مقدمة:
تعتبر سياسة جلب الاستثمارات أهم الآليات التي أصبحت تنهجها الدول خاصة في ضل راهنية احتدام المنافسة بين الاقتصاديات المختلفة المتقدمة منها و النامية، و يمكن أنيكون الاستثمار استثمارا للرأسمال، أو استثمارا للشغل أو غيره، و ترتبط مرونة أي نظام بمدى تفعيل التدابير التحفيزية الممنوحة للمستثمري .
لقد انصبت السياسة التشجيعية التي نهجتها الدول في الأساس على إيجاد محفزات تشريعية تتمثل في مجموعة من الامتيازات الضريبية، وضمان تحويل رؤوس الأموال، إضافة إلى عوامل أخرى كالاستقرار السياسي والانفتاح الاقتصادي، وتكوين أجهزة مكلفة بمتابعة ملفات الاستثمار، وهذه المحفزات التشريعية لم تعد في العصر الحالي العامل الوحيد لجذب الاستثمارات.
بل لا بد من تضافر عوامل أخرى لا تقل شأنا عنها، وهو وجود ضمانات قضائية، هذه أصبحت ملزمة في الوقت الحاضر بالقيام بدور رئيسي بالحركة التنموية والاقتصادية محفزا لتشجيع الاستثمار باعتباره الآلية الوحيدة التي تسعى إلى حل المنازعات الناشئة عن الاستثمار، والتي يتعرض لها المستثمر أثناء نشاطه الاستثماري سواء مخاطر تجارية أو غير تجاريةخاصة من خلال تكريس مجموعة من الوسائل البديلة لحل المنازعات كالوساطة و التحكيم.
و يعد المغرب من الدول التي تبنت هذا الطرح من خلال تضمين النظام القانوني للاستثمار مجموعة من الضمانات التي تمنح للمستثمرين، من أجل تأهيل و تنمية المجالين الاقتصادي و الاجتماعي( المبحث الأول ).
إلا أن هذه الامتيازات غالبا ما تصطدم بمجموعة من الحدود و العراقيل التي تحد من فعاليتها، مما دفع بالجهات المعنية بالمغرب إلى البحث عن السبل الكفيلة لتجاوز هذه الأوضاع ( المبحث الثاني ).
المبحث الأول
الأبعاد الاقتصادية و الاجتماعية لنظام الامتيازات الضريبية
تعتبر الإعفاءات الضريبية عاملا مهما تنهجه العديد من الدول ذات النظام اللبرالي قصد جلب الاستثمارات، و يعتبر المغرب من زمرة هذه الدول تبنى اتجاها تشريعيا مشجعا يستعمل الأداة الضريبية كمحفز لبعض الأنشطة الاقتصادية ذات الأولوية.
و هكذا كرست السلطات العمومية هذا النظام محاولة من خلاله تحقيق مجموعة من الأهداف – الاقتصادية و الاجتماعية – وحاولت أن تجعل منها وسيلة أساسية لتحقيق النمو المنشود. بالإضافة إلى مواصلة المغرب لاندماجه في الاقتصاد العالمي من جهة و تفعيل سياسة القرب للقضاء على التهميش و الفقر و تأهيل الاقتصاد الوطني، و على هذا الأساس سنبين في هذا المبحث الآثار التي يخلفها نظام الامتيازات الضريبية على المستوي الاقتصادي ( المطلب الأول ).
ثم على المستوى الاجتماعي ( المطلب الثاني ).
المطلب الأول : الآثار الاقتصادية لنظام الامتيازات الضريبية
لقد حاولت الدولة خلق إطار تستطيع من خلال تحفيز المبادرة الخاصة من أجل توجيهها نحو الاستثمارات المنتجة، و هناك من يعبر الامتيازات الضريبية من البنية الضريبية العادية التي تستعملها الادارة لتحقيق أهدافها، وهذا ما سعت من ورائه سياسة التشجيعات الضريبية من أجل إنعاش القطاع الاقتصادي بما يتماشى مع التوجه العام الذي الذي تسلكه السياسة الاقتصادية و المالية للدولة و حتى السياسة الاجتماعية، و تظهر انعكاسات الامتيازات الضريبية في المجال الاقتصادي سواء مستوى الاستثمار الوطني (أولا )، أو على مستوى الاستثمار الأجنبي ( ثانيا ).
أولا : على مستوى الاستثمار الوطني
إن تفحص الإحصائيات و النتائج المستخلصة عن رصد سياسة التحفيزات الجبائية للاستثمارات الوطنية و لحجمها قد لا يعبر عن مستوى الطموحات التي كانت وراء تطبيق هذه السياسة انطلاقا مما يفرضه واقع و مستوى تشجيع الاستثمار الوطني، ولو أن الظاهر يعطي تطورا ملموسا لهذه النتائج و تصبح هذه الأخيرة أكثر وضوحا عندما يتعلق الأمر بالادخار، إذ بالإمكان أن يلعب هذا الأخير دورا أساسيا في المساهمة في تعبئة و توجيه الاستثمارات المنتجة، و تعلب الضريبة دورا محوريا في تعبئة الادخار بداية للوصول إلى الاستثمار المنتج، و دعم التمويل الذاتي للمقاولة.
و لعل هذا ما دفع بالسلطات العمومية المغربية إلى تأكيد الاعتماد على الضريبة نظر لدورها الاستراتيجي في تعبئة و توجيه الادخار من خلال للانقاد و الهادفة إلى تحسين مستوى الادخال الوطني الذي يتسم بالضعف، إذ لا تتجاوز نسبته 22% من الناتج الداخلي الإجمالي و الموجه نحو الاستثمارات المنتجة داخل النسيج الاقتصادي المغربي.
و يعتقد بعض الفاعلين الاقتصاديين المغاربة على أن مشكل الادخار لا يكمن في حجم تضريبه و إعفائه، بل في مدى تعقيد النظام الضريبي الخاضع له و الذي يقف حاجزا أمام تطور الفرع المالي وتوجهه نحو القطاعات الاقتصادية المنتجة، و باعتبار المغرب أحد الاقتصاديات النامية في منطقة البحر الأبيض المتوسط يعتمد كثيرا على تنمية حجم الادخار ذلك أن هناك علاقة وطيدة بين العناصر الثلاثة، الجباية و الادخار ثم الاستثمار حيث أن وظيفة الجباية في البلدان النامية تتمثل في تحقيق أقصى مستوى للادخار الإجمالي و بالتالي تحفيز الاستثمار.
و يعتبر الادخار أحد أبرز المتغيرات في النمو الاقتصادي، حيث أن الدولة تعول كثيرا على الادخار للمساهمة في الدفع بعجلة التنمية و يمكن أن يساهم حتى دعم تنافسية المقاولات في المجال الاقتصادي.
إن الدولة في هذا الإطار تحاول أن تدفع بالاتجاه نحو الرفع من الادخار الخاص، و هذا لن يتأتى إلا عن طريق تخفيض الضرائب من خلال مختلف الامتيازات الضريبية الممنوحة للخواص و من جهة أخرى فالادخار العمومي يتحقق عن طريق رفع العبء الضريبي، غير أن السؤال المطروح حول أي نوع من الادخار هو الأقدر على تحقيق أعلى مستوى من الاستثمار؟
يلاحظ أن السلطات العمومية تتسم في اختياراتها بنوع من التردد و الارتباك و عدم الوضوح، فهي تتوجه نحو تعبئة الادخار العمومي اعتمادا بالأساس على إثقال العبء الضريبي على الاستهلاك عن طريق الضرائب غير المباشرة وهذا ما يؤدي إلى رفع أسعار السلع و الخدمات نتيجة سهولة نقل عبئها، و بالتالي الحد من حجم استهلاك أصحاب الدخل المنخفض و تقليص قدرتهم على الادخار إلى الحدود الدنيا، حيث أن المنطق الذي يتعامل به القرار السياسي الجبائي مع هذه الشريحة ينطلق من كون الضريبة لا تؤثر على مقدرة الإفراد على الادخار لأن مجموع دخلهم يوجه أصلا نحو الاستهلاك.
و في مقابل ذلك تعمل الدولة على تشجيع الادخار الخاص عن طريق التقليص من الضرائب و منح أكبر قدر من الامتيازات الضريبية، على نحو يترجم بخسارة جبائية على مستوى الخزينة العامة للدولة و بشكل يؤثر سلبا على الادخار العمومي.
ترتكز هذه السياسة على أن الادخار الخاص سيعمل على تعويض تلك الخسارة عندما سيقوم بتوظيف مدخراته في خلق استثمارات منتجة، لكن الواقع يبين أن الادخار العمومي يبقى ضعيفا جدا و معتمدا على قاعدة ضيقة الشيء الذي بموجبه تأثر هذه البنية على فعالية مساهمة الادخار الوطني في تمويل الاستثمارات.
كما أن توظيفه لا يتم بالشكل الأمثل بالنظر إلى سوء التدبير و لجوء السلطات العمومية إلى استخدام حصيلته في تمويل الانفاق بطابعه الاستهلاكي عوض تخصيص الجزء الأكبر منه لتمويل الاستثمارات العامة المنتجة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية التي يمكن أن تدفع بعجلة التنميه، كما أن القطاع الخاص لا يتوفر على القدرة اللازمة على تعبئة الادخار بحكم أن المستفيدين من الامتيازات الضريبية يقومون بتجميد أموالهم عوض استثمارها في قطاعات إنتاجية، أو يتم تحويلها إلى قطاعات أقل إنتاجية أو تحويلها إلى الخارج.
و بالرجوع إلى تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة و التنمية حول الاستثمار في العام، نجد مجموعة من الاحصائيات الرقمية المتعلقة بالاستثمار بالمغرب حيث أشار هذا التقرير إلى أن المغرب جذب 3.6 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة سنة 2013، كما عزز من مكانته كوجهة مفضلة للاستثمارات الاجنبية وذلك بفضل القطاع الصناعي الذي أصبح أكثر جاذبية مما سينعكس بشكل إيجابي على النمو الاقتصادي بالمغرب الذي حقق نسبة 4.6% سنة 2013، إلا أنه و رغم هذه النسبة فالوضعية الماكرواقتصادية لسنة 2013 شهدت مجموعة من الاختلالات نتيجة تراجع الادخار الداخلي و استمرار تراجع القدرات التمويلية و يبين المبيان التالي تطور الاختلالات الماكرواقتصادية بالنسبة المئوية من الناتج الداخلي الاجمالي ما بين سنوات 2002 و 2014:
مبيان : تطور الاختلالات الماكرو-اقتصادية بالنسبة المئوية من الناتج الداخلي الإجمالي
المصدر : المندوبية السامية للتخطيط، مذكرة إخبارية حول الوضعية الماكرواقتصادية للمغرب سنة 2013 و استشرافها سنة 2014، ص 10
ثانيا : على مستوى الاستثمار الاجنبي
يمكن القول بأن الاستثمار الأجنبي هو تحريك لرؤوس الأموال من بلد لآخر سواء كانت أموالا قصيرة الأجل أو طويلة الأجل، و يغلب عليها طابع الاستمرار و تكون عادو مصحوبة بنية إعادة تحويل رأس المال و عائده إلى موطنه الأصلي، و على العموم فقد ارتكزت أغلب تعريفات رجال القانون للاستثمار و بالذات الاستثمار الأجنبي على تحريك رؤوس الأموال من بلد لآخر.
و إذا كان الاستثمار الأجنبي يشكل أحد الآمال الرئيسية في بلوغ تنمية و ناجعة، فإن للوسيلة المستعملة أثر في تحقيق هذه الأهداف فأغلب الدول النامية يؤمن بأن منح امتيازات ضريبية يعتبر ضروريا لتأهيل الاستثمار، غير أنها تبقى وسيلة تسهيلية تلجأ إليها هذه الدول بغض النظر عن اختلاف أيديولوجيتها السياسية و الاقتصادية. فقلة الاستثمارات المحلية المنتجة الموجهة نحو تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية تعتبر أحد المشاكل الحقيقية التي تأثر في تنمية الدول النامية، فدفعها إلى محاولة استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية من أجل الاستثمار فيها، و لتحقيق ذلك تمنح مجموعة من الامتيازات الضريبية للمستثمرين غير أن هذه الأخيرة يمكن ألا تحقق الأهداف المرجوة منها فتخلف آثار سلبية على رؤوس الأموال الأجنبية؛ لأن قرار المستثمر الأجنبي غالبا ما يكون خارجا عن الاعتبارات الضريبية لأن عوامل أخرى تجعل حتمية رحيله مؤكدة أكثر من الضريبة.
ورغم ذلك ففي الدول النامية و في مجال الاستثمارات الأجنبية فالأنظمة الضريبة التي تحكم هذه الاستثمارات تضمنت مجموعة من الاعفاءات الجبائية التي تهدف من ورائها هذه الدول غلى خلق مناسب للاستثمار و المستثمرين الأجانب و مساعدة المقاولة على مواجهة مختلف المشاكل المالية التي تواجهها، وفي هذا الإطار يمكن اعتبار الإعفاءات كأنها إعانات ممنوحة من الدول النامية إلى الاستثمار الأجنبي حتى تمثل في النهاية امتيازا ماليا حقيقيا لصالح المستثمر الأجنبي، ففي الوقت الذي يتم فيه منح اعفاءات جد سخية للرأسمال الأجنبي فإن المستثمر يراهن على تحقيق أكبر ربح ممكن و رغم ذلك فنظام الامتيازات الضريبية نجح في كثير من المحطات في استقطاب رؤوس أموال أجنبية، ولو أن ذلك يكتسي صبغة مؤقتة.
هكذا، و بالرغم من كل الوسائل التشجيعية التي تمنحها مختلف الدول للمستثمر الأجنبي بهدف جلب الاستثمارات، فإن عامل الثقة هو الذي يحقق قرار المستثمر الأجنبي و ذلك بالاعتماد على المعايير الاقتصادية و الاجتماعية الآنية، وقد لوحظ في المغرب على امتداد السنوات الأخيرة تم تضمين قوانين الاستثمار مجموعة من الامتيازات الضريبية و ازدياد التوجه نحو استثمارات الرأسمال الأجنبي قصد الاستثمار في المغرب، و في هذا الإطار فإن الملاحظة الأساسية التي يمكن تسجيلها هي أن حجم الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد الوطني اتسمت بنوع من النمو و التطور.
بعد ان بينا في المطلب الأول من هذا المبحث الأبعاد الاقتصادية نظام الامتيازات الضريبية من خلال رصد انعكاسات هذه الأخيرة على مستوى الاستثمار الوطني و الأجنبي، سنرصد في المطلب الثاني الأبعاد الاجتماعية لنظام الامتيازات الضريبية.
المطلب الثاني : الآثار الاجتماعية لنظام الامتيازات الضريبية
أكدت الدراسات السوسيولوجية للضريبة أن النظام الجبائي يرتبط بشكل واسع بالبنيات الاقتصادية و الاجتماعية لهذه الدولة، فالنظام الجبائي يعتبر في هذا الإطار بحد تعبير ( بول ماري كوميدي ) انعكاس للبنيات الاجتماعية، و يؤكد ( لوفنبرغر ) بأن تاريخ الضريبة يعكس تاريخ الحضارة و يترجم البنيات و تقلبات الضرفية الاقتصادية، و أهم ما ميز السياسة الجبائية المغربية أنها نتاج لتطور اجتماعي و تحولات تاريخية حاسم، و إلى جانب الدور المؤثر الذي ينتظر أن تضطلع به الضريبة في سياسة التنمية الاقتصادية من حيث قدرتها على توجيه رؤوس الأموال نحو بعض الأنشطة أو القطاعات التي تهدف السلطات العمومية إلى تنميتها و تطويرها، فهي تساهم في أيضا في توجيه رؤوس الأموال نحو الأقاليم الفقيرة التي تشكو من ركود اقتصادي أو نقص في الإنتاج بسن نظام جبائي استثنائي خاص بهذه المناطق.
كما يمكن للضريبة أن تكون محفزة للقطاعات الاجتماعية وذلك عن طريق الإعفاء الجبائي لبعض القطاعات ذات الطبيعة الاجتماعية، و لعل هذا التصور هو الذي حاولت السلطات العمومية تطبيقه عندما أقرته في ميثاق الاستثمار حيث نصت المادة الثانية من الباب الأول أن التدابير التي جاء بها هذا الميثاق تهدف إلى إنعاش التشغيل، و هكذا فقد حاولت السلطات العمومية التخفيف من حدة أزمة البطالة من خلال اعتماد مجموعة من الاستراتيجيات و البرامج مند سنة 1998، حيث كانت برامج هذه السنة تهدف إلى إحداث 25000 منصب شغل كل سنة خلال كل أربع سنوات وقد تم الاعتماد على نظام الامتيازات الضريبية من أجل إنجاح هذا البرنامج، و في ضل هذه الوضعية يسهل على المستثمرين و المقاولات أن تستثمر في مجالها الترابي.
و بهذا تكون الضريبة أحد الوسائل التي تؤثر في البنيات الاجتماعية و تعتبر أداة من شأنها التخفيف و التفاوتات في توزيع الدخول و تكريس العدالة الاجتماعية، و مقاربة الانعكاسات المحتملة لنظام الامتيازات الضريبية على المجال الاجتماعي ينطوي على مجموعة من الصعوبات، ذلك أن ندرة و قلة الدراسات المرتبطة بهذا النوع من المواضيع سيجعل دراسة هذا المقتضى غاية في الصعوبة و التعقيد، و على هذا الأساس سنعمل على تحليل مدي تأثير المبادرات و الإجراءات التحفيزية على المعطى الاجتماعي من خلال رصد آثارها على ظروف عيش المواطن المغربي
( أولا )، على أن نتطرق لمعطيين اجتماعيين أساسيين هما سوق الشغل ( ثانيا )، و قطاع السكن ( ثالثا ).
أولا : تجليات مساهمة الامتيازات الضريبية في تحسين ظروف العيش
لا شك أن الإجراءات الاستثنائية تضع من بين أهم أهدافها تخفيف العبء الجبائي عن الفئات التي تعاني من الهشاشة، وذلك من أجل تحسين ظروف العيش عن طريق تدعيم القدرة الشرائية لهذه الفئات و الحفاظ على الحد الأدنى المقبول اجتماعيا، إذن هل استطاعت هذه الإجراءات فعلا أن تلعب هذا الدور؟.
إن ميزة الأنظمة الضريبية في الدول النامية هو اعتمادها الكبير على الضرائب المباشرة، و يعتبر المغرب من الدول التي تنحو هذا المنحى، و إذا كانت سياسة التحفيزات الجبائية تهدف إلى تخفيف العبء على المستثمرين فإن هذا الأخير من المحتمل أن يقع على الفئات غير المستثمرة، و هي الفئات الضعيفة اقتصاديا ليؤثر ذلك بالنتيجة على مبدأ تساوي المواطنين أمام تحمل الأعباء العامة[32]، و من هنا تصبح هذه الإعفاءات و بشكل مباشر أداة للزيادة في اختلال الدخول نظرا لاستفادة القلة المستثمرة فقط و بالتالي أداة لعرقلة كل العمليات التي تهدف إلى تحسن ظروف العيش على أساس أن كل تخفيض يمنح إلى المستثمرين يتم اتخاذه من طرف الجهات المسؤولة يجب أن يراعي في هذا الإطار الجانب الخاص بالفئة التي لا تستثمر.
و يزداد هذا الأمر تفاقما بتكريس الطابع التوسعي لنظام الامتيازات الضريبية من حين لآخر، إضافة إلى أن طابع التعميم الذي ميز هذه الامتيازات مكن الفئات الممنوحة من أرباح جبائية ثم التضريب الخفيف الذي تستفيد منه الفئات المعنية، كما من شأن هذا الطابع التوسعي للإعفاءات الجبائية أن يكرس أيضا ضعف المساهمة الفعلية للفئات القوية اقتصاديا في تمويل ميزانية الدولة ليولد عبئا جبائيا ثقيلا على الفئات الضعيفة اقتصاديا، حيث قد يعبر ذلك عن وجود سياسة اقتصادية تهدف إلى تحقيق التنمية بكل الوسائل ودون دراسة للتنمية المراد بلوغها و دون تخطيط عقلاني لأدوات و أصول هذه التنمية مما يؤدي إلى خلق تفاوتات جديدة فيما بين شرائح الدخول.
لهذا يفترض في القرارات المرتبطة بمنح امتيازات ضريبية الانطلاق من أهداف واضحة و متكاملة يراعى فيها الجانب الاجتماعي الذي يبقى لصيقا برغبة تحقيق الأهداف المالية و الاقتصادية، حيث تتحقق من خلال الامتيازات الضريبية تنمية مستدامة و مندمجة و متوازنة وحتى لا تتم الضحية بالهدف الاجتماعي لصالح الهدف المالي و بالتالي محاولة إيجاد نقطة التقاء بينهما.
ثانيا : تأثيرات الامتيازات الضريبية على سوق الشغل
إن من بين الأهداف التي حدت بالسلطات العمومية المغربية إلى التخلي عن جزء مهم من مداخيلها الضريبية لصالح الفاعلين الاقتصاديين زيادة الأنشطة الاقتصادية من أجل التخفيف من حدة البطالة، و التي بلغت نسب مقلقة خلال السنوات الأخيرة سواء في المجال الحضري أو المجال القروي، وغالبا ما يعول على القطاع الصناعي للتخفيف من نسبة البطالة باعتبارها معضلة اجتماعية و اقتصادية على اعتبار أن التطور الاقتصادي ينبني أساسا على القطاع الصناعي بمختلف فروعه، و إذا كانت أهداف تقليل العجز في مجال الشغل لصالح الطلب تبدو نسبية في برامج التنمية فإن سياسة تشجيع استثمار الخواص قد لا تسير في هذا الاتجاه حيث أنها لا تحظى بنفس الاهتمام.
و على العموم فإن كل استثمار من شأنه أن يوفر مناصب شغل جديدة و تبعا لطبيعته فإن أهمية خلق مناصب شغل تختلف حسب نوعية الاستثمار، و رغم كل هذه الإجراءات التي تم اتخاذها لإنعاش مجال التشغيل فقد عرف بالموازاة مع ذلك معدل البطالة تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة و يبين الرسم البياني التالي تطور معدل البطالة مابين سنة 2010 و سنة 2014 :
مبيان: تطور معدل البطالة خلال الفصل الأول حسب وسط الإقامة ( ب%)
المصدر : المندوبية السامية للتخطيط : مذكرة حول وضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2014، ص 4
ما يمكن استنتاجه من خلال الرسم البياني انخفاض معدل البطالة من سنة 2010 إلى سنة 2011، سواء على جميع المستويات المبينة في الرسم و قد يرجع ذلك إلى الظرفية السياسية الحرجة التي مر بها المغرب في تلك الفترة نتيجة تأثير الأحداث السياسية التي شهدتها بعض الدول العربية، ليرتفع معدل البطالة بمعدلات مختلفة ابتداء من سنة 2012.
يمكن القول بأن سياسة التشجيعات الضريبية في الدول النامية لا تضع في صلب أهدافها بالدرجة الأولى إنعاش التشغيل، حيث يتم منح مجموعة من الامتيازات الضريبية دون الأخذ بعين الاعتبار مشكل البطالة كما أن محاولة الربط بين التشجيعات الضريبية و إنعاش سوق الشغل تنطوي على الكثير من الإشكالات، ذلك أن هناك مجموعة من العوامل و المحددات الأخرى تساهم في تفاقم مشكل البطالة. فالمغرب كغيره من البلدان النامية يعاني من هذا الأخير خاصة في ضل غياب مبادرات جدية و صريحة في مستوى المشكل، كما أن قوانين الاستثمار المتعاقبة تخلو من امتيازات ضريبية مباشرة و مخصصة لهذا الغرض إذن يجب ألا نفاجأ بضعف الفعالية الجبائية في تأهيل مجال التشغيل تبعا للنتائج المستخلصة خلال مرحلة تجربة قوانين الاستثمار القطاعية.
ثالثا : تأثيرات الامتيازات الضريبية على قطاع السكن
يعد قطاع السكن من القطاعات الأساسية التي تكتسي طابعا مهما لدى الأسر المغربية، ولهذا فقد حاولت السلطات العمومية تنميته انطلاقا من مجموعة من الإجراءات و التدابير المباشرة و غير المباشرة، و تنمية هذا القطاع تمر بالضرورة عبر تنمية الاقتصاد بصفة عامة ذلك أن هناك علاقة وطيدة بين المتغيرين فمن هذا المنطلق أن نتسائل عن مدى تمكن السلطات العمومية انطلاقا من التدابير التي تم اتخاذها من تحقيق الأهداف المرسومة و المتمثلة في تسهيل الولوج إلى السكن من طرف المواطنين؟
إن شروط السكن تؤثر بشكل مباشر على سلوك الأفراد، فقد أتبث أحد الدراسات بأن الأحياء السكنية الهامشية التي لا تتوفر على الشروط الضرورية للعيش السليم تعرف نموا كبيرا في الجريمة أكثر من الأحياء التي تتوفر على هذه الشروط، وهذا ما يبرر تدخل الدولة لإيجاد الحل المناسب لهذه المعضلة عبر تشجيع الاستثمار في مجال العقار، حتى تجد الجهات المعنية و الوصية على القطاع الحلول المناسبة للمشاكل المطروحة.
و الملاحظ من خلال السياسة المتبعة في مجال العقار مند الاستقلال أنها أصبحت من الأهداف الرئيسية و الأساسية داخل السياسة الاقتصادية بشكل عام، حيث أصبحت أولوية من الأولويات المسطرة في البرامج الحكومية، حيث بقي هذا القطاع بين اهتمامات السلطات العمومية و عمل المشرع مند الثمانينات على توسيع قانون الاستثمار العقاري ليشمل عمليات جديدة كانت متروكة لعمل الخواص، و هكذا حاول المسئولون في المغرب التركيز على سياسة التشجيعات الضريبية انطلاقا من قوانين الاستثمار لحل مختلف المشاكل المرتبطة بقطاع السكن و ذلك بتوجيه الاستثمارات إلى المجال العقاري و تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، حيث تمنح امتيازات ضريبية للاستثمارات العقارية بموجب قوانين الاستثمار.
إن اهتمام الدولة بإقرار نظام ضريبي يشجع على المبادرة الخاصة في المجال العقاري لدليل على أولوية إنعاش قطاع السكن بحكم الارتباط و التأثير الذي يقيمه هذا القطاع مع غيره من القطاعات الأخرى ولرفع عائق الملكية العقارية التي لا تقتصر على تعطيل مسلسل الانتاج بل تساهم أيضا في عرقلة تشجيع الرأسمال العقاري، كما أن تداخل كما تداخل وتفاعل الامتيازات الضريبية المخصصة لتشجيع الاستثمار العقاري و الفئات المستفيدة من هذا التشجيع جعلت من الدولة المحرك الفعلي للعمل الاستثماري الذي يمكن بواسطته توفير أرضية مناسبة لدعم بورجوازية عقارية تابعة لها.
و ما يمكن استنتاجه هو أن الامتيازات الضريبية التي تم منحها في مجال العقار ظلت غير قادرة على بلورة و ترجمة طموحات الدولة في بلوغ تنمية ناجعة للاستثمار العقاري، و نفس التأكيد يمكن الإدلاء به بخصوص الأهداف المرتبطة بمجال السكن التي أملتها سياسة تشجيع الاستثمار في المجال العقاري الاقتصادية و الاجتماعية ككل، سياسة مالية كفيلة بإحداث تأثيرات اقتصادية تترجم تراجع قطاع البناء و الأشغال العمومية و تفرز اختلالات موازنية و اجتماعية تتضرر بموجبها مالية الدولة و تنهك بفعلها القدرة الشرائية للمواطنين.
لنكمل فى المقالة الثانيه الجزء المتبقي.