دراسة وبحث قانوني هام عن انعكاس الزواج المختلط على حقوق الطفل
إعــداد الطلبة
? يونس الزلكامي
مقدمة:
من آيات الله الكبرى ونعمه العظمى أن خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة .
وعلى كلمة الله تعالى وشرحه يقوم الأسرة بالرباط المقدس الوثيق الذي رضيه الله لعباده المؤمنين، وفي البيت الذي قام ليجمع الزوجين تتوطد الصلات صلات البدن والروح وصلات النفس بالنفس والرحمة لقوله تعالى :{ ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون }
إن الشعور المشترك بين الزوجين بشكل نعمة حلوا تسعد به الحياة، وتهب عليه نسمات الرحمة والسكينة وتحافظ عليها بيضاء ساطعة.
لكن إذا كان الزواج ينبغي ان يقوم على الاعتبارات السابقة فإنه في مجال الزواج المختلط تثور تساؤلات عدة وتلمس ردود أفعال جمة بشأن مشاعر التفاؤل والتشاؤم التي تذهب أثارها بين الشريكين والأطفال بأمان حاملة بداخلها بصيص من الأمل لاستمرار إيقاع الحياة يظل حب وإخلاص بعيدا عن الأهواء والمصالح التي تجعل في خبر كان كل علاقة غير متكافئة ، ولما كان الزواج المختلط إحدى الروافد التي تتلاقح فيه الحضارات وتتصادم فيما بينها وباعتباره النموذج الامثل للعلاقات الدولية الخاصة والميدان الخصب للتنازع بين أنظمة قانونية خصوصا عندما يتعلق الأمر بحقوق الأطفال من هذا المنطلق ومحاولة منا لتقريب وتبيان الوجه الحقيقي للزواج المختلط قد يعصف بحقوق الأطفال بوجه خاص بالحياة الأسرية بشكل عام بين جهة ومن تقييم مستجدات مدونة الأسرة في معالجة وحلول الاتفاقية في معالجة المشاكل القانونية والاجتماعية المتعلقة بالأطفال المنحدرين عن الزواج المختلط .
ولهذا الواقع الجديد يحق لنا أن نتساءل إلى أي حد انعكس الزواج المختلط على وضعية حقوق الطفل ؟ فهل كان وسيلة الرفاه الاجتماعي والاقتصادي أم أنه كان وسيلة لهدم الهوية والارتباط بالوطن لدى الأطفال المنحدرين من الزواج المختلط؟ وإلى أي حد استطاعت الحلول الاتفاقية في تقريب الأنظمة القانونية والاوروبية والنظام القانوني المغربي ؟
إن الإجابة عن هذه الإشكاليات لن يتأتى إلا من خلال اعتماد التصميم الاتي.
المبحث الأول :الوضع القانوني للطفل الناتج عن زواج مختلط
يراد بالزواج المختلط من جهة نظر القانون الزواج الذي ينعقد بين أفراد من جنسيات مختلفة وهو عبارة عن ارتباط قانوني بين زوجين من جنسيتين مختلفتين أما بالنسبة للتعريف الذي جاء به القانون المغربي، ” فهو كل زواج يقع إبرامه بني طرف مغربي وطرف أجنبي “.
وإذا كان الزواج المختلط مظهرا إيجابيا تنسجم فيه الأفكار والقناعات ووسيلة لانفتاح الأسرة المغربية على أسر أخرى فإنه في الوقت نفسه يشكل بؤرة تؤثر وتنازع الاختصاص المعمول بها في هذا الشأن سواء على مستوى نسب الأطفال وجنسياتهم من جهة ومن جهة أخرى يشكل مجال خصب لتنازع القوانين بخصوص مسألة اسناد الحضانة والأثار المترتبة عن ذلك، وعليه ارتأينا أن يقف في هذا المبحث عن تعقد المشاكل المتعلقة بنسب الأفعال وجنسياتهم وذلك في ( مطلب أول ) قبل أن نعرج للحديث في ( المطلب الثاني ) عن نفقة وحضانة الأطفال المنحدرين من زواج مختلط.
المطلب الأول : هوية الطفل في إطار الزواج المختلط
بخصوص هذا المطلب سنحاول إبراز تجليات وجود الولد الناتج عن زواج مختلط في وضعيتين متباينتين والمنازعات المتعلقة بالنسب الطبيعي وذلك في ( الفقرة الأولى) على أن نتناول في (الفقرة الثانية ) الإشكالات الناجمة عن الجنسية.
الفقرة الأولى: حق الطفل في النسب والجنسية
النسب هو انتماء الشخص إلى أصل معلوم، وهو رابطة سامية وصلة عظيمة تجمع الأبناء بالأباء ولأجل ذلك تولاها التشارع الحكيم بمزيد من العناية والتنظيم.
وتبعا لذلك نظمت مدونة الأسرة قواعد النسب التشريعي وفق ما جرى به العمل في النفقة الإسلامي ومن ثم فإنها لا تعترف بالنسب الطبيعي والتبني ، وهذا ما اكدته المادة 148 من مدونة الأسرة والتي جاء فيها لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من أثار النبوة الشرعية ، وأضافت المادة 149 على أنه يعتبر السن باطلا ولا ينتج عنه أي أثر من أثار البنوة الشرعية”.
وبما أن هناك تباين بين الأنظمة القانونية العربية المتشعبة بروح الإسلام والانظمة القانونية الأوروبية التي تتبنى النموذج الأممي لحقوق الإنسان فإن الولد الناتج عن زواج مختلط يمكن أن تكون له وضعيتين مختلفتين ، شرعا حسب القانون الأجنبي وطبيعيا حسب القانون المغربي وفي هذا النساق يثار مسألة القانون الواجب التطبيق على النسب.
إن قوانين الاسرة في البلاد الأوروبية المطبوعة بمبادئ الحرية والمساواة أفرزت نوع من التجاذب بين نمادج مختلفة من المؤسسات الأسرية، وعليه فالنسب غير الشرعي أضحى يحتل مكانة مهمة داخل هاته المجتمعات حيث تم الاعتراف للطفل غير الشرعي بنفس حقوق الطفل الشرعي بسواء تعلق الامر بحقه في الاسم والجنسية أو النفقة او الإرث وفي مقابل ذلك ففي القوانين الإسلامية لازال الطفل الناتج عن علاقة غير شرعية يعاني الحرمان من العناية الأبوية.
ومن خلال هذا التباين في الفلسفة العامة المؤطرة للوضعية الحقوقية للاطفال غير الشرعيين الناتجين عن الزواج المختلط تتبع الإشكالية العامة لتنازع القوانين من أجل تحديد القانون الواجب التطبيق على البنوة الطبيعية وفي هذا السياق يميل جانب من الفقه لوجوب إخضاع النسب الطبيعي لقانون جنسية الولد على أساس أن الأمر يتعلق من جهة بحماية القاصر ومدى حقه في النفقة ومن جهة أخرى فإن البنوة الطبيعية تتصل بحالة الولد وهو ما يؤكد مرة أخرى ضرورة تطبيق قانون جنسيته كما هو الشأن بالنسبة للقانون الإيطالي ( الفصل 31 منه )
ويوجد إلى جانب هذا الرأي رأي يقضي بخضوع النسب الطبيعي للقانون الوطني للأم وهكذا فإن المشرع أخضع النسب الطبيعي للقانون الوطني للأم ( وهذا يتعارض مع مصلحة الطفل).
اما في ألمانيا فإن الاختصاص يعود إلى القانون الوطني او الإقامة الاعتيادية للأبوين او الطفل وهو نفس النهج الذي تتبعه القانون الهولندي . أما بالنسبة للمشرع المغربي فرغم أن ظ و م للأجانب لم يتضمن قاعدة خاصة في هذا الشأن فإن الفقه المغربي يميل إلى ان القانون المرجعل التطبيق في هذا المجال هو القانون الوطني للطفل وذلك يتماشى مع مصلحة الطفل
واستنادا إلى ضابط المصلحة الفضلى للطفل ذهبت إحدى المحاكم الهولندية في قرار بتاريخ 13 يناير 2004 إلى رفض الإشراف بالأبوة الطبيعية الطفل غير الشرعي معتمدة على كون هذا الطفل لم يسعى إلى الاندماج في عائلة أبيه .
وتجدر الإشارة إلى أن المقتضى المكرس في المادة 148 من مدونة الاسرة والذي جاء فيه:” لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من أثار البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من أثار النبوة الشرعية، وبذلك فلا مجال لتطبيق الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة 1989 دفع بعض الفقه إلى اقتراح معالجة الموضوع في إطار المسؤولية المدنية وذلك بإجراء خبرة طبية وإذا ثبت ان الولد منه فإنه يتعين إلزامه بالاتفاق عليه وذلك استنادا إلى الفصل 77 من ق ل ع [2] هذا عن النسب أما بالنسبة للجنسية
مؤسسة التبني والإشكالات الناجمة عليها.
التبني هو عملية من خلالها يعطي شخص نسبه للطفل يكون نسبه الأصلي معروفا أو مجهولا ومن تم فهو قرابة بين شخصين مبنية فقط على حكم قضائي وليس على رابطة الدم ترتب بين المتبني علاقة نسب اصطناعية تترتب عنها في بعض الأحيان نفس الأثار الناجمة عن النسب الشرعي حيث يصبح المتبني إبنا للعائلة المتبنية وينقسم طبعا التبني إلى تبني عادي لا يؤدي لقطع الصلة مع الأسرة الأصلية للطفل وتبني تام ترتب عنه قطع الصلة مع الأسرة الأصلية للطفل وفي هذا الشأن يقول الله تعالى : وما جعل أدعياكم أبنائكم” وتبعا لذلك فإن القانون المغربي لا يعترف بالتبني ويعتبره مجرد من أي أثر وذلك بمقتضى المادة 149 من مدونة الأسرة ” يعتبر التبني باطلا ولا ينتج عنه أي أثر من أثار البنوة الشرعية” وهو نفس النهج الذي اتبعته الدول الإسلامية باستثناء تونس التي قننت هذه المؤسسة بمقتضى نصوص قانونية.
وهكذا لا يمكن الاعتراف في المغرب بالتبني الذي تتم إجراءاته بالخارج بين زوج مغربي وزوجته اسبانية ولو كان الطفل اجنبي يسمح قانونه الوطني بذلك كما ان تبني طفل مغربي مزداد من زواج مختلط فوق التراب الفرنسي وإن كان مسألة ممكنة بالنسبة للطفل بسبب ازدياده وحمله لجنسيتها فإن مثل هذا التبني لن يكون له أثر المغرب الذي دفع بعض الفقه الفرنسي يذهب إلى انه في حالة عدم وجود مؤسسة التبني في البلد الأصلي للمتبني فإن التبني يجب ألا يتم في فرنسا، مادام لن يكون له أي أثر في البلد الأصلي، وفي هذا السياق صدرت دورية عن وزارة العدل الفرنسية تقضي بعدم اختيار شكل التبني التام بالنسبة للاسرة المختلطة وإلا لا تفكر في الاستقرار النهائي في فرنسا.
من هذا المنطلق لم يستقر القضاء الأوروبية بشكل عام والفرنسي على وجه الخصوص على موقف قانوني الوطني هذه المؤسسة كالقانون المغربي ففي قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 10 ماي 1995 المتعلق بالطفل المغربي المزداد من أبوين مجهولين والذي تم تسليمه إلى زوجين فرنسيين من قبل مؤسسة لرعاية الطفولة بالرباط، وحصلا على أمر من رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط يرخص لهما بكفالة هذا الطفل والسفر به إلى فرنسا غير أن الزوجين الفرنسيين الذين اعتنقا الإسلام بعد مغادرتهما للتراب المغربي قدما دعوى أمام المحكمة الابتدائية بليموج من أجل الحصول على حكم يخول لهما تبني الطفل المذكور تبنيا مطلقا ، وهو الامر الذي استجابت له هذه الأخيرة. لكن النيابة العامة طعنت في الحكم فألفته محكمة الاستئناف على أساس أن الموافقة على التبني لا يمكن أن يتم إلا من طرف المحكمة الابتدائية بالرباط وتدخلت محكمة النقض الفرنسية ونقضت هذا القرار وخولت للزوجين الحق في تبني الطفل وباسم المصلحة الفضلى للطفل ذهب القضاء الفرنسي إلى حد السماح بالحكم بتحويل الكفالة إلى تبني عادي وقد استمر الخلاف في العمل القضائي الفرنسي بين من يسمح بتحويل الكفالة إلى تبني سواء تام او عادي إلى حين صدور القانون رقم 111 بتاريخ 6 فبراير 2001 بشان التبني الدولي والذي نص في الفصل الثاني ” لا يجوز الحكم بالتبني طفل أجنبي إذا كان قانونه الشخصي يجهل هذه المؤسسة إلا إذا كان الطفل يقيم بصفة اعتيادية بفرنسا.
– جميلة أو حيدة ، نظام الأحوال الشخصية المجالية المغربية بالأراضي المنخفضة
– محمد الكشبور ، الخبرة الطبية في مادة الأحوال الشخصية.
-الحسن لحو لملوخي ، القانون الدولي الخاص بالمغرب الدراسات المعمقة جامعة محمد الخامس ، السويسي ، والمسطرة المدنية رسالة ** دبلوم
– فارسي يعيش ، الآثار القانونية للزواج المختلط اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص كلية الحقوق وجدة .
اترك تعليقاً