سلطة المحكم بتطبيق الأحكام الخاصة بعقود الإذعان
يعرف عقد الإذعان بأنه العقد الذي يقوم فيه أحد الأطراف (الطرف القوي) بفرض شروطه، ويقتصر دور الطرف الآخر وهو الطرف الضعيف (الطرف المذعن) على مجرد قبول هذه الشروط دون أن تكون له حرية مناقشتها[1]. ومثال ذلك عقد لاشتراك في الهاتف الخلوي وعقد الاشتراك في توزيع الماء الشروب والكهرباء. وحتى يكون العقد من عقود الإذعان يجب أن تتوافر له الخصائص الثلاثة التالية:
1- يجب أن يتعلق الأمر بسلعة أو خدمة ضرورية بالنسبة لجمهور المستهلكين، وأما إذا كانت السلعة أو الخدمة كمالية أو غير ضرورية فلا يعتبر العقد المتعلق مثلا من عقود الإذعان حتى لو توافرت فيه سائر خصائص عقد الإذعان. ويعود أمر تقديرها وتصنيفها إلى قاضي الموضوع.
2- يجب أن يحتكر أحد المتعاقدين هذه الخدمة أو السلعة ويستوي أن يكون الاحتكار قانونيا أو فعليا، إذ يترتب على هذا الاحتكار القانوني انعدام المناقشة ولا يكون أمام المستهلك سوى اللجوء في ذلك إلى الطرف المحتكر ليملي عليه شروطه وعلى الطرف المذعن التسليم بهذه الشروط. وأما إذا كان الاحتكار فعليا فإن المحتكر للسلعة تكون له سيطرة فعلية تجعل المناقشة فيه محدودة ولا قيمة لها.
3- غالبا ما يصدر الإيجاب في عقود الإذعان إلى الناس كافة وبشروط موحدة[2].
وقد نصت المادة (204) من القانون المدني الأردني على أنه (إذا تم العقد بطريق الإذعان وكان قد تضمن شروطا تعسفية جاز للمحكمة أن تعدل هذه الشروط أو تعفي الطرف المذعن منها وفقا لما تقتضي به العدالة، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك).
فإذا تضمن العقد بحق المذعن شرطا تعسفيا، جاز للقاضي أن يعدل من هذا الشرط وله فضلا عن ذلك أن يعفي الطرف المذعن من هذا الشرط، ويكون الشرط تعسفيا إذا كان المتعاقد الذي يريد التحلل منه لا يقبله إذا كانت له حرية مناقشة الطرف الآخر فيه، وبالتالي فإن القاضي يستطيع أن يحمي الطرف المذعن من الشروط التعسفية التي يفرضها عليه محتكر قانوني أو فعلي، وتقدير ذلك مسألة وقائع يتبين منها القاضي في ضوء الظروف ومدى ما في الشرط من جور وشدة. وأن تدخل القاضي في تعديل العقد هو من الاستثناءات الواردة على سبيل الحصر، ولا يستطيع أن يثيرها من تلقاء نفسه وإنما بناء على طلب أحد الأطراف.
والسؤال هنا هل يمارس المحكم في منازعات التجارة الدولية نفس سلطة القاضي الوطني إذا ما توافرت في العقد الدولي شروط تطبيق نظرية عقود الإذعان؟
للإجابة على السؤال لا بد أن نشير أولا إلى أن غالبية عقود التجارة الدولية هي عقود نموذجية مطبوعة، وبالتالي فإن إجابتنا على السؤال المذكور تستلزم البحث فيما إذا كان العقد النموذجي يعتبر من عقود الإذعان أم لا.
إن المقصود بالعقود النموذجية هو أنها عبارة عن مجموعة من القواعد والأحكام التي يضعها تجار سلعة معينة في منطقة جغرافية معينة ويلتزمون بها في معاملاتهم ويجوز لهم إدخال بعض التعديلات عليها بخصوص كل تعامل على حدة، شريطة أن لا ينال هذا التعديل من جوهر الشروط في مجموعها.
وتحرر هذه الشروط عادة في صيغة نماذج مطبوعة ويراعى في كل نموذج ما قد يطرأ على السلعة محل التعاقد من تغيرات، ولأطراف العلاقة اختيار ما يروق لهم من نموذج كي يتم التعاقد على أساسه، ومن أمثلة هذه العقود عقود جمعية لندن للقمح وعقود التأمين التي يضعها مجمع لندن للمؤمنين، وعقود عقارات البناء والهندسة الصناعية بأنواعها المختلفة وعقود المنشآت الصناعية والتوريدات الدولية[3].
يتضح من تعريف العقود النموذجية أنها تقترب من عقود الإذعان من حيث مظهرها الخارجي وهو طريقة إدراجها بشكل مطبوع، إلا أن هذا التشابه في المظهر الخارجي لا يعني بالضرورة وجود تشابه في طبيعتهما واستعمالهما، فالعقود النموذجية لها بعض المميزات التي تجعلها مختلفة تماما عن عقود الإذعان ومن هذه المميزات أن العقود النموذجية لا تنظمها جهة محتكرة ومتفوقة اقتصاديا تفوقا يتعلق بسلع تعتبر من الضروريات الأولية للمستهلكين على أن هذه النماذج تم تنظيمها ووضعها من قبل هيئات مستقلة ذات خبرة وهدفها الأساس هو تعزيز التعامل في مجال التجارة الدولية وجعله مستقرا وفق قواعد معروفة للأطراف، ولذلك فإن وضع شكل نموذجي لعقد ما من عقود التجارة الدولية لا يعتبر في ذاته سلبا لإرادة أحدهما أو كليهما بل على العكس يعتبر العقد النموذجي عند الاتفاق على استعماله قانونا استقر أطراف العقد على اختيار شروطه لتنظيم تعاملاتهم[4].
وهذا يعني بالنتيجة أن العقود النموذجية لا تعتبر من عقود الإذعان بالمعنى المحدد لهذه العقود الأخيرة في القوانين المدنية.
[1] – د. عبد المنعم فرج الصده، مصادر الالتزام، مرجع سابق، ص 109، وأيضا د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، مرجع سابق، ص 161، وأيضا د. أنور سلطان، مصادر الالتزام في القانون المدني، مرجع سابق، ص 140.
[2] – د. منذر الفضل، النظرية العامة للالتزامات، مرجع سابق، ص 125.
[3] – د. ثروت حبيب، دراسة في قانون التجارة الدولية، مرجع سابق، ص 78.
[4] – د. سعدون ناجي القشطيني، دراسة في الشروط العامة لمقاولات أعمال الهندسة المدنية العراقية كعقد نموذجي، مطبعة المعارف، بغداد، 1975، ص117.