بحث قانوني عن المبادئ القضائية في الشريعة الإسلامية
المبدأ الأول : مبدأ النظر إلى الجانب التعبدي .
- 1- ظهور الوازع الديني في اليمين كوسيلة من وسائل القضاء لذا فإن الأساس في مشروعية اليمين اللجوء إلى العقيدة الدينية بإشهاد الله تعالى على صدقه ، وتحمل الحنث والكفارة والهلاك عند الكذب ، قال : ( من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ) ( ) .
- 2- يبرز الوازع الديني أيضاً في الإقرار والنكول والصدق في الدعاوى حيث تحث العقيدة على مبدإ الصدق في كل شيء وتنهى عن الكذب بشتى صوره ومختلف أشكاله ، وهذا يقود إلى صدور الإقرار الصحيح ، والاعتراف بالحقوق لأصحابها ، والبعد عن الاعتراف الكاذب الذي يقربه لدوافع خاصة يريد المقر إخفاءها ، فعن أبي ذر أنه سمع رسول الله يقول : ( ليس من رجل ادعي لغير أبيه وهو يعلم إلا كفر ، ومن ادعى ما ليس له فليس منا ، وليتبوأ مقعده من النار، ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال : هو عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه ) ( ) ، أي : رجع عليه ، فقوله :من ادعى ما ليس له ، يدخل فيه الدعاوى الباطلة كلها .
- 3- أن الشريعة ركزت على الوازع الديني كوسيلة لصيانة الحقوق وعدم الظلم والاعتداء ، ولهذا إذا تعسرت وسائل الإثبات أو تمكن أحد الخصوم من قلب الحق إلى باطل بإثبات ما ادعاه زوراً وبهتاناً ، لم يبق إلا الوازع الديني الذي أشار إليه النبي الكريم عند ما قال : ( إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي بنحو ما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخـيه شيئاً فلا يأخـذه فإنما أقطع له قطعـة مـن النار فليأخـذها
المبدأ الثاني : مبدأ النظر إلى الظواهر دون البواطن .
إن القضاء في الإسلام يقع وفق الإثبات المظهر للواقعة والحق أمام القاضي فإذا كان الإثبات صحيحاً في الظاهر والباطن ومطابقاً للواقع وصادقاً في نفس الأمر فإنه يؤثر في المدعى به ظاهراً وباطناً فيحكم للمدعى بالشيء ظاهراً ويحل له أخذه واستعماله واستغلاله وتملكه والاستفادة منه باطناً فيما بينه وبين الله أي ينفذ الحكم في الدنيا والآخرة . أما إذا كان الإثبات غير مطابق للواقع وكان ظاهره يخالف باطنه فإن حكم الحاكم المبني على الإثبات لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً ولا يغير الشيء عما هو عليه في الواقع ونفس الأمر وإنما ينفذ في الظاهر فقط عند من لا يعلم الحقيقة والباطن وتترك البواطن لله وترتبط بالحساب والعقاب الأخروي لعموم حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله قال : ( إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأقضي له بذلك فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو فليتركها ) ، وفي لفظ ( إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار ) ( ) . وفي الصحيحين ( من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان ) ( ) .
ويجدر بالذكر أن هذا المبدأ تختص به الشريعة الإسلامية ، ففي القوانين الوضعية لا يبحث في نفاذ الحكم ظاهرا وباطناً لأنه بحث يستند إلى قضية الحلال والحرام من الجانب الديني ولذا لم يتعرض له شراح القوانين لكنهم يعترفون أن القضاء نسبي وأن أحكام القضاء ظنية ولكنهم اعتبروا الحكم القضائي مع احتمال الخطأ من القاضي والتزوير في البينة اعتبروه حقيقة واقعة ولو على حساب العدل ومنح الحكم القضائي قوة القضية النافذة ظاهراً وباطناً .
وهذا المبدأ هو ما تنص عليه أنظمة القضاء في المملكة فعلى سبيل المثال تطالعنا المادة الثمانون بعد المائة من نظام الإجراءات الجزائية بما نصه : ( تعتمد المحكمة في حكمها على الأدلة المقدمة إليها في أثناء نظر القضية ، ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه ولا بما يخالف علمه ) ففي هذه المادة إفادة بأن القاضي يحكم استناداً للأدلة المقدمة إليه وما تنتجه من إنتاجات سليمة ودون نظر إلى بواطن الأمور .
المبدأ الثالث : مبدأ قيام القضاء على الحجة والبرهان .
الإثبات في القضاء الشرعي هو المعيار في تمييز الحق من الباطل ، والغث من السمين والحاجز أمام الأقوال الكاذبة والدعوى الباطلة وعلى هذا : فكل ادعاء يبقى في نظر القضاء الشرعي محتاجاً إلى دليل ولا يؤخذ به إلا بالحجة والبرهان ، يقول جل وعلا : قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( ) .
ويقول سبحانه: فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( ) . وقد روى ابن عباس أن النبي قال : (لو يعطي الناس بدعواهم لادعى رجال دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ) ( ) ،
وفي لفظ ( ولكن البينة على الطالب واليمين على المطلوب ) ( ) .
ووجه الدلالة : أنه لا يقبل الادعاء بدون دليل ، وإلا تطاول الناس على الأعراض وطالبوا بأموال الآخرين ، واعتدوا على الأنفس والأرواح والأموال
لذا من أقوال فقهاء الإسلام : إن الدليل فدية الحق ولو لا الإثبات لضاعت الحقوق ، وهتكت الأنفس ، وقولهم : الشهادة سبب إحياء الحقوق وهي بمنزلة الروح للحقوق ، وهذه الأهمية للإثبات عامة في جميع الحقوق سواء أكانت عامة أم خاصة ، مالية أم عائلية مادية معنوية أم أدبية ، يلجأ إليها الأفراد في كل نزاع ، ويستند عليها القاضي في كل قضية ومن هنا : فإن الشريعة وهي تلمس أهمية الإثبات ، ومكانته في المجال القضائي ، قد عنيت بتنظيم أحكام الإثبات ، والوسائل الشرعية له ، وطرق استعماله بما لم يوجد في غيره من النظم السابقة أو اللاحقة ، من حيث تكاملها في ذاتها ، وتميزها عن غيرها وبناء على هذا المبدأ سأعرض أهم خصائص الإثبات في القضاء الشرعي فيما يلي :
الميزة الثانية : يمتاز الإثبات في الشريعة بأن القرآن الكريم والسنة المطهرة لم يحصرا طرق الإثبات بعدد معين ولم يحدداها بأدلة معينة بل تشمل في منظور الشرع كل ما يمكن أن يثبت به الحق ويظهر به ويستبين يقول ابن القيم رحمه الله ( وبالجملة فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد لم يوف مسماها حقه ولم تأت البينة قط في القرآن مراداً بها الشاهدان وإنما أتت مراداً بها الحجة والدليل والبرهان ) ( ) ، ويقول رحمه الله : ( إن الله أرسله رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه) ( ) ، ويقول أيضاً: ( بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصودة إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط ، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له ) ( ) . وهذا يعطينا مدى تطبيق الإسلام المبدأ العام وقاعدة العمل بوجوب العدل وإحقاق الحق ، وقاعدة أن الشريعة جاءت لجلب المصالح ودرء المفاسد ، فإهدار الدعاوى التي لم يتح لها الإثبات بتلك الطرق المعينة مصادم لهذا المبدأ لذا فالأدلة المثبتة للدعاوى غير محصورة في عدد معين . لأن الحصر في طرق معينة لا يستقيم ومصالح الناس المتنوعة ونوازلهم مع تغير التعاملات والمستجدات في هذه الحياة .
الميزة الثالثة : أن الشريعة وهي تقرر عدم الحصر في طرق الإثبات فإنها لا تغفل المبدأ العام الذي تدور عليه أحكامها وهو إقامة العدل بشتى أنواعه وصوره لذا لما كان القضاء أعظم أسباب تحقيق العدل فإن الشريعة لم تترك طرق الإثبات مطلقة غير مضبوطة لقضاة الظلم والجور باستعمال التعسف في استعمال الحق لتأسيس القضاء على مجرد أي دليل ولو كان قائما على الخيال والشك والأمارات الواهية ، والمؤدية إلى تضارب الأدلة وتهاترها وضياع الحق ولم تعط القاضي الثقة المطلقة وهو بشر يحتمل منه الميل والأغراض الخاصة والخطأ في الاستنتاج والاستنباط ، لذا عنيت الشريعة الإسلامية بوسائل الإثبات وفق قواعد عامة وضوابط محددة لبيان قيمة كل دليل وكيفية تقديمه ليظهر الحق وتنكشف الواقعة ومن ظواهر ذلك ما يلي :-
- 1- يشترط في البينة أن يستند الإثبات إلى العلم وغلبة الظن فإن استند إلى شك أو وهم فلا عبرة به ، قال تعالى : إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( ) . وقال سبحانه : وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا ( ) . والظن الغالب يقوم مقام اليقين لأن الشريعة تقوم أحكامها على الظن الغالب خاصة في الاجتهاد والقضاء وإنصاف المظلومين وتحقيق العدالة لاستحالة الوصول إلى القطع واليقين دائماً .
- 2- يشترط في الإثبات موافقة الدليل للعقل وللشرع وللحس وظاهر الحال. لذا نجد الفقهاء لا يسمعون دعوى الفقير المعروف بالفاقة على أحد الأغنياء مالاً جسيماً يستحيل عادة أنه أصاب في حياته ما يقرب منه .
- 3- منع الإسلام القاضي أن يقضي بعلمه، وهو المختار عند كثيرين من فقهاء الإسلام .
- 4- أن القاضي في ظل أحكام الإسلام مكلف بتطبيق الأحكام الشرعية الجزئية التفصيلية الخاصة بالبينات في كل دليل يعرض عليه وهو مقيد بتلك الأحكام، ومع ذلك فعليه أن يؤدي دوراً إيجابياً فيما يعرض عليه من التأكد والاستيثاق من كل دليل وصحته وتحري الدقة فيه ؛ وقد ذكر الفقهاء من أمثلة ذلك : أن يسأل القاضي الشهود ويناقشهم فيما يظهر به الحق خاصة عند التهمة والشك ، فيسألهم عن مصدر الشهادة وطريق العلم بها وكيفية تحملها وصفة المشهود به والمشهود له وعليه ، وله تفريق الشهود. وأيضاً له أن يستنبط الأمارات والقرائن من جميع الأدلة المقدمة إليه والوقائع المعروضة عليه وفق ملابسات الحوادث التي تقدمت أمامه والقضية التي ينظرها ليصل إلى الحقيقة ولتتكون القناعة التامة بالحكم المبني على ما قدم إليه .
الميزة الرابعة: يمتاز القضاء في الإسلام عن غيره بالجانب التعبدي ، ولهذا فالوسائل الإثباتية القضائية يظهر فيها الوازع الديني بشكل ظاهر وجلي ، فالقيم الأخلاقية ومبادئ العقيدة تسهم بنصيب وافر في الإثبات وتوفر له الحيطة والاطمئنان في الأداء والفصل في النـزاع، وتجعل من الإخلال به مناطاً للجزاء الأخروي؛ ولهذا فالأخلاق الفاضلة والعقيدة السليمة، أساس وسائل الإثبات في الشريعة وهي منطق العدل وركيزة الحق والقسطاس المستقيم، كما تقدم ذلك مفصلاً.
الميزة الخامسة : أن الشريعة أقامت الحدود والصفات في الإثبات لرعاية حقـوق الله تعـالى وللحفاظ على مصالح المجتمـع وجعلتهـا من النظام العام ( ) الذي لا يصح الخروج عنه كما وزعت أعمال القضاء وجعلت لكل طرف فيه حقاً فلا يحق للآخر أن يصل إليه إلا بإذنه ومن أمثلة ذلك ما يلي:-
- 1- أن لتحليف حق للمدعي فلا يطلبه القاضي إلا بعد طلبه .
- 2- أن توجيه اليمين حق للقاضي فلا يحلف الخصم إلا بعد توجيه اليمين إليه
- 3- أن الحكم حق للمدعي عند بعض الفقهاء فلا يحكم القاضي إلا بطلب المدعي.
- 4-أن جمهور فقهاء المسلمين ذهبوا إلى أن عدالة الشهود من حق الله، فلا يجوز التنازل عنها أو التساهل فيها، ولا تقبل شهادة الفاسق ولو رضي الخصم الآخر أو اتفق الخصمان على قـبول شهادته، وتشترط التزكـية لقوله تعالى : وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ( ) ، وقوله اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُم ( ) .
وقوله : مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ( ) . - 5- من أمثلته عدد الشهود وصفاتهم التي حددتها الشريعة فلا يجوز العدول عنها، وهكذا مجلس القضاء في اليمين وغير ذلك .كل ذلك للاحتياط وشدة التثبت صوناً للحقوق وحفظاً للضروريات الخمس ومنعاً للدعاوى الباطلة والأقوال المزعومة ليصل القضاء إلى الحق والعدل اللذين تهدف إليهما الشريعة
هذا وقد راعت أنظمة المرافعات الشرعية في المملكة العربية السعودية هذه الخصائص : وتلك الميزات فيما هو بارز في الباب التاسع من نظام المرافعات الشرعية التي تتحدث عن الإجراءات الشرعية للإثبات ويبرز ذلك في المواد الآتية :
- 1- جاء في المادة السابعة والتسعين ما نصه : ( يجب أن تكون الوقائع المراد إثباتها أثناء المرافعة متعلقة بالدعوى منتجة فيها جائزاً قبولها )
- 2- ورد في المادة التاسعة والتسعين ما نصه : ( للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب العدول في دفتر الضبط ، ويجوز لها أن لا تأخذ بنتيجة الإجراء ، بشرط أن تبين أسباب ذلك في حكمها )
- 3- ورد في المادة التاسعة عشر بعد المائة ما نصه : ( تسمع شهادة كل شاهد على انفراد بحضور الخصوم وبدون حضور باقي الشهود الذين لم تسمع شهادتهم على أن تخلفهم لا يمنع من سماعها ، وعلى الشاهد أن يذكر اسمه الكامل وسنه ومهنته ومحل إقامته وجهة اتصاله بالخصوم بالقرابة أو الاستخدام أو غيرها إن كان له اتصال بهم مع التحقق عن هويته )
- 4- ما ورد في المادة الثامنة بعد المائة بما نصه : ( لا تكون اليمين ولا النكول عنها إلا أمام قاضي الدعوى في مجلس القضاء ولا اعتبار لهما خارجه ما لم يوجد نص يخالف ذلك )
- 5- ما ورد في المادة الحادية عشرة بعد المائة والتي نصها : ( يجب أن يكون أداء اليمين في مواجهة طالبها إلا إذا قرر تنازله عن حضور أدائها ، أو تخلف دون عذر مقبول مع علمه بالجلسة )
- 6- ورد في المادة الحادية والعشرين بعد المائة ما نصه : ( للقاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم أن يوجه للشاهد ما يراه من الأسئلة في كشف الحقيقة وعلى القاضي في ذلك إجابة طلب الخصم إلا إذا كان السؤال غير منتج )
- 7- ما ورد في المادة الثالثة والخمسين بعد المائة ونصها : ( يجوز للمحكمة ولو لم يدع أمامها بالتزوير أن تحكم باستبعاد أي ورقة إذا ظهر لها من حالتها أو من ظروف الدعوى أنها مزورة أو مشتبه فيها كما أن للمحكمة عدم الأخذ بالورقة التي تشتبه في صحتها وفي هذه الأحوال يجب على المحكمة أن تبين في حكمها الظروف والقرائن التي استبانت منها ذلك )
- 8- ما ورد في المادة الخامسة والخمسين بعد المائة ونصها : ( يجوز للقاضي أن يستنتج قرينة أو أكثر من وقائع الدعوى أو مناقشة الخصوم أو الشهود لتكون مستنداً لحكمه أو ليكمل بها دليلاً ناقصاً ثبت لديه ليكون بهما معاً اقتناعه بثبوت الحق لإصدار الحكم ) ومع هذا راعت الأنظمة الغاية وهي الوصول إلى الحق فللخصم وظيفة معارضة ما توصل إليه القاضي من استنتاج فنصت المادة السادسة والخمسون بعد المائة على ما يلي: ( لكل من الخصوم أن يثبت ما يخالف القرينة التي استنتجها القاضي وحينئذ تفقد القرينة قيمتها في الإثبات ) ، كما تبرز تلك الخصائص فيما هو منصوص عليه في نظام الإجراءات الجزائية في المواد التالية :-
1- جاء في المادة الثانية والستين بعد المائة : ( إذا اعترف المتهم في أي وقت بالتهمة المنسوبة إليه فعلى المحكمة أن تسمع أقواله تفصيلاً وتناقشه فيها . فإذ اطمأنت إلى أن الاعتراف صحيح ، ورأت أنه لا حاجة إلى أدلة أخرى فعليها أن تكتفي بذلك وتفصل في القضية ، وعليها أن تستكمل التحقيق إذا وجدت لذلك داعياً ) .
2- جاء في المادة الثالثة والستين بعد المائة : ( إذا أنكر المتهم التهمة المنسوبة إليه ، أو امتنع عن الإجابة فعلى المحكمة أن تشرع في النظر في الأدلة المقدمة وتجري ما تراه لازماً بشأنها ، وأن تستجوب المتهم تفصيلاً بشأن تلك الأدلة وما تضمنته الدعوى . ولكل من طرفي الدعوى مناقشة شهود الطرف الأخر وأدلته ) .
3- جاء في المادة الرابعة والستين بعد المائة : ( لكل من الخصوم أن يطلب سماع من يرى من شهود والنظر فيما يقدمه من أدلة ، وأن يطلب القيام بإجراء معين من إجراءات التحقيق وللمحكمة أن ترفض الطلب إذا رأت أن الغرض منه المماطلة ، أو الكيد،أو التضليل ، أو أن لا فائدة من إجابة طلبه )
4- جاء في المادة الخامسة والستين بعد المائة : ( للمحكمة أن تستدعي أي شاهد ترى حاجة لسماع أقواله أو ترى حاجة لإعادة سؤاله. كما أن لها أن تسمع من أي شخص يحضر من تلقاء نفسه إذا وجدت أن في ذلك فائدة لكشف الحقيقة ) .
5- جاء في المادة السادسة والستين بعد المائة : ( مع مراعاة ما تقرر شرعاً في الشهادة بالحدود . يجب على كل شخص دعي لأداء الشهادة بأمر من القاضي الحضور في الموعد والمكان المحددين ) .
6- جاء في المادة السابعة والستين بعد المائة : ( إذا ثبت أن الشاهد أدلى بأقوال يعلم أنها غير صحيحة فيعزر على جريمة شهادة الزور ) .
7- جاء في المادة الثامنة والستين بعد المائة : ( إذا كان الشاهد صغيراً ، أو كان فيه ما يمنع من قبول شهادته فلا تعد أقواله شهادة ، ولكن للمحكمة إذا وجدت أن في سماعها فائدة أن تسمعها .وإذا كان الشاهد مصاباً بمرض ، أو بعاهة جسمية مما يجعل تفاهم القاضي معه غير ممكن فيستعان بمن يستطاع التفاهم معه ،ولا يعد ذلك شهادة )
المبدأ الرابع : مبدأ المساواة والعدالة في القضاء الشرعي .
من الأصول المقررة في الشريعة الإسلامية أن التشريع لله سبحانه وتعالى بما ورد في كتابه الكريم ، وبما ورد عن رسوله ، وحينئذ فالإسلام بنـزعه السيادة التشريعية من يد البشر قد وضع أرسخ قاعدة لكفالة حق البشر في المساواة أمام أحكامه وتشريعه ، إذ بذلك يقطع السبيل أمام أية فئة قد تدعي لنفسها الفضل أوالتميز على غيرها من الفئات . فالقاعدة القضائية في الشريعة الإسلامية هي من عند الله ، والناس مهما علت مقاماتهم أو سمت منازلهم فهم أمام شرع الله متساوون لا امتياز لأحد على أحد. ولهذا فالقاضي في الإسلام يعتمد في قضائه على التشريع الإلهي ، فإذا كان الناس أمام التشريع الإلهي سواء على ما أسلفنا ، فهم أمام تنفيذ ما يختص منه بالقضاء سواء كذلك ، لا تفريق بينهم بسبب الأصل أو الجنس أو اللون أو الدين وليس في دار الإسلام من فرد لا تطوله يد القضاء ، ولعل ذلك من أبرز صفات القضاء في الإسلام ، ومما تميز به على النظم الأخرى فالمساواة في القضاء الإسلامي غاية تسعى العدالة إلى تحقيقها وهي قيمة وهدف ليتحقق بذلك العدل الشامل الذي تصلح به حال الدنيا وهذا مقتضى ما تدل عليه عمومات الشريعة المحكمة من تقرير قاعدة العـدل المطلق الشامـل قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ( ) ، وقال سبحانه : وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ( ) ، وفي السنة أحاديث كثيرة تنص على وجوب قاعدة العدل الشامل ومنها ما هو في خصوص القضاء ومن ذلك ما رواه بريدة بن الحصيب عن النبي قال : ( القضاة ثلاثة ، واحد في الجنة واثنان في النار ، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ،ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ) ( )
والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تعقله والتفقه فيه ( ) ونذكر فيما يلي صوراً تبرز مظاهر المساواة أمام القضاء الإسلامي:-
حادثة المرأة من بني مخزوم التي سرقت حلياً وقطيفة، فبعث قومها أسامة بن زيد بن حارثة ليشفع فيها، فرده الرسول قائلاً: ( يا أسامة أتشفع في حد مـن حدود الله ..؟ وأيم الله لـو أن فاطمـة بنت محمـد سرقت لقطعـت يدها ) ( ) .
- 1- إن الشريعة منعت القاضي من الحكم بعلمه وهو الراجح من قولي العلماء منعاً لاتهامه وتحيزه، والطعن في حياده ( ) .هذا وإذا تقرر لنا هذا المبدأ كقاعدة من قواعد القضاء في الإسلام فإن نظام القضاء في المملكة العربية السعودية وهو الذي يعتمد الشريعة الإسلامية مصدره وعمدته نجد أن نظام المرافعات الشرعية فيه يعتبر مبدأ المساواة ، مبدأً أساساً في نظامه المشار إليه ولهـذا تطالعنا المادة الأولى من هذا النظام بما نصه ( تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية ، وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة ، وما يصدره ولى الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة ، وتتقيد في إجراءات نظرها بما ورد في هذا النظام ) ( ) .
1- المادة التاسعة والستين ما نصه : ( على القاضي أن يسأل المدعي عما هو لازم لتحرير دعواه قبل استجواب المدعى عليه وليس له ردها لتحريرها ولا السير فيها قبل ذلك ) - 2- جاء في المادة الثمانين بعد المائة ما نصه : ( تعتمد المحكمة في حكمها على الأدلة المقدمة إليها في أثناء نظر القضية ، ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه ولا بما يخالف علمه ) .
المبدأ الخامس : وحدة المصدر في القضاء الإسلامي .
المرجع في نظر جميع القضايا والمخاصمات إلى أحكام الشريعة الإسلامية فهي الأصل والأساس المعتمد في جميع أحكام القضاء، وليس ثمة سلطان ذو هيمنة على القضاء والقضاة إلا لحكم الشرع المطهر قال تعالى : وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( ) . وقال جل شأنه : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ( ) .
وقد نص على ذلك نظام المرافعات الشرعية في المملكة العربية السعودية في المادة الأولى، حيث نصت على ( أن المحاكم تطبق على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة ) .
وهكذا ترد المادة بنصها في نظام الإجراءات الجزائية المادة الأولى منه :
( تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية ، وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة ، وتتقيد في إجراءات نظرها بما ورد في هذا النظام .
وتسري أحكام هذا النظام على القضايا الجزائية التي لم يتم الفصل فيها والإجراءات التي لم تتم قبل نفاذه ) .
المبدأ السادس : مبدأ استقلال القضاء في الإسلام .
يُعد استقلال القضاء ركيزة أساسية لحياده وبُعده عن المؤثرات المخلة بمسيرته وبقدر ما تكون العناية بترسيخ هذا المبدأ وتطبيقه تتحقق بشكل أدق وأكمل غايته المقصودة منه وهي إقامة العدل والقسط بين الناس في سائر الحكومات والخصومات قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ( ) .
المبدأ السابع : مبدأ تأصيل الأحكام القضائية .
حرصت الشريعة على أن تكون أحكام القضاة واضحة المصدر مؤصلة المستند، فإن اعتماد القاضي في الشريعة الإسلامية على الكتاب والسنة قال تعالى : فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( ) . وقال سبحانه : إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ( ) . فإن لم يجد فيهما نصاً صريحاً اجتهد وفق القواعد العامة ، والأصول الجامعة، في الشريعة الإسلامية وفق قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد” وقاعدة ” تحقيق العدل” ووفق الأحكام الفقهية الاجتهادية في الفقه الإسلامي المبنية على الدليل ( ) .
قال :( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فلـه أجران وإذا أخطأ فلـه أجر ) ( ) . وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ لما بعثـه قاضياً إلى اليمن (كيف تقضي قال : بكتاب الله قال : فإن لم تجد قال : فبسنة رسول الله قال : فإن لم تجد قال : اجتهد رأي ولا آلو ) ( ).
وقد نصت المادة الثامنة من نظام القضاء الصادر في عام 1395 هـ على ما يلي 🙁 يتولى مجلس القضاء الأعلى بالإضافة إلى الاختصاصات المبينة في هذا النظام ما يلي : ـ
النظر في المسائل الشرعية التي يرى وزير العدل ضرورة تقرير مبادئ عامة فيها ) وذلك لتأصيلها بالمنظور الشرعي، ولهذا نصت المادة التاسعة والثمانون من هذا النظام على تشكيل إدارة فنية للبحوث بوزارة العدل تتألف من عدد كافٍ من الأعضاء لا يقل مؤهل أي منهم عن شهادة كلية الشريعة، ويجوز أن يختاروا عن طريق ندب بعض القضاة للعمل في هذه الإدارة لتتولى استخلاص المبادئ القضائية التي تقررها محكمة التمييز أو مجلس القضاء بعد تبويبها وفهرستها ونشرها كما تتولى هذه الإدارة إعداد البحوث اللازمة ومراجعة الأحكام وإبداء الرأي في القواعد الفقهية التي بنيت عليها من حيث مدى موافقتها للعدل في ضوء الظروف والأحوال المتغيرة وذلك تمهيداً لعرضها على مجلس القضاء الأعلى لتقرير مبادئ فيها، وكل ذلك لتأصيل وتقعيد الأحكام وتقرير أدلتها ومستنداتها ) .وأخيراً يأتي تأصيل الأحكام القضائية في نظام المرافعات الشرعية وفي نظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية
وكذا أيضاً تمكين المحكمة المختصة وهي محكمة التمييز من دراسة أحكام القضاة وتدقيقها ، فيسهل عليها أداء مهمتها في مراجعة الحكم وتمييزه .
وهذا المبدأ أصل مقرر في الأنظمة القضائية بالمملكة العربية السعودية .
ويتضح ذلك من خلال التقرير الآتي :-
- أ- أولاً :جاء في المادة الخامسة والثلاثين من نظام القضاء ما نصه 🙁 يجب أن تشتمل الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها وعلى بيان مستند الحكم )
- ب- ثانياً : قرر نظام المرافعات الشرعية بالمملكة العربية السعودية مقتضى هذه المادة كما هو ظاهر من المواد الآتية :
1- نصت المادة الثانية والستون بعد المائة من نظام المرافعات الشرعية على وجوب ذكر الأسباب التي بني عليها الحكم ، فجاء فيها ما نصه : ( بعد قفل باب المرافعة والانتهاء إلى الحكم في القضية يجب تدوينه في ضبط المرافعة مسبوقاً بالأسباب التي بني عليه ثم يوقع عليه القاضي أو القضاة الذين اشتركوا في نظر القضية ) )
2- جاء في نص المادة الثالثة والستين بعد المائة ما يلي:ـ ( ينطق بالحكم في جلسة علنية بتلاوة منطوقة أو بتلاوة منطوقة مع أسبابه ، .. إلخ )
- ج- ثالثاً : أن هذا المبدأ مقرر من جهة عناية نظام القضاء بضرورة ذكر المخالف في حكم مشترك مع قضاة آخرين للأسباب المعللة للمخالفة وأن يسجل ذلك في محاضر القضية، فقد نصت المادة الرابعة والثلاثون من نظام القضاء بالمملكة العربية السعودية على ما يلي : ( وتصدر الأحكام بالإجماع أو بالأغلبية وعلى المخالف توضيح مخالفته وأسبابها في ضبط القضية وعلى الأكثرية أن توضـح وجهـة نظرها بالرد على مخالفة المخالف في سجل الضبط ) ( ) .
- د- رابعاً: أن المادة الثالثة والعشرين من نظام تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي تقضي بإلزام هيئة تدقيق الأحكام بذكر مستندها في نقض الأحكام والقرارات الصادرة منها في المعاملات المعروضة عليها مع ذكر النص الشرعي والتعليمات التي تستند عليها، والإشارة إلى صحيفة النص ، وهو ما أكدته المادتان الحادية والثمانون بعد المائة والثامنة والثمانون بعد المائة من نظام المرافعات الشرعية ففي المادة الحادية والثمانون بعد المائة ما نصه: ( بعد إطلاع القاضي الذي أصدر الحكم المعترض عليه على مذكرة الاعتراض يجوز له أن يعيد النظر في الحكم من ناحية الوجوه التي بنى عليها الاعتراض من غير مرافعة ، وعليه أن يؤكد حكمه أو يعدله حسبما يظهر له ، فإذا أكد حكمه فيرفعه مع صورة ضبط القضية وكامل الأوراق إلى محكمة التمييز ، أما إذا عدله فيبلغ الحكم المعدل للخصوم ، وتسرى عليه في هذه الحالة الإجراءات المعتادة ) .
وفي المادة الثامنة والثمانون بعد المائة ما نصه 🙁 على المحكمة التمييز في حال اقتناعها بإجابة القاضي عن ملحوظاتها أن تصدق الحكم ، وفي حال عدم إقناعها وتمسك القاضي برأيه فلها أن تنقض الحكم كله أو بعضه بحسب المال مع ذكر المستند وإحالة القضية إلى قاض آخر ومع ذلك إذا كان الموضوع بحالته صالحاً للحكم واستدعت ظروف القضية سرعة الإجراء جاز لها أن تحكم فيه فإذا كان النقض للمرة الثانية وجب عليها أن تحكم في الموضوع ، وفي كل حال تحكم فيها يجب أن يتم حكمها بحضور الخصوم وسماع أقوالهم ، ويكون حكمها قطعياً بالإجماع أو بالأكثرية ) . - هـ – أن هذا المبدأ منصوص عليه في نظام الإجراءات الجزائية حيث ورد في المادة الثانية والثمانين بعد المائة ما نصه : ( يتلى الحكم في جلسة علنية ولو كانت الدعوى نظرت في جلسات سرية ، وذلك بحضور أطراف الدعوى ، ويجب أن يكون القضاة الذين اشتركوا في الحكم قد وقعوا عليه ، ولابد من حضورهم جميعاً وقت تلاوته ما لم يحدث لأحدهم مانع من الحضور ، ويجب أن يكون الحكم مشتملاً على اسم المحكمة التي أصدرته ، وتاريخ إصداره ، وأسماء القضاة وأسماء الخصوم ، والجريمة موضوع الدعوى ، وملخص لما قدمه الخصوم من طلبات ، أو دفاع ، وما استند عليه من الأدلة والحجج ، ومراحل الدعوى ، ثم أسباب الحكم ونصه ومستنده الشرعي ، وهل صدر بالإجماع ، أو بالأغلبية ) .
المبدأ التاسع : مبدأ مراعاة المصالح الزمانية والمكانية .
من المبادئ المقررة في القضاء لدى فقهاء الشريعة جواز تحديد الولاية القضائية وتخصيصها نوعاً ومكاناً وزماناً، وذلك مراعاة لمصالح ظاهرة تعود على عموم المتقاضين ومجتمعاتهم ( ) ، وهذا المبدأ مقرر في القضاء وغيره من تصرفات المكلفين في الحياة ، ولهذا من القواعد القطعية للشريعة : ( قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد ) بل إن الشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله أرجع جميع أحكام الشريعة إلى هذه القاعدة كما أوضح ذلك في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام . هذا وقد وردت نظم القضاء في المملكة مراعية لهذا المبدأ ومقررة له ، حيث جاءت نصوص المواد من الثانية والعشرين حتى السادسة والعشرين من نظام القضاء تنص على جواز تشكيل محاكم عامة وأخرى جزئية وأخرى متخصصة ، ولكل منها اختصاص محدد بقرار من وزير العدل بناءً على اقتراح من مجلس القضاء الأعلى، كما أوضحت العديد من المواد في نظام المرافعات الشرعية من الباب الثاني الاختصاص الدولي والنوعي والمحلي وذلك من المادة الرابعة والعشرين حتى الثانية والثلاثين .
هذا وقد أوضح الفصل الأول من نظام الإجراءات الجزائية الاختصاصات الجزائية وذلك من المادة الثامنة والعشرين بعد المائة حتى المادة الثالثة والثلاثين بعد المائة .
المبدأ العاشر: مبدأ سرعة البت في فصل القضاء في المنازعات.
من المبادئ التي يرتكز عليها القضاء في الإسلام مبدأ سرعة الفصل في النـزاع ، وعدم جواز التأخير بلا مسوغ شرعي، ونشير بإيجاز إلى هذا المبدأ في المحاور الآتية:
المحور الأول : من الأسس المقررة في علم القضاء الشرعي ضرورة الإسراع في البت والحكم في القضية المعروضة، وعدم التريث في إصدار الحكم، إلا إذا كان هناك ما يدعو للتأخير. ومن القواعد المقررة: “وجوب إصدار الحكم عند استكمال القاضي سماع كلام الخصمين، وحججهما
ودفوعهما “. وهذا هو الذي كان عليه القضاء في عهد النبي ، ( حيث كان يقضي بين الخصوم في مجلس المخاصمة ولم يكن يرجئهم إلى وقت آخر كما قضى بين الزبير والأنصاري في ماء شراج الحرة ( ) ، وكما قضى بين كعب بن مـالك وعبـد الله بن أبي حـدرد بالصلـح بينهما بالنصف في دين ) ( ) ، وهكذا كان القضاء في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم فقد جاء في رسالة عمر إلى معاوية ، وهو أمير بالشام ( أما بعد فإني كتبت إليك في القضاء بكتاب لم آلك فيه ونفسي خيراً، فالزم خصالاً يسلم دينك ، وتأخذ بأفضل حظك عليك، إذا حضر الخصمان فالبينة العدول، والأيمان القاطعة، أدن الضعيف حتى يجترئ وينبسط لسانه، وتعاهد الغريب فإنه إن طال حبسه ترك حقه، وانطلق إلى أهله، وإنما أبطل حقه من لم يرفع به رأساً، واحرص على الصلح بين الناس ما لم يستبن لك القضاء ) ( ) .
ذلك أن التأخير في إصدار الأحكام بعد توافر أسبابها، وانتقاء موانعها يترتب عليه من المفاسد، وضياع الحقوق الشيء الكثير، فكم من إنسان يترك حقه خوفاً من إهدار وقته، وماله في التقاضي الذي يعلم تهربه من إصدار الحكم. ومن قواعد الشريعة ” لا ضرر ولا ضرار ( ) ، قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله 🙁 بقي علينا إكمال القول في مقصد التعجيل بإيصال الحقوق إلى أصحابها وهو مقصد من السمو بمكانه ، فإن الإبطاء بإيصال الحق إلى صاحبه عند تعينه بأكثر مما يستدعيه تتبع طريق ظهوره يثير مفاسد كثيرة، منها: حرمان صاحب الحق من الانتفاع بحقه ، وذلك إضرار به ، ومنها إقرار غير المستحق على الانتفاع بشيء ليس له وهو ظالم للمحق ..ومنها استمرار المنازعة بين المحق والمحقوق وفي ذلك فساد حصول الاضطراب في الأمة ، فإن كان في الحق شبهة للخصمين ولم يتضح المحق، من المحقوق ففي الإبطاء مفسدة بقاء التردد في تعيين صاحب الحق وقد يمتد التـنازع بينهما في ترويج كل شبهته، وفي كلا الحالين تحصل مفسدة تعريض الأخوة الإسلامية للوهن والانخرام ، ومنها تطرق التهمة إلى الحاكم في تريثه بأنه يرد إملال المحق حتى يسأم متابعة حقه، فيتركه فينتفع المحقوق ببقائه على ظلمة فتـزول حرمة القضاء من نفوس الناس، وزوال حرمته من النفوس مفسدة عظيمة” ( ) .
المحور الثاني: سرعة البت في القضايا مشروط بشرط أساس، وهو أن يكون ذلك بعد دراسة القضية دراسة عميقة واعية، ناشئة عن الفهم الشرعي للقضية، أما إذا لم يستوف فيها ما يجب استيفاؤه من طرق بيان الحق، فحينئذٍ الإسراع بالفصل بين الخصمين ليس محموداً .
بل يجب على القاضي أن يراقب أحوال الخصوم عند الإدلاء بالحجج ودعوى الحقوق، فإن توسم في أحد الخصمين أنه أبطن شبهة أو اتهمه بدعوى الباطل إلا أن حجته في الظاهر متجهة والذي بيده من الأدلة موافق لظاهر دعواه، فعلى القاضي التمعن في الفحص والبحث عن حقيقة ما توهم فيه، فإن من الناس اليوم من كثرت مخادعتهم واتهمت أمانتهم، ويحسن أن يتقدم إليه بالموعظة إن رأى لذلك وجهاً، ويخوفه بالله سبحانه وتعالى .
فإن أناب وإلا أمضى الحكم على ظاهره ، ومتى عرضت له شبهة فليقف ويوالي الكشف ولا يعجل في الحكم، مع قوة الشبهة، وليجتهد في ذلك بحسب قدرته ، حتى تتبين له حقيقة الأمر في تلك الدعوى أو تنتفي عنه الشبهة .جاء في المغنى : إذا اتصلت به الحادثة واستنارت الحجة لأحد الخصمين حكم ، وإن كان فيها لبس أمرهما بالصلح ، فإن أبيا أخرهما إلى البيان ، فإن عجلها قبل البيان لم يصح حكمه ( ) .
الحالات التي يجوز فيها تأخير الحكم.
باستقراء مجمل كلام أهل العلم تجاه قضية تأخير الحكم نجد أن مسوغات تأخير الحكم تعود لحالتين نذكرهما بشيء من التفصيل:
الحالة الأولى: رجاء الصلح بين الخصمين: فالصلح مطلب شرعي وغرض ديني ، أمر الله به في مواطـن كثيرة ، وأخبر أن الخير في الصلح وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ( ) ، وأرشد إليه في الأمور عامة وفي المنازعات خاصة، ولذا لما تنازع عنده رجلان في مواريث لهما قال لهما : (اذهبا فاقتسما) ثم توخيا إلى الحق ثم استهما ثم ليحلل كل منكما صاحبه) ( ) ، ويتأكد الصلح في موضعين:
الموضع الأول: إذا كانت المنازعات بين قرابة أو بين أهل فضل .
فإذا خشي القاضي تفاقم الأمر بين الخصمين أو كانا من أهل الفضل أو بينهما رحم أمرهما بالصلح” والمستند ما جاء عن عمر أنه قال : ردوا الخصوم لعلهم أن يصلحوا، فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن” ( ) ، وفي لفظ آخر “ردوا الخصوم إذا كانت بينهم قرابة فإن فصل القضاء يورث بينهم الشنآن” ( ) .
الموضع الثاني: إذا التبست على القاضي الأمور وأشكلت عليه القضية.
إذا كان في القضية لبس أو كانت الدعوى في أمور درست وتقادمت وتشابهت، فإن القاضي يحاول في الصلح، فإن أبياه، فلا يعجل في الحكم، بل يؤخرهما إلى البيان، فإن عجل الحكم قبل البيان لم يصح الحكم، قال ابن قدامة في المغني: ” وإذا اتصلت به الحادثة واستنارت الحجة لأحد الخصمين حكم، وإن كان فيها لبس أمرهما بالصلح، فإن أبيا أخرهما إلى البيان، فإن عجلها قبل البيان لم يصح حكمه” ( ) .
مسألة : قال بعض العلماء: ” إن القاضي لا يزيد في عرض الصلح على مرة أو مرتين ، فإذا اصطلحا وإلا قضى بينهما بما يوجب الشرع” .
وقد اشترط العلماء في أمر القاضي بالصلح ألا يتبين له وجه الحكم، فعلى هذا فمتى تبين له الظالم من المظلوم لم يسعه من الله سبحانه إلا فصل القضاء.
جاء في المغني : ” قال أبو عبيد إنما يسعه الصلح في الأمور المشكلة، أما إذا استنارت الحجة لأحد الخصمين وتبين له موضع الظالم، فليس له أن يحملهما على الصلح، ونحوه قول عطاء واستحسنه ابن المنذر، وروي عن شريح أنه ما أصلح بين متحاكمين إلا مرة واحدة” ( ) .
قال ابن القيم رحمه الله : ( والصلح الجائر هو الظالم بعينه وكثير من الناس لا يعتمد العدل في الصلح بل يصلح صلحاً ظالماً جائراً فيصالح بين الغريمين على دون الطفيف من حق أحدهما “وكثير من الظلمة المصلحين يصلح بين القادر الظالم والخصم الضعيف المظلوم بما يرضي به القادر صاحب الجاه ، ويكون له فيه الحظ ، ويكون الإغماض والحيف فيه على الضعيف، ويظن أنه قد أصلح ، ولا يمكن المظلوم من أخذ حقه وهذا ظلم، بل يمكن المظلوم من استيفاء حقه، ثم يطلب إليه برضاه أن يترك بعض حقه بغير محاباة لصاحب الجاه ولا يشتبه بالإكراه للآخر بالمحاباة ونحوهما ) ( ) .
الحالة الثانية: من حالتي جواز تأخير الحكم إمهال مدعي البينة الغائبة: لما جاء في رسالة عمر رضي الله عنه : ( واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إليه ، فإنه أثبت للحجة وأبلغ في العـذر، فإن أحضر بينة إلى ذلك الأجـل أخذ بحقه وإلا وجهت عليه القضاء ) ( ) . فحتى يصل القاضي إلى الحكم الصحيح لابد من توافر أدلة الدعوى، فإذا كانت هذه الأدلة غائبة عن مجلس الحكم أو عن البلد كأن يكون بعض الشهود مسافراً، فمقتضى العدل والإنصاف أن ينظر مدعي هذه البينة مدة من الزمن كافية لإحضار بينته وأدلة دعواه ، يقول ابن القيم رحمه الله : (هذا من تمام العدل فإن المدعي قد تكون حجته أو بينته غائبة ، فلو عجل عليه بالحكم بطل حقه ، فإذا سأل أمداً تحضر فيه حجته أجيب إليه ولا يتقيد ذلك بثلاثة أيام ، بل بحسب الحاجة فإن ظهر عناده ومدافعته للحكم لم يضرب له أمداً ، بل يفصل الحكومة ، فإن ضرب هذا الأمد إنما كان لتمام العدل ، فإذا كان فيه إبطال للعدل لم يجب إليه الخصم ) ( ) .
وقد راعى نظام القضاء في المملكة العربية السعودية هذا المبدأ وحرص عليه ولذا فسرعة البت في القضايا أمر ملموس وواقع مشاهد في المملكة العربية السعودية ، فقد نصت المادة الثامنة والخمسون بعد المائة من نظام المرافعات الشرعية على مقتضى هذا المبدأ حيث نصت على أنه (متى تمت المرافعة في الدعوى قضت المحكمة فيها فوراً أو أجلت إصدار الحكم إلى جلسة أخرى قريبة تحددها مع إفهام الخصوم بقفل باب المرافعة وميعاد النطق بالحكم ) .
من المبادئ العظيمة في الإسلام مبدأ السماحة التي تعني سهولة المعاملة في اعتدال وتوسط بين التضييق والتساهل ، والسماحة وصف من الأوصاف القطعية للشريعة الإسلامية قال تعالى : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ( ) . وقال سبحانه : وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج ( ) . وقال سبحانه مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ( ) . وفي السـنة قوله : ( إن الدين يسر ..) ( ) . يقول الشاطبي رحمه الله : ( إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع ) ( ) ، ومن هذا المبدأ العام في الشريعة ، أحكام المرافعات في القضاء الإسلامي ، فقد بني على التيسير في إجراءاته والتسهيل في طرقه ، بما يوصل إلى مقصوده الأصلي ، وهو : إحقاق الحق وإنصاف المظلوم ورد الحقوق إلى أهلها ، ولهذا كانت طرق المرافعات في عهد النبوة وما يليه بسيطة جداً ( )
ولكن مع طول العهد والاجتراء من بعض الناس على الحقوق وابتكارهم تحيلات شتى ، وظهور شهادة الزور في آخر خلافة عمر ، واستباحة بعض الخصوم النكاية بخصومهم وتحيلهم على القضاة ، لذا أخذ العلماء ينصون على أساليب في إجراء الخصومات لقطع الشغب وتحقيق الحق وأول ذلك البحث عن أحوال الشهود ، وقد قال عمر بن عبد العزيز 🙁 تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور ) ( ). لهذا ذكر العلماء في مصنفاتهم الفقهية الخاصة بأحكام القضاء كثيراً من الضوابط التي تضبط سير إجراءات التقاضي مما يتحقق بها تعطيل مفسدة استمرار الظالم على ظلمه ويحصل بها الإسراع بإيصال الحق إلى مستحقه ، ومن هنا فقد جرى نظام القضاء في المملكة العربية السعودية على هذا المبدأ ، مبدأ السماحة والتيسير ما أمكن فقد راعى نظام المرافعات الشرعية في رسم إجراءات التقاضي البساطة والبعد عن التعقيد .
كل ذلك انطلاقاً من مبدإ التيسير في التقاضي ما أمكن ، وحينما نجول بقراءة متمعنة في نظام المرافعات الشرعية في المملكة العربية السعودية نجد هذا المبدأ بارزاً في بعض نصوص مواده ومنها ما يلي :
- 1- المادة السادسة ونصها ما يلي : ( يكون الإجراء باطلاً إذا نص النظام على بطلانه ، أو شابه عيب تخلف بسببه الغرض من الإجراء ، ولا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء ) ، وقد نصت اللائحة التنفيذية لهذه المادة أن الذي يقدر تحقق الغاية من الإجراء هو ناظر القضية
- 2- المادة السابعة والستون ونصها ما يلي: ( للخصوم أن يطلبوا من المحكمة في أي حال تكون عليها الدعوى تدوين ما اتفقوا عليه من إقرار أو صلح أو غير ذلك في محضر المحاكمة، وعلى المحكمة إصدار صك بذلك ) .
- 3- المادة الخامسة والسبعون ونصها ما يلي: ( للخصم أن يطلب من المحكمة أن تدخل في الدعوى من كان يصح اختصامه فيها عند رفعها ، وتتبع في اختصامه الأوضاع المعتادة في التكليف بالحضور ، وتحكم المحكمة في موضوع طلب الإدخال والدعوى الأصلية بحكم واحد كلما أمكن ذلك ، وإلا فصلت المحكمة في موضوع طلب الإدخال بعد الحكم في الدعوى الأصلية ) .
- 4- المادة الثمانون ونصها ما يلي: ( للمدعى عليه أن يقدم من الطلبات العارضة ما يأتي : ـ
أ- طلب المقاصة القضائية .
ب- طلب الحكم له بتعويض عن ضرر لحقه من الدعوى الأصلية أو من إجراء فيها .
ج- أي طلب يترتب على إجابته أن لا يحكم للمدعى بطلباته كلها أو
بعضها ،أو أن يحكم له بها مقيدة بقيد لمصلحة المدعى عليه .
د- أي طلب يكون متصلاً بالدعوى الأصلية اتصالاً لا يقبل التجزئة .
هـ- ما تأذن المحكمة بتقديمه مما يكون مرتبطاً بالدعوى الأصلية ) .
- 5- المادة الحادية والثمانون ونصها ما يلي: ( تحكم المحكمة في موضوع الطلبات العارضة مع الدعوى الأصلية كلما أمكن ذلك ، وإلا استبقت الطلب العارض للحكم فيه بعد تحقيقه ) .
- 6- المادة الرابعة والثمانون ونصها ما يلي: ( ما لم تكن الدعوى قد تهيأت للحكم في موضوعها فإن سير الخصومة ينقطع بوفاة أحد الخصوم ، أو بفقده أهلية الخصومة ، أو بزوال صفة النيابة عمن كان يباشر الخصومة عنه ، على أن سير الخصومة لا ينقطع بانتهاء الوكالة ، وللمحكمة أن تمنح أجلاً مناسباً للموكل إذا كان قد بادر فعين وكيلاً جديداً خلال الخمسة عشر يوماً من انتهاء الوكالة الأولى ، أما إذا تهيأت الدعوى للحكم فلا تنقطع الخصومة ، وعلى المحكمة الحكم فيها ) .
- 7- المادة الثامنة والتسعون ونصها ما يلي : ( إذا كانت بينة أحد الخصوم في مكان خارج عن نطاق اختصاص المحكمة فعليها أن تستخلف القاضي الذي يقع ذلك المكان في نطاق اختصاصه لسماع تلك البينة ) .
- 8- المادة السادسة عشر بعد المائة ونصها ما يلي: ( يجوز لكل صاحب مصلحة في إثبات معالم واقعة محتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء مستقبلا أن يتقدم للمحكمة المختصة بها محليا بدعوى مستعجلة لمعاينتها بحضور ذوي الشأن وإثبات حالتها وتتم المعاينة وإثبات الحالة وفق أحكام المواد السابقة )
- 9- جاء في المادة الثالثة والسبعين بعد المائة ما نصه : ( لكل من الخصوم أن يقدم إلى المحكمة ما لديه مما يتعلق بالقضية مكتوباً ، ليضم إلى ملف القضية ) .
العبرة دائماً بالغاية من الإجراء والغاية العامة من إجراءات التقاضي هي إعطاء صاحب الحق حقه .
ولهذا نصت المادة السادسة على مايلي: ( يكون الإجراء باطلاً إذا نص النظام على بطلانه ، أو شابه عيب تخلف بسببه الغرض من الإجراء ، ولا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء ) .
والقضاء في الإسلام قد تأصل فيه تدوين المرافعات منذ فجر الإسلام وأصل ذلك الكتاب الذي كتبه علي بن أبي طالب لما صالح رسول الله أهل الحديبية ( ) ، وعليه دلالة قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ ( ) .وقد ذكر العلماء إن أول من دون الخصومات والأقضية والعمل به هو القاضي سليم بن عيترة التجيببي قاضي مصر من قبل معاوية ( ) . ولهذا لم يختلف العلماء في مشروعية تدوين المرافعات والأقضيـة والأحكام واتخاذ المحاضر ، والسجلات وإعداد الدواوين ( ) . هذا وقد أخذ نظام المرافعات الشرعية في المملكة العربية السعودية ، بهذا المبدأ ويتضح ذلك من نصوص المواد التالية :-
1- المادة الثامنة والستون ونصها : ( يقوم كاتب الضبط تحت إشراف القاضي بتدوين وقائع المرافعة في دفتر الضبط، ويذكر تاريخ وساعة افتتاح كل مرافعة، وساعة اختتامها، واسم القاضي، وأسماء المتخاصمين، أو وكلائهم، ثم يوقع عليه القاضي وكاتب الضبط ومن ذكرت أسماؤهم فيه ، فإن امتنع أحدهم عن التوقيع أثبت القاضي ذلك في ضبط الجلسة) ( ) .
2- المادة الثانية الستون بعد المائة ونصها: ( بعد قفل باب المرافعة والانتهاء إلى الحكم في القضية يجب تدوينه في ضبط المرافعة مسبوقاً بالأسباب التي بني عليها ثم يوقع عليه القاضي أو القضاة الذين اشتركوا في نظر القضية )
3- المادة الرابعة والستون بعد المائة ونصها: ( بعد الحكم تصدر المحكمة إعلاماً حاوياً لخلاصة الدعوى والجواب والدفوع الصحيحة وشهادة الشهود بلفظها وتزكيتها وتحليف الأيمان وأسماء القضاة الذين اشتركوا في الحكم واسم المحكمة التي نظرت الدعوى أمامها وأسباب الحكم ورقمه وتاريخه مع حذف الحشو والجمل المكررة التي لا تأثير لها في الحكم ) ( ) .
كما أن نظام الإجراءات الجزائية قد أخذ بهذا المبدأ المقرر حيث أوجب هذا النظام تدوين ما يجري في جلسة المحكمة في محضر يتم تحريره من قبل كاتب يحضر جلسات المحكمة فقد جاء في المادة السادسة والخمسين بعد المائة ما نصه : ( يجب أن يحضر جلسات المحكمة كاتب يتولى تحرير محضر الجلسة تحت إشراف رئيس الجلسة ، ويبين في المحضر اسم القاضي أو القضاة المكونين لهيئة المحكمة والمدعي العام ، ومكان انعقاد الجلسة ، ووقت انعقادها ، وأسماء الخصوم الحاضرين ، والمدافعين عنهم ، وأقوالهم وطلباتهم ، وملخص مرافعاتهم ، والأدلة من شهادة وغيرها ، وجميع الإجراءات التي تتم في الجلسة ، ومنطوق الحكم ومستنده ، ويوقع رئيس الجلسة والقضاة المشاركون معه والكاتب على كل صفحة ) .
المبدأ الخامس عشر : مبدأ سلطة القاضي التقديرية في إجراءات سير النظر في القضايا المعروضة عليه.
الإسلام جعل للقاضي الحق في الوصول إلى المقاصد المطلوبة من القضاء ومنها إنصاف المظلوم والوصول إلى الحق ، ولهذا فله التوصل إليه بالطرق الممكنة ما دامت لا تخالف نصاً شرعياً ، قال ابن القيم : مقرراً أن الحاكم يحكم بالفراسة والقرائن التي يظهر له فيها الحق ، والاستدلال بالأمارات وأنه لا يقف مع مجرد ظواهر البيانات والأحوال ما نصه: ( فهذه مسألة كبيرة عظيمة النفع ، جليلة القدر ، إن أهملها الحاكم أو الوالي أضاع حقاً كثيراً ، وأقام باطلاً كبيراً ، وإن توسع وجعل معوله عليها ، دون الأوضاع الشرعية وقع في أنواع من الظلم والفساد ..والحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات ودلائل الحال ، ومعرفة شواهده وفي القرائن الحالية والمقالية كفقهه في جزئيات وكليات الأحكام أضاع حقوقاً كثيرة على أصحابها وحكم بما يعلم الناس بطلانه ولا يشكون فيه اعتماداً منه على نوع ظاهر، لم يلتفت إلى باطنه وقرائن أحواله .. ، ومن له ذوق في الشريعة ، وإطلاع على كمالاتها وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش المعاد ومجيئها بغاية العدل ، الذي يفصل بين الخلائق ، وأنه لا عدل فوق عدلها ، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح : تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها ، وفرع من فروعها ، وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها وحسن فهمه فيها : لم يحتاج معها إلى سياسة غيرها البتة ( ). ثم قال رحمه الله : ( فالشارع لم يلغ القرائن والأمارات ودلائل الأحوال ، بل من استقرأ الشرع في مصادره وموارده وجده شاهداً لها بالاعتبار، مرتباً عليها الأحكام ، وقول أبي الوفاء ابـن عقيل ( ليس هذا فراسة ) فيقال : ولا محذور في تسميته فراسة فهي فراسة صادقة ، وقد مدح الله سبحانه الفراسة وأهلها في مواضع من كتابه فقال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (
المادة الرابعة ونصها ما يلي : ( لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة مشروعة ، ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة ، إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه ، وإذا ظهر للقاضي أن الدعوى صورية كان عليه رفضها ، وله الحكم على المدعي بنكال )
- 1- لمادة السادسة ونصها ما يلي : (يكون الإجراء باطلاً إذا نص النظام على بطلانه ، أو شابه عيب تخلف بسببه الغرض من الإجراء ، ولا يحكم بالبطلان رغم النص عليه إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء ) .
- 2- المادة الثالثة والستون ونصها ما يلي : ( على القاضي أن يسأل المدعى عما هو لازم لتحرير دعواه قبل استجوب المدعى عليه، وليس له ردها لتحريرها ولا السير فيها قبل ذلك ) .
- 3- المادة السادسة والسبعون ونصها ما يلي : ( للمحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بإدخال من ترى إدخاله في الحالات الآتية من تربطه بأحد الخصوم رابطة تضامن أو حق أو التزام لا يقبل التجزئة .
- 4- المادة الرابعة عشرة بعد المائة ونصها ما يلي : ( للمحكمة أو القاضي المنتدب أو المستخلف للمعاينة تعيين خبير أو أكثر للاستعانة به في المعاينة ، ولها وللقاضي المنتدب أو المستخلف سماع من يرون سماع شهادته من الشهود في موضع النزاع ) .
- 5- المادة الحادية والعشرون بعد المائة ونصها ما يلي : ( للقاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم أن يوجه للشاهد ما يراه من الأسئلة مفيداً في كشف الحقيقة وعلى القاضي في ذلك إجابة طلب الخصم إلا إذا كان السؤال غير منتج ) .
- 6- المادة الثالثة والثلاثون بعد المائة ونصها ما يلي 🙁 للمحكمة أن تأمر باستدعاء الخبير في جلسة تحددها لمناقشة تقريره إن رأت حاجة لذلك ، ولها أن تعيد إليه تقريره ليتدارك ما تبين لها من وجوه الخطاء أو النقص في عمله ولها أن تعهد بذلك إلى خبير آخر أو أكثر ) .
- 7- المادة التاسعة والثلاثون بعد المائة ونصها ما يلي : ( للمحكمة أن تقدر ما يترتب على الكشط والمحو والتحشية وغير ذلك من العيوب المادية في الورقة من إسقاط قيمتها في الإثبات. وإذا كانت صحة الورقة محل شك في نظر المحكمة جاز لها أن تسأل الموظف الذي صدرت عنه أو الشخص الذي حررها ليبدي ما يوضح حقيقة الأمر فيها ) .
- 8- المادة التاسعة والأربعون بعد المائة ونصها ما يلي: ( يجوز الإدعاء بالتزوير في أي حالة تكون عليها الدعوى باستدعاء يقدم إلى إدارة المحكمة تحدد فيه كل مواضع التزوير المدعى به وإجراءات التحقيق التي يطلب إثباته بها ويجوز للمدعى عليه بالتزوير وقف سير التحقيق فيه في أي حال كان عليها بنزوله عن التمسك بالورقة المطعون فيها وللمحكمة في هذه الحال أن تأمر بضبط الورقة أو حفظـها إذا طلب مـدعي التزوير ذلك لمصلحـة مشروعة ) .
- 9- المادة الثامنة والستون بعد المائة ونصها ما يلي: ( تتولى المحكمة بقرار تصدره بناء على طلب أحد الخصوم أو من تلقاء نفسها تصحيح ما قد يقع في صك الحكم من أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية ، ويجرى هذا التصحيح على نسخة الحكم الأصلية ويوقعه قاضي أو قضاة المحكمة التي أصدرته بعد تدوين القرار في ضبط القضية ) .
المادة الحادية والستون بعد المائتين ونصها ما يلي: ( للمحكمة عند الاقتضاء أن - 10- جاء في المادة الخامسة والستين بعد المائة ما نصه : ( للمحكمة أن تستدعي أي شاهد ترى حاجة لسماع أقواله أو ترى حاجة لإعادة سؤاله .
كما أن لها أن تسمع من أي شخص يحضر من تلقاء نفسه إذا وجدت أن في ذلك فائدة لكشف الحقيقة ) .
1- المادة المائتان ونصها ما يلي: ( يجوز للمحكمة المرفوع إليها الاعتراض متى رأت أن أسباب الاعتراض على الحكم قد تقضى بنقضه – أن تأمر بوقف التنفيذ المعجل إذا كان يخشى منه وقوع ضرر جسيم ) .
1- أن القاضي ممنوع من الحكم بعلمه لئلا يكون ذلك ذريعة إلى حكمه بالباطل ويقول : حكمت بعلمي ( ) .
1- جاء في المادة السادسة عشرة بعد المائة ما نصه : ( يجوز لكل صاحب مصلحة في إثبات معالم واقعة محتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء مستقبلا أن يتقدم للمحكمة المختصة بها محليا بدعوى مستعجلة لمعاينتها بحضور ذوي الشأن وإثبات حالتها وتتم المعاينة وإثبات الحالة وفق أحكام المواد السابقة ) وذلك سداً لذريعة ضياع معالم الواقعة .
2- جاء في المادة المائتين ما نصه : ( يجوز للمحكمة المرفوع إليها الاعتراض متى رأت أن أسباب الاعتراض على الحكم قد تقضى بنقضه – أن تأمر بوقف التنفيذ المعجل إذا كان يخشى منه وقوع ضرر جسيم ) .
3- جاء في المادة الخامسة عشرة بعد المائتين ما نصه : ( يجب على طالب الحجز أن يقدم إلى المحكمة إقراراً خطياً من كفيل غارم صادراً من كتاب العدل يضمن جميع حقوق المحجوز عليه وما يلحقه من ضرر إذا ظهر أن الحاجز غير محق في طلبه ) .
4- جاء في المادة السادسة والثلاثين بعد المائتين ما نصه : ( لكل مدع بحق على آخر أثناء نظر الدعوى أو قبل تقديمها مباشرة أن يقدم إلى المحكمة المختصة بالموضوع دعوى مستعجلة لمنع خصمه من السفر ، وعلى القاضي أن يصدر أمراً بالمنع إذا قامت أسباب تدعو إلى الظن أن سفر المدعى عليه أمر متوقع وبأنه يعرض حق المدعى للخطر أو يؤخر أداءه ، ويشترط تقديم المدعى تأميناً يحدده القاضي لتعويض المدعى عليه متى ظهر أن المدعي غير محق في دعواه ، ويحكم بالتعويض مع الحكم في الموضوع ويقدر بحسب ما لحق المدعى عليه من أضرار لتأخيره عن السفر ) .
——————————–
تمت إعادة النشر بواسطة محاماة نت.
اترك تعليقاً