تعريف الحماية الدولية
للوقوف على المراد بالحماية الدولية, لابد اولاً من استعراض المعنى اللغوي المكون لمصطلح(الحماية الدولية), ثم نعرج على المعنى الاصطلاحي , وذلك في نقطتين:
أولاً: الحماية الدولية لغة:
الحماية: يقال حمىِ الشيء يحميه حِمايةً(بالكسر) أي مَنَعَه وحمى المريض ما يضره منعه اياه وأحتمى هو من ذلك وتحمّى أمتنع والحَميّ المريض الممنوع من الطعام والشراب(3). ويقال حميت القوم حماية ً أي نصرتهم(4). وحماه يحميه حماية دفع عنه وهذا شيءٌ حميّ أي محضور لا يقرب, وتحاماه الناس أي توقوه واجتنبوه(5). ويقال هذا الشيء حمي, أي محضور لا يقرب, وحَمَيتَه حِمايةً اذا دفعت عنه, ومنعت منه من يقربه, والحميم القريب المشفق وسمي بذلك لأنه يمد حمايته لذويه فهو يدافع عنهم, كما قال تعالى في كتابه العزيز((ولا يسألُ حميمٍ حَميما)) المعارج آية : 10, وفي الجملة نجد الحماية تأتي على معانٍ هي: المنع, والنصرة وهي داخلة تحت معنى المنع لان النصرة منع الغير من الاضرار بالمضرور(6).
الدولية : الدَّولة و الدُّولة العقبة في المال والحرب, وقيل هما لغتان فيهما و الجمع دُوَل و دِوَل, وقيل الدَّولة بالفتح في الحرب أن تدال إحدى الفئتين, والدُّول بالضم في المال يقال: صار الفيءُ دُولةً بينهم, وقال الزجاج الدُّلة اسم الشيء الذي يُتداول والدَّلة الفعل والانتقال من حالٍ لحال(7). دال ,يدول دَولاً, ودولة فهو دائل. ودال الأمر انتقل من حال إلى حال, ودالت الايام دارت, ودالت دولة الاستبداد, زالت, وادال الشيء جعله مداولة, أي تارة لهؤلاء وتارةً لهؤلاء. ودولة مفرد جمعه دولات, و دُوَل, ودِوًل. واليوم الدَولة :إقليم يتمتع بنظام حكومي واستقلال سياسي., دَوليّة: أسم منسوب الى دُوَل, و دُوَليّة أسم مؤنث منسوب إلى دول(8).
ثانياً: الحماية الدولية اصطلاحاً:
اختلف فقهاء القانون الدولي في تعريف الحماية الدولية فمنهم من اعطاها معناً واسعا, ومنهم من ضيق منها, والملاحظ ان الاتفاقيات والمعاهدات والاعلانات المتعلقة بالحماية لم تورد تعريف لها, وإنما نصت على مجموعة من الاجراءات التي تُلزم بها الدول سواء أكان هذا الالتزام قانونياً أم أدبياً, وكأنها قصرت هذه الحماية على هذه الاجراءات (من حيث التعريف), أي عرفت الاصطلاح بجملة اجراءات.
لذا لابد لنا من استعراض ما طرحه الفقه من تعريف والاقتصار عليه:
في احدى حلقات النقاش التي نظمتها اللجنة الدولية للصليب الاحمر في عام 1999, تبنى ممثلي المنظمات الانسانية التعريف الاتي: (مفهوم الحماية الدولية يشمل اصطلاح الحماية في مجال حقوق الانسان بصفة عامة جميع الانشطة التي تهدف لضمان الاحترام الكامل لهذه الحقوق وفقا لنص وروح القوانين ذات الصلة)(9).
إن ما يلاحظ على هذا التعريف هو انه لا يصلح لتوصيف الحماية الدولية وحسب, بل والحماية الوطنية التي تتحملها الدولة بالدرجة الاساس, ووفقا للتعريف فأن الحماية الدولية تتمثل بمختلف الانشطة التي تمارسها الهيئات للضمان الكامل لاحترام هذه الحقوق, وبما ينسجم مع نص وروح النصوص الواردة في القانون الداخلي او الدولي لحقوق الانسان.
الا ان التعريف لم يبين ما هي هذه الاجراءات ولم يعط مصاديق لتكون مثلا يقاس عليه.
كذلك عُرفت الحماية الدولية إنها: (تكمن في الاساس في اتخاذ العديد من الاجراءات العامة التي تمارسها الأجهزة المتخصصة في الأمم المتحدة, أو ما تمارسه اجهزة الحماية الدولية الخاصة المسئولة عن مراقبة تنفيذ الدول التزاماتها باحترام حقوق الانسان, والتي أُنشات بموجب اتفاقيات الوكالات الدولية المتخصصة والاتفاقيات التي تلت ميثاق الأمم المتحدة), ومعيار التمييز الإجراءات العامة التي تمارسها الاجهزة المتخصصة والحماية الخاصة, هو ان يكون العمل بموجب ميثاق الأمم المتحدة, أو بموجب اتفاقيات أو معاهدات خاصة تبرمها الوكالات الدولية, فمتى كانت الحماية بموجب الميثاق كانت حماية عامة, وإذا كانت بموجب اتفاقيات أبرمتها الوكالات الدولية – ولو استنادا إلى الميثاق – كانت حماية خاصة. وجاء هذا التعريف أكثر تحديداً من سابقه إذ قصر الحماية على تلك التي تحمل الصفة الدولية سواء مارستها الامم المتحدة او الوكالات المتخصصة(10).
وقد عرفت(فرانسواز بوشيه سولينية)الحماية بقولها:(تعني الحماية الإقرار بان للأفراد حقوقا, وان السلطات التي تمارس السلطة عليهم لديها التزامات, وتعني الدفاع عن الوجود القانوني للأفراد, إلى جانب وجودهم المادي. لذلك تعكس فكرة الحماية جميع الإجراءات المادية التي تمّكن الأفراد المعرضين للخطر من التمتع بالحقوق, والمساعدة المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية وفي كل حال على منظمات الاغاثة ان تكرس هذه القوانين بصورة ملموسة)(11).
نتوصل من التعريف إلى أن ما يسترعي الانتباه, انه ركز على التزام الدول تجاه الافراد وما يقع على عاتقها من التزامات تجاه حقوق الافراد, ولم يشر الى الجانب الدولي للحماية الا انه اشار في ما بعد الى ان الوضع القانوني للأفراد وإن كان يحدد بالقانون الداخلي, الا أن هناك عناصر مختلفة في القانوني الدولي تضفي وضعاً قانونياً دولياً على لأفراد, ومصدر هذه العناصر هي الاتفاقيات والاعلانات والبرتوكولات والعهود المتعلقة بحقوق الانسان السارية في وقت السلم.
بينما رأى بعض الفقهاء أن الحماية الدولية تقسم إلى نوعين من الحماية, الحماية الدولية المباشرة والحماية الدولية غير المباشرة, يُراد بالأولى: (جملة الاجراءات والانشطة التي تباشرها الاجهزة المعنية على المستوى الدولي او الاقليمي لفرض احترام حقوق الانسان التي أقرتها المواثيق الدولية, والتصدي للانتهاكات التي ترتكب ضد هذه الحقوق, بغية وقف ومحو اثارها او التخفيف منها). بينما يقصد بالحماية الغير مباشرة:( تلك المهام والانشطة التي تنهض بها الاجهزة الدولية على المستوى الدولي او الاقليمي, بغرض خلق او ايجاد المناخ العام الذي يكفل اقرار وتعزيز حقوق الانسان, عن طريق صياغة وتقنين القواعد والاحكام المتعلقة بحقوق الانسان ونشر الوعي بها بين الشعوب والحكومات على حدٍ سواء(12)).
ونرى يلاحظ على هذا التعريف انه عمد الى تقسيم الحماية الى قسمين, رغم ان التعريف لابد ان يكون جامع, كذلك لا يغيب على الخبير أن المعنى الثاني الذين تعرض له تعريف الحماية الغير مباشرة هو تعريف لمفهوم تعزيز حقوق الانسان, والذي يهدف الى نشر ثقافة حقوق الانسان في الاوساط الدولية والمحلية وتتولاه المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية, وعلى المستوى الوطني غالباً ما تعمل من اجله المنظمات المستقلة عن الدولة وهي منظمات المجتمع المدني.
اما اذا رجعنا الى التعريف الأول نراه عرف الحماية بـ(جملة الاجراءات والانشطة ….), وكأنه اراد ان يحصر الحماية بالإجراءات المادية التي تتولاها الأجهزة الدولية المعنية – يؤيد ذلك التعريف الثاني- رغم ان الحماية تأخذ في اغلب الاحيان صور معنوية او ادبية, مثل حث الدول على حماية الحقوق السياسية, او قيام بعض المنظمات بنشر تقاريرها عن حالة الحقوق في بعض الدول لتشكيل رأي عام دولي يدفع الدول والمؤسسات الدولية الى الضغط على تلك الدول من اجل تحسين حال الحقوق الانسان لديها .
وقد عرف البعض الحماية الدولية انها:(( الاجراءات التي تتخذها الهيئات الدولية ازاء دولة ما, للتأكد من مدى التزامها بتنفيذ ما تعهدت والتزمت به في الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان, والكشف عن انتهاكاتها ووضع مقترحات او اتخاذ اجراءات لمنع هذه الانتهاكات(13) )).
التعريف أعلاه جاء مستوعباً لأنواع الحماية الدولية والاقليمية, لأنه اشار إلى أن الغاية من الإجراءات للتأكد من التزام الدول بما الزمت به نفسها في الاتفاقيات الدولية , التي قد تكون ذات صفة اقليمية, اضافة إلى إمكانية أن يكون للهيئات الدولية صلاحية علاجية للانتهاكات عن طريق وضع مقترحات او اتخاذ اجراءات.
مما تقدم نرى ان تعريف الحماية الدولية دائما يدور حول جملة غير محددة من الاجراءات التي تختلف من هيئة دولية الى اخرى, وتختلف في المنظمات الاقليمية عنها في الدولية, وفي الاجمال يمكن القول ان الحماية الدولية هي (اختصاصات وإجراءات رقابية تمارسها المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية بحق أعضاءها لفرض احترام حقوق الانسان ).
تفضل لقراءة البحث الكامل عن هذا الموضوع
النشر من مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية
اترك تعليقاً