دراسة وبحث قانوني عن إجرام المرأة ودور المؤسسات السجنية في إعادة تأهيلها
الباب الأول : الظاهرة الإجرامية عند المرأة
إن دراسة أي ظاهرة إجرامية تقتضي الوقوف عند حركية الإجرام وما يطرأ عليها من تغيير باختلاف الزمان والمكان، وذلك لمعرفة أماكن تمركز هذه الظاهرة وطبيعة الجماعات الإنسانية التي تتفشى فيها، وبالتالي العوامل التي تساهم فيها والظروف التي أدت إلى انتشارها في فترة زمنية معينة وانحسارها في فترات زمنية أخرى ( ). ولتحقيق ذلك لابد من اتباع أساليب البحث العلمي في دراسة الظاهرة الإجرامية. ويعتبر أسلوب البحث الإحصائي أهم طرق البحث العلمية هذه، حيث يقوم على إحصاء محمل الأفعال التي تشكل انتهاكات لنصوص القانون الجنائي داخل بقعة جغرافية م وخلال فترة زمنية معينة،( ) وفي إطار هذا الأسلوب يمكن التمييز بين أسلوب الإحصاء المحتل الذي يعتمد على دراسة الجريمة في بعديها الكمي والنوعي في أوقات مختلفة ولكن في بقعة جغرافية واحدة، وبين الإحصاء الثابت الذي يقوم في نطاقه الباحث بدراسة الجريمة على الصعيد الكمي والنوعي في فترة زمنية معينة، وفي عدة بقع جغرافية مختلفة.
وفي دراستنا للظاهرة الإجرامية عند المرأة اعتمدنا على أسلوب الإحصاء المتحرك، حيث قمنا بتتبع حركية الإجرام عندها في منطقة مكناس خلال سنة 2004 وذلك بالاعتماد على الإحصائيات الجنائية الصادرة عن المحاكم وعن الشرطة، رغم أنها تبقى قاصرة عن تحديد الحجم الحقيقي للإجرام بالنظر إلى أن هناك جرائم ترتكبها النساء ولا تصل إلى علم الشرطة، إضافة إلى الأخطاء التي قد تشوب المعطيات الرقمية لهذه الإحصائيات، إلا أنها ستمكننا من تحديد الفرق الحاصل بين إجرام المرأة وإجرام الرجل من ثم أنواع الجرائم التي ترتكبها المرأة في هذه المنطقة، ومدى اختلاف هذه الجرائم بين المدينة والقرية.
وعليه سنخصص الفصل الأول لدراسة أنواع جرائم النساء على أن نتطرق في الفصل الثاني لتطور إجرام المرأة واختلافه عن إجرام الرجل.
الفصل الأول: أنواع جرائم النساء
يمكن التمييز في إطار أنواع جرائم النساء بين الجرائم الخاصة وهي تلك الجرائم التي يشيع ارتكابها من طرفهن، و الجرائم العامة وهي الجرائم التي يستوي في ارتكابها بين الرجل و المرأة .
وعلى هذا الأساس سنقوم بدراسة الجرائم الخاصة في فرع أول مخصصين فرعا ثانيا لدراسة الجرائم العامة.
الفرع الأول: الجرائم الخاصة
يكشف واقع الظاهرة الإجرامية أن النساء يرتكبن أنواعا معينة من الجرائم يرتكبها الرجال بنسبة أقل كقتل المواليد، الإجهاض، الفساد، السحر والشعودة، التسول …
وهي جرائم ترتبط بالطبيعة الأنثوية للمرأة سواء من الناحية البيولوجية أو الفيزيولوجية، أو من ناحية وضعها الاجتماعي.
وتجدر الإشارة إلى أن أغلب هذه الجرائم يدخل في إطار ما يسمى بالإجرام الخفي، ذلك أنها لا تصل إلى علم الشرطة، وإن كانت موجودة على أرض الواقع، ومن ثم لا تدرج ضمن الإحصائيات الجنائية.
في منطقة مكناس مثلا خلال سنة 2004 لم يتم تسجيل أية جريمة في مجال السحر والشعوذة أو التسول أو الإجهاض، بينما سجلت 33 جريمة خيانة زوجية لدى الشرطة 6 يصل منها إلى المحكمة إلا جريمتين ( ) وذلك لكون المتابعة لا تتم إلا استنادا على شكوى من الزوج.
وعلى اعتبار أن جريمة الفساد تدخل في نطاق الجرائم الخاصة، إضافة إلى أنها سجلت أعلى نسبة بين الجرائم المرتكبة فإننا سنتناولها في مبحث أول على أن نتطرق لجريمة الخيانة الزوجية في مبحث ثاني وجريمة الإجهاض في مبحث ثالث وأخيرا لجريمة قتل الأم لولدها في مبحث رابع.
المبحث الأول: جريمة الفساد
يعد الزواج العلاقة القانونية الوحيدة المعترف بها للتعايش الجنسي، وهو اتجاه ولاشك يتفق مع الشريعة الإسلامية التي وقفت من الزنى موقفا صارما حرصا منها على صيانة مؤسسة الأسرة ونظامها.
والمشرع المغربي وانطلاقا من مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص –الفصل 3 من القانون الجنائي- فإنه خص جريمة الفساد بفصلين هما الفصل 490 والفصل 493. ينص الفصل 490 على أن: “كل علاقة جنسية بين رجل وامراة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة فساد ويعاقب عليها بالسجن من شهر واحد إلى سنة” وينص الفصل 493 على أن: “الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490 و 491 لا تثبت إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناءا على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي” وانطلاقا من ذلك نرى ضرورة الحديث عن الركن المادي والركن المعنوي لجنحة الفساد وذلك في مطلبين:
المطلب الأول: الركن المادي
يتحقق الركن المادي في جريمة الفساد بمواقعة رجل لامرأة دون أن يكونا مرتبطين بعلاقة زوجية، ويدخل في ذلك أن لا يكون الجماع قد حصل أثناء فترة العدة من طلاق رجعي حيث يعتبر الوقاع إذ ذاك بمثابة استرجاع الرجل للمرأة المطلقة إلى عصمته.
وإذا كان مفهوم العلاقة الجنسية ينصرف إلى المواقعة الطبيعية بين الرجل والمرأة، إلا أنه يبدو تفسيره بشكل أوسع بحيث يشمل كذلك إتيان المرأة من الخلف، لأن القانون الجنائي عندما عاقب على الشذوذ ****** م 489 ق ج اقتصر فيه على الحالة التي يكون فيها بين شخصين من *** واحد، أي بين رجلين أو بين امرأتين( ).
ولا ينبغي أن يكون أحد الطرفين على الأقل متزوجا لأنه إذا كان واحد منهما كذلك يتغير تكييف الجريمة فيصبح خيانة زوجية عوض فساد، المادة 491 ق ج، كما لا ينبغي أن يكون أحد الطرفين قاصرا حيث يكون الوصف الإجرامي أشد وذلك بان يكون هذا الوصف هو المس بعرض سواء كان بعنف –المادة 484- أو بدون عنف- المادة 485- أو يكون هذا الوصف هو الاغتصاب أي متى كانت المواقعة بدون موافقة المرأة و هذا الأخير لا يدخل في إلإطار الحديث عن الجرائم التي ترتكبها النساء بل ما تتعرض له هذه الأخيرة من جرائم.
المطلب الثاني: الركن المعنوي:
باعتبار الجريمة هي جريمة عمدية فإنه وجب توفر القصد الجنائي أي إدراك الفاعل حقيقة تصرفه بأن الطرف الآخر لا تربطه به علاقة زواج.
فإذا تحقق القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة في الحدود السابقة قام الركن المعنوي في الجريمة ووجب مسائلة الفاعلين وعقابهم طبقا للمادة 490 من القانون الجنائي بعقوبة تتراوح بين شهر واحد وسنة، ما لم يكيف فعلهما تكييفا يؤدي إلى تغليظ العقوبة عليهما، أما إذا انتفى القصد الجنائي لغلط أو جهل في واقعه وجود رابطة الزوجية بين الطرفين، فإن جريمة الفساد أو أية جريمة أخرى لا تقوم بالنسبة للذي انتفى القصد الجنائي لديه.
وباعتبار جريمة الفساد جنحة فإنه لا يعاقب على محاولة الجنحة إلا بمقتضى نص خارج في القانون –الفصل 115 ق ج – وحيث لا وجود لنص قانوني يعاقب على المحاولة في جريمة الفساد فإنه لا يسائل من حاول ارتكاب هذه الجريمة، لكن كيف يتم إثبات هذه الجريمة؟
إثبات جنحة الفساد:
تنصل المادة 93 من ق ج: “الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490 و 491 لا تثبت إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي”
وعليه فالمشرع خرج عن مبدأ حرية الإثبات الجنائي المنصوص عليه في المادة 286 وفرض على القاضي وسائل محددة لإثبات جريمتي الفساد والخيانة الزوجية وهذه الوسائل هي:
1-محضر ضابط الشرطة القضائية الذي يحرره في حالة التلبس:
وقد حدد قانون المسطرة الجنائية حالات التلبس حصرا في المادة 56 وانطلاقا من ذلك ومن الفصل 493 ق ج ينبغي أن يكون ضابط الشرطة هو نفسه الذي عاين تنفيذ الأفعال المادية للجريمة أو ضبط الجاني إثر إنجاز الفعل أو حاملا لإمارات أو آثار تثبت ارتكابه للفعل، وهذا لا يتأتى في حالة ضبط الجاني مطاردا بصياح الجمهور دون أن تكون عليه آثار وإمارات تؤكد ارتكابه جريمة الفساد، إذ في هذه الحالة وحيث لا يوجد اعتراف من الجاني المطارد بذلك فلا سبيل إلى التأكد من الأفعال المادية المنسوبة للمطارد إلا عن طريق الشهود، الأمر الذي يؤدي في الأخير إلى إثبات هذه الجريمة بالشهود.
والمحكمة هي التي تستخلص حالة التلبس من الواقع الواردة في المحضر أي أن الضابط يكتفي بتسجيل الوقائع كما شاهدها، وتبقى للمحكمة الصلاحية في استخلاص مدى دلالة هذه الوقائع على ارتكاب الجريمة وبالتالي تقرير وجود حالة التلبس أو عدم وجودها.
2-الاعتراف المكتوب:
وهو أن يحرر المتهم اعترافا بارتكابه الجريمة سواء كتبه بخط يده أو أملاه على غيره على أن يوجد ما يثبت أنه هو من كتب بالفعل أو هو من أملى ذلك بالفعل كأن يذيل اعترافه بإمضائه.
ويخضع الإثبات المكتوب هو الآخر في قيمته الإثباتية للسلطة التقديرية للمحكمة مثل ما تفعل في الاعتراف القضائي في سائر الجرائم.
3-الاعتراف القضائي:
ويقصد به الاعتراف الصادر عن المتهم في الجلسة العمومية ويعد الاعتراف القضائي أرقى الأدلة وأكثرها اعتمادا من طرف المحكمة كلمتا كان صريعا منصبا على وقائع الجريمة ذاتها دون غموض أو إبهام.
ومع ذلك فللقاضي أن يعمل بهذا الاعتراف أم لا طبقا للمادة 286 من ق م ج حيث يحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناعه (القاضي) بالأسباب الواقعة والقانونية التي ينبني عليها الحكم أو القرار أو الأمر ولو في حالة البراءة.
وفي الأخير نشير إلى أنه لا يمكن إثبات جريمة الفساد والخيانة الزوجية إلا بما هو منصوص عليه في المادة 493 من ق ج حيث تنص المادة 286 ق م ج ( ): “يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات ما عدا في الأحوال التي تقضي القانوني فيها بخلاف ذلك”.
اترك تعليقاً