الدفوع الموضوعية في الدعاوى المدنية
الاستاذة/ مها عبد المنعم إسماعيل عيد
خطة البحث
مقدمة
أولاً: تعريف الدفوع
ثانياً: أمثلة للدفوع الموضوعية
ثالثاً: خصائص الدفوع الموضوعية
رابعاً: مظاهر الاختلاف بين الدفع الموضوعي ودعوى المدعى عليه [الطلب العارض]
خامساً: تكييف الدفع الموضوعي
سادساً: إثبات الدفع
قائمة المراجع
مقدمة
إن حق اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالحماية القانونية للحق مكفول لكل فرد بمقتضى صريح نص الدستور يمارسه بمقتضى الوسائل والإجراءات القانونية، فالمادة 97 من دستور 2014 تقضي بأن ” التقاضي حق مصون ومكفول للكافة. وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، وتعمل على سرعة الفصل في القضايا، ويحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي”.
وتشكل الدعوى الوسيلة القانونية لممارسة حق التقاضي ولكن استعمالها للمطالبة القضائية لم يتركه المشرع لإرادة الفرد وإنما أحاط استعمال هذا الحق بشروط استوجب توافرها في الدعوى وأطرافها والحق المدعى به.
فالحق في الدعوى يثبت كقاعدة عامة لصاحب الحق الموضوعي المعرض للاعتداء عليه أو الذي اعتدي عليه فعلاً. وبمقتضى الحق في الدعوى يستطيع الشخص اللجوء إلى القضاء ويستخدم في هذا اللجوء إجراءات حددها المشرع الإجرائي على سبيل الحصر والتي يعد من أهمها الدفوع.
فإذا كانت الدعوى هي عبارة عن حق إجرائي يخول لصاحبه آلية طرح ادعاء معين على القضاء عن طريق الطلبات القضائية التي رمي بموجبها إلى الحصول على الحماية القضائية لهذا الادعاء، فإن المدعى عليه له الحق في دفع هذا الطلب بالعديد من الدفوع التي قد ترمي إلى تعطيل ادعاء المدعى أو منح الحكم له كله أو بعضه أو رفضه أو الحكم بعدم قبوله أو بعدم صحة الإجراءات التي اتخذها أو سقوط حقه فيها أو اعتبارها كأن لم تكن.
أولاً: تعريف الدفوع
الدفع لغة: الدفع لغة مادة ” دفع ” فيقال دفع إليه شيئاً ودفعه فاندفع وتعني قطع. كما تعني أسرع فيقال اندفع أي أسرع في سيره. كما تعني درء الشر، فيقال دافع الله عنك السوء أي طلب منه درء السوء.
الدفع اصطلاحا وقانوناً: يعرف جمهور الفقهاء الدفوع بأنها جميع وسائل الدفاع التي يجوز للخصم أن يستعين بها للإجابة على دعوى خصمه لإثبات أن ادعاءه على غير أساس، ذلك بقصد تفادي الحكم لخصمه بما يدعيه، سواء كانت هذه الوسائل موجهة إلى الخصومة أو بعض إجراءاتها أو موجهة إلى أصل الحق المدعى به أو إلى سلطة الخصم في استعمال دعواه.
وقد عرفت محكمة النقض الدفع في اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية بقولها: ” الدفع في اصطلاح الفقهاء هو دعوى من قبل المدعى عليه أو ممن ينتصب المدعى عليه خصماً عنه يقصد به دفع الخصومة عنه أو إبطال دعوى المدعى بمعنى أن المدعى عليه يصير مدعياً إذا أتى الدفع ويعود المدعى الأول مدعياً ثانياً “.
[الطعن رقم 21-لسنة 44 ق، تاريخ الجلسة 7 / 4 / 1976]
يذهب جمهور الفقهاء إلى أن الدفع الموضوعي هو الإجراء الذي يتقدم به المدعى عليه إلى القضاء لإثبات أن ادعاء خصمه على غير أساس. فالدفع الموضوعي إذن هو كل ما يعترض به المدعى عليه على الحق المطلوب حمايته. وهذا التعريف يتفق وتعريف الذي ساقته محكمة النقض في أحكامها فقررت أن (الدفع الموضوعي هو الذي يوجه إلى الحق موضوع الدعوى بهدف الحصول على حكم برفضها كلياً أو جزئياً).
والدفوع الموضوعية متعددة لا يمكن حصرها وإنما تثار وتستخلص من معطيات النزاع المطروح. وبهذا يمكن أن يأخذ الدفع وضعا إيجابيا أو سلبيا، فالدفع الإيجابي يستوجب على مقدمه التدليل على ادعائه المضاد. فالدفع بانقضاء الدين بالوفاء يستوجب تقديم بيان بالمخالصة. إما الدفع السلبي فمرده ذلك الموقف السلبي الذي يتخذه المدعى عليه والذي يتمثل في مجرد إنكار الوقائع المدعى عليها كإنكار العلاقة بين الضرر والخطأ.
هذا الدفع يشمل ما يأتي: –
1 – إنكار الوقائع المنشئة التي تمسك بها المدعى كأساس لطلبه، أو إنكار الآثار القانونية التي ينسبها المدعى إلى هذه الوقائع، كما لو أنكر المدعى عليه – في دعوى دائنيه – العقد مصدر الالتزام، أو أنكر أنه يلتزم – كما هو مدعى به – وفقاً لهذا العقد.
2-التمسك بواقعة معاصرة للواقعة التي يثيرها المدعى كأساس لحقه، ويكون من شأن ذلك الحيلولة دون ترتيب واقعة الدعوى لآثارها كلها أو بعضها. ومثال ذلك تمسك المدعى عليه بصورية العقد أو بإبطاله للغلط.
3-التمسك بواقعة من شأنها إنهاء آثار الواقعة للحق الذي يدعيه المدعى، كالتمسك بالوفاء أو بتقادم حق المدعى أو بسقوطه.
ثانياً: أمثلة للدفوع الموضوعية
1-الدفع بالتقادم.
وفى هذا قضت محكمة النقض بأن: [إذا كان مقتضى الفقرة الثانية من المادة 386 من القانون المدني أنه إذا سقط الحق بالتقادم سقطت معه الفوائد وغيرها من الملحقات ولو لم تكتمل مدة التقادم الخاصة بهذه الملحقات وكانت المبالغ الإضافية من فوائد وغرامات موضوع الطعن تعتبر من ملحقات الحق الأصلي وهو دفع الاشتراكات الذي يسقط بالتقادم، فإن تلك المبالغ الإضافية تسقط هي الأخرى مع هذا الحق].
[طعن رقم 194 لسنة 41 ق، جلسة 14/11/1976]
وكذلك قضت محكمة النقض بأن: [الدفع بالتقادم هو دفع موضوعي يجوز إبداؤه في أية حالة كانت عليها الدعوى ولأول مرة في الاستئناف والنزول عنه لا يفترض ولا يؤخذ بالظن].
[طعن رقم 231 لسنة 32 ق، جلسة 18/5/1966]
2-الدفع بانفساخ العقد.
وفى هذا قضت محكمة النقض بأن: [من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يشترط لاستعمال الدفع بعدم التنفيذ تطبيقاً لنص المادة 161 من القانون المدني أن يكون الالتزام الذي يدفع بعدم تنفيذه مستحق الوفاء أي واجب التنفيذ حالاً، فإذا كان العقد يوجب على أحد العاقدين أن يبدأ بتنفيذ التزامه قبل المتعاقد الآخر فلا يحق للمتعاقد المكلف بالتنفيذ أولاً أن ينتفع بهذا الدفع].
[طعن رقم 1432 لسنة 48 ق، جلسة 23/5/1982]
3-دفع الأم دعوى إنكار النسب بأنها رزقت بالصغير على فراش الزوجية.
وفى هذا قضت محكمة النقض بأن: [متى كان الواقع في الدعوى أن المطعون عليه الأول أقامها منكراً نسب ابنة الطاعنة إليه فدفعتها هذه الأخيرة بأنها رزقت بها منه على فراش زوجية حرر بها عقد عرفي فقد منها ولما كان الدفع في اصطلاح الفقهاء هو دعوى من قبل المدعى عليه أو ممن ينتصب المدعى عليه خصماً عنه يقصد بها دفع الخصومة عنه أو إبطال دعوى المدعى، بمعنى أن المدعى عليه يصير مدعياً إذا أتى بدفع ويعود المدعى الأول مدعياً ثانياً عند دفع الدفع، فإن ما جرى عليه الحكم المطعون فيه من التحقيق من ثبوت الزوجية بالفراش ومن تكليف الطاعنة إثبات توصلاً لثبوت النسب باعتبارها مدعية فيه مع أن الدعوى مقامة أصلاً بإنكار النسب من المطعون عليه الأول، يتفق مع المنهج الشرعي السليم].
[طعن رقم 29 لسنة 39 ق احوال شخصية، جلسة 26/2/1975]
4-الدفع بصورية العقد المحتج به
وفي ذلك قضت محكمة النقض بأن الدفع بعدم جواز إثبات المشتري صورية شخص البائع بالبينة لمخالفة ذلك للثابت بالعقد -هذا الدفع يجب التمسك به أمام محكمة الموضوع وإلا سقط الحق في التحدي به أمام محكمة النقض.
[الطعن رقم 14-لسنة 19 ق، جلسة 28 / 12 / 1950]
5-الدفع بانقضاء الدين بالوفاء أو بالمقاصة
وفي هذا قضت محكمة النقض بأن :[ إذا توافرت شروط المقاصة القانونية بأن كان الالتزام المقابل مستحق الأداء وليس محلاً للمنازعة في الوجود أو المقدار وتمسك بها من له مصلحة فيها أحدثت أثرها بقوة القانون، ووجب على القاضي الحكم بها. وكان للمدين أن يتمسك بها باعتبارها دفعاً موضوعياً ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف إذ ليس من شأن هذا الدفاع أن يغير من موضوع الدعوى المطروحة].
[الطعن رقم 279-لسنة 67 ق ، جلسة 25 / 5 / 1998]
6-الدفع بعدم خضوع النزاع للنص القانوني المؤسس عليه الطلب
7-الدفع بسقوط الحق في الشفعة
وفي هذا قضت محكمة النقض بأن [الدفع بسقوط الحق في الشفعة لسبب من الأسباب الواردة في باب الشفعة هو دفع موضوعي وارد على ذات الحق المطالب به، ومن ثم فإن الحكم الصادر بقبوله أو برفضه يكون حكما صادرا في الموضوع مما يطعن فيه على استقلال في الميعاد القانون والإصدار نهائيا وحاز قوة الأمر المقضي.
[طعن رقم 65 لسنة 36، جلسة 23/4/1970]
8-الدفع ببطلان الحوالة
وفي هذا قضت محكمة النقض بأن [الدفع ببطلان الحوالة لعدم رضاء المدين بها والتمسك بعدم جواز إثبات هذا الرضا بغير الكتابة لا يعتبر طلبا جديدا مما تنهى المادة 401 من قانون المرافعات عن تقديمه لأول مرة في الاستئناف بل هو دفع موضوعي يجوز إبداؤه في أية حالة كانت عليها الدعوى.
9-الدفع بعدم دستورية القوانين واللوائح
تنص المادة 29 من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا على أن تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي: [ب] إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع بجدى أجلت نظر الدعوى وحددت لمن آثار الدفع ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن].
والدفع بعدم الدستورية من الدفوع الموضوعية المتعلقة بإرساء القاعدة القانونية الواجبة التطبيق، ويبدى في أية حالة تكون عليها الدعوى، ولكنه لا يتعلق بالنظام العام، ولا يجوز إثارته لأول أمام محكمة النقض.
وقد قضت محكمة النقض بأن [المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المحكمة الدستورية العليا هي المختصة دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح وأن الدفع بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة غير متعلق بالنظام العام ومن ثم فلا يجوز لصاحب الشأن بإثارته أمام محكمة النقض ما لم يكن أبداه أمام محكمة الموضوع].
[طعن رقم 79 لسنة 54 ق أحوال شخصية، جلسة 26/1/1988]
ثالثاً: خصائص الدفوع الموضوعية
1-الدفوع الموضوعية غير واردة على سبيل الحصر، ذلك أن حصرها غير ممكن فهي تختلف في كل دعوى عن الأخرى باختلاف ظروفها وما يراه المدعى عليه محققاً لصالحه في الدعوى.
2-لا يوجد ترتيب معين يجب التزامه عند التمسك بالدفوع الموضوعية أمام المحكمة فلا يؤدى تأجير أحدها إلى سقوط الحق فيها، فيجوز للمدعى عليه التمسك بها وفق مصلحته، فيجوز له التمسك بها معاً أو تباعاً.
وإذا أقفل باب المرافعة في الدعوى وأعيد فتحه، جاز للمدعى عليه التمسك بالدفوع الموضوعية وحكمة ذلك أن الدفع الموضوعي يرمى إلى إهدار ادعاء المدعى، ومن ثم يجب تمكين المدعى عليه من إبدائه أمام المحكمة في أي لحظة قبل صدور الحكم.
3-أنه يجوز التمسك بالدفع الموضوعي في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو أمام محكمة ثاني درجة. كما يجوز إبداء هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض إذا تصدت هذه المحكمة لنظر الموضوع في حالة ما إذا كان الطعن بالنقض للمرة الثانية [م 269/4 مرافعات] سواء كان الدفع متعلقاً بالواقع أو متعلقاً بالقانون.
أما في غير هذه الحالة فلا يجوز إثارة الدفوع الموضوعية أمام محكمة النقض إلا إذا اعتبرت من وسائل القانون البحت، مثال ذلك الادعاء بمخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه دون المنازعة في وقائع الادعاء. أما الدفوع الموضوعية التي تثير مسائل واقعية، أو التي يختلط فيها الواقع بالقانون وتقتضي من محكمة النقض بحثاً لمسائل واقعية، فلا يجوز طرحها لأول مرة أمام محكمة النقض.
وفى هذا قضت محكمة النقض بأن:
[أ] الدفع بالتقادم المسقط لا يتعلق بالنظام العام وينبغي التمسك به أمام محكمة الموضوع في عبارة واضحة جلية لا تحتمل الإبهام، كما لا يجوز التمسك لأول مرة أمام محكمة النقض بتملك العقار بالمدة الطويلة المكسبة للملكية باعتباره سبباً جديداً لا يقبل التحدي به أمامها لأول مرة.
[طعن رقم 488 لسنة 48 ق، جلسة 3/6/1982]
[ب] إذا كان التقادم لا يتعلق بالنظام العام ويجب التمسك به أمام محكمة الموضوع فإن ما أثاره الطاعن بسبب النعي من انقضاء حق المطعون ضدها الأولى في رفع الدعوى لمضى أكثر من سنة على تاريخ سلب الحيازة – يكون دفاعاً جديداً لم يسبق له التمسك به أمام محكمة الموضوع فلا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
[طعن رقم 681 لسنة 54 ق، جلسة 26/3/1987]
4-أن الحكم الذي يصدر في الدعوى بقبول الدفع الموضوعي يعتبر حكماً في الموضوع منهياً للنزاع على أصل الحق الذي رفعت به الدعوى، ولذلك يحوز هذا الحكم حجية من حيث موضوع الدعوى تمنع من تجديد النزاع أمام القضاء. فإذا رفع دائن دعوى مطالباً بدين ودفعها المدعى عليه بانقضاء الدين بالتقادم وحكمت المحكمة بقبول الدفع، فلا يجوز للدائن أن يعيد تجديد النزاع أمام القضاء.
5-إذا ابدى الخصم دفعاً موضوعياً فيعتبر أنه تكلم في موضوع الخصومة، والحكم بقبوله أو رفضه يعتبر صادراً في أصل الدعوى، فإذا استؤنف الحكم صار موضوع الدعوى برمته معروضاً على محكمة الدرجة الثانية، ويكون لها أن تستكمل أوجه التحقيق التي لم تقم بها محكمة أول درجة وأن تقضى في موضوع الدعوى، فلا يجوز لها إن هي ألغت الحكم الابتدائي أن تعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل فيها من جديد.
وفي هذا قضت محكمة النقض بأن: [قضاء محكمة أول درجة بعدم قبول دعوى التعويض لرفعها قبل الأوان استناداً إلى أن الحكم الجنائي لم يصبح باتاً، قضاء في الموضوع تستنفذ به المحكمة ولايتها، استئناف هذا الحكم يطرح الدعوى برمتها على محكمة الاستئناف، إلغاء محكمة الاستئناف للحكم المستأنف، أثره. وجوب الفصل في موضوعها دون إعادتها لمحكمة أول درجة].
[طعن رقم 2545 لسنة 56 ق، جلسة 27/4/1989]
6-الأصل أن يبدى الخصم ما يشاء من دفوع موضوعية وذلك إعمالاً لحقه في الدفاع. غير أن المشرع قد يقيد هذا الأصل بنص خاص. ومثال هذا، أنه قد منع المدعى عليه في دعوى الحيازة من إبداء الدفع فيها استناداً إلى أصل الحق، أي قرر عدم قبول الدفع.
رابعاً: مظاهر الاختلاف بين الدفع الموضوعي ودعوى المدعى عليه [الطلب العارض]
يختلف الدفع الموضوعي عن دعوى المدعى عليه [الطلب الموضوعي الذي يقدم من المدعى عليه في صورة طلب عارض] في عدة أمور:
1-أن المدعى عليه يرمى من الدفع الموضوعي إلى تفادى الحكم للمدعى بمطلوبه دون أن يقصد الحصول منها على مزية خاصة، ففي دعوى التعويض مثلاً إذا دفع المدعى عليه بتقادم الدعوى فهو يبدى دفعاً موضوعياً، أما إذا طالب المدعى بتعويض الضرر الذي لحقه بسبب خطأ المدعى يكون قد تقدم بطلب عارض.
2-أن الحكم بقبول الدفع الموضوعي ينهى النزاع على أصل الحق، أما الحكم بقبول الطلب العارض فقد ينهى النزاع في الدعوى الأصلية في بعض الأحوال كما إذا طلب المدعى عليه فسخ عقد في دعوى مرافعة بطلب تنفيذه، وقد لا يحسم النزاع كما إذا ادعى المدعى عليه بطلب مرتبط بالدعوى الأصلية، وقبول دعاوى المدعى عليه يوسع نطاق الخصومة في جميع الأحوال، بينما قبول الدفوع الموضوعية يؤدى إلى حسم النزاع على ما قدمناه.
3-أن الدفوع التي تبدى في دعوى تختص بها المحكمة التي تنظر هذه الدعوى باعتبار أن قاضى الأصل هي قاضى الفرع. لا يستثنى من هذه القاعدة إلا الدفوع التي يجعل المشرع الاختصاص بها لمحكمة أخرى كالدفع بعدم الدستورية.
أما الطلبات فيجب أن تكون جميعها من اختصاص المحكمة التي أقيمت أمامها، ويستثنى من هذه القاعدة الطلبات التي ينص المشرع على جعل الاختصاص بها للمحكمة التي تنظر الدعوى الأصلية في جميع الأحوال. ومثال هذه الطلبات العارضة والمرتبطة بالنسبة للمحاكم الابتدائية [مادة 47 مرافعات].
4-أن الدفوع التي تبدى في الدعوى لا تقدر قيمتها باعتبار أن العبرة في هذا التقدير بالطلبات القضائية فحسب.
5-أن الدفوع تعتبر مطروحة على المحكمة الاستئنافية نتيجة لرفع الاستئناف ما لم يتنازل عنها الخصم، أما الطلبات فلا تبدى لأول مرة في الاستئناف كقاعدة عامة.
6-أن حجية الأحكام الصادرة في الدفع ليس لها الحجية إلا بالنسبة للدعاوى التي أبديت فيها أما حجية الأحكام الصادرة في الطلبات فهي تتوافر بالنسبة للدعوى التي صدر فيها الحكم والدعاوى التي قد تقام بذات الطلب أو بمسألة مرتبطة به.
7-أن الطلب بحسب موضوعه يكون موضوعياً إذا قصد به المدعى الحصول على الحماية القانونية بصفة نهائية، ويكون وقتياً إذا قصد به اتخاذ إجراء مؤقت أو الحصول على الحماية القانونية بصفة مؤقتة. أما الدفع فلا يكون وقتياً وإنما يبديه المتمسك به لحسم النزاع في موضوعه بصفة نهائية دائماً.
8-أن التنازل عن الدفع صراحة بعد إبدائه لا تقع فيه إجراءات ترك الخصومة خلافاً للطلبات.
غير أنه يلاحظ أن الادعاء موضوع الدفع قد يبدى بطلب والعكس، ولا يستثنى من ذلك إلا الحالات التي يجب استعمال الدعوى بطريق معين سواء بالطلب كطلب المقاصة القضائية أو بالدفع كالدفع بعدم الدستورية والدفع بالتقادم المكسب.
9-أن الدفع لا يتقادم أما الدعوى فيرد عليها التقادم.
وفى هذا قضت محكمة النقض بأن “وإن كانت دعوى البطلان المطلق تسقط بمضي خمس عشرة سنة إلا أن الدفع بهذا البطلان لا يسقط بالتقادم أبدا ذلك أن العقد الباطل يظل معدوماً فلا ينقلب مع الزمن صحيحاً وإنما تتقادم الدعوى به فلا تسمع بعد مضى المدة الطويلة، أما إثارة البطلان كدفع ضد دعوى مرافعة بالعقد الباطل فلا تجوز مواجهته بالتقادم، لأنه دفع والدفوع لا تتقادم، فإذا كان الحكم قد انتهى إلى بطلان سند الدين بطلاناً مطلقاً فإن ذلك يكفى لتقرير نتيجته اللازمة قانوناً وهى عدم تقادم الدفع بهذا البطلان بغير حاجة للإشارة إلى ذلك صراحة أو للرد على ما يتمسك به الدائن في هذا الصدد.
[طعن رقم 90 لسنة 23 ق، جلسة 11/4/1957]
10-لا يجوز لمن تمسك بالدفع الموضوعي أن يلجأ في حالات إغفال المحكمة الفصل فيه إلى ذات المحكمة للفصل فيما أغفلته وفقاً للمادة 193-مرافعات، ومرجع هذا أن الإغفال في هذه الحالة لا يتعلق بالطلب ولكن بدفع ولول كان مبناه موضوع النزاع.
خامساً: تكييف الدفع الموضوعي
يستقل قاضى الموضوع بتكييف الدفع الموضوعي والوقوف عما إذا كان ما أبداه الخصم يعد دفعاً موضوعياً أم طلباً عارضاً، وتكون العبرة في ذلك بحقيقة الادعاء في الدفع وقصد المتمسك بغض النظر عن ظاهره فإذا كان الخصم يريد بالادعاء حسم النزاع في موضوع الدعوى الأصلية فحسب يكون ادعاؤه دفعاً موضوعياً، وإذا كان يريد حسم هذا الادعاء بحكم يصدر له بميزة مستقلة عن الحكم في الدعوى الأصلية وتكون له حجية خارجها يكون ادعاؤه طلباً عارضاً. كما يكون لقاضى الموضوع تكييف الدفع للوقوف عما إذا كان يعد دفعاً موضوعياً فيكون تعرضاً منه لموضوع الدعوى مسقطاً لحقه في التمسك بالدفوع الشكلية غير المتعلقة بالنظام العام أم لا. والقاضي يخضع في ذلك جميعه لرقابة محكمة النقض.
سادساً: إثبات الدفع
يقع عبء إثبات الدفع على من أبداه، لأنه يدعى خلاف الظاهر، سواء كان الدفع مبدى من المدعى أو من المدعى عليه، فالدفع إذا كان قد أبدى من الأخير فإنه يعتبر في منزلة المدعى بالنسبة للدفع المبدئ منه.
وفى هذا قضت محكمة النقض بأن:
1- [صاحب الدفع هو المكلف بإثبات دفعه. كما أن المدعى هو المكلف بإقامة الدليل على دعواه، بحكم المادة 214-من القانون المدني فإذا دفع المدين بأنه من صغار الزراع، فلا يجوز الحجز على ملكه، كان عليه إثبات هذا الدفع].
[طعن رقم 3 لسنة 15 ق، جلسة 3/1/1946]
2- [متى كان المدعى قد طلب تعويضاً عن تهدم بناء بفعل المدعى عليه، وكان هذا الأخير قد دفع بعدم ملكية المدعى لهذا البناء فإن عبء إثبات الملكية يقع على عاتق المدعى ويكون الحكم إذ اتخذ من عجز المدعى عليه عن إثبات دفعه دليلاً على صحة الدعوى قد أخطأ في تطبيق قواعد الإثبات].
[طعن رقم 150 لسنة 20 ق، جلسة 17/4/1952]
3- [صاحب الدفع أو الدفاع هو المكلف بإثباته].
[طعن رقم 44 لسنة 33 ق [أحوال شخصية] ، جلسة 8/3/1967]
4- [من المقرر أن على صاحب الدفع إثبات دفعه، ومن ثم على من يتمسك بالتقادم الثلاثي لدعوى ضمان المقاول لعيوب البناء أن يثبت انكشاف العيب في وقت معين ومضى المدة المذكورة بعدئذ].
[طعن رقم 149 لسنة 38 ق، جلسة 27/11/1973]
5- [المدعى ملزم بإقامة الدليل على ما يدعيه سواء أكان مدعى أصلاً في الدعوى أم مدعى عليه فيها، ولئن كانت الطاعنة مدعى عليها في الدعوى إلا أنها تعتبر في منزلة المدعى بالنسبة للدفع المبدئ منها بعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى وتكون مكلفة قانوناً بإثبات ما تدعيه لأنها إنما تدعى خلاف الظاهر وهو ما أثبت في صحيفة افتتاح الدعوى من أن إعلانها قد تم بمحل إقامتها المحدد في القاهرة].
[طعن رقم 38 لسنة 45 ق [أحوال شخصية] ، جلسة 12/1/1977]
قائمة المراجع
المراجع العامة:
– د/ نبيل إسماعيل عمر، الوسيط في قانون المرافعات المدنية والتجارية، دار الجامعة الجديدة، 2005
– د/ أحمد المليجي، التعليق على قانون المرافعات، الجزء الثاني، نادي القضاة
– المستشار محمد وليد الجارحي، النقض المدني، نادي القضاة
المواقع الإلكترونية:
www. eastlaws.com
اترك تعليقاً