الأحكام القانونية في قانون حماية المقابر الجماعية في العراق
بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي للمقابر الجماعية في العراق
لندن- المملكة المتحدة
من قبل عبدالستار رمضان روزبياني
بعد أن كان العراق معروفاً بأنه اول بلد في العالم قام بسن اول قانون مكتوب للبشرية وانه عرف القراءة والكتابة وإقامة الجنائن المعلقة في تاريخه القديم الذي يعتبر مفخرة للإنسانية جمعاء, وبعد أن قام أبناؤه بدورهم المعروف في العصور الزاهية للحضارة الإسلامية التي كان للعراقيين الدور الرائد والقائد فيها ,نجد أن هذا البلد وفي نهاية القرن العشرين أصبح لا يعرف إلا من خلال مناظر الحرب والقتل والإعدامات الجماعية والتهجير والأنفال وكل صنوف الاعتداء والاستهانة بالنفس والكرامة الإنسانية , وكان سقوط النظام السابق في 9 نيسان 2003 منعطفاً جديدا كي يعرف العالم حقيقة ما جرى في العراق بعد عقود من الظلم والطغيان ,وكان وصف ( العراق … بلد المقابر الجماعية *1) أو ( وطن الأنفال *2) هو الوصف الدقيق الذي ينطبق عليه وعلى واقع حال أهله المظلومين الذين انطلقوا في كل زاوية ومكان من ارض العراق يبحثون ويفتشون عن ابن اواخ اوزوج أوقريب او حبيب , يبحثون عنهم في السجون والمعتقلات التي امتدت على خارطة الوطن الكبير تحت مسميات عديدة لا تخطر على بال احد , فقد حوّل النظام المقبور المدارس والمستشفيات ومقرات الأندية الرياضية واللجنة الاولمبية والفرق الحزبية وما نعرفه وما لانعرفه من الأماكن الى سجون ومقرات تعذيب ثم الى مقابر جماعية يدفع إليها العراقيين أحياء أو متوفين دون أي حسيب أو رقيب .
إننا لا نملك في هذا المقام إلا أن نردد الأسئلة المؤلمة والقاسية التي رددها احد الكتاب العراقيين عندما قال:
كيف ينسى شعبنا ماحل به طوال حكم هذا الطاغية الأرعن ؟
كيف ينسى المقابر الجماعية وقتل الأبرياء دون محاكمة ولا قضاء ؟
كيف يغفل عن القصور التي شيدها وهو يرى الفقراء يزدادون فقرا ً؟
كيف ننسى الهوان الذي كنّا فيه ؟ *3)…
من هذه الأسئلة المحزنة والقاسية نبدأ في عرض بحثنا المعنون (الاحكام القانونية في قانون حماية المقابر الجماعية في العراق ) والذي أردنا من خلاله تقديم دراسة أولية حول هذا القانون بهدف إعطاء فكرة موجزة عن المبادئ والأحكام القانونية التي تضمنها هذا القانون والذي يعتبر حسب ما توفر لنا من مصادر وقراءات القانون الاول الذي يعالج مثل هذا الموضوع الحساس ليس في العراق والدول العربية فحسب وإنما في دول الشرق الأوسط , وبهذا يسجل العراقيون ريادة في هذا المضمار ربما توافق ريادتهم الأولى عندما قدموا للعالم قوانين حمورابي في التاريخ القديم , وهاهم يقدمون للعالم هذا القانون الذي هو موضع بحثنا المتواضع هذا.
وقد بحثنا الموضوع ضمن المباحث التالية :
المبحث الاول \ نظرة عامة في قانون حماية المقابر الجماعية
المبحث الثاني \ الاحكام القانونية الخاصة قبل اكتشاف المقبرة الجماعية
المبحث الثالث \الاحكام القانونية الخاصة بعد اكتشاف المقبرة الجماعية
المبحث الرابع \ أهم الملاحظات على القانون والخاتمة
أننا لم نجعل من بحثنا هذا بحثا قانونيا صرفا يطلع عليه أو يحظى باهتمام المختصين من رجال القانون والقضاء بل تطرقنا فيه الى الكثير مما يتعلق بالمقابر الجماعية من النواحي الأخرى كي نجعله مطلوبا ويمثل إضافة ثقافية ومعرفية للقارئ العادي , كما اننا لم نضمنه صورا عن ضحايا المقابر الجماعية لأننا نعتقد انها تسكن في أرواحنا وانها يجب أن لا تغادر ذاكرتنا أبدا لأننا كلما كتبنا عنها وبحثنا فيها كلما تعرفنا أكثر على عظمة المأساة التي حلت بأهلنا واننا ربما وجدنا من تفاصيلها الدقيقة خيطا يوصلنا الى معرفة المصير الذي صار إليه احد الضحايا والذي ما زال البعض منّا ينتظره أن يعود , ولأننا نعتقد ( في البحث العلمي كما في الصحافة نقول : الوثيقة خبر , انها تغني وقد لا تحتاج الى كبير عناءٍ للتوصل الى استنتاجات أو لإثبات حقائق … ومثلما هي الصورة فالوثيقة قد تكون بديلا عن مقالة أو تعليق أو دراسة أو عن كل هذه الإشكال مجتمعة أحيانا… إنها ناطقة وبليغة تستطيع الإفصاح عن الكثير وبإمكانها أن تدلك على الطريق إذا أرادت لكي تفك رموز الحرف وتحدد الموقف والرأي … بها يمكن الاسترشاد للاستدلال والمناظرة, خصوصا وأنها نص ليس انحياز مسبق !! وهي شهادة حية لما جرى …تقترب من فعل السلاح أحيانا وتكمله وتحصد نتائجه! *4)
ثم أوردنا قائمة بالمصادر التي اعتمدنا عليها في تهيئة البحث متمنين أن نكون قد قدمنا إضاءة ولوبسيطة للتعريف بهذا الموضوع المهم الذي هو موضوع مؤتمركم هذا داعين الله أن يوفق الجميع الى ما فيه الخير والنجاح لعراقنا الحبيب وأهله والإنسانية جمعاء .
المبحث الاول: نظرة عامة في قانون حماية المقابر الجماعية
صدر هذا القانون في 12 \ 3 \ 2006 بعنوان ( قانون حماية المقابر الجماعية ) رقم 5 لسنة 2006 ونشر في الجريدة الرسمية ( الوقائع العراقية ) في العدد 4021 الصادرة في 16\4\2006 وهو التاريخ الذي يعتبر تاريخا لسريان ونفاذ أحكامه بعد نشره بالجريدة الرسمية*5.
تكوّن القانون من أربعة فصول و19 تسع عشرة مادة تضمنت الاحكام القانونية التي نص عليها والتي توزعت بين فصوله الأربع التي حملت العناوين التالية :
الفصل الاول تضمن الأهداف التي يسعى الى تحقيقها القانون والتي بينتها المادة الأولى منه ثم تم بيان الوسائل التي يتم من خلالها تحقيقها وبينتها المادة الثانية التي قدمت تعريفا للمقبرة الجماعية بأنها ( الأرض أو المكان الذي يضم رفات أكثر من شهيد تم دفنهم أو إخفائهم على نحو ثابت دون إتباع الاحكام الشرعية والقيم الإنسانية الواجب مراعاتها عد دفن الموتى وبطريقة يكون القصد منها إخفاء معالم جريمة إبادة جماعية يقوم بها فرد أو جماعة و هيئة وتشكل انتهاكا لحقوق الانسان )
أما الضحايا فهم ( مجموعة من رفات الشهداء التي تم العثور عليها في المقابر الجماعية )
أما الفصل الثاني فقد حمل عنوان التنقيب عن المقابر الجماعية وضم المواد 3 الى 9
في حين بين الفصل الثالث الاحكام الجزائية من خلال المواد 10 الى 13
أما الفصل الرابع فقد تضمن الاحكام العامة والختامية ضمن المواد 14الى 19
وتم التوقيع عليه من قبل هيئة مجلس الرئاسة إضافة الى الأسباب الموجبة التي من اجلها شرع هذا القانون .
وقبل الخوض في بيان الاحكام القانونية في قانون حماية المقابر الجماعية يتبين لنا من خلال التعريف الذي أورده القانون للمقبرة الجماعية بوجود أكثر من رفات لأكثر من شخص أي ان هناك جريمة قتل وتتوافر مع هذه الجريمة كل ظروف التشديد التي حددها قانون العقوبات العراقي *6 من حيث أنها جرائم قتل عمد مع سبق الاصرار الذي هو التفكير المصمم عليه في ارتكاب هذه الجرائم بعيدا عن ثورة الغضب الآني أو الهياج النفسي لأنها جرائم ارتكبت بناء على خطط منهجية قام بها النظام السابق وبتفكير هادئ وتصميم على ارتكابها وتنفيذها حيث تم ارتكاب المئات من هذه الجرائم التي تم فيها دفن مئات الآلاف من الضحايا والشهداء .
ونشير على عجالة الى حكم القانون في جريمة إخفاء جثة قتيل التي عالجتها المادة 420 من قانون العقوبات العراقي التي نصت ( كل من اخفي جثة قتيل أو دفنها دون إخبار السلطة المختصة وقبل الكشف عليها وتحقيق حالة الوفاة وأسبابه …) وان توقيع المشرع عقابا على الفاعل لايتطلب إثبات مساهمته في جريمة القتل لان الجاني يسعى بنشاطه هذا الى عرقلة جهود السلطات المختصة التي تسعى الى الكشف عن الحقيقة *7 ,علما ان كل جرائم المقابر الجماعية قد توفر فيها الركن المادي وهو فعل الإخفاء أو الدفن لجثث الضحايا والركن المعنوي وهو القصد الجنائي لدى المنفذين الذين كانوا يريدون قتل اكبر عدد ممكن من الضحايا وهو تصرف قائم على عنصري العلم والإرادة لدى الجناة لأنهم كانوا يعرفون ان أكثر الضحايا أو غالبيتهم ينتمون الى عرق أو طائفة معينة من أبناء الشعب العراقي .
المبحث الثاني: الاحكام القانونية الخاصة قبل اكتشاف المقبرة الجماعية
إن تسهيل مهمة البحث عن المقابر الجماعية التي ارتكبها النظام البائد يتطلب وجود أحكام قانونية واضحة تسبق مرحلة الكشف عن هذه المقابر بحيث تساعد هذه الاحكام في تجاوز التحدي الكبير الذي يواجهه العراق الجديد والذي يتمثل في إقامة بلد يعتمد سيادة القانون وتنفيذ أحكامه على الذين ارتكبوا جرائم وما زالت العدالة لم تنزل حكمها بهم فالقانون (عنوان الحضارة وسمة من سمات المجتمع فلا حضارة ولا مجتمع بدون قانون , والقانون هو طريق الوصول الى العدالة وليس هو العدالة بأكملها والعدل والحق هي من صفات الله جل وعلا وفي ظلال العدل والطمأنينة والسلام والبركة والرخاء وهو أساس دولة القانون وركنها المكين الصالح وتوزيع العدل بين الناس *8 ) لذا فإن وضوح الاحكام القانونية في هذه المرحلة ضروري جدا من اجل الحفاظ على مسرح الجريمة الذي وقعت فيه الجريمة إضافة الى العامل النفسي المتمثل بمراعاة واحترام مشاعر أهالي الضحايا والتأثر الكبير الذي يحدث لهم وعدم القدرة على ضبط ردود أفعالهم فيما لو تصوروا أو تأكدوا إن هذه الجثث أو الرفات يعود الى قريب أو عزيز لهم.
إن مهمة القانون في كل زمان ومكان هو الوصول الى الحقيقة ومن ثم تقديم الجناة الى القضاء لينالوا جزائهم العادل وهذا لايتم إلا من خلال تهيئة وتنظيم الأدلة والحفاظ على كل ما من شأنه توضيح ما جرى وكيف جرى ؟ إن ما جرى في العراق ( والأحداث التي مرت عليه خلال أكثر من ثلاثين عاما سببت دمارا شاملا لجميع البني التحتية في المجتمع بما في ذلك انتشار الجرائم والبؤس والفقر والحرمان . هناك مئات الألوف من ضحايا النظام…وهناك مئات الألوف من الجرائم والانتهاكات المرتكبة ضد حقوق الانسان والقتل والتعذيب وغيرها من الأعمال الوحشية … *9) وهذا ما يجعل مهمة البحث واكتشاف المقابر الجماعية في غاية الصعوبة لان أعدادها كبيرة وبالمئات وقد ارتكبت خلال فترات طويلة وقد اشترك فيها الكثير من الجناة بحيث يجعلهم يحجمون أو حتى يقومون بإنكار وجودها إذا ما توفرت لهم الوسيلة وساعدتهم الظروف .
لقد حدد قانون حماية المقابر الجماعية في العراق طريقة اكتشاف المقابر الجماعية من خلال إيراد نصوص واضحة تحدد الجهة والطريق الذي يتم من خلاله البحث والكشف عن هذه المقابر والذي يكون بأحد طريقين:
1-حصر القانون مهمة البحث والتحري والتنقيب عن المقابر لجماعية بوزارة حقوق الانسان وهي وزارة حديثة في الدولة العراقية تم تشكيلها اول مرة في الحكومة المؤقتة ثم الحكومة الانتقالية ثم الحكومة التي تشكلت بعد الانتخابات وتشكيل مجلس النواب استنادا على الدستور الذي صوت عليه الشعب العراقي , فقد نصت المادة الأولى \ثانيا ( تتولى وزارة حقوق الانسان الدور الرئيسي في عملية فتح المقابر الجماعية وحصر أعدادها وتوثيق محتوياتها )كما نصت المادة الثانية من القانون ( يقصد بالتعابير التالية لأغراض هذا القانون المعاني المبينة إزائها :- أولا : الوزارة – وزارة حقوق الانسان ,ثم نصت المادة الثالثة من القانون ( تقوم الوزارة بالتنسيق مع الجهات المختصة بالبحث والتحري والتنقيب عن المقابر الجماعية) ومن خلال الاطلاع على أهداف هذه الوزارة ومسؤولياتها نجد أن ( اعتماد الوسائل القانونية الكفيلة بتصفية تركة النظام السابق وسجله الملئ بانتهاكات حقوق الانسان والمواطن .) ووضع ستراتيجية مستقبلية لحقوق الانسان في العراق وخصوصا في ( المقابر الجماعية المنتشرة في أرجاء العراق كافة ) . كما أن من دوائر الوزارة دائرة البحوث والدراسات والتخطيط التي من أقسامها ( قسم التوثيق الذي يعني بتوثيق الانتهاكات المتعلقة بحقوق الانسان عن طريق البيانات المتوفرة والوثائق مع التركيز على الانتهاكات التي حصلت في فترة النظام السابق مثل حالات الإعدام والاختفاء ألقسري والمقابر الجماعية وغيرها من حالات الانتهاك *10 ) وبهذا تحددت جهة معروفة ولها خطط وأهداف تسعى الى تحقيقها وتم تشكيل دوائر وأقسام فيها من اجل أن يكون عملها قائما على أسس علمية وقانونية وكل هذا يتمثل بوزارة حقوق الانسان العراقية التي قامت خلال الفترات السابقة بإيفاد العديد من الأشخاص الى دورات الى خارج العراق لغرض التزود بالخبرات والمعلومات الخاصة بالتنقيب والبحث عن المقابر الجماعية, ومن الجدير بالذكر لابد من الإشارة الى الجهود القيمة التي قامت بها وزارة حقوق الانسان في إقليم كردستان العراق والتي اهتمت بموضوع المقابر الجماعية ورصدت طاقات كبيرة لانجازها حيث قامت الوزارة بأعداد تقرير كامل يشمل جميع جوانب العمل في موضوع المقابر الجماعية وندعو هنا وزارة حقوق الانسان في العراق الى الاستفادة والتعاون مع وزارة حقوق الانسان في إقليم كردستان في هذا الموضوع حيث قامت وزارة حقوق الانسان في إقليم كردستان بانجاز مهم وعثرت على العديد من المقابر الجماعية واهتمت اهتماما جديا وعلميا بشهداء المقابر الجماعية وقامت بنقل العديد من ضحايا الأنفال الى قبور مناسبة وقرب أهاليهم وبمراسيم لائقة مواساةً لاهاليم وأقاربهم إضافة الى مساعدة عوائل الشهداء *11)
2- كل من يعلم بوجود مقبرة جماعية في أي مكان يعود له أو لغيره الإخبار عنها لدى الجهات المختصة وحددت المادة التاسعة من القانون مدة ثلاثين يوما من تاريخ نفاذ هذا القانون كي تسري هذه المادة بحق الغير , كما حدد القانون في المادة 12 عقوبة لمن يخالف أحكام المادة التاسعة بان فرض عقوبة الحبس مدة لاتزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة ألف دينار ولا تزيد على مائتين وخمسين إلف دينار كل من خالف أحكام المادة التاسعة أي من لم يقوم بالإخبار عن وجود مقبرة جماعية في مكان يعود له أو لغيره .
وهذا النص يحث المواطن على ممارسة دوره الايجابي في الكشف عن الجرائم التي حدثت كما أن العقوبة المقررة عن الممتنع يجعل من هذا الفعل ( عدم الإخبار أو الإهمال) فعلا يكون أركان جريمة يعاقب عليها هذا القانون , ولغرض تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن المقابر الجماعية أورد المشرع نصا في المادة 13 باعتبار القائم بالتبليغ عن المقابر الجماعية متمتعا بالأعذار القانونية المخففة ( يعد عذرا قانونيا مخففااذا بادر احد الجناة الى إبلاغ الوزارة أو الجهات المختصة عن مكان مقبرة جماعية أو ضحاياها أو مرتكبي الجرائم ضد الضحايا )وقد أراد المشرع العراقي من خلال النصوص السابقة أن تكون الاحكام القانونية قبل اكتشاف المقبرة الجماعية واضحة ومشجعة للمواطن العادي وحتى الذي ساهم بمثل هذه الجرائم أن يبادر الى تقديم المعلومات التي من الممكن أن تنفع في تحقيق العدالة وبهذا يتحقق وباختصار الهدف الذي تسعى إليه معظم الدراسات والأبحاث الخاصة بجرائم الحرب وكيفية تهيئة الأدلة في مرحلتي التحقيق والاتهام والتي تتدرج كالآتي ( 1 حدد الجريمة 2 حدد هوية الضحايا 3 حدد الجناة 4 أقم القضاء 5 اثبت الذنب في المحكمة * 12) وهذا ما سنحاول بيانه في المبحث التالي .
المبحث الثالث: الاحكام القانونية الخاصة بعد اكتشاف المقبرة الجماعية
حدد القانون الجهة التي تتولى مهمة البحث والتحري والتنقيب عن المقابر الجماعية وهي وزارة حقوق الانسان والذي منع العبث والنبش العشوائي بالمقابر الجماعية دون موافقة رسمية من وزارة حقوق الانسان وهو مانصت علية المادة 1 أولا , كما إن الوزارة بعد أن يتحقق لها العلم بوجود مقبرة جماعي يجب عليها أن تقوم بإجراءات سريعة ومهمة حددتها الفقرات ب.ج .د من المادة الأولى وهذه الإجراءات هي :
1-تنظيم عملية فتح المقابر الجماعية وفقا للأحكام الشرعية والقيم الإنسانية بقصد التعرف على هويات الضحايا وما يتبع ذلك من آثار شرعية وقانونية.
2- حفظ وحماية الأدلة التي يمكن الاستدلال بها على هوية الضحايا
3 تحديد هويات الجناة والمساعدة في جمع الأدلة ضدهم لإثبات مسؤوليتهم الجنائية عن الجرائم المرتكبة ضد لضحايا وتقديمهم الى القضاء .
إن تحقيق الأهداف والمهام أعلاه يتطلب وجود جهاز متخصص في الوزارة يقوم بهذه المهمة وقد عرف القانون هذا الجهاز بأنه مكتب استعلامات المقابر الجماعية التي يجب على مالك العقار أو شاغل المكان الذي ترى الوزارة وجود مقبرة جماعية فيه أيا كان سبب الإشغال سواء مستأجرا أو مغتصبا أو معيرا أو صاحب حق من الحقوق العينية على العقار اوالأرض إن يسمح للوزارة أو أي جهة مختصة أخرى تنتدبها الوزارة أو تعمل ضمن إمرتها بدخول الموقع وفحص الأرض أو عمل مرتسم له أو تنظيم خريطة أو تصويره أو اتخاذ أي إجراء تراه ضروريا من اجل البحث والنقيب عن المقبرة الجماعية, ومكان المقبرة الجماعية قد يكون ( عقارا أو ارض معدة للبناء أو أرضا زراعية *13) مملوكة للشخص نفسه أو انه يشغلها بناء على عقد إيجار أو إعارة أو سبب من الأسباب حتى لو كان قد وضع يده على الأرض أو الموقع الذي توجد فيه مقبرة جماعية أو مغتصبا لها فهنا لايتم البحث في سندات الملكية بقدر ما هو التركيز على الموقع والمكان , وتتم كل تلك الإجراءات بعد تبليغ مالك أو شاغر المكان ( أرضا خالية أو عقار أو ارض مزروعة أو بستان ) وحدد القانون مدة لا تتجاوز 14 أربعة عشر يوما من تاريخ التبليغ الذي يجب أن يكون مستوفيا للإجراءات القانونية أي يكون حسب قانوني المرافعات والأصول الجزائية باعتبارهما القانون العام الذي ينظم عمل هذا القانون والذي يعتبر قانونا خاصا بنوع محدد من الجرائم والإجراءات .
ثم تقوم وزارة حقوق الانسان بعد أن يثبت لديها وجود مقبرة جماعية حسب التعريف والتحديد الذي وضعه القانون للمقبرة الجماعية وضحاياها ( المادة 5) تضع يدها على المكان مدة لا تتجاوز 90 تسعين يوما تكون فيه لها السلطة على المكان واوجب القانون على الوزارة أن تقوم بتشكيل لجنة في منطقة المقبرة الجماعية لغرض تنفيذ أحكام هذا القانون وتكون اللجنة برئاسة ممثل عن وزارة حقوق الانسان وعضوية خمسة أعضاء حددتهم المادة السادسة وهم قاضي ونائب مدعي عام وضابط شرطة وطبيب عدلي وممثل عن المجلس البلدي حيث تتولى هذه اللجنة المهام التالية :
1-فتح المقبرة الجماعية وإجراء الكشف عليها للتعرف على هويات الرفات التي تضمنها وتنظيم محضر أصولي يتضمن معالم وتفاصيل المقبرة الجماعية موثقة بالأفلام والأقراص المدمجة .
2-تسليم الرفات لذوي الضحية وإعادة دفن رفات الشهداء وفق مراسيم تليق بهم وتتكفل الدولة النفقات المالية لهذا الغرض.
3-إصدار وثيقة تحقيق هوية لكل رفات يتم العثور عليها في ضوء التحقيقات والفحوص المختبرية اللازمة .
4 إصدار القرارات المقتضية لنصوص عليها ورفعها الى الوزارة لاتخاذ الإجراءات القانونية .
كما إن للجنة الاستعانة بخبراء من ذوي الاختصاصات ذات العلاقة مثل خبراء في التاريخ أو الجغرافية أو السياسة أو مستشارين في القانون الدولي أومحامين لهم خبرة في مجال التحقيق في جرائم الحرب على أن تكون آرائهم واستشارتهم التي يبدونها ليست ملزمة للجنة ودون أن يكون لهم حق التصويت في القرارات التي تصدرها وبعد أن تنتهي من عملها تصدر وثيقة تحقيق الهوية والتي تمثل الخطوة التالية من عمل اللجنة
إن نص المشرع على كيفية تشكيل اللجنة وأعضائها قد أعطاها أهمية كبيرة ومنح رئيس وأعضاء اللجنة السلطات الممنوحة للمحقق المنصوص عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 في موضوع ( التحري عن الجرائم وجمع الأدلة والتحقيق الابتدائي ) حيث أقر القانون المذكور في ( المواد / 39 – 40 – 41 ) على تعيين أعضاء الضبط القضائي ومواصفاتهم ، وعملهم و عن ضرورة اتخاذ جميع الوسائل للحفاظ على أدلة الجريمة وهو ما يؤكد الأهمية الكبيرة التي أعطاها المشرع للتحقيق في المقابر لجماعية , لذلك فإن (مبدأ الإثبات القانوني يقتضي تحديد الأدلة التي تقدم لإقناع القاضي وقاضي التحقيق في المحكمة الجنائية العراقية المختصة بجرائم الإبادة الجماعية ، وتحديد قوة كل دليل في المقابر الجماعية ، ومذهب الإثبات القانوني يقدم على أن القانون يعين طرقاً خاصة للإثبات تختلف باختلاف الوقائع والتصرفات المراد إثباتها ويبين لكل طريق قيمته ، ولذا لا بد من الحفاظ على هذه الأدلة القانونية الثبوتية في المقابر الجماعية ، وعدم العبث بها ، وعدم بعثرتها لكي لا تضيع قيمة هذه الأدلة الهامة التي يستطيع القاضي بواسطتها أن يدلي بحكمه وفق القوانين العراقية النافذة وقانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ وقانون المحكمة العراقية الجنائية المختصة بجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي *15).
كما إن القانون منح حارس المقبرة لجماعية والمراقب المكلف بمراقبة ومتابعة حراس المقابر لجماعية لأغراض القانون بسلطة الضبط القضائي المنصوص عليها في المادة / 42 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي نصت على : ( أعضاء الضبط القضائي أن يتخذوا جميع الوسائل التي تكفل المحافظة على أدلة الجريمة ) وله أي لحارس المقبرة أن يستعين بأعضاء الضبط القضائي في هذا الجانب والمنصوص عليهم في ( المادة / 39 ) وهم ( ضباط الشرطة ومأمورو المراكز والمفوضون ومختار القرية والمحلة والأشخاص المكلفون بخدمة عامة الممنوحون سلطة التحري عن الجرائم) واتخاذ الإجراءات بشأنها في حدود ما خولوا به بمقتضى القوانين النافذة .
وثيقة تحقيق الهوية:
اعتبر القانون إن وثيقة تحقيق الهوية التي تصدرها اللجنة دليلا كافيا على إثبات الوفاة وهوية الضحية قابلا لإثبات العكس وفقا للقانون وأعطى القانون لورثة الضحية حق الطعن في قرار اللجنة حول تحقيق هوية الضحية لدى محكمة الأحوال الشخصية التي يقع موقع المقبرة الجماعية ضمن اختصاصها المكاني وخلال عشرة أيام من تاريخ التبليغ بالقرار ويكون الحكم الصادر من المحكمة قابلا للطعن فيه لدى محكمة المنطقة الاستئنافية بصفتها التمييزيةبها خلال 15 خمسة عشر يوما من تاريخ التبليغ به ( المادة 7).
ثم تقوم اللجنة بتزويد مكتب الاستعلامات في وزارة حقوق الانسان بنسخة من قرارها الخاص بتحقيق هوية الضحية مع الأولويات والوثائق المتعلقة وجميع ما تم العثور عليه من نقود وأشياء تعود الى الضحية .
مهام مكتب الاستعلامات :
حدد القانون مهام مكتب الاستعلامات في الفقرة ثانيا من المادة الثامنة وهي:
1-تزويد مكتب المفقودين في الوزارة وغيرها من الجهات المختصة بنسخة من قرارات تحقيق هوية الضحية وجميع المعلومات المطلوبة والوثائق الأخرى.
2-تزويد ورثة الضحية بنسخة من الوثائق والمستندات التي تم التوصل إليها.
3-إرسال وثيقة تحقيق هوية الضحية وجميع المعلومات لمطلوبة والوثائق الأخرى الى محكمة الأحوال الشخصية حسب الاختصاص عند الطلب لغرض اصدار حجة وفاة للرفات التي تم العثور عليها في المقبرة الجماعية .
4-اتخاذ الإجراءات اللازمة لغرض إصدار هوية الأحوال لمدنية لورثة الضحايا.
ويتضح من الفقرات أعلاه المساعدة والعون الذي سيقدم لأهالي الضحايا الذين ظلوا ينتظرون سنوات طويلة لان إصدار مثل هذه الوثيقة سوف يغير المركز والوضع القانوني لآلاف المواطنين حيث أن الكثير من النساء لم يتحدد وضعهن وحالتهن الزوجية بعد اختفاء أزواجهم إضافة الى أن هذه الاجرءات سوف تخلصهم من أحكام ومواد بعض القانون التي كانت تنظم هذه الأوضاع مثل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل وقانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980 والقانون المدني العراقي *16 .
هذا ولابد أن نشير الى العقوبات الجزائية التي فرضها القانون عندما نص في المادة العاشرة على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لأتقل عن خمسمائة ألف دينار ولا تزيد على مليون دينار كل من عبث بمقبرة جماعية أو فتحها دون ترخيص من الوزارة أو الجهات المختصة وتكون العقوبة السجن إذا أدى فعله الى ضياع أدلة التعرف على هوية الضحايا أو الجناة أو طمس معالم الجريمة كما حددت المادة الحادية عشر عقوبة الحبس مدة لاتزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لأتقل عن مائة وخمسين إلف دينار ولا تزيد على ثلاثمائة ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من عرقل عمل الجهات المختصة في أداء مهمتها في البحث والتنقيب عن المقابر الجماعية أو امتنع من تمكينها من أداء مهمتها .
كما أعطى القانون الوزارة الاستعانة بالجهات المختصة والمنظمات الوطنية والدولية التي لها علاقة بحقوق الانسان من اجل تحقيق أهداف القانون وتوثيق الإجراءات المتخذة بموجبه ونتائجها على المستوين الوطني والدولي وأشار الى تطبيق نصوص أحكام الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها العراق فيما لم يرد نص خاص في هذا القانون كما أعطى القانون لوزير حقوق الانسان حق إصدار التعليمات والبيانات لتسهيل تنفيذ أحكامه.
المبحث الرابع: أهم الملاحظات على القانون والخاتمة
1-يمكننا القول ان هذا القانون قد جاء متأخرا وكان يفترض إصداره في الايام الأولى لعمل الجمعية الوطنية الانتقالية لان الموضوع الذي ينظمه هذا القانون هو موضوع مهم ويتمتع بإجماع واهتمام جميع العراقيين الى اننا وللأسف وجدنا أن تاريخ صدوره هو 12 \3\2006 رغم ان النظام قد سقط يوم 9 نيسان 2003 وانه كان محالا من الجمعية الوطنية الانتقالية الى مجلس الرئاسة منذ فترة , فهل تطلب اصداره كل هذا الوقت ؟ وهل أن القرارات والقوانين الخاصة برواتب وامتيازات الوزراء وأعضاء الجمعية الوطنية أو مجلس النواب تأخذ مثل هذا الوقت الطويل ايضا ؟!!!
2-لم يوضح القانون المؤهلات المطلوبة في رئيس اللجنة التي يتم تشكيلها وفقا للمادة السادسة من القانون إذ كيف يمكن للجنة تضم في عضويتها قاضي وعضو ادعاء عام يعملان تحت إمرة ممثل عن وزارة حقوق الانسان( وهو موظف في الإدارة أو الحكومة ) في حين أن وظيفة ومهام القاضي ونائب الادعاء تدخلان ضمن أعمال ومهام القضاء الذي هو مستقل حسب أحكام الدستور والقانون ولا سلطان عليهما إلا بالقانون وكان الأجدر بالقانون أن يجعل رئاسة اللجنة من قبل قاض أو نائب مدعي عام بعد أن يتم تأهيلهما ضمن دورات خاصة بالتحقيق في المقابر الجماعية.
3-ورد خطا في الفقرة د من المادة السادسة لان الطبيب العدلي يعمل في وزراة الصحة وليس الداخلية .
4-لم يحدد القانون شروط ومؤهلات ممثل المجلس البلدي الذي يسميه المحافظ المختص وأعطاه حقا في التصويت يوازي الحق الممنوح للأشخاص المذكورين في الفقرات الأربعة الأولى من المادة السادسة, ونحن نعتقد أن ذلك غير مقبول وغير منطقي إذ كيف يمكن أن نساوي بين صوت ورأي الطبيب العدلي مع رأي مواطن عادي ربما لم يرشح الى هذه اللجنة سوى كونه منتميا اومحسوبا على هذا الحزب أو تلك الجماعة !!!
5-ردد المشرع كلمة الشهيد وهذا المعنى كما هو معروف ينصرف الى ضحايا النظام السابق ولكن القانون هو قانون عام لحماية المقابر الجماعية في العراق فما هو الموقف لو اكتشفت مقابر جماعية حديثة أي حدثت بعد 9 نيسان 2003 أو انه قد ارتكبت من أحزاب أو جماعات أومن قبل القوات الأمريكية أو حتى من قبل قوات محسوبة على الحكومة العراقية فما هو الحكم والمركز القانوني للضحايا أو الشهداء ؟
6-لم يشر القانون الى دور الجهاز المركزي للإحصاء وكان الأجدر أن يتم النص على أن لا تصدر أي وثيقة تحقيق هوية أو تقارير عن وزارة حقوق الانسان إلا بعد أن تكون متطابقة مع ما تم تسجيله في الإحصاءات التي تمت في العراق,عليه فالمطلوب الآن إجراء تعداد أو إحصاء عام للسكان في العراق كي يتبين وبصورة علمية وإحصائية الإعداد الحقيقية للسكان ومقارنتها مع الإحصاءات التي جرت في السنوات السابقة بغية إعداد بيانات علمية اقرب الى الواقع عن ضحايا المقابر الجماعية وعموم المتضررين من أبناء الشعب العراقي .
7- لم يتضمن القانون نصوصا خاصة لحماية الشهود أو الأشخاص الذين يتقدمون للإدلاء بمعلومات مهمة عن المقابر الجماعية لان مثل هذا النص سوف يشجع الكثيرين الذين يمتلكون مثل هذه المعلومات لكنهم يخشون الإرهابيين الذين استطاعت اياديهم أن( تقتل الشاهد الوحيد على إحدى المقابر الجماعية بعد رجوعه من الإدلاء بشهادته *17).
وأخيرا لابد لنا من القول أن سمفونية المقابر الجماعية ما زالت تعزف ألحانها المميتة في العراق حيث انه تم حتى الآن إحصاء 280 مقبرة من أصل مئات المقابر التي تضم مايقارب من مليون وثلاثمائة ألف شخص *18 وهي ظاهرة فريدة في العالم لأنه لم يتقدم احد من أركان النظام السابق وأدلى بمعلومات عنها أو ظهر شخص بأي منصب كان وطلب الاعتذار من الشعب العراقي عن هذه المقابر كما حدث في بلدان أخرى من العالم , كما إن ضحايا هذه المقابر ليسوا من أبناء الشعب العراقي وحده بل ان بين رفات الضحايا في المقابر الجماعية العديد من القتلى الكويتيين والسعوديين من الأسرى المدنيين الذين قرر النظام تصفيتهم ضمن حملات التصفية وهي تشكل جرائم ليس في القانون الوطني فقط وإنما حسب أحكام القانون الدولي *19 حيث تدخل في باب جرائم الحرب وانتهاكات القوانين والاتفاقيات الدولية ,كما ويجب علينا أن نسجل ان المقابر الجماعية ليست موجودة بالعراق وحده فمع الأسف تبين لنا ان الكثير من البلدان العربية والمجاورة للعراق لديها مقابر جماعية كما أوضحت الاكتشافات الأخيرة للمقابر الجماعية في لبنان وسوريا واليمن والمغرب والجزائر وغيرها فقد ( لوحظ في السنين الأخيرة التي أعقبت الحرب الباردة ظهور نوعين من النزاعات منها ما يدور من اجل إثبات الهوية ومنها ما يدو رفي بلدان انهارت فيها هياكل الدولة تماما , ولعله من المفيد في هذا السياق التذكير بان قانون حقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني يعملان سواء بالإلزام أو بالتفاوض لدى الجهات المعنية بتطبيقهما …ففي حروب إثبات الهوية أصبح القانون الإنساني موضع إهمال وازدراء متعمدين يجري فيه انتهاك مبادئه الأساسية التي تنص على حماية غير المقاتلين والضحايا بما فيهم الأسرى والمرضى والجرحى وخير مثال على ذلك حالات التطهير العرقي التي يتم فيها تشريد ومحق إحدى شرائح الناس التي ينظر على أنها ذات هوية مختلفة كما حدث في يوغسلافيا السابقة ورواندا وبروندي *20 ) .
لكن تبقى المقابر الجماعية في العراق التي احتلت مساحة متميزة ضمن ( الكتاب الأسود لجرائم صدام حسين ) في العراق والذي أنجزه كبار المتخصصين في العالم عن الجرائم التي ارتكبت أهم فصول الكتاب وأكثرها تأثيرا في النفس والروح فقد أوضح عالم الآثار الألماني ( سنج كارين ستويك)في فصل معسكرات الموت ( خلال عملي حول المقابر الجماعية في العراق ، وجدت أن الأرقام تفقد كل معناها : 200000 كردي قُتِلَ ، عشرات الآلاف من الشيعة ، الآلاف من سجناء الحرب ….التحريات الجارية حول المقابر الجماعية تجيب على ضرورة ملحة : الشعب العراقي يجب أن يعرف مصير الأشخاص المفقودين ، الذين رحِلّوا وفقدوا,نبش القبور في الطب شرعي من اجل مهمة تجميع الأدلة ضد النظام ألبعثي السابق ،ولا يغطي سوى نسبة قليلة من ضحايا معسكر الأنفال ، الاكراد ، البارزانيين ،الاكراد الفيلية، الشيعة والسنة *21).
أخيرا مالذي يمكن أن نسجله أو نكتبه بعد كل الذي سبق غير التمنيات والآمال التي نتمنى أن تجد طريقها الى ارض الواقع في العراق وهي أن نتجاوز المرحلة الصعبة التي يمر بها العراق في هذه الايام حيث وصل الاحتقان والتنافس بين مختلف مكوناته حداً ينذر بعواقب وخيمة إذا لم ينتبه العقلاء والحكماء والذين يهمهم هذا الشعب وهذا الوطن ويركزوا جهودهم في سبيل الابتعاد عن العنف والقتل وخطابات التحريض والكره وندعوهم الى نشر مبادئ التآخي والمحبة والمساواة والتسامح بين جميع أبناء وألوان الشعب العراقي ونقول
لهم :ضحايا المقابر الجماعية تستصرخكم بالكف عن قتل العراقيين لان الضحايا الذين يسقطون يوميا خلال السنوات الثلاث الماضية شكلوا ضحايا بعشرات الآلاف وخلفوا ورائهم جيشا من الأرامل والأيتام والأمهات الثكلى .
تمهل وأنت تمشي على ارض العراق وخفف الوطء لا أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد، صاح بنا المعري، ولكنها أجساد بلا أسماء ولا هوية ولا سبب أو تفسير أو مبرر أو قدرة ما على عقلنة هذه البربرية التي نصبها الإنسان لأخيه الإنسان باسم الطاغية أو الإيديولوجية أو أي شئ، لا يهم، المهم أن الحياة الإنسانية كانت الأرخص وتعريف الشخص هو الأبخس أما حقه في أخذ البعد الكافي عن التسلط فيعني إلغاء كل ما أنجبته الحضارات والقيم والفلسفات من تكريم للإنسان *22 بضربة سيف غادرة لم تأخذ من الحداثة إلا عصرنة وسائل القمع والقتل والإبادة.. مجهول هو، مجهول أنت ومجهول أنا، لا حق لنا في التعريف أمام الطاغية الذي لم يكن يوما عادلاً في شئ سوى الظلم والقتل الذي اوجد كل هذه المقابر الجماعية .عبدالستار رمضان روزبياني
نائب مدعي عام سابق
وكاتب وصحفي عراقي مقيم في الدنمارك
__________________________________
أهم المصادر التي اعتمد عليها البحث:
*1 علي عبد الحسين كمونه ( العراق… بلد المقابر الجماعية ) مقال منشور في شبكة النبأ للمعلوماتية في 19\3\2005 .
*2 فائق محمد حسن ( وطن الأنفال ) من منشورات مركز الحرف العربي في السويد.
* 3 عبدالستار ناصر ( ألعصر الذهبي للرعب ) منشور في العدد 561 مجلة العربي الكويتية الصادرة في 1\8\2005.
. * 4 الدكتورعبد الحسين شعبان (بانوراما حرب الخليج ) ص 8 الطبعة الأولى 1994 دار البراق – لندن
*6 قانون حماية المقابر الجماعية رقم 5 لسنة 2006 منشور في الجريدة الرسمية ( الوقائع العراقية ) في العدد 4021 الصادرة في 16\4\2006.
*6 الفصل السادس(الظروف المشددة) المادة 135 وما بعدها من قانون العقوبات العراق رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
*7 الدكتور ماهر عبد شويش ( شرح قانون العقوبات \ القسم الخاص )ص180 مطبعة جامعة الموصل .
*8 القاضي عدنان النوري ص 5 من مقدمة كتاب الصيغة القانونية لرفع الدعوى المدنية للمحامي هادي عزيز علي مطبعة الزمان بغداد 2000.
*9 سالم جواد ألجلبي ( مشروع تشكيل محكمة جرائم حرب في ظل القانون الجنائي العراقي ) ص22 منشور في مجلة الحقوقي التي تصدرها جمعية الحقوقيين العراقيين العدد الاول كانون الاول 2000 لندن .
*10 موقع وزارة حقوق الانسان العراقية على شبكة الانترنت
http://www.iraqi-mohr.org/
*11موقع وزارة حقوق الانسان في اقليم كردستان العراق على شبكة الانترنت
http://www.mohr-krg.org
*12 الدكتور وليد عبدا لخالق إبراهيم ( الحلقة الدراسية عن جرائم الحرب :التحقيق والاتهام ) ص 65 منشور في مجلة الحقوقي التي تصدرها جمعية الحقوقيين العراقيين العدد الاول كانون الاول 2000 لندن .
* 13الدكتور غني حسون طه( الحقوق العينية) ص 372 مطبعة جامعة بغداد.
*14 قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971
*15 قاسم خضير عباس\ دراسة مقدمة لمؤتمر المقابر الجماعية في الأردن بعنوان (الأدلة القانونية في المقابر الجماعية وعدم العبث بها) منشورة في موقع صوت العراق في 18/5/2005.
*16 الدكتورآدم وهيب النداوي( المرافعات المدنية )ص 91 مطبعة جتمعة بغداد 1988.
*17 عبدالستار رمضان مقال بعنوان (قتلوا الشاهد الوحيد على مقبرة جماعية …لاسكات الآخرين ) منشور في جريدة الوطن السعودية العدد 1754 في 19 تموز 2005 .
* 18 صبحي علي ( بانوراما الدم مقابر وسجون ) منشور في جريدة الذاكرة نقلا عن موقع الذاكرة العراقية على صفحة الانترنت
http://www.iraqmemory.org
*19 زهير كاظم عبود مقال بعنوان ( المقابر الجماعية في الزمن الصدامي ) منشور في جريدة القاسم المشترك يوم 2 آب 2006.
*20 محمد سيف ( حقوق الانسان-عكازان للضحايا المجردين من السلاح ) ص 135 مجلة العربي العدد 470 الصادر في كانون الثاني \يناير 1998 .
*21 مجلة الصوت الاخر العدد 78 في 7\10\2005 ( الكتاب الاسود لجرائم صدام حسين ) ترجمة الهام صالح لفصول الكتاب نقلا عن جريدة لوفيكارو الفرنسية .
*22 هيثم مناع ( حول المقابر الجماعية في العراق) بحث منشور في مواقع جمعيات حقوق الانسان على الانترنت.
اترك تعليقاً