بحث قانوني ودراسة هامة عن تداعيات قوانين مكافحة الارهاب على حقوق الانسان
الأمن والحرية صنوان لا ينفصمان. فبدون الحرية والديمقراطية لا يتحقق الأمن والسلام الاجتماعي وبدون الأمن تصبح الحرية والديمقراطية بلا معنى. لكن عندما يتعارض الحفاظ على الأمن مع الحرية باسم الدفاع عن الحرية فان الحرية تفقد معناها والأمن قد لا يتحقق في هذه الحالة.
في إطار حملتها الأمنية لمكافحة الإرهاب تسعى الحكومات إلى اتخاذ إجراءات أمنية وقانونية للحيلولة دون وقوع هجمات إرهابية على أراضيها ولمكافحة مختلف النشاطات الإرهابية وتجفيف منابعها. ويدور الجدل في الأوساط السياسية والأمنية والقانونية حول الحدود التي تفصل بين مكافحة الإرهاب وبين ضمان الحريات في هذه الدول بما في ذلك الدول الديمقراطية. ففي الوقت الذي يرى البعض ضرورة التنازل عن بعض الحريات الشخصية لصالح حماية المجتمع وصون حرياته، يرى البعض الأخر أن الحريات الشخصية هي جزء لا يتجزأ من منظومة قيم النظم الديموقراطية التي لا يمكن التنازل عنها أو عن جزء منها، وبان حماية الحرية لا يمكن أن تتحقق من خلال تقييد الحرية نفسها. وقد لجأت الحكومات الغربية مثلا إلى إتباع وسائل قانونية وأمنية تتعارض تماما مع القيم الديمقراطية ولا تختلف عن تلك المتبعة في الأنظمة الديكتاتورية والشمولية. وقد أصبح الباحثون عن الحرية في ذلك الغرب الديمقراطي الرحب متهمين من قبل السلطات والمجتمع بأنهم قنابل موقوتة قد تنفجر في أي وقت.وهم غالبا مدانون حتى يثبتون براءتهم بأنفسهم. جاليات معينة تخضع للمراقبة والمضايقة. أحكام مسبقة على أشخاص بسبب اللون، الجنسية، الديانة والهوية.
فإلى أي مدى أثرت ظاهرة الارهاب ومن ثم قوانين مكافحة الارهاب في تقويض حقوق الانسان؟.
فهل يمكن أن نعتقد أنه كلما بحثنا عن مزيد من الامن فإننا نؤدي إلى تقليص مساحة الحرية أم ان مكافحة الارهاب بالفعل تحمي حقوق الانسان .
خطة البحث
المقدمة:
الاشكالية: فإلى أي مدى أثرت ظاهرة الارهاب ومن ثم قوانين مكافحة الارهاب في تقويض حقوق الانسان؟.
المحور الاول:
· تعريف الارهاب .
· خطورة الإرهاب على حقوق الإنسان.
· مكافحة الإرهاب وتقويض حقوق الإنسان .
المحور الثاني:
· أبرز مظاهر تقويض الحقوق والحريات بفعل محاربة الارهاب.
· نماذج عن قوانين مكافحة الارهاب لكل من ( بريطانيا – الولايات المتحدة الامريكية – في الدول العربية).
الخاتمة:
1-تعريف الارهاب:
تشتق كلمة إرهاب من الفعل المزيد (أرهب) ؛ ويقال أرهب فلانا : أي خوَّفه وفزَّعه ، وهو المعنى نفسه الذي يدل عليه الفعل المضعف (رَهّبَ) . أما الفعل المجرد من المادة نفسها وهو (رَهِبَ) ، يَرْهبُ رَهْبَةً ورَهْبًا ورَهَبًا فيعني خاف ، فيقال : رَهِبَ الشيء رهبا ورهبة أي خافه . والرهبة : الخوف والفزع . أما الفعل المزيد بالتاء وهو (تَرَهَّبَ) فيعني انقطع للعبادة في صومعته ، ويشتق منه الراهب والراهبة والرهبنة والرهبانية . . . إلخ ، وكذلك يستعمل الفعل ترَهَّبَ بمعنى توعد إذا كان متعديا فيقال ترهب فلانا : أي توعده . وأرهَبَه ورهَّبَه واستَرْهَبَه : أخافَه وفزَّعه . وتَرَهَّب الرجل : إذا صار راهبًا يخشى الله . والراهب : المُتَعَبِّد في الصومعة.
والإرهابيون في المعجم الوسيط : وصف يطلق على الذين يسلكون سبيل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية.
والإرهابي في المنجد : من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطته ، والحكم الإرهابي هو نوع من الحكم يقوم على الإرهاب والعنف تعمد إليه حكومات أو جماعات ثورية .
والإرهاب في الرائد هو رعب تحدثه أعمال عنف كالقتل وإلقاء المتفجرات أو التخريب ، والإرهابي هو مَنْ يلجأ إلى الإرهاب بالقتل أو إلقاء المتفجرات أو التخريب لإقامة سلطة أو تقويض أخرى ، والحكم الإرهابي هو نوع من الحكم الاستبدادي يقوم على سياسة الشعب بالشدة والعنف بغية القضاء على النزعات والحركات التحررية والاستقلالية.
نستخلص مما تقدم أن الإرهاب يعني التخويف والإفزاع ، وأن الإرهابي هو الذي يُحدث الخوف والفزع عند الآخرين . ولا يختلف هذا المعنى عما تقرره اللغات الأخرى في هذا الصدد ، فقد ورد في قاموس المورد أن كلمة terror تعني : رعب ، ذُعر ، هول ، كل ما يوقع الرعب في النفوس ، إرهاب ، عهد إرهاب ، والاسم terrorism يعني : إرهاب ، ذعر ناشئ عن الإرهاب ، و terrorist تعني : الإرهابي ، والفعل terrorize يعني : يُرهب ، يُروِّع ، يُكرهه (على أمرٍ) بالإرهاب . 1
————————————————————————————–
1- د. باسيل يوسف :تطور معالجة الأمم المتحدة لمسالة الإرهاب الدولي ,مجلة دراسات قانونية , بيت الحكمة , السنة الثالثة ,2001
—————————————————————————————-
وفي قاموس أكسفورد Oxford Dictionary : نجد أن كلمة Terrorist الإرهابي هو الشخص الذي يستعمل العنف المنظم لضمان نهاية سياسية ، والاسم Terrorism بمعنى الإرهاب يُقصد به استخدام العنف والتخويف أو الإرعاب ، وبخاصة في أغراض سياسية.
وتجدر الإشارة إلى أن تعبير الإرهاب هو من ابتداع الثورة الفرنسية ، ولم يتبلور الإرهاب واقعيًا إلا في عام 1793م ، وكان ذلك عندما أعلن روبسبير (Robespierre) بداية عهد الإرهاب أو الرهبة Reign of Terror في فرنسا (10 مارس 1793م – 27 يوليو 1794م) ومن اسم هذا العهد اشتقت اللغتان الإنجليزية والفرنسية كلمة (Terrorism) بالإنجليزية و (Terrorisme) بالفرنسية ، بمعنى الإرهاب . فخلال الثورة الفرنسية مارس روبسبير ومن معه من أمثال سان جيست (St . Just) وكوثون (Couthon) العنف السياسي على أوسع نطاق ، حيث قادوا حملة إعدام رهيبة شملت كل أنحاء فرنسا ، حتى قُدِّر عدد من أُعْدِموا في الأسابيع الستة الأخيرة من عهد الإرهاب 1366 مواطنًا فرنسيًا من الجنسين في باريس وحدها . ومن أصل سكان فرنسا ، الذين كان يبلغ عددهم في ذلك الوقت 27 مليون نسمة ، تمكن هؤلاء القادة من قطع رأس 40 ألفًا بواسطة المقصلة . كما تمكنوا من اعتقال وسجن 300 ألف آخرين وكاد السناتور جوزيف ماكرثي (Joseph McCarthy)أن يصبح روبسبير القرن العشرين (1950 – 1954م) في الولايات المتحدة الأمريكية ، عندما قاد حملته ضد العناصر اليسارية الأمريكية آنذاك ، إلا أن اتهاماته بالخيانة للآلاف لم تصل إلى حدِّ قطع رؤوسهم بالمقصلة أو خنقهم في غرف الغاز المغلقة.1
والإرهاب هو باختصار عبارة عن العمليات المادية أو المعنوية التي تحوي نوعًا من القهر للآخرين ، بغية تحقيق غاية معينة وكذلك استخدام غير مشروع للعنف أو تهديد باستخدامه ببواعث غير مشروعة، يهدف أساساً إلى بث الرعب بين الناس، ويعرض حياة الأبرياء للخطر، سواء أقامت به دولة أم مجموعة أم فرد، وذلك لتحقيق مصالح غير مشروعة، وهو بذلك يختلف كلياً عن حالات اللجوء إلى القوة المسلحة في إطار المقاومة المشروعة.
—————————
· الدكتور باسيل يوسف، مرجع سابق الذكر.
—————————–
2-خطورة الإرهاب على حقوق الإنسان
كما عرفنا فإن الإرهاب هو إثارة الفزع والهلع بين جمهور المواطنين من خلال استعمال العنف والقسوة لإثارة الخوف والرعب . ومن هذه النقطة فان الإرهاب يتعارض مع حقوق الإنسان في الأمن والعيش في سلام ، كما انه قد يدفع الدولة إلى تحويل بعض الموارد إلى مكافحته بما يعطل جهود التنمية التي لها الصدى على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتهدد الحقوق الإنسانية المتعلقة بهذه الجوانب ، وبذلك يضحي الإرهاب متعارضا مع حقوق الإنسان من حيث الاهدافه وأساليبه وطرقه وإشكاله . فهو يمثل تدميرا لهذه الحقوق وإلغاءا وقضاءا فوريا عليها ، فخطف واحتجاز الرهائن يمثل اعتداء على الأمن والحرية الشخصية . والاغتيال يمثل اعتداءا على حق الحياة وكذلك الحال بالنسبة للتفجير إذا أن العمل الإرهابي يمثل مصادرة غير مشروعة لجملة من حقوق الإنسان , وعمل مثل هذا لايمكن تبريره البتة .اللهم ألا أذا كانت هذه الحقوق المضحى بها تتساوى من حيث القيمة من تلك الحقوق التي يقاتل من اجلها أو تسموا عليها كحالة الدفاع المشروع عن الأرض والعرض بالاستشهاد ….
وقد أعربت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن استياءها الشديد إزاء تزايد عدد الأبرياء الذين يقتلهم الإرهابيون في إعمال عنف وإرهاب عشوائية وجزافية لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف , وأدانت إدانة قاطعة الإرهاب وأساليبه وممارساته بوصفها أنشطة ترمي إلى تدمير حقوق الإنسان وتقويض اركنا المجتمع المدني ألتعددي ، وقد قررت في دورتها (52) بند بعنوان مسالة حقوق الإنسان إن الإرهاب خطر حقيقي على حقوق الإنسان وتتجلى الخطورة أيضا فيما تشكله انتهاكات حقوق الإنسان من دافع لنشوء الإرهاب وممارسته من جانب بعض خاصة الأقليات التي قد تشعر بأنها مهمشة وان الدولة لا تعترف لها بأي حقوق ومن ثم يظهر الإرهاب العرقي أو الانفصالي وإذا كان هذا هو التأثير المباشر على حقوق الإنسان فهنالك تأثير غير مباشر للإرهاب على حقوق الإنسان يتجلى في الإجراءات التي سوف تتخذها الدولة لمكافحة الإرهاب أو الحد منه والتي تحمل لا محال بين طياتها تقييدا لحقوق الإنسان وبالتالي يتراءى للمصادرة حقوقهم أن المقاومة والعنف وأحيانا الإرهاب خير وسيلة لاستردادها وسنعود من حيث أتينا وندور في دائرة مفرغة .1
——————————————————————————–
1- نائلة جبر : الإرهاب وحقوق الإنسان ورقة عمل مقدمة إلى لجنة حقوق الإنسان . وكالة الأهرام للصحافة 1997
——————————————————————————
·3-مكافحة الإرهاب وتقويض حقوق الإنسان
عادة ماتتذرع الدول بخطورة العمليات الإرهابية من اجل اتخاذ إجراءات تعسفية تعتبر اعتداء سافر على حقوق الإنسان والفرد لا يجد مناصا من الخضوع لمثل هذه الإجراءات تحت دعوى مكافحة الإرهاب , ومع هذا فكان للمحكمة واللجنة الأوربيتين لحقوق الإنسان , واللتين أنشئتا في إطار الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان بعض الحدود والقيود والضوابط على سلطات الدولة في مكافحتها للإرهاب بالقدر الذي تظل به حقوق الإنسان الأساسية بعيدة عن المساس والافتئات فإذا كان الإرهاب يهدد وينتهك بوضوح حقوق الإنسان وخاصة الحقوق الأساسية الواردة في الإعلان العالمي المادة ( 3 ) الصادر في 10/12/1948 والتي تدين أي استخفاف واحتقار لهذه الحقوق , فان حماية هذه الحقوق تتطلب هي الأخرى إجراءات غير عادية بما يكفل عدم المساس بها ونصت على ذلك الاتفاقية الأوربية في المادة ( 5,3) فنصت الثالثة على حظر التعذيب والعقوبات والمعاملات غير الإنسانية أو المشينة , وهذا حظر مطلق لا استثناء فيــه .. إما الخامسة فقد حددت إجراءات الدولة في مكافحة الإرهاب في حالة الجور على الحقوق آن تمارس الإجراءات في الحد الضيق ويشترط عدم الإخلال بالالتزامات الدولية وقد انصبت رقابة المحكمة الأوربية واللجنة الدولية على التشريعات التي تصدر في بعض الدول الأوربية , وكان للجنة الأوربية أكثر من تقرير في هذا المجال ففي قضية mcveigh 2 في 18/3/1981 حيث قالت إن وجود الإرهاب أمر لا يمكن نكرانه لكن على الدول أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بعدم المساس بالحقوق الأساسية لمواطنيها وان لا تهدم الديمقراطية بحجة الدفاع عنها ولابد إن تتناسب الإجراءات مع حماية المجتمع والحقوق على حد سواء .
ونحن إذا ما سلمنا بحق الدولة بمكافحة الإرهاب أسوا بالمجتمع الدولي وبالتالي لها إصدار التشريعات اللازمة للحيلولة دون إن ينخر الإرهاب البناء الاجتماعي ككل , عليها بالمقابل إن لا تغالي في إصدار هذه التشريعات وان تسارع لالغاءها إذا وجدت إن الحاجة انتفت إليها وأصبح استمرارها على هذه الشاكلة دونما مبرر بل وعليها أن تبادر دائما بتعديل هذه النصوص تماشيا مع تحسن الوضع وتعويض المتضررين من جراء التطبيق الصارم لهذه القوانين …
———————————————————————————————————————-
1-الدكتور شريف بسيوني : التجريم في القانون الجنائي الدولي وحماية حقوق الإنسان. دراسات حول الوثائق العالمية والإقليمية ,دار العلم للملايين , القاهرة.ص ص 35-40
————————————————————————————————————————-
4-أبرز مظاهر تقويض الحقوق والحريات بفعل محاربة الارهاب:
أ- إجراءات بوليسية في أنظمة ديمقراطية
تسعى الأجهزة الأمنية لاستصدار قوانيين تمكنها من القيام باعتقال الأشخاص المشكوك فيهم أو اللذين يعتقد أنهم قد يشكلون خطرا امنيا، وحبسهم حبسا احتياطيا لفترات قد تطول أو تقصر، وذلك دون محاكمة أو ثبوت أدانتهم بجرائم أمنية. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد لجأت، عقب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 إلى تفعيل قانون عرف بقانون باتريوت خولت بموجبة أجهزة الأمن سلطات إضافية واستثنائية. وبناء على هذا القانون تم القيام بملاحقات واحتجازات لأشخاص دون محاكمات أو ثبوت تهما محددة. وفي ألمانيا هناك من تبنى مثل هذه الفكرة، فمثلا اقترح وزير داخلية أحدى الولايات الألمانية أن تلجأ السلطات الألمانية إلى السجن الاحتياطي، أو الترحيل للأجانب، الذين قد يمثلون خطرا إرهابيا، حتى دون محاكمة أو ثبوت إدانتهم بجريمة. كما يقترح الوزير، الذي نفذ بكل حماس مثل تلك الإجراءات في ولايته، تشديد الإجراءات على المتشددين الإسلاميين وتجنيد مخبرين يعملون في أوساط الجمعيات والتجمعات الإسلامية لجمع المعلومات عن نشاطاتها. وقد برر هذا الوزير ذلك بالقول: يجب أن نكون على علم بما يدور في كل مسجد. هنا، في هذه ألاماكن التي يتم فيها تنمية الأفكار المتطرفة، يتوجب أن يكون لنا وسائلنا الاستخباراتية.
ب-التنصت على المكالمات التلفونية
Bildunterschrift:
سارعت الحكومات الغربية عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، سارعت إلى اتخاذ إجراءات قانونية لإتاحة المجال للجهات الأمنية للوصول إلى المعلومات التي كانت تعتبر شخصية ولا يمكن المساس بها. ومن ذلك وضع الأشخاص المشكوك فيهم، لمجرد الشك، تحت دائرة مراقبة الأمن، ومتابعة نشاطاتهم واتصالاتهم. مثلا من خلال رصد المكالمات التلفونية التي يجرونها والإطلاع على رسائلهم البريدية، ومعرفة أماكن تواجدهم وتحركاتهم مثلا من خلال رصد ذبذبات هواتفهم المحمولة. وتشير الكثير من الدلائل الى أن الجهات الأمنية قد لجأت إلى هذه الوسائل حتى قبل أن يصدر بها قوانين تشريعية تجيزها، سواء من خلال الاستناد إلى قوانيين قديمة كانت معطلة أو وفقا لاجراءات أمنية ليس إلا. وكانت بعض الولايات الألمانية مثلا قد سعت إلى تقنيين مثل تلك الاجراءات بحيث يسمح للشرطة، وفقا للقانون، التنصت على المكالمات التلفونية وتحديد أماكن تواجد المتحدثين والأشخاص الذين يتواصلون معهم، كما سعت أيضا الى تقنين قراءة الرسائل الالكترونية المرسلة عبر التلفون والرسائل المكتوبة.
وعقب هجمات لندن تسعى الحكومة البريطانية حاليا إلى حث الاتحاد الأوروبي على إقرار قانون جديد للأمن يسمح بموجبة للجهات الأمنية الحصول على معلومات عبر وسائل الاتصال. وقد اعتبر وزير الخارجية البريطاني انه بوجود الضوابط الملائمة فلن يؤدي الوصول وحفظ تلك المعلومات إلى أي تهديد للحريات المدنية، بل أن ذلك سيساهم في اشاعة الامن والأمان، على حد قوله.
ج- اختراق سرية المعلومات
في عالم يعتمد فيه المرء على تكنولوجيا الاتصال الحديثة، الكمبيوتر والشبكة العنكبوتية في مختلف المجالات، يصبح الحفاظ على سرية المعلومات الشخصية الخاصة احدى أهم التحديات التي تواجه الحريات الشخصية للأفراد. ويعد الفصل بين المعلومات الشخصية والمعلومات القابلة للتداول قضية غاية في الحساسية، كما أن سرية المعلومات الشخصية تعتبر إحدى الركائز الاساسية للحقوق الأصيلة للفرد في المجتمعات الديمقراطية. غير انه رغم الحماية القانونية للمعلومات الشخصية من احتمالات استخدامها في أغراض قد تضر بأصحابها، فان ذلك لم يحل، في كثير من المرات، من استخدام المعلومات الشخصية في أغراض غير قانونية وربما غير أخلاقية. وتزداد رغبة السلطات الحكومية في الحصول على المعلومات الشخصية لأغراض قد تكون في معظم الأحيان أمنية أو ـ في الدول غير الديمقراطية ـ سياسية. وتمثل قوانين مكافحة الإرهاب اكبر تحد تواجهه المجتمعات الديمقراطية لجهة الحفاظ على سرية المعلومات الشخصية. وتضغط السلطات الأمنية المعنية بمكافحة الإرهاب على الجهات الخدمية والشركات، كالبنوك، شركات التلفونات، شركات الطيران وغيرها من اجل الحصول على معلومات عن الزبائن بغرض الاستفادة منها في التعرف على هويتهم، ممتلكاتهم وخصوصياتهم تحت مبرر مكافحة الإرهاب.
—————————————————-
د- ازدواجية المعايير
في الوقت الذي تنتقد حكومات الدول الغربية الأنظمة العربية وأنظمة العالم الثالث عموما بأنها أنظمة تقمع الحريات الأساسية لشعوبها وما إلى ذلك مما نسمعه في تقارير حقوق الإنسان وفي البنود البروتوكولية لزيارات المسؤولين الغربيين، في الوقت الذي تسعى هذه الأنظمة إلى فرض مزيد من القيود على الحريات الديمقراطية والفردية المكتسبة والمنصوص عليها في دساتير هذه الدول. الحكومات الغربية تبرر تلك القيود بالحفاظ على الأمن، وهو المبرر نفسه الذي تتخذه الأنظمة الديكتاتورية. وقد أعطت الحرب على الإرهاب المخرج للأنظمة الشمولية وغير الديمقراطية للتملص من الاستحقاقات الديمقراطية متخذة بذلك من الدول الديمقراطية مثالا يحتذي به بان الحفاظ على الأمن والاستقرار يحتم تقييد ومصادرة الحريات الديمقراطية. وصار بإمكان أي نظام ديكتاتوري أن يعتقل معارضيه السياسيين ويزج بهم في السجون تحت مبرر أنهم خطر على امن المجتمع. وصار بامكان أي نظام ديكتاتوري أن يدحض الانتقادات الموجهة له بمصادرة حقوق الإنسان من خلال التذكير بان قدوة الديمقراطية في العالم عندما تعرضت للخطر كان أول ما فكرت به هو اللجوء إلى الاجراءات البوليسية على حساب حقوق وحريات الإنسان.
هـ- إدارة العدل عن طريق محاكم الخاصة والمحاكم العسكرية :
في كافة الدول التي تتبنى سياسات محاربة الارهاب هناك ما يعرف بـ المحاكم الخاصة مثل محاكم امن الدولة او محاكم الطوارئ والمحاكم العسكرية السلطة القضائية بالنسبة لانتهاكات الامن القومي . بما في ذلك الاعتداءات الارهابية .ومن أهم نقاط خطورة مثل هذه المحاكم مايلي:
· منح السلطة التنفيذية سلطة إحالة القضايا لتلك المحاكم بدون إبداء أي معايير واضحة لمثل هذه الاحالة .
· تعيين القضاة عن طريق السلطة التنفيذية وفي بعض الحالات افتقادهم للمؤهلات .
· انتهاك هذه المحاكم في مقاضاة قادة المعارضة السلمية .
· افتقار هذ المحاكم لضمانات الدفاع .
· في بعض الحالات لا يتم ابلاغ المتهم بالتهم الموجهة ضده قبل بداية المحاكمة ولا يسمح للدفاع بالاطلاع علي ملفات القضية .
· تقييد الحق في اللجوء الي الاستئناف أمام محكمة عليا ضد القرارات التي صدرت عن تلك المحاكم .
———————————————————–
4-نماذج عن قوانين مكافحة الارهاب لكل من ( بريطانيا – الولايات المتحدة الامريكية – في الدول العربية)
أ-في بريطانيا:
وهذه هي أهم بنود مشروع القانون البريطاني الخاص بمكافحة الإرهاب:
تركز مشاريع القوانين الجديدة التي ستقدمها وزارة الداخلية البريطانية الى مجلس العموم على تجريم «الاعداد للارهاب» و«الترويج للارهاب» و«إعطاء تدريب على الارهاب او تلقيه». وبموجب مشروع القانون المطروح فان:
· «تشجيع» و«تمجيد» و«تعظيم» الارهاب سيكون جريمة تصل عقوبتها الى سبع سنوات سجنا. ويأتي ضمن هذا الامر نشر البيانات الاصولية على الانترنت التي تصل الى حد التشجيع بطريقة «مباشر» او «غير مباشر» للعمليات الارهابية. لكن هذا لا يشمل البيانات المتعلقة بأحداث وقعت قبل 20 عاما.
· سيجري تمديد فترة احتجاز المشتبه فيهم على ذمة التحقيق الى ثلاثة شهور بدلا من 14 يوما، المدة الاقصى المعمول بها حاليا.
· تصل عقوبة التحضير للعمليات الارهابية والتدريب، الى السجن مدى الحياة.
· تصل عقوبة المشاركة في تعليمات تتعلق بمواد ضارة او تطوير أي تقنيات لاستخدامها في عمليات ارهابية، الى السجن 10 سنوات.
· تصل عقوبة حضور معسكرات تدريب ارهابية في أي مكان بالعالم الى فترة اقصاها السجن عشر سنوات.
· حظر جماعات اصولية متطرفة، بدءاً بمن يشاركون مشاركة مباشرة في الارهاب الى اؤلئك الذين «يعظمون» او «يحتفون» بالأعمال الارهابية.
· يحصل المتعاونون مع اجهزة الامن على تخفيض في عقوبة الحبس تصل الى 60 في المائة.
· السماح باستخدام التسجيلات الهاتفية في محاكمات الارهاب.1
—————————————————————————
1- وقاف العياشي، مكافحة الإرهاب بين السياسة والقانون: دار الخلدونية، الجزائر، الطبعة: الأولى/ 2006،ص 45.
—————————————————————
ب-في الولايات المتحدة الامريكية
ومن أبرز النقاط التي يتطرق إليها:
يسمح باعتقال وسجن غير المواطنين وبمنع حملة الكرت الأخضر من العودة إلى الولايات المتحدة، بسبب آرائهم المعارضة
يخفف من القيود القضائية على إجراءات مراقبة الهواتف والإنترنت حتى في القضايا غير المتعلقة بما يسمى الإرهاب
يوسع من صلاحيات الأجهزة الأمنية في القيام بعمليات تفتيش دون مذكرة رسمية، ودون معرفة صاحب العلاقة
يعطي المدعي العام ووزير الخارجية صلاحية تصنيف أية مجموعة في الولايات المتحدة كمجموعة إرهابية، ليتم التعامل معها على هذا الأساس، ومنع أي أجنبي ينتمي إليها حتى من حملة الكرت الأخضر من دخول الولايات المتحدة
يجعل دفع رسوم العضوية للمنظمات السياسية المغضوب عليها دليلاً إجرامياً يعاقب عليه القانون بالإبعاد من أمريكا [يجب فهم البندين الأخيرين بالتحديد ضمن سياق الحملة الصهيونية ضد الجمعيات العربية والإسلامية التي تجمع التبرعات في الولايات المتحدة]
يمنح ال FBI صلاحيات الحصول على السجلات المالية أو الطبية أو التعليمية لأي شخص دون أمر من المحاكم أو حتى أي دليل إجرامي
يسمح بإجراء عمليات مراقبة واسعة النطاق لأغراض إستخباراتية دون إبراز دلائل اشتباه في المحاكم
يعيد لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA صلاحية تحديد أهداف للتجسس داخل الولايات المتحدة، وهي التي يلزمها القانون بالعمل خارج الولايات المتحدة
يوسع تعريف الإرهاب المحلي بشكل يمكن أن يضم أعمال الاحتجاج السياسي السلمي.
وضمن سياق التحول من المجتمع المفتوح إلى الدولة البوليسية، قالت يومية النيويورك تايمز New York Times في 2 نوفمبر/ 2001 أن بوش الابن أصدر قراراً رئاسياً يسمح بإبقاء وثائق الرئيس ونائب الرئيس سرية حتى بعد تنحيهما عن الحكم، ولو رأى الرئيس اللاحق غير ذلك. مشروع القانون الجديد يسمح بحجب بعض وثائق إدارات كلينتون وبوش الآب ورونالد ريغان عن الجمهور ، وكان القانون السابق المعمول به حتى الآن يجعل السجلات الرئاسية ملكاً للحكومة لا للرؤساء السابقين، وقد صدر ذلك القانون بعد فضيحة ووترغيت ومحاولة الرئيس نيكسون آنذاك أن يخفي بعض الوثائق. ولكن بوش الابن أجل ثلاث مرات حتى الآن كشف 68 ألف صفحة من عهد الرئيس الأسبق ريغان الذي انتهى عام 1988 والذي كان أبوه فيه نائباً للرئيس. بيد أن بوش الابن إذا كان يحاول التستر على شيء ما في ماضي أبيه، فإنه ما كان ليقدر أن يفعل ذلك بحماية القانون حتى الماضي القريب. والقضية ليست قضية تحول بنيوي في النظام فحسب، بل قد ترتبط بأمر أشد خطورة بكثير..
وهذا الأمر قد يتصل بما ذكرته صحيفة الواشنطن بوست Washington Post يوم 28 أوكتوبر 2001 حين أوردت تقريراً مطولاً قالت فيه أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA تنظر في أمر القيام باغتيالات فردية حول العالم ضمن تفويض رسمي من بوش. ولكن الوكالة لا تريد اختيار الأهداف بنفسها، بل تريد أن يختارهم الرئيس لها. والسبب واضح طبعاً، فالوكالة تعرف أن مثل هذه الاغتيالات يحرمها القانون ، وهي لا تريد أن تصبح كبش فداء حين تنقضي الحاجة إلى هذه الاغتيالات ويصبح المطلوب إعادة القناع الديموقراطي إلى وجه النظام. وعلى كل حال، تقول الصحيفة المذكورة أن أوامر الرئيس بوش تسمح باختيار أهداف خارج أفغانستان أو منظمة القاعدة، وأن لوائح قد تم إعدادها بأسماء المزمع استهدافهم، وأنها تضم أسماء أشخاص لا يمارسون الإرهاب بالضرورة، بل يمولونه فقط. وأضافت الصحيفة أن التوجه لتبرير اغتيال الزعماء الأجانب قانونياً بدأ في البيت الأبيض منذ عام 1998 ، ولكن بوش الابن يبدو أنه اعتبر بأنه أخذ الضوء الأخضر في قانون مكافحة الإرهاب الذي سن يوم 14 سبتمبر / و الذي خول الرئيس صلاحية استخدام القوة اللازمة ضد الأشخاص الذين لهم أية علاقة بتفجيرات 11 سبتمبر. ومرة أخرى، وكما في حالة التعذيب ضد المعتقلين في أمريكا في دول غير أمريكا، كما جاء أعلاه، تقول الصحيفة أن ال CIA قد لا تنفذ عمليات الاغتيال هذه مباشرة، بل نستطيع أن نستعمل أردنيين وسودانيين ومصريين على استعداد أن يقوموا بهذا من أجلناالواشنطن بوست، 28 أوكتوبر 2008. فمن سيحمي العالم من إرهاب ال CIA ؟!
——————————————————————————–
ج-في البلدان العربية:
أما بالنسبة للدول العربية فالأمر مختلف حيث انها لم تتبنى في أغلبها قوانين لمكافحة الارهاب وإنما لازالت مشاريع قوانين أما السمة الغالبة أو الموضة إن صح التعبير فهي تبني ما يعرف بإعلان العمل الدستوري في حالة الطوارئ وفي هذا السياق فإن سوريا حطمت الرقم القياسي العالمي حيث انها الدولة التي تسير وفق حالة الطوارئ لأطول مدة كما لدينا مصر وفيما يلي تعريف مختصر لحالة الطوارئ.
· فما هي حالةالطوارئ
هي نظاماستثنائي محدد في الزمان والمكان لمواجهة ظروف طارئة وغير عادية تهدد البلاد أو جزءمنها وذلك بتدابير مستعجلة وطرق غير عادية في شروط محددة ولحين زوال التهديد ) . وبناءً على هذا التعريف يتضح لنا أن إعلان حالة الطوارئ فيبلد أو إقليم ما يستوجب قرارات وقوانين خاصة بتلك المنطقة خلافا لما هو منصوص فيالقانون الأساس للدولة أو ما يعرف بالدستور الذي وجد لتنظيم الحكم والسياسة وتحديدالصلاحيات بين السلطات ورعاية شؤون الشعب ، وتعلن حالة الطوارئ في حال عجز الدستورعن حماية أمن مواطنيه في الحالات التالية:
· إعلان الحرب والحالاتالتي تهدد بوقوعها .
· الاضطرابات الداخليةمن تمرد أو انقلاب أو شغب يهدد الأمن والنظام .
· الكوارث الطبيعيةوالبيئية .
v وهذا يقودنا لتساؤل مهم وهو لماذا يعجز الدستور عن حمايةالشعب ؟
إن مهمة الدستور هي الحفاظ على الحريات الأساسية للفرد وخدشتلك الحقوق والحريات يجرم الإجراءات التي قد تحتاج السلطات التنفيذية لاتخاذها للحدمن تبعات الكوارث الطبيعية والحروب أو الفتن المحلية كالحبس الاحترازي والاعتقالوالتفتيش والمراقبة والتجسس . وأفضل وصف وجدته لهذه الحالة يقول : إن فكرةقوانين الطوارئ تنطلق من مبدأالضرورة، حيث وجد الدستور أصلا لحماية الإنسان وحقوقه ومصالح الشعبفإذا وجد ما يهدد هذه الحقوق والمصالح وأصبح الدستور عائقا في درء هذه المخاطر هناتتحقق الضرورة التي مفادها إصدار قوانين السلطة التنفيذية لمعالجة هذه المخاطر وهذاالعمل مخالف للدستور ، لكنه يستمد شرعيته من الضرورة التي أدت إلى تشريع القانونوتستمد هذه النظرية مدلولها من القاعدة الرومانية القديمة التي تقول أن سلامة الشعبفوق القانون ….انتهى . 1
—————————————————
1-د. احمد فتحي سرور ,الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية .دار النهضة العربية ,القاهرة 1992ص ص 107 .112
——————————————————–
يتضح مما سبق أن عجز الدستور عن حماية الشعب نابع منالانتهاك الخطير الذي يتعرض له الفرد في ظل قوانين الطوارئ من اعتقال احترازيوإيقاف دون توجيه تهم ومنع النشر وغيرها …. الخونشير هنا إلى أن القانونالدولي يبيح إعلان حالة الطوارئ ولكن وفق شروط وضوابط محددة جدا على رأسها تحديدسبب لإعلان حالة الطوارئ والمنطقة التي تشملها القوانين الجديدة ومدة سريان هذاالإعلان .
إلا أن الأنظمة في الدول النامية تستخدم هذا القانون لقمعالشعب واضطهاده واستغلاله لاغتيال الحريات والحقوق الأساسية للفرد ، وخاصة فيمايتعلق بالنشر والصحافة وحرية التنقل للأفراد .
ومن أشهر حالات الطوارئ المعلنة تلك المعلنة في جمهوريةسوريا حيث أعلنت سوريا حالة الطوارئ منذ أكثر من أربعين عاما، مع العلم أنقانون الطوارئ هو الساري فعليا في أغلب دول العالم العربي وبناء عليه فإنها تستخدمهذه القوانين لقمع الحريات والحقوق الإنسانية . وما يحدث في الدول التيتحكمها الأنظمة الدكتاتورية من استخدام قانون الطوارئ لسنوات طويلة حتى بعد زوالأسباب إعلان حالة الطوارئ يبطل مشروعية هذه القوانين والتي استمدتها أساسا من أوضاعغير عادية واستثنائية وتنتهي شرعيتها بانتهاء تلك الأوضاع . إن الأنظمة الدكتاتوريةتحاول صبغ قراراتها وتصرفاتها المخالفة للقانون الدولي بصبغة شرعية وذلك بإعلانحالة الطوارئ وتطبيق الأحكام العرفية والتي تعتبر العائق الأساس أمام تطبيقالديمقراطية في تلك البلدان.
· أما خطورته على الحقوق والحريات فيمكن إيجازها في النقاط التالية:
§ سلطة وضع القيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والتنقل والإقامة، والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن واعتقالهم وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية.. كما تهدر العديد من الحقوق والضمانات المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
§ سلطة إنشاء محاكم استثنائية في حالة الطوارئ، وهى محكمة أمن الدولة الجزئية· ومحكمة أمن الدولة العليا (طوارئ) للنظر في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه ،وإمكانية إدخال العنصر العسكري في تشكيل المحكمة وهو ما يعد مخالفة صريحة للمعايير الدستورية والدولية الخاصة بالفصل بين السلطات واستقلال القضاء وحصانة القضاة .1
—————————————————-
§ الدكتور احمد فتحي سرور ,مرجع سابق الذكر ص 119.
——————————————
§ لرئيس الجمهورية سلطة حفظ الدعوى قبل تقديمها إلى المحاكمة، وأجازت له الأمر بالإفراج المؤقت عن المتهمين المقبوض عليهم قبل إحالة الدعوى لمحكمة أمن الدولة. كما حرمت المتهمين الطعن في الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة، وهو ما يعد إخلال جسيما بحق المتهمين في الطعن في الأحكام أمام محكمة قضائية أعلى وفق المادة (14) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. كما قضت ألا تكون أحكام محاكم أمن الدولة نهائية إلا بعد تصديق رئيس الجمهورية، وهو تدخل غير مبرر في أعمال السلطة القضائية وانتهاكا لمبدأ الفصل بين السلطات، ويجعل تنفيذ الأحكام القضائية رهنا بمشيئة السلطة القائمة على حالة الطوارئ، وذلك من الأمور التي تأباها روح العدالة.
§ لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يحيل إلى القضاء العسكري أيا من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو أي قانون آخر ، وهو يعتبر مخالفة جسيمة لنصوص الدستور وأحكام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ولجميع المعايير الدولية بشأن استقلال القضاء التي تؤكد حق المتهمين في اللجوء أو المثول أمام قاضيهم الطبيعي وحظر جميع صور القضاء الاستثنائي. 1
وانطلاقا من إصرار الحكومات العربية على مد العمل، ووفقا للنقد الموجه في هذا الصدد، فإن قانون الطوارئ هو أداة للحكم السياسي، أكثر من كونه أداة لمواجهة مخاطر فعلية تهدد المجتمع المصري. وثمة براهين على ذلك منها:
1- استخدام قانون الطوارئ وغيره من القوانين المقيدة للحريات المدنية والسياسة لقطع السبيل أمام مشاركة فعالة في إدارة الشئون العامة للبلاد.
2- تفعيل قانون الطوارئ في مواجهة المعارضين السياسيين، ممن ينتهجون منهجا سلميا في العمل السياسي.
————————————-
1- الدكتور احمد فتحي سرور ,مرجع سابق ص 120.
الخاتمة:
إن الاعتراف بخطورة الإرهاب قد يبيح لدولة ما اتخاذ تدابير احترازية تتغيى من وراءها وضع حد للإرهاب إلى أن هذه التدابير قد تحمل بين ثناياها افتئات على حقوق وحريات الإفراد بل وقد يصل الأمر إلى العصف بهذه الحقوق تحت طائلة الصالح والأمن العام وهنا يثور التساؤل ما مدى مشروعية هذه التدابير ؟
في حقيقة الأمر أن محاربة الإرهاب قد تبرر ـ إلى حد ما ـ فرض قيود أو حتى الاعتداء على حقوق الإنسان ولكن لابد التوفيق بين متطلبات الدفاع عن المجتمع وحماية الحقوق الفردية 1 وفي هذا الصدد يقول روث المدير التنفيذي لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان : أن الإرهابيين يعتقدون أن كل شيء مباح في سبيل قضيتهم ، لكن الحرب ضد الإرهاب يجب أن لا تعتنق هذا المبدأ فحقوق الإنسان مصانة لا يجوز المساس بها تحت أي طائل .
ومن جانب أخر فالإرهاب باعتبار ما ينتج عنه من إزهاق للأرواح ومساس بالسلامة الجسدية وفرض فكر معين , فهو يمثل اعتداء على حق الإنسان في الحياة وفي سلامة جسمه وحقه في التفكير والتعبير وهذا ما يتناقض مع روح نص المواد (3ـ 18ـ 19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 . وأخيرا فان انتهاكات حقوق الإنسان ضد بعض الفئات مثل الأقليات والعرقيات الدينية والطائفية قد تبرر لجوء هذه الأقليات إلى سلوك طريق الإرهاب للدفاع عن حقوقها
غير ان المشكلة التي رأيناها من خلال البحث هي إستغلال الدول والحكومات لهذه المعادلة الصعبة في سبيل تأصيل جذورها في السلطة وقمع المعارضة مهما كانت طبيعتها وإستعمال الارهاب كفزاعة لقمع صوت الشعوب من طرف حكوماتها من جهة وقمع الحكومات الضعيفة من قبل القوى الكبرى من جهة أخرى فحقيقة الوضع هو ان الضحية الاولى والاخيرة لهذه الحرب على الارهاب هو تلك الرغبة في الوصول إلى عالم يسوده الاحترام المثالي لقدسية حقوق الانسان لا إستغلالها وجعلها مطية لتحقيق غايات في نفس يعقوب.
اترك تعليقاً