أو الشخصي لا يخلو من أسس حوارية .
وقد خول المشرع للإدارة من خلال قانون رقم 06-47 حق تصحيح أوجه النقصان والاختلال التي تشوب التصريحات المقدمة من قبل الملزمين وألزمها باتباع مساطر معينة تتميز بطابعها التواجهي عن طريق فتح حوار بين الطرفين كل منهما يعبر عن وجهة نظره في الأسس المعتمدة .
ويتوفر الملزم في مواجهة هذه الإجراءات التي تسلكها الإدارة اتجاهه على الحق في الطعن في قرارتها امام لجنة الطعون الجبائية بعد ان يكون قد استنفد كل المراحل التي تحكم نزاعه مع الإدارة ولم يتم التوصل إلى حل ينهي مسطرة التصحيح ويحول دون عرض النزاع أمام أي جهة معينة .
وبالنظر إلى إن المساطر الجبائية المعتمدة من قبل الإدارة الجبائية في إطار الامتيازات المخولة لمراقبة الإقرارات المدلى بها من طرف الملزم تتنوع بين الفحص المحاسبي والمسطرة العادية والسريعة للتصحيح وكذا مسطرة فرض الرسم بصورة تلقائية في حالة عدم الإدلاء بالإقرار من قبل الملزم المنصوص عليها قانونا. نجد إلى جانب ذلك عملية التبليغ التي أسندها المشرع من خلال قانون 06/47 إلى المأمورين المحلفين التابعين للإدارة وكذا أعوان كتابة الضبط أو المفوضين القضائي عكس القانون القديم 30 89 الذي كان يقتصر المهمة في البريد المضمون هي مسطرة متبعة في كل المساطر السالفة الذكر وعليه سنقتصر على معالجة مسألة الفحص المحاسبي تم مسطرة التصحيح العادية والسريعة ومسطرة فرض الرسم بصورة تلقائية من خلال هذه الفقرة .
أولا : فحص المحاسبة
يمكن تعريف فحص المحاسبة كمجموعة من الإجراءات الرامية إلى مقارنة العمليات المحاسبية للملزم مع المعلومات المحصل عليها ن طرف الإدارة الجبائية لقياس مدى مصداقية التصريحات المدلى بها .
وتعتبر هذه التقنية سلاحا في يد الإدارة لمحاربة التهرب الضريبي وتأتي لإتمام المعلومات التي تتوفر لدى الإدارة من خلال استعمالها لحق الإطلاع وتمكن الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها الإدارة الجبائية في إطار فحص المحاسبة من:
*فحص مدى مصداقية ونظامية المحاسبة التي يمسكها الملزمون الذي يفرض عليهم القانون مسك هذه المحاسبة
*التأكد في عين المكان من وجود الأموال المدرجة في الأصول
*التحقق في صحة الوثائق والتقييدات المحاسبة والإقرارات المدلى بها من قبل الملزمين .
ويجد مبدأ الفحص المحاسبي كسلطة هامة تتوفر عليها الإدارة سنده في إقرار مبدأ حرية التصريح أو التصريح التلقائي [1].
وبالنظر لأهمية فحص المحاسبة ولنتائجها الخطيرة التي يمكن أن تؤثر على سير المؤسسات والأنشطة الخاضعة للرسوم فقد تمت إحاطة ممارسته بمجموعة من الشروط الشكلية والتي سننتقل بعد بحثها إلى التعرض إلى مراحل فحص المحاسبة ثم إلى التعرف على النتائج المتخصصة عن ذلك الفحص.
1-الشروط الشكلية لفحص المحاسبة
تمت إحاطة فحص المحاسبة بمجموعة من الشروط الشكلية تفاديا لتعسف الإدارة في ممارسة حقها في الفحص وتعزيزا للضمانات التي يتمتع بها الملزمون.
أ-الملزمون الخاضعون للفحص والأعوان المكلفون بذلك
باعتبار أن الأمر يتعلق بفحص المحاسبة فإنه من الطبيعي أن لا يخضع لهذا الإجراء إلا الخاضعون للرسوم الملزمون قانونيا بمسك محاسبة منتظمة ، أما أولئك الذين لا يمسكون محاسبة فهم غير خاضعين لأي فحص ما عدا إذا كانت الإدارة الجبائية تتوفر على معطيات تفيد بأنهم يحققون مداخيل أو أرقام تتجاوز الحدود المسموح بها قانونا ونجد من خلال قانون 06 – 47 الأشخاص الخاضعين للرسوم سواء منها المخولة أو الداتية المتعلقة بالجماعات المحلية وهم إما أشخاص طبيعيين أو معنويين [2].
أما بالنسبة للأعوان المكلفين بإجراء عملية فحص المحاسبة فنجد قانون 06 –47 من خلال المادة 153 قد جعل من الأعوان المحلفين التابعين للجماعات المحلية كمراقبين للعمليات الإقرارات المدلى بها من قبل الملزمين
ب- مكان إجراء الفحص
لا يمكن أن تتم عملية فحص المحاسبة إلا داخل محل الإقامة الاعتيادية أو المقر الاجتماعي أو المؤسسة الرئيسية للملزمين وهذا ما اكدت عليه الفقرة الثانية من المادة 153 من قانون 06 –47 وتأكيد المشرع على إجراء فحص المحاسبة داخل محل الموطن الضريبي أو المؤسسة الخاضعة للضريبة كان وراء تسهيل الحوار بين الأعوان المكلفين بالتحقيق والملزمين الخاضعين للمراقبة ويمنع على المحقق أن ينقل أية وثيقة محاسبية إلى مقر الإدارة الجبائية حيث ان الفقرة الثالثة من المادة 153 من مدونة الجبايات المحلية الجديدة أكدت على أن الأعوان يتعين عليهم التحقق من صحة الوثائق والتقييدات المحاسبة والإقرارات المدلى بها من طرف الملزمين في عين المكان ولم يشر المشرع المغربي إلى أية استثناء يمكن أن ترد على هذا المبدأ كما نجد ان المشرع ألزم الخاضع للرسم بتقديم جميع التسهيلات للقيام بالمراقبة وتحليل المعطيات المسجلة إذا كانت المحاسبة ممسوكة بوسائل الإعلاميات أو كانت الوثائق محفوظة في مكروفيشات ( Microfiches)[3] تسهيلا لمهام الأعوان المكلفين بعملية الفحص المحاسبي
ج-مدة الفحص
نجد أن المشرع قد عقلن مدة الفحص وحدد لها آجالا تلزم الأعوان المكلفين بالتحقق من الوثائق المحاسبية وذلك تفاديا لجعله دون جدوى في حالة عدم تحديد آجال معين لذلك وهكذا نجد المادة 153 حددت هذه الآجال التي تستغرقها عملية الفحص على الشكل التالي :
*اكثر من ستة أشهر بالنسبة للمنشآت التي يعادل أو يقل رقم أعمالها المصرح به في حاصلات والتكاليف برسم إحدى السنوات المحاسبية الخاضعة للفحص عن خمسون (50) مليون درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة
*أكثر من اثني عشر (12) شهرا بالنسبة للمنشآت التي يفوق رقم أعمالها المصرح به في حساب الحاصلات والتكاليف برسم إحدى السنوات المحاسبية الخاضعة للفحص خمسون مليون (50) دون احتساب الضريبة عن القيمة المضافة
ولا يدخل في احتساب مدة الفحص كل توقف ناتج عن تطبيق المسطرة المنصوص عليها في المادة 159 من نفس القانون والمتعلقة بعدم الإدلاء بالوثائق المحاسبية للعون المحقق
ويمكن أن نستنتج أن هذا التمييز قد يطرح حالات عملية وهي :
-الحالة الأولى: السنوات الخاضعة للمراقبة تتضمن فقط أرقام أعمال بدون احتساب الضريبة على القيمة المضافة وتعادل أو تقل عن 50 مليون درهم وبالتالي فهذه الفحص محددة في أكثر من 6 أشهر
-الحالة الثانية : السنوات الخاضعة للمراقبة تتضمن فقط أرقام أعمال بدون احتساب الضريبة على القيمة المضافة تفوق 50 مليون درهم في هذه الحالة تستغرق مدة الفحص أكثر من 12 شهر
وقد أحسن المشرع صنعا حينما تدخل وحدد المدة الأقصى التي يمكن أن يستغرقها فحص المحاسبة بهذه الكيفية لما فيه من توازن بين مصالح الإدارة الجبائية والضمانات المخولة للملزم .
2-مراحل فحص المحاسبة
تمر عملية فحص المحاسبة بعدة مراحل لا بد للعون المنتدب للقيام بالمراقبة الجبائية احترامها لضمان سلامة الإجراءات التي يقدم عليها، وهكذا يجب عليه قبل بداية الفحص ولضمان نجاح مهمته ان يقوم بالإعداد الجيد لهذه العملية وذلك بالحصول على جميع المعلومات التي ستساعده على أداء مهامه ( أ) ثم يقوم بعد ذلك بإعلام الملزم بقرار الإدارة الإقدام على عملية الفحص ( ب)
لينتقل بعد ذلك إلى الفحص الشكلي للمحاسبة (ج) قبل ان يفحص بشكل معمق البيانات الحسابية للمؤسسة ( د) .
أ-الإعداد الأولى لفحص المحاسبة
يقوم خلال هذه المرحلة العون المكلف بمهام فحص المحاسبة بجمع كافة المعلومات التي يمكنه الحصول عليها والخاصة بالمؤسسة موضوع الفحص من خلال المعلومات المتوفرة لدى الإدارة الجبائية ( الملف القانوني للمؤسسة) والتي يتم تجميعها أثناء حق الإطلاع المخول للإدارة بمقتضى القانون وهي مرحلة تسهل عمل المحقق وتمكنه من الوقوف بسهولة على محاسبة المؤسسة الخاضعة للفحص إضافة إلى توفير الوقت خصوصا ان هذه العملية يجب ان تتم قبل سريان فترة الستة أشهر أو السنة التي يتعين عليه احترامها والتي لا يبدأ سريانها إلا بعد توصل الملزم بالإعلام بخضوعه لفحص المحاسبة
ب-إعلام الخاضع للفحص
بعد انتهاء المحقق من الإعداد الأولي للمحاسبة يتعين عليه توجيه إعلام إلى الملزم الخاضع للفحص يخبره فيه بقرار الإدارة الجبائية فحص محاسبية ويدعوه من خلاله التعاون وتسهيل مهمة العون المكلف بذلك بوضع كافة الوثائق المحاسبة رهن إشارته وقد ألزمت المادة 153 ( الفقرة الأولى) من قانون 06-47 الإدارة الجبائية بتبليغ إشعار للملزم وفق إجراءات التبليغ المنصوص عليها في المادة 152 [4] من نفس القانون قبل تاريخ بداية الفحص بخمسة عشر يوما على الأقل .
خ-الفحص الشكلي للوثائق المحاسبة
عند حلول الأجل 15 يوما المضمن بالإشعار أو الإرسالية الموجهة إلى الملزم ، يقوم العون المكلف بالتحقيق بزيارة إلى مقر المؤسسة المعنية قصد التعرف على مسيريها وخلال هذه الزيارة يطلب منهم وضع جميع الوثائق المحاسبة والقانونية رهن إشارته.
حيث يكتفي المحقق خلال هذه المرحلة بالاطلاع على تلك الوثائق ومعرفة المؤسسة عن قرب والأنشطة التي تمارسها كما يراقب مدى احترام تلك الوثائق للشكيات الواجبة فيها وللضوابط القانونية المتعارف عليها كتلك الواجب توفرها في الفواتير الصادرة أو الواردة على الشركة أو المؤسسة .
د-الفحص المعمق للمحاسبة .
هي مرحلة دقيقة في مجال الفحص المحاسبي إذ تتطلب من العون أو المحقق أن يكون على إلمام ودراية بتقنيات المحاسبة حتى يتمكن من فحص محاسبة المؤسسات كيفما كان حجمها ورقم أعمالها كما أن الملزم خوله القانون من خلال المادة 153 من قانون 47-06 إمكانية الاستعانة بمستشار يختاره في إطار فحص المحاسبة مما يفسر صعوبة العملية على طرفي العلاقة الجبائية المحلية ، ويشرع المحقق في فحص حسابات الميزانية قصد تأكده من أن الملزم قد وضع كل معطى في مركزه الصحيح حسبما إذا تعلق الأمر بالأصول أو الخصوم كما يقوم بفحص كل العمليات التي تقوم بها المؤسسة سواء بيع شراء … للتحقق من مدى مصداقية البيانات الواردة بالوثائق المحاسبة المسلمة من قبل الملزم [5].
3-نتائج فحص المحاسبة
عند انتهاء عمليات الفحص المحاسبي يكون مأمور الإدارة الجبائية مجبر على إشعار الملزم وفق الكيفية المنصوص على في المادة 152 من قانون 06 – 47 بتاريخ انتهاء عملية الفحص [6] وتتضمن هذا الإشعار نتائج لعمليات الفحص والتي لا يمكن أن تخرج عن احتمالين اثنين :
*حالة عدم وجود اختلالات في المحاسبة
في هذه الحالة وبعد انتهاء عملية الفحص طبعا لم تتخذ أية إجراءات لتصحيح أساس فرض الرسم وهي حالة نادرة الوقوع إذ أن أغلب عمليات فحص المحاسبة تنتهي بتصحيح الأساس الضريبي
*حالة وجود اختلالات في المحاسبة
إذا اكتشف العون المحقق أثناء إنجاز عمليات الفحص المحاسبية وجود اختلالات تعتري هذه الأخيرة بشكل يشكك في قيمة الإثبات التي تكتسبها المحاسبة جاز للإدارة أن تحدد أساس قرض الرسوم باعتبار العناصر المتوفرة لديها وقد حدد المشرع من خلال المادة 154 الإخلالات الجسيمة في :
+عدم تقديم محاسبة ممسوكة وفقا للتشريع والتنظيم الجاري بهما العمل
+انعدام الجرود
+إخفاء بعض الأشرية أو البيوع إذا أثبت الإدارة ذلك
+الأخطاء أو الإعفاءات أو البيانات غير الصحيحة الجسيمة والمتكررة والملاحظة فيما تتضمنه المحاسبة من عمليات
+انعدام أوراق الإثبات الذي يجرد المحاسبة من كل قيمة إثباتية
+عدم إدراج عمليات في المحاسبة بالرغم من إنجاز الملزم لها
+إدراج عمليات صورية في المحاسبة
كما نجد المشرع قد أورد الأسباب المخولة لرفض المحاسبة على سبيل الحصر حيث اعتبر ومن خلال الفقرة الأخيرة من المادة 154 ان المحاسبة التي لا تشوبها أية حالة من الاختلالات الجسيمة المبنية أعلاه لا يجوز للإدارة أن تعيد النظر في المحاسبة المذكورة ، ويتضح أن ما ذهب إليه المشرع يضع حدا لكل لبس ويمنع كل تجاوز أو تعسف في رفض المحاسبة مما يمثله هذا الرفض من تهديد دائم للملزم .
[1] – معناه ان الخاضع للرسم هو الذي يقدر مداخيله ونفقاته تم يقدم إقرارا مفصلا عن النتيجة التي حققها ربحا كانت أم خسارة راجع محمد شيكري م س ، ص 260.
[2] – الفقرة الثانية من المادة 153من قانون رقم 06 – 47.
[3] – الفقرة 4 من المادة 153 قانون رقم 06 – 47.
[4] – إجراءات وكيفية التبليغ محددة من خلال المادة 152 قانون 06-47
[5] – محمد شكيري ، م س ، ص 280.
[6] – الفقرة 8 من المادة 153 من قانون 06 – 47.
اترك تعليقاً