نطاق تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني
بقلم : د. عبد الحكيم سليمان وادي
رئيس مركز راشيل كوري
مما لاشك فيه ,ان القانون الدولي الإنساني يطبق في الحالات التي تستخدم فيها القوة و العنف ويعرف القانون الانساني الدولي بأنه مجموعة المبادئ والقواعد التي تحدّ من استخدام العنف أثناء المنازعات المسلحة أو من الآثار الناجمة عن الحرب تجاه الإنسان عامة فهو فرع من فروع القانون الدولي العام لحقوق الإنسان غرضه حماية الأشخاص المتضررين في حالة نزاع مسلّح كحماية الممتلكات والأموال التي ليست لها علاقة بالعمليات العسكرية وهو يسعى إلى حماية السكان غير المشتركين بصورة مباشرة أو الذين كفوا عن الاشتراك في النزاعات المسلحة مثل الجرحى والغرقى وأسرى الحرب ويمكن القول أن القانون الدولي الإنساني إنطلق بإتفاقية “جنيف” لسنة 1864 وتلتها عدّة إتفاقيات وبرتوكولات هامة . ، فهل كلما كنا أمام إستخدام للقوة و العنف كان هناك مجال لتطبيق قواعد و أحكام هذا القانون ؟ بمعنى ، هل هو قانون يمتد نطاق تطبيقه ليشمل كل حالة إستخدمت فيها القوة و العنف ؟ وللاجابة على هذه الاسئلة سوف نخصص لها التصميم التالي:
المبحث الاول: المجال المادي للقانون الدولي الانساني
المطلب الاول: النزاع المسلح
المطلب الثاني: الحالات الخارجة عن نطاق قواعد القانون الدولي الإنساني
المبحث الثاني: المجال الشخصي, الاشخاص المحميون بالقانون الانساني
المطلب الاول: : وسائل تطبيق القانون الدولي الانساني
المطلب الثاني: الجزاء والعقاب في حالة خرق القانون الدولي الانساني سوريا نموذج
الخاتمة.
المبحث الاول: المجال المادي للقانون الدولي الانساني .
و عليه يرتكز بحثنا في هذا الجانب على الحالات التي يمتد إليها نطاق تطبيق هذا القانون بالإضافة إلى الحالات المستثناة من نطاق تطبيقه و مجال إعمال قواعد القانون الدولي الإنساني,حيث انة
يطبق القانون الدولي الإنساني في حالتين و هما ، النزاع المسلح الدولي و النزاع المسلح غير الدولي أو النزاع الداخلي .
– المطلب الأول:النزاع المسلح الدولي
الملاحظ أن قانون لاهاي لا يعترف بحالة الحرب إلا بعد إعلان سابق و مبررات أو إنذار مع إعلان الحرب بشروط ، و هذا ما نصت عليه المادة الأولى من الاتفاقية الثالثة لعام 1907م ، كما أن قانون لاهاي و كذا اتفاقية جنيف لعام 1906م اشترطا أن يكون جميع الأطراف المتنازعة أطرافا في الاتفاقيات و إلا لا تشمله أحكامها .
بالتالي كانت الأحكام المتعلقة بسير العمليات العسكرية لا تطبق إلا في حالة الحرب المعلنة بين الدول الأطراف في الاتفاقيات ، كما أن قانون لاهاي كان يشترط بأن لا يشرع في أي عمليات عسكرية إلا بعد إعلان سابق مع تقديم مبررات كافية لذلك أو إنذار مع إعلان حرب بشروط طبقا لما هو منصوص عليه في المادة الأولى من الاتفاقية الثالثة لعام 1907م ، غير أن التعامل الدولي أفرز واقع مغاير لذلك تماما، إذ كثيرا ما نشبت حروب سواء قبل اتفاقيات لاهاي أو بعدها دون مراعاة لشرط الإعلان أو الإنذار السابق ، لكن الجهود الدولية سايرت هذه التطورات وواكبتها و أدركت الخلل الموجود في قانون لاهاي ، إذ لا يعقل أن غياب أحد الشروط الشكلية سببا في إنكار حالة الحرب و كذا الآثار المترتبة عليها ، فاقترحوا بوجوب النص في الاتفاقيات التي يمكن أن تبرم لاحقا ، على تطبيقها في جميع الحالات التي تندلع فيها العمليات العدائية مهما كان شكلها حتى في ظل غياب شرط إعلان الحرب ، و هذا ما تم بالفعل عند إبرام اتفاقيات جنيـف الأربعة لعام 1949م حيث جاء النص على ذلك صراحة في المادة الثانية المشتركة بين الاتفاقيات الأربعة إذ تنص على : ” تطبق في حالة الحرب المعلنة أو أي نزاع مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة حتى و إن لم يعترف أحدهما بحالة الحرب .
و تطبق الاتفاقيات أيضا في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة حتى و إن لم يلقى هذا الاحتلال مقاومة مسلحة .
فإذا لم تكن إحدى دول النزاع طرفا في هذه الاتفاقية فان الدول الأطراف فيها تبقى ملزمة في علاقاتها المتبادلة ، كما أنها تلتزم بالاتفاقية المذكورة إذا قبلت تلك الدول أحكام الاتفاقية و طبقتها ” .
فالحرب المعلنة تبقى نوع من أنواع النزاعات المسلحة و لا تأثير لها على الوصف القانوني للنزاعات المسلحة ككل ، خاصة عندما لا تعلن فيها حالة الحرب صراحة ، كما أن إنكار وجود حالة الحرب من قبل أحد الأطراف لا يؤثر على نفاذ القانون الدولي الإنساني .
أما الفقرة الثانية من المادة المذكورة آنفا فإنها تتعلق بالاحتلال الذي يدرج ضمن خانة النزاع المسلح الدولي أيا كان مدى الاحتلال ، كامل تراب أحد الأطراف المتعاقدة أو بعضه ، و سواء اصطدم بمقاومة مسلحة أو لم يصطدم بها ، فان الاتفاقيات تطبق في حالات الاحتلال التي وضعت الاتفاقية الرابعة أهم أحكامها، زيادة على ذلك فان المادة الثانية المشتركة تلزم أطراف النزاع بالامتثال لأحكام الاتفاقيات التي صادقت عليها حتى و إن كان أحدها غير مرتبط بأحكامها .
و تنص المادة الأولى فقرة 2 من البروتوكول الإضافي الأول على امتداد تطبيق أحكام هذا القانون إلى النزاعات التي تناضل فيها الشعوب ضد الاستعمار و الاحتلال الأجنبي و كذا الأنظمة العنصرية طبقا لمبدأ حق تقرير المصير المكرس في ميثاق هيئة الأمم المتحدة و كذا الوثائق الخاصة بحقوق الإنسان ، و بذلك ارتقت حروب التحرير إلى مصاف النزاعات المسلحة الدولية .
هناك حالات أخرى وهي تلك التي تجد المنظمات الدولية نفسها طرفا فيها علما بأن الدول فقط هي الأطراف في المواثيق ذات الصلة بالإضافة إلى حركات التحرير حسب الشروط الواردة في المادة الأولى فقرة 1 و 2 من البروتوكول الإضافــي الأول لعام 1977م و الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م، ففي هذه الحالات نرى أن قانون النزاعات المسلحة هو الأولى بالتطبيق سواء كانت القوات الدولية تابعة لقيادة دولة فأكثر أو لقيادة مباشرة من المنظمة المعنية، و أيا كانت الظروف لا يمكن الاعتماد على نظام قانوني آخر و إلا فتحت الأبواب على مصرعيها للفوضى القانونية بكل تبعاتها ، بالتالي فان القانون الدولي الإنساني يطبق في حالات النزاع المسلح الدولي الذي يتخذ عدة أشكال منها :
– حالة الحرب بين دولتين أو أكثر .
– حالة الاحتلال سواء لقي مقاومة أم لا .
– الحروب و الصراعات التي يكون أحد أطرافها هيئة أو منظمة دولية .
– النزاع المسلح غير الدولي :
نعني بهذا النوع من النزاعات تلك الصدامات و الاشتباكات الأيديولوجية و العرقية التي تدور رحاها بين طرفين وطنيين عادة ما يكون بين الحكومة و الثوار أي بين الاخوة الأعداء أبناء الوطن الواحد و التي غالبا ما تكون في شكل تمرد أو عصيان أو محاولة الانفصال ، و هذا النوع من النزاعات المسلحة الذي عرفته المجتمعات منذ القدم و لازالت تعرفه في زماننا هذا عادة ما يتميز بوحشية و بانتهاك القيم الإنسانية.
لقد دأب الفقه على إطلاق تسمية الحرب الأهلية على هذا النوع من النزاعات و هو التعبير الأكثر شيوعا و تداولا لدى الديبلوماسيين و وسائل الإعلام و كذا في مؤلفات الفقهاء للدلالة على النزاعات المسلحة الداخلية أو غير الدولية ، و هذا النوع من النزاعات شبهه “شكسبير” بالانتحار إذ هو تدمير الشعب لنفسه و لمقوماته و هو إحدى الكوارث الكبرى التي تصيب الإنسانية ، فقد تولد الحروب الأهلية من الآلام ما لاتولده
الحروب الدولية و ذلك بسبب طابع البغضاء و الشراسة الذي تكتسبه و السبب في ذلك أن المتحاربين يعرفون بعضهم البعض جيدا و يجدون لأنفسهم المبررات الكافية و الأسباب الجدية للحقد عليهم ، و يمكننا أن نشعر و نحس بالعقلية التي تسود الحروب الداخلية بالكلمة الفظيعة التي قالها الإمبراطور فيتليس على أرض معركة بدرياك حينما قال لرفاقه، بعدما وجهوا نظره إلى انتان رائحة جثث خصومه السياسيين التي بقيت طويلا دون دفن” إن جثة العدو ذات رائحة طيبة دائما ، و رائحتها أطيب عندمــا يكون العدو من أبناء الوطن ” .
و النزاع غير الدولي كما عرفه الأستاذ جان باكتييه بأنه كل نزاع يدور بين القوات الحكومية و قوات مسلحة منشقة أو مجموعات مسلحة منظمة عندما تمارس هذه المجموعات السيطرة على جزء من أراضي البلد و تكون تحت قيادة مسؤولة بحيث تتمكن من إدارة عمليات عسكرية متصلة و منسقة و من تطبيق البروتوكول ، و نعني بالبروتوكول هنا هو البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977م.
الملاحظ على هذا التعريف أنه يقوم على نفس المعايير الواردة في المادة 1 فقرة 1 من البروتوكول المشار إليه و التي جاء نصها كالآتي :
“1- يسري هذا اللحق ” البروتوكول ” الذي يطور و يكمل المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف المبرمة في 12 آب / أغسطس 1949م دون أن يعدل من الشروط الراهنة لتطبيقها على جميع المنازعات المسلحة التي لا تشملها المادة الأولى من اللحق ” البروتوكول ” الإضافي إلى اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 آب / أغسطس 1949م ، المتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة اللحق ” البروتوكول ” الأول و التي تدور على إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواته المسلحة و قوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى و تمارس تحت قيادة مسؤولة على جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة و منسقة ، و تستطيع تنفيذ هذا اللحق ” البروتوكول . . . .”.
فالنزاعات غير الدولية و إن كانت تندرج ضمن الشأن الداخلي للدول التي تنشب فيها فان آثارها و انعكاساتها تتجاوز الإطار الداخلي للدولة سواء بطريقة مباشرة كأن يكون هذا النزاع مبررا للتدخل الأجنبي أو بطريقة غير مباشرة ، لأن الدول سوف لـن تقف على أية حال موقف حياد لأن مصالحها الحيوية تستدعي منها تأييد طرف على آخر فهناك من يناصر النظام القائم و هناك من يناصر الثوار ، و الواقع الدولي يحمل العديد من الأمثلة الحية على ذلك فكثيرا ما تلجأ الدول خاصة الكبرى منها لخلق بؤر صراع داخل دول من اجل مصالحها، مثلما حدث في لبنان مطلع الثمانينات و في يوغسلافيا سابقا مع مطلع التسعينات و كذلك ما يحدث اليوم في السودان . . .هذه النازعات المسلحة الداخلية أدت بالعاملين في الحقل الإنساني إلى ضرورة التفكير في أطر و آليات تكفل حماية ضحايا هذا النوع من النزاعات بغض النظر عن أسبابه .
يعتبر الفقيه السويسري فاتيل من الفقهاء الأوائل الذين تطرقوا إلى موضوع النزاعات المسلحة الداخلية حيث كتب في أواسط القرن 18م يقول : ” كلما اعتبرت فئة نفسها حق لمقاومة السلطان و رأت نفسها في حالة اللجوء إلى السلاح ، فان الحرب بينهما يجب إن تدور بمثل ما تكون عليه بين أمتين مختلفتين . . .” .
لقد كانت هناك عدة محاولات لتنظيم هذا النوع من النزاعات المسلحة إلا أنها باءت بالفشل و السبب في ذلك هو اصطدام الجهود المبذولة في هذا الشان بعقبتين استحال تجاوزهما و اللتان وصفهما الأستاذ جان باكتييه بالقلعتين المحاطتين بأعظم التقديس و هما السيادة الوطنية و أمن الدولة , و أن أعدى أعداء أي حكومة هم الأفراد الذين يريدون قلب النظام القائم بالقوة ، إذ تعتبرهم دون أدنى شك و على الفور بأنهم مجرمين و تطلق لنفسها العنان لسحقهم في صمت مع إضفاء الطابع الشرعي على الوسائل التي تستعملها لقمعهم ، و عليه فلا عجب إذا اعترضت الجهود الإنسانية المبذولة في إطار توسيع نطاق القانون الدولي الإنساني ليشمل هذا النوع من المنازعات المسلحة عقبات تتمثل في الاتهام بتقديم الدعم اللوجيسيتي للمجرمين و تعزيز مكانتهم و كذا الاتهام بمحاولة التدخل في الشؤون الداخلية .
لكن هذا كله لم يثني من عزيمة ذوي الضمائر الحية لتتكلل جهودهم بنجاحات باهرة متتالية خاصة في منتصف القرن 20م ، فكانت أولى الثمار هي المادة 3 المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربعة و التي تنص : ” في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة يلتزم كل طرف من أطراف النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية :. . . .”
فهذه المادة حتى و إن اكتفت بالإشارة إلى النزاع المسلح الذي ليس له طابع دولي دون تعريفه إلا أن غايتها كانت واضحة انطلاقا من تمييزها بين الأطراف السامية المتعاقدة و المقصود بها الدول ، و الأطراف المتنازعة و الذي يشمل الدول و الفئات الثائرة أو المنشقة أو المتمردة ، و قد حاولت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الخمسينات شرح هذه المادة محددة جملة من المقاييس الموضوعية التي تميز النزاع المسلح غير الدولي، و التي كانت بمثابة خلاصة للمداولات و الاقتراحات المسجلة أثناء مؤتمر 1949م منها:
1- أن يكون للطرف المناهض للحكومة المركزية تنظيم عسكري فيه قيادة مسؤولة عن سلوك مرءوسيها و له نشاط في أرض معينة و يكفل احترام الاتفاقيات .
2- لجوء الحكومة الشرعية إلى القوات العسكرية لمحاربة الثوار .
3- اعتراف الحكومة بصفة المحاربين للثوار ، أو الاعتراف بأنها في حالة حرب أو إقرارها صفة المحاربين للثوار بهدف تنفيذ الاتفاقيات أو عرض النزاع على أحد هياكل الأمم المتحدة .
4- أن يكون للثوار نظام تتوفر فيه خصائص الدولة من سلطات مدنية و ممارسة السلطة الفعلية على جزء من التراب الوطني و خضوع قواتها المسلحة لأوامر سلطة مسؤولة و الالتزام بمراعاة أحكام الاتفاقيات .
و قد نالت النزاعات المسلحة غير الدولية اهتمام المجموعة الدولية عام 1977م و خصص لها اللحق “البروتوكول” الإضافي الثاني الذي غطى النقص الذي اكتنف اتفاقيات جنيف الأربعة، مقررا حماية خاصة لضحايا هذا النوع من النزاعات المسلحة.
المطلب الثاني : الحالات الخارجة عن نطاق قواعد القانون الدولي الإنساني
إذا عدنا إلى نصوص الاتفاقيات الدولية المشكلة لقواعد القانون الدولي الإنساني لا سيما البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977م ، فإننا نلاحظ و لأول وهلة إقصاء صريح لبعض الحالات التي تمتاز بطابع العنف ، من نطاق هذا القانون خاصة تلك الحالات التي تشبه إلى حد كبير النزاعات المسلحة التي ليس لها طابع دولي و المتمثلة في الاضطرابات و التوترات الداخلية ، وبعض المظاهر الأخرى للعنف الداخلي كأعمال الشغب و العنف العرضية و النادرة و غيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة .
– الاضطرابات و حالات التوتر الداخلية
من المسلم به أن الاضطرابات الداخلية لا ترقى إلى مستوى النزاع المسلح غير الدولي لكنها تعتبر شكل من أشكال الصدامات التي تتميز في الغالب باستخدام العنف و التمرد بين جماعات شبه منظمة و السلطة الحاكمة ،و يمكن تعريفها بأنها المواجهات ذات الطابع الجماعي تكون مزمنة أو قصيرة الأمد ، كما تكون مصحوبة بآثار دائمة أو متقطعة و تمس كامل الأراضي الوطنية أو جزءا منها أو تكون ذات جذور دينية أو إثنية أو سياسية أو خلاف ذلك
المبحث الثاني: الاشخاص المحميون بالقانون الانساني
وفقا لموضوع اتفاقيات 1949 نرى ان القانون الدولي حدد فئات اربعا وكفل لها حقوقا على اطراف النزاع مراعاتها اثناء النزاع المسلح، وهي :
– الجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان
– الغرقى والجرحى والمرضى من القوات المسلحة في البحار
– اسرى الحرب
– المدنيين
والفئات الثلاث الاولى تنتمي إلى المقاتلين قبل ان تتوقف عن القتال اضطرارا او اختيارا اما الفئة الرابعة فهي بحكم طبيعتها لا تشارك في القتال أصلا .
الشارة المميزة
تضطلع الهيئات الانسانية المكونة “للحركة العالمية للصليب او الهلال الاحمر” بدور كبير في مساعدة ضحايا النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية ولابد من التذكير بأن اتفاقية “جنيف” لعام 1864 كرست شارة “الصليب الأحمر على رقعة بيضاء”كعلامة مميزة ومنذ العام 1876 طلبت تركيا، المشتبكة آنذاك في حروب القرم ، قرارها باستخدام شارة “الهلال الاحمر” مكان الصليب مراعاة لمشاعر الجنود المسلمين.
واحتفظت اتفاقية 1906 بشارة الصليب مضيفة انها تمثل لوني علم سويسرا معكوسين عرفانا لدورها وتحفظت تركيا وايران على استخدام شارة الصليب وقررت الاولى استخدام الهلال والثانية استخدام الاسد والشمس الأحمرين وقبلت الحكومة السويسرية ذلك ثم ابلغت الجمهورية الاسلامية الايرانية قرارها بالتخلي عن شارة الاسد والشمس الاحمرين واستعمال الهلال الأحمر .
استعمال الشّارة بهدف الحماية :
توفر الشارة حصانة لا غنى عنها للاشخاص والاشياء على حد سواء وهي تخدم اغراضا انسانية محضة لا اهدافا عسكرية لكلّ من :
– مصالح الصحة التابعة للجيش
– جمعيات الاغاثة التطوعية .
– المستشفيات المدنية .
– جميع الوحدات الصحية المدنية
استعمال الشارة للتعريف زمن السلم :
تدل هذه الحالات على القيام بأعمال إغاثة ووجود مراكز معينة
استعمال الشارة للتعريف زمن الحرب :
يحق للجمعيات الوطنية للهلال والصليب الأحمر استعمال الشارة للتعريف وتكون ذات حجم اصغر مما هو مستعمل للحماية حتى يقع التمييز بين الحالتين ولا توضع على علامات الذراع او فوق المباني .
استعمال الشارة من طرف اللجنة الدولية للصليب الاحمر والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الاحمر .
نظرا لدور هاتين المؤسستين الدوليتين في الحركة عموما والعمل الانساني خصوصا فإن لهما الحق في استعمال الشارة في جميع الحالات من الاتفاقية الاولى ويمكن القول ان استعمال الشارة من طرفهما زمن السلم هو للتعريف ، وزمن الحرب يكون للتعيف والحماية…..وهذا يحيلنا ايضا للحديث عن .
التعسف في استعمال الشارة
يعتبر تعسفا في استخدام الشارة او سوء استعمال لها كل ما هو غير منصوص عليه في الاتفاقيات وتبعا لذلك يمنع في كل الحالات :
– استخدامها على غير الوجه الوارد في الاتفاقيات من طرف الاشخاص الذين يحق لهم اصلا استخدامها.
– استخدامها من طرف من ليس له الحق في ذلك
– استخدام علامة تكون تقليدا لها .
زجر التعسف في استعمال الشارة :
تتضمن القوانين والاوامر والقرارات الوطنية مثل تلك النصوص الكفيلة بصيانة علامة مميزة ذات ابعاد هامة
المطلب الاول : وسائل تطبيق القانون الانساني
يجب على الدول الالتزام باحترام القانون الانساني والعمل على احترامه من طرف الآخرين
وهو التزام عام تضمنته المادة الأولى المشتركة للاتفاقيات الأربع وكذلك المادة الاولى من البروتوكول الأول ويشمل ذلك الالتزام جميع الأطراف المتعاقدة طوال ارتباطها بنصوص القانون الانساني جميعها والاحترام يكون ذاتيا .
ونصت اتفاقيات “جنيف” في مادة مشتركة على نشر احكامها على نطاق واسع في السلم كما في الحرب وعلى كافة الأطراف المساهمة في نشر ثقافة القانون الانساني في نطاق نشر ثقافة حقوق الانسان .
1- نظام الدول الحامية
الدولة الحامية هي عموما تلك التي تتولى رعاية مصالح ما ومصالح رعايا هذه الدولة لدى الدولة الأخرى بموافقة هاتين الدولتين .
تقضي الاتفاقيات الأربع بأن أحكامها تطبق بمساعدة الدول الحامية المكلفة برعاية مصالح أطراف النزاع وتحت مراقبة تلك الدول الحامية .
2- دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر :
للجنة دور خاص اثناء القيام بمهام المساعدة والحماية القانونية لأنها على اتصال بالضحايا وبأطراف النزاع، وعبر مندوبيها تلفت نظر السلطات المختصة إلى أي انتهاك يقع وتقوم بالدور الوقائي اللازم حتى لا تتكرر الانتهاكات وبما ان النظامين الاساسيين لها وللحركة العالمية للصليب الاحمر والهلال الاحمر يسمحان لها بتلقي أي شكوى حول انتهاكات ما للقانون الانساني فإنها تقوم بالمساعي اللازمة لدى السلطات المعنية وهي مساع سرية مبدئيا ، لكن قد تخرج إلى حيز العلن وفق الشروط المحددة .
3- التحقيق :
نصت الاتفاقيات على إجراء تحقيق بطلب من أحد أطراف النزاع بسبب أي انتهاك .
ويقوم بالتحقيق خبراء مختصون.
ويجب اعداد أولئك الاشخاص وقت السلم، بمساعدة الجمعيات الوطنية، حتى يكونوا على اهبة لتقديم المشورة للسلطات واعلامها بجوانب تطبيق قانون النزاعات المسلحة .
واذا تم لدولة ما تكوين مثل أولئك الأشخاص فإن عليها إرسال قائمة الاسماء إلى اللجنة الدولية حتى تكون تحت تصرف الأطراف المتعاقدة الأخرى عند الحاجة.
ويقوم المستشارون القانونيون لدى القوات المسلحة بتقديم المشورة للقادة العسكريين حسب الدرجة الملائمة بشأن تطبيق احكام الاتفاقيات والبروتوكول والتعليم المناسب الذي يلقن للقوات المسلحة .
4- اللجنة الدولية لتقصي الحقائق
حرصا على تلافي نقائص الوسائل المذكورة في الاتفاقيات الأربع، خاصة بعد تجارب واقع العلاقات بين اطراف النزاع، حاول المؤتمر الديبلوماسي بعث جهاز تحقيق بموجب نص قانوني. وفي المادة 90 من البروتوكول الأول المتعلقة باللجنة المذكورة تكون مهمة هذه الأخيرة :
– التحقيق في أي عمل يوصف بأنه خرق او انتهاك جسيم بمقتضى الاتفاقيات والبروتوكول.
– تسهيل العودة إلى الالتزام بأحكام الاتفاقيات والبروتوكول بفضل المساعي الحميدة التي تبذلها لجنة تقصي الحقائق.
وهذه اللجنة مفتوحة للدول فحسب وليست هيئة قضائية وانما هي جهاز دائم محايد وغير سياسي، وتتكون من خمسة عشر عضوا على اساس التمثيل الجغرافي العادل وينتخب الاعضاء لمدة خمس سنوات.
5- المسؤولية المترتبة عن خرق القانون الدولي :
– الحلول المستبعدة
الأعمال الانتقامية هي اجراءات اكراه مخالفة للقواعد العادية للقانون الدولي تتخذها دولة ما اثر اعمال غير مشروعة ارتكبتها ضدها دولة اخرى وتهدف إلى اجبار هذه الاخيرة ، بواسطة الضرر، على احترام القانون . اقر هذا المبدأ معهد القانون الدولي لعام 1934 وهو يعكس الممارسة الدولية في هذا المضمار، وأتى بعد قضية “نوليلا” الشهيرة بين ألمانيا والبرتغال وأدت إلى قرار تحكيم صدر عام 1928 وحدد شروط اللجوء إلى الأعمال الانتقامية وهي :
– عمل سابق غير مشروع
– استحالة حصول الدولة المضارة على ما تريد بوسائل اخرى
– انذار بقي دون نتيجة
– النسبية مع العمل غير المشروع الذي تأتي كرد عليه .
– حظر الأعمال الانتقامية بمقتضى احكام القانون الانساني : الأعمال الانتقامية ضد الاشخاص المدنيين والأموال ذات الطابع المدني وكل الفئات التي يحميها القانون الإنساني غير جائزة بموجب اتفاقيات . .
المطلب الثاني : الجزاء والعقاب في حالة خرق القانون الدولي الانساني,سوريا نموذج
لقد أثرت محاكمة كبار مجرمي الحرب في اعقاب الحرب العالمية الثانية ، والتي اجريت في نورمبرغ وطوكيو على الاحكام المتعلقة بجرائم الحرب ، هذا بصرف النظر عن المحاكمات “الوطنية” الفرنسية والامريكية والبريطانية التي نظمت في المناطق التي احتلتها في ألمانيا وفرضت عليها ادارة الحلفاء,وهناك اختلاف وفرق بين الانتهاكات و الانتهاكات الجسيمة في القانون الدولي الانساني.
فالانتهاكات هي كل الاعمال المنافية للاتفاقيات والبروتوكول ويمكن ان تؤدي إلى اجراءات ادارية او تأديبية او جزائية من طرف الدول المتعاقدة اما “الانتهاكات الجسيمة” فهي مذكورة بصورة محددة، وما يميزها هو الإجراءات التي تتخذها الدول لإيقاع العقاب من جهة الالتزام بعقاب او تسليم الجاني او شريكه من جهة اخرى وهي ايضا “جرائم حرب وهذا ماينطبق حاليا على النموذج السوري والثورة الشعبية السورية القائمة هناك ضد نظام الديكتاتور بشار الاسد الذي مازال يرتكب الجرائم ضد شعبة هناك وتحديدا المدنيين منهم. حيث ان شرارة الاحداث في سوريا انطلقت في مدينة درعا السورية يوم 15 آذار 2011 ،وعلية لابد من تحقيقات في كل اعمال العنف وانتهاكات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والحقوق الاساسية للأفراد والمدنيين والأطفال في سوريا التي وقعت من كل الجهات ممثلة بالحكومة السورية او انصارها او المجموعات المسلحة المنشقة او التدخلات الخارجية المؤيدة لاحد اطراف النزاع والتي افضت الى عنف وانتهاك للقانون الدولي.
ان عدم تعاون النظام السوري مع جامعة الدولة العربية ومحاولتة المراوغة والالتفاف على صلاحية المراقبين العرب,واستمرارة في نهج القتل والتدمير عبر مجموعات الشبيحة والمرتزقة من ايران,قد اوصل سوريا الى طريق مسدود مع جامعة الدول العربية والتى قامت بتجميد عضويه سوريا فيها, الامر الذي انعكس على سوريا بالسلب,وفرض ضرورة تدويل القضية السورية وضرورة تدخل الامم المتحدة في هذه الازمة.حيث قامت بتكليف السيد كوفي عنان الامين السابق للاشراف عبر طاقم مكلف رسميا للتفاوض مع النظام السوري الذى دخل ايضا في حالة عزلة اروبية ومقاطعة دبلوماسية لة ولجميع سفارتة في الخارج,بل والاعتراف بشكل واضح وصريح بالمجلس الانتقالى السوري كممثل شرعى ووحيد للشعب السوري.
من هنا وبعد تدهور الاوضاع الانسانية في سوريا بسبب استمرار نظام الاسد في سياسية القمع والقتل والقصف وتغليب الحل الامنى على حساب الحل السياسي,وامام فظاعة جرائم الحرب التى يمارسها ضد المدنيين السورين هناك,كان ولابد من تدخل مجلس الامن في سوريا ليتخذ قرارا حاسما في ضرورة وقف تلك المجازر البشعة هناك,وامام تبادل الادوار وسياسة المصالح للدول الكبري في مجلس الامن,تم تعطيل اصدار اى قرار ضد النظام السوري او فرض تدابير وعقوبات علية بسبب الفيتو المزدوج من الصين وروسيا اثناء التصويت في مجلس الامن.وهذا مايعتبر بمثابة مباركة وضوء اخضر للنظام السورى للاستمرار بقتل الابرياء من الشعب السوري.
وذلك بسبب تضرر المصالح الروسية في المنطقة مع ايران والاتفاقيات النفطية والاقتصادية بشكل عام فيما بينهم,بحيث تحاول ايران اغراء روسيا بتلك الاتفاقيات والعروضات المغرية حتى لا يتعرض النظام السوري,بصفتة الحليف الاستراتيجي الى ايران لاي ضربة عسكرية او ضغوطات من مجلس الامن,ومن ناحية اخري فان روسيا تسعى الى استعادة قوتها وعافيتها فى المنطقة تحت شعار نحن هنا وما زلنا نؤثر في القرارت الدولية,اضافة الى محاولتها التفاوض مع امريكيا والتوصل الى اتفاق سري فيما بينهم يقضى بعدم دعم الاخيرة الى المعارضة الروسية التى ترفض تولى الرئيس الروسي المنتخب بوتين لولاية ثالثة.اضافة الى ملفات اخري ساخنة بينهما مثل الدرع الصاروخى الخ.
وكذلك الامر ينطبق هذا الامر على الصين بصفتها دولة قوية وتعتمد بالدرجة الاولى على الصادرات والتجارة الخارجية التى تتوزع في الاسواق العالمية والعربية والامريكية الخ, بحيث تسعى الصين للتفاوض ايضا مع امريكا حول تخفيف الضرائب على بضائعها المصدرة الى السوق الامريكي وايضا السوق الاروبي,وايضا المنافسة الشديدة بين الين والدولار الخ وايضا التفاوض على بعض الملفات الساخنة بين الطرفين الصيني والامريكي مثل عدم دعم الاخيرة الى شعب التبت الذي ينادي بالاستقلال عن الصين الخ
وبناءا على ما سبق ذكرة من ضرورة الاتفاق بين القوى الكبري على توزيع المصالح فيما بينهم,وامام الضغط العالمى الذي يستنكر وبشدة تلك المجازر البشعة التى تحدث يوميا في سوريا على يد النظام الاسدى,فقد تم الاتفاق مؤخرا فيما بينهم على ضرورة اصدار قرار من مجلس الامن يقضي بارسال 300 من المراقبين الدولين الى سوريا بعد ان كان العدد الاولى 30 مراقب فقط لاغير.
هذا ورغم موافقة النظام السورى على دخول المراقبين الدوليين الى سوريا,الا انة رفض سحب قواتة العسكرية من المدن والشوارع.واستمر وبكل عنجهية وحقد في قتل المدنيين متفننا فى الاساليب,,تارا عبر تفجير السيارت الملغومة فى الاحياء السكنية,وتارة اخري عبر القصف العشوائي,وتارة عبر حرق المنازل واطلاق الرصاص واستخدام الطائرات واغتصاب النساء وقتل الاطفال والشيوخ الخ. مما تسبب فى الهجرة الجماعية للسكان من مدن الى اخري داخل سوريا,وايضا هجرة الاف النازحين السورين الى مخيمات اللاجئين على حدود تركيا ولبنان والاردن,مما يشكل عبئا على الامم المتحدة في توفير المساعدات والمعونات الانسانية لهؤلاء المدنيين النازحين,وكذلك الامر عدم قدرة الامم المتحدة على توفير ممرات امنة لهم او مناطق معزولة تقع تحت حماية مجلس الامن الدولي.اضافة الى صعوبة علاج الجرحي هناك وعدم توفرالطعام وحليب الاطفال و الادوية الكافية لهم وللمدنيين هناك.
واخيرا يمكن القول ان من اسباب عدم تطبيق القانون الدولى الانسانى على سوريا,قد جاء بسبب الاطراف الدوليين الذين يدعمون النظام السورى الحاكم بالحديد والنار وعلى راسهم روسيا والصين وايران الخ
وكذلك الامر ضرورة موافقة ما يسمي باسرائيل على الضربة العسكرية للنظام السورى,وايضا الضبابية في عدم معرفة الجهه التى سوف تتسلم الحكم فى سوريا بعد سقوط نظام الاسد,لاسيما وانة هو الذي حافظ على الهدوء في هضبة الجولان ولم تخرج ولو طلقة واحدة منذ ان احتلتها اسرائيل.اضافة الى رغبة الاخيرة في ضرب المفاعل النووى الايرانى ومحاولة كسب الوقت لتوجية ضربة رباعية في المنطقة تكون الى ايران والنظام السوري وحزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة وذلك بموافقة ومباركة ومشاركة امريكية ولكن بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في امريكيا وضمان وصول الرئيس اوباما لفترة ثانية مقابل ذلك.
ومن ناحية اخري لابد من استحضار الدور التركى بصفتة الدولة الجارة الى سوريا والذي يشترك معها ب800 كيلو متر على الحدود السورية التركية,اضافة الى رغبة تركيا فى الحفاظ على الهدوء والامن على حدودها,لاسيما وانها تعانى من مشاكل سياسية وعسكرية مع الحزب الكردستانى المعارض.البكاكا والذي يتزعمة عبدالله اوجلان الذي قامت سوريا باعتقالة على اراضيها وتسليمة الى تركيا.اضافة الى الخلاف القائم بين سوريا وتركيا على الحدود بسبب لواء الاسكندرونة المسيطر علية من تركيا.وكذلك مشكلة المياة بينهما.ناهيك عن ان تركيا لها دورا بارزا بصفتها عضوا فى حلف الناتو,وبالتالى هى قوة مؤثرة في المنطقة,ولديها اطماع بفرض هيمنتها وصعود نفوذها على حساب ايران وحلفائها السياسين.
واخيرا فاننا على يقين بان سقوط النظام السوري هو مسالة وقت,وان الامم المتحدة سوف تتدخل بقوة لتطبق القانون الدولي الانسانى عليها,,كما سبق وان طبقتة فى ليبيا وفي صربيا وفى دول عديدة.
وشكرا
بقلم : د.عبد الحكيم سليمان وادي
رئيس مركز راشيل كوري الفلسطيني لحقوق الانسان ومتابعة العدالة الدولية
إعادة نشر بواسطة محاماه نت
اترك تعليقاً