دراسة وبحث هام عن حماية الأسرى بين القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية
القاضي/ أحمد محمد عبد العظيم الجمل
تتناقل وكالات الأنباء ما يجري كل يوم ضد الإنسانية من مآس مؤسفة تنتهك فيها الأعراض، ويستباح فيها دماء الأبرياء في مشارق الأرض ومغاربها، وهو ما جعل الدول تزيد من اهتمامها بحقوق الإنسان – في السلم والحرب – فتقوم بإبرام اتفاقيات كثيرة في محاولة منها للحد من هذه الانتهاكات، كما تعقد المؤتمرات والندوات الدورية بحثا عن حلول لما أفرزه الواقع العملي من مشكلات، ولعل من آخرها: المؤتمر الإقليمي العربي الذي انعقد في القاهرة (14-16 نوفمبر 1999) بمناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي لاتفاقيات جنيف 1949، وكذلك مؤتمر أثينا في 27/1/2001 والذي أوصي بضرورة إنشاء محكمة دولية لمحاكمة مجرمي البيئة، مما حث الحكومات على اتخاذ إجراءات وقائية لمنع الأضرار بالبيئة. وكذلك ندوة حقوق الإنسان العالمية بالرياض والتي نظمتها أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية في مطلع فبراير من عام 2001.
وقد أدت هذه الاتفاقيات إلى إعمال الفكر في القواعد التي تحكم الحرب وتنظمها من حيث بدايتها وكيفية نشأتها، وحقوق الأفراد في حالة الحرب، فمنهم من أرجعها إلى القرن التاسع عشر، ومنهم من أرجعها إلى القرون الوسطي، ومنهم من أرجعها إلى الرسالات السماوية وعلى رأسها الإسلام. ولا شك أن الله قد شرع للإنسانية دينا واحدا، في جوهره وأصوله، لم يتغير بتغير الأنبياء، ولم يتبدل باختلاف الأزمنة والعصور، فأساسه توحيد الله والإخلاص له، ودعائمه العدالة بين الناس وتنظيم العلاقة بين الفرد والجماعة وتربية الضمير الديني ليكون بين الناس قانونا يحكم ويلزم، ويراقب ويحاسب ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ﴾ الشورى: 13. الكتب المساوية كتاب واحد تعددت أبوابه لكن توحدت أهدافه ومراميه ، اختلفت أساليبه، لكن اتفقت دلالاته ومعانيه ولأن الشريعة الإسلامية هي الدين الخاتم والدعوة العالمية التي كتب الله لها الخلود – ما دامت السماوات والأرض – فهي صالحة لكل زمان ومكان. والإسلام جاء تكريما للإنسانية فقد اشتمل على مبادئ هامة :
أقامت نظاما اجتماعيا هو نموذج لكل مجتمع إنساني ، أرست أصولا يجب أن تتوافر لتحفظ للمجتمع تماسكه وقدرته على النمو، وأهم هذه المبادئ ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ الإسراء: 70. فالإنسان هو المخلوق الذي سواه الله تعالي بيديه ونفخ فيه من روحه وبين من قديم الأزل أنه ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ الإسراء: 15. وأن الرسول أرسل إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ سبأ : 28، وأن الناس خلقوا من ذكر وأنثي وجعلوا شعوبا وقبائل ليتعارفوا ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ الحجرات : 13 وأن الأفضلية مردها للتقوى .
والحرب: هي أفظع الأعمال البشرية، فهي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ ، فقد نشأت مع بداية الخليقة ، بل وقبلها فقد قالت الملائكة لله أن خليفته سوف يفسد في الأرض ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ البقرة: 30 كما أن أبناء آدم قد قتلا بعضهما البعض ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 27 لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ 28 إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ 29 فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ المائدة 27 – 30.
لقراءة البحث كاملا اضغط للتحميل
اترك تعليقاً