بحث قانوني قيم عن المركز القانوني لهيئة التحقيق والادعاء العام السعودى.
اعداد عضو هيئة التحقيق والادعاء العام
علي بن محمد بن علي هجري.
إن المتمعن في الطبيعة القانونية التي يتمتع بها جهاز هيئة التحقيق والادعاء العام ، من خلال الوقوف على ما أضفاه المنظم على أعضائه من ضمانات ، ومن خلال التمعن في تلكم الأعمال والمهام التي يباشرها هذا الجهاز العدلي الفتي،وبالاسترشاد بمجموع النصوص النظامية ذات العلاقة ، ليقف على نتيجة مؤكدة فحواها ومضمونها أن جهاز هيئة التحقيق والادعاء العام من الأجهزة العدلية ويتمتع بسلطة قضــائية،ولا يطعن في ذلك ارتباط جهاز الهيئة بوزير الداخلية وتوليه مهام الإشراف عليه ،ولاغياب النص النظامي الصحيح الصريح الذي يؤكد على هذه النتيجة.ومستند ذلك وبرهانه ما يلي:
أولا: ورد النص على هيئة التحقيق والادعاء العام في النظام الأساسي للحكم، وتعدادها ضمن سلطــــات الدولة القضــــائيـــة، كمــا يظهر ذلك فـــي المـــواد(44، 54 ) من النظام الأساسي للحكم (1)، حيث ورد فيها مانصه :
الباب السادس
سلطـات الدولـة
المادة الرابعة والأربعون :
تتكون السلطات في الدولة من:
_ السلطة القضائية.
_ السلطة التنفيذية.
_ السلطة التنظيمية.
وتتعاون هذه السلطات في أداء وظائفها، وفقاً لهذا النظام وغيره من الأنظمة، والملك هو مرجع هذه السلطات.
المادة الخامسة والأربعون :
مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية، كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويبين النظام ترتيب هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء واختصاصاتها.
المادة السادسة والأربعون :
القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية.
المادة السابعة والأربعون :
حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمُقيمين في المملكة، ويُبين النظام الإجراءات اللازمة لذلك.
المادة الثامنة والأربعون :
تُطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة، وما يُصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة.
المادة التاسعة والأربعون :
مع مراعاة ما ورد في المادة الثالثة والخمسين من هذا النظام، تختص المحاكم في الفصل في جميع المنازعات والجرائم.
المادة الخمسون :
الملك أو من ينيبه معنيون بتنفيذ الأحكام القضائية.
المادة الحادية والخمسون :
يُبين النظام تكوين المجلس الأعلى للقضاء واختصاصاته، كما يُبين ترتيب المحاكم واختصاصاتها(2).
المادة الثانية والخمسون :
يتم تعيين القضاة وإنهاء خدمتهم بأمر ملكي، بناءً على اقتراح من المجلس الأعلى للقضاء، وفقاً لما يبينه النظام.
المادة الثالثة والخمسون :
يُبين النظام ترتيب ديوان المظالم واختصاصاته.
المادة الرابعة والخمسون :
يُبين النظام ارتباط هيئة التحقيق والادعاء العام، وتنظيمها واختصاصاتها.
ثم توالت مواد النظام بعد ذلك حيال الحديث عن السلطة التنفيذية التي يقف على قمة الهرم فيها مجلس الوزراء ، وفقا لما ورد في المادة التاسعة عشرة من نظام مجلس الوزراء ، والتي نصت على مايلي :
” مع مُراعاة ما ورد في النظام الأساسي للحكم ونظام مجلِس الشُورى يرسم مجلِس الوزراء السياسة الداخلية والخارجية والمالية والاقتصادية والتعليمية والدفاعية وجميع الشؤون العامة للدولة ويُشرف على تنفيذها.
وينظُر في قرارات مجلِس الشُورى. وله السلطة التنفيذية وهو المرجع للشؤون المالية والإدارية في سائر الوزارات والأجهزة الحكومية الأُخرى” (3).
ثانيا : معالي رئيس الهيئة عضو في المجلس الأعلى للقضاء تماما كما هو حال النائب العام الذي يقف على قمة الهرم لجهـــاز النيابة العامة في الأنظمة المختلفة وهو عضو ثابت في المجلس باعتبار صفته لا بشخصه،حيث نصت المادة الخامسة من نظــــــام القضاء الجديد الصادر بالمرسوم الملكـــــي الكريـــــم رقــــم م / 78وتـــاريـــخ 19/ 9/ 1428هـ ،علـــى مايلي :
يؤلف المجلس الأعلى للقضاء من رئيس يسمى بأمر ملكي ، وعشرة أعضــاء على النحو الآتي:
أ . رئيس المحكمة العليا .
ب . أربعة قضاة متفرغين بدرجة رئيس محكمة استئناف ، يسمون بأمر ملكي .
ج . وكيل وزارة العدل .
د . رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام .
هـ . ثلاثة أعضاء يتوافر فيهم ما يشترط في قاضي استئناف،يسمون بأمر ملكي . وتكون مدة رئيس المجلس،والأعضاء المنصوص عليهم في الفقرتين(ب) و(هـ)أربــــــع سنـــــوات قابلة للتجــديــد(4).
والمتمعن في النص المذكور أعلاه،لا يسعه إلا التسليم والتأكيد على انتماء هيئة التحقيق والادعاء العام للسلطة القضائية،وإلا لما كان لاختصاصه بذلك دون غيره من سائر رؤساء الأجهزة الحكومية ذات العلاقة،أي معنى !
ثالثا : طبيعة الأعمال التي تباشرها هيئة التحقيق والادعاء العام ، تتسم بالصفة والصبغة القضائية،كما قرر ذلك ديوان المظالم في مجموعة من أحكامه ، حيث ورد في أحدها مانصه :
” حيث إنه وإن كان ديوان المظالم يختص ولائيا بالفصل في الدعاوى المقدمة من ذوي الشأن بالطعن في القرارات الإدارية ، كما نص علـــى ذلك في نظـــامه الصـــادر بالمرســـوم الملكــــي رقـــم ( م / 51 ) وتاريخ ( 17 /7 / 1402هـ ) في المادة ( 8 / 1 / ب ) إلا أن هيئة التحقيق والادعاء العام في مباشرتها للأعمال المنوطة بها بناء على نظامها الصادر بالمرسوم الملكي رقم ( م / 56 ) وتـــاريخ ( 24 / 10 / 1409هـ ) ونظـــــام الإجـــــــــــراءات الجـــــزائيــــــــة الصـــــادر بالمرســـــوم الملكي رقـــــم ( م / 39 ) وتـــــــاريـــــــخ ( 28 / 7 / 1422هـ) وغيرها من الأنظمة التي خولتها التحقيق والادعاء العام وجعلتها أمينة على الدعوى العامة بما يتصل بها من إجراءات التحقيق والاتهام ورفع الدعوى ومباشرتها وحفظها لا تعد التصرفات التي تباشرها وتصدر عنها من خلال الولاية المرسومة لها في تلك الأنظمة وفي هذا النوع من الأعمال من القرارات الإدارية التي تخضع لرقــــــــابـــــــــة القضــــاء الإداري ( ديوان المظالم ) ؛ ذلك أن تلك الأعمال والحالة هذا ذات طابع قضائي ، ولا ينال من ذلك أن هيئة التحقيق والادعاء العام تابعة لوزارة الداخلية وليست تابعة للجهات القضائية،إذ العبرة بنوع الأعمال التي تباشرها وموضوع القرارات التي تصدرها ، وحيث إن القرار موضوع الدعوى من الأعمال التي باشرتها المدعى عليها من خلال ما خصتها به الأنظمة من ولاية بشأن الدعوى فإن الدائرة تنتهي إلى أن الدعوى بشأن ما صدر عنها غير مقبولة ، فلهذه الأسباب حكمت الدائرة بعدم قبول الدعوى المقامة من( … )ضد هيئة التحقيق والادعاء العام ؛ لما هو موضح بالأسباب ” (5).
قلت :
لقد ورد في القرار الشرعي السابق،أن هيئة التحقيق والادعاء العام تابعة لوزارة الداخلية،وهذا غير دقيق، بل الهيئة ترتبط بوزير الداخلية الذي له حق الإشراف عليها إداريا،دون التدخل في أعمالها، التي تأخذ حكم الاستقلال التام بقوة النظام (6).
وفي هذا السياق يقول الدكتور محمد عيد الغريب :
” إن النيابة العامة من خلال الدور الذي تقوم به في مباشرة الاتهام الجنائي،وهو ممارسة الوظيفة القضائية بالمعنى العام،هذا فضلا عن مباشرتها في نظامنا للتحقيق الجنائي وإصدار الأوامر الجنائية،وهي أعمال قضائية بالمعنى الدقيــــــــق،جميع ذلك يرجـــــح القول بأن النيــــــابة العــــــــــــامة جــــــــزء من السلطة القضائية ” (7).
وتأسيسا على ما ورد في القرار الشرعي السابق ، هل يمكن أن يقول قائل بسلب الصفة القضائية عن جهة القضاء العام بسبب تبعيته إداريا وماليا لوزارة العدل(8)؛ التي لا ينازع أحد حيال انتمائها وتبعيتها للسلطة التنفيذية ؟!
رابعا : الاستقلال التام الذي يتمتع به أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام والذي بموجبه لا يخضعون في عملهم إلا لأحكام الشريعة الإسلامية،والأنظمة المرعية، وليس لأحد التدخل في مجال عملهم (9) . ومما لا شك فيه ولا ريب أن هذه الضمانة تعد من الضمانات القضائية التي يتمتع بها القضاة.
كما يظهر ذلك بوضوح من خلال نصوص المواد التالية :
المادة الخامسة من نظام هيئة التحقيق والادعاء العام ، نصت على مايلي:
” يتمتع أعضاء الهيئة بالاستقلال التام، ولا يخضعون في عملِهم إلا لأحكام الشريعة الإسلاميــــــة والأنظِمة المرعية، وليس لأحد التدخُـل في مجال عملِهم ” (10).
كما نصت المادة الأولى من نظام القضاء على مايلي:
” القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية، وليس لأحد التدخل في القضاء ” (11).
بل إن المنظم قد نص في المادة الخامسة ، فقرة ( و ) من نظام محاكمة الوزراء ، أن التدخل الشخصي من الوزير في شئون القضاء جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة تتراوح مابين ثلاث إلى عشر سنوات (12).
وفي هذا السياق يقول الدكتور عماد النجار :
” ويقصد بهذا الاستقلال ألا يخضع جهاز الادعاء العام إلا لمقتضيات الوصول إلى الحقيقة في وضع إجرامي معين واعتبارات الصالح العام وحماية الأرواح والقيم والممتلكات , فهذه الغاية التي يسعى إليها,وليس لأية سلطة أن تحمله على الميل عن هذه الغاية،ومقتضى ذلك أن يتمتع الادعاء العام بقدر واف من الاستقلال وحرية العمل,حتى يستطيع مباشرة مهامه في حياد وموضوعية ,ويتجلى ذلك في مظهرين أساسيين,هما : الاستقلال في العمل , وعدم المسئولية عن هذه الأعمال،ويقصد بالاستقلال في العمل ألا يخضع في مباشرة عمل من أعمال الادعاء العام لرقابة سابقة من السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية أو السلطة القضائية (13).
خامسا : الحصانة القضائية التي يتمتع بها أعضاء الهيئة والتي ورد النص عليها في المادة التاسعة عشرة من نظام هيئة التحقيق والادعاء العام،إذ المتمعن في نص المادة المشار إليها أعلاه،يقف على أنه يتسق تماما حذو القذة بالقذة مع تلكم الحصانة الممنوحة للقضاة ،والتي ورد النص عليها في المادة الرابعة والثمانين من نظام القضاء القديم وفي المادة الثامنة والستين من النظام الجديد.
المادة التاسعة عشرة من نظام هيئة التحقيق والادعاء العام :
” في حالات التلبُس بالجريمة يجب عند القبض على عضو الهيئة وحبسِه أن يُرفع الأمر إلى لجنة إدارة الهيئة في مُدة الأربع والعشرين ساعة التالية، وللجنة أن تُقرِّر استمرار الحبس أو الإفراج بكفالة أو بغير كفالة، ولعضو الهيئة أن يطلُّب سماع أقوالِه أمام اللجنة عند عرض الأمر عليها. وتُحدِّد اللجنة مُدة الحبس في القرار الذي يصدُر بالحبس أو باستمرارِه، وتُراعى الإجراءات السالفة الذكر كُلما رُئي استمرار الحبس الاحتياطي بعد انقِضاء المُدة التي قرَّرها المجلِس. وفيما عدا ما ذُكِر لا يجوز القبض على عضو الهيئة أو اتِخاذ أيِّ إجراء من إجراءات التحقيق معه أو رفع الدعوى الجزائية عليه، إلا بإذن من اللجنة المذكورة. ويتم حبس أعضاء الهيئة وتنفيذ العقوبات المُقيدة للحُرية عليهم في أماكِن مُستقِلة ” (14).
المادة الثامنة والستون من نظام القضاء الجديد :
“يجب عند القبض على عضو السلك القضائي وتوقيفه ـ في حالة تلبسه بجريمة ـ أن يرفع أمره إلى المجلس الأعلى للقضاء خلال أربع وعشرين ساعة من القبض عليه. وللمجلس أن يقرر إما استمرار توقيفه أو الإفراج عنه بكفالة أو بغير كفالة.ولعضو السلك القضائي أن يطلب سماع أقواله أمام المجلس عند عرض الأمر عليه. ويحدد المجلس مدة التوقيف في القرار الذي يصدر بالتوقيف أو باستمراره.وتراعى الإجراءات السالف ذكرها كلما رئي استمرار التوقيف بعد انقضاء المدة التي قررها المجلس ،وفيما عدا ما ذكر،لا يجوز القبض على عضو السلك القضائي أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق معه أو رفع الدعوى الجزائية عليه، إلا بإذن من المجلس،ويوقف أعضاء السلك القضائي وتنفذ العقوبات المقيدة لحريتهم في أماكن مستقلة”(15).
وفي هذا السياق يقول الباحث عوض بن حماد الملا :
يقصد بالحصانة هنا ، عدم التعرض لعضو هيئة التحقيق والادعاء العام سواء في ذاته أو مسكنه بأية صورة من الصور ضمانا لاستقلاله واحتراما للمهنة التي يمارسها نيابة عن المجتمع لحمايته من أخطار الجرائم أو مرتكبيها (16). وهذه الحصانة إنما قررت لمصلحة المجتمع ،لا لعضو الهيئة وذلك لحفظ كيان الهيئة وصيانته من الاعتداء،وتقرير الحصانة لأعضاء الهيئة لكي يقوموا بمهمتهم في جو من الحرية والاطمئنان تحصينا لهم من التعرض للضغوط من قبل السلطة التنفيذية ، كما أن الحصانة تعني عدم جواز القبض على عضو الهيئة إلا في حالة واحدة وهي الحالة التي يمكن القبض على القاضي فيها وهي حالة التلبس،ومظاهر هذه الحصانة تتجلى في الآتي :
1. لايجوز القبض على عضو هيئة التحقيق والادعاء العام في أي حال من الأحوال إلا في حالة الجريمة المشهودة فقط.
2. عملية القبض على عضو الهيئة في حالة التلبس لاتخول من قبض مباشرة إجراءات التحقيق مع العضو المقبوض عليه وإنما عليه رفع الأمر إلى لجنة إدارة الهيئة خلال الأربع والعشرين ساعة التالية للقبض وهذا الإجراء يشابه تماما الإجراء المخول في حالة القبض على القاضي متلبسا بجريمة حيث لابد من رفع الأمر إلى المجلس الأعلى للقضاء خلال الأربع وعشرين ساعة التالية للقبض.
3. حق تقرير استمرار حبس العضو المقبوض عليه أو الإفراج عنه بكفالة أو بغير كفالة،من حق لجنة إدارة الهيئة فقط،كما هو من حق مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة بشأن القضاة وبالتالي فإنه ليس لأي جهة التدخل في عملية استمرار الحبس أو الإفراج سوى لجنة إدارة الهيئة.
4. من حق العضو نظاما أن يطلب الإدلاء بأقواله أمام لجنة إدارة الهيئة عند عرض الأمر عليها،حتى يضمن بأن جميع مالديه قد وصل فعلا إلى اللجنة،وفي هذه الحالة من حق القاضي أيضا أن يطلب من المجلس الأعلى للقضاء سماع أقواله عند عرض الأمر على المجلس.
5. تحديد مدة الحبس ضد عضو هيئة التحقيق والادعاء العام أو استمراره يصدر بقرار من لجنة إدارة الهيئة،كما أوجب المنظم مراعاة هذه الإجراءات إذا تطلب الأمر استمرار الحبس الاحتياطي بعد انقضاء المدة التي حددتها إدارة الهيئة
6. من مظاهر الحصانة التي يتمتع بها عضو الهيئة عدم القبض عليه في غير حالة التلبس كما أنه لايتخذ ضده أي إجراء من إجراءات التحقيق أو يرفع عليه دعوى جزائية إلا بعد أخذ الإذن حيال ذلك من لجنة إدارة الهيئة .
7. لايتم حبس عضو الهيئة أو تنفيذ العقوبة ضده في دور التوقيف أو السجون وإنما أوجب المنظم أن يكون تنفيذها في أماكن مستقلة مثله مثل القاضي، ولعله أراد ألا تهتز صورة عضو الهيئة أمام المجتمع الذي منحه الثقة في الدفاع عنه للحد من الجريمة ومعاقبة مرتكبيها ولا أمام من كان يحقق معهم من نزلاء السجون ودور التوقيف (17).
سادسا : أن نظائر هيئة التحقيق والادعاء العام من النيابات العامة في دول العالم المتعددة تتبع للسلطة القضائية ،ويتمتع أعضاؤها بذات الحصانة القضائية الممنوحة لنظرائهم من قضاة المحاكم من غير تفريق أو تمييز .
ولقد ثار الجدل سابقا حول طبيعة الادعاء العام ( النيابة العامة ): هل هو شعبة تابعة للسلطــــة التنفيذية أم إلى السلطـــة القضائية ؟ وكان السائد أن جهاز الادعاء العام هو شعبة من شعب السلطة التنفيذية , وبهذا قضت محكمة النقض المصرية , إذ قضت بأن الادعاء العام “النيابة العامة ” شعبة أصيله من شعب السلطة التنفيذية اختصت بمباشرة الدعوى العمومية نيابة عن تلك السلطة , وجعلت لها وحدها حق التصرف فيها تحت إشراف وزير العدل ومراقبته الإدارية , إلا أن هذه المحكمة ذاتها عدلت عن هذا الاتجاه في مرحلة تاليه إذ قضت بأن النيـــــــابة العـــــــامة شعبة أصيــــــلة من شعب السلطة القضائية (18)، خول المشرع من بين ما خولها سلطة التحقيق وهو عمل قضائي واستقر الأمر على ذلك باعتبار أن الادعــــاء العام عمل قضائي (19).
و في ذات السياق يقول الدكتور عماد النجار :
” وفي المملكة العربية السعودية مر الادعاء بنفس المرحلتين,إذ عندما بدأ في العصر الحديث على يد جـــلالة الملك عبد العزيــز سنة (1351هـ/1932م) بدأ باعتباره شعبة من شعب السلطة التنفيذية,وآية ذلك أن النظام جعله في أيدي الشرطة واعتبر من بين مهام الشرطة مباشرة الادعاء العام أمام المحاكم,بل خولها كذلك مباشرة إجراءات التحقيق بالإضافة إلى مباشرة الخصومة أمام المحاكم في دعوى الحق العام,ثم صدرت بعد ذلك اللائحة الخاصة بنظام مديرية الأمن العام في (29/3/1369م) وهي تكرس الادعاء العام ضمن السلطة التنفيذية ويباشره ضباط الشرطة ، وفي مرحلة لاحقة صدر المرسوم الملكي في (24/10/1409هـ) منشئًا (هيئة التحقيق والادعاء العام) كهيئة تتولى مهام التحقيق والادعاء العام في الجرائم,بعيدا عن الشرطة التي تتولى فقط أعمال الضبط الإداري الذي يستهدف الحيلولة دون وقوع الجريمة بصفة أساسية,فإن أخفقت في مهمتها ووقعت الجريمة كان عليها جمع المعلومات اللازمة للتحقيق والدعوى,ثم تتولى هيئة التحقيق مباشرة تحقيق هذه المعلومات فإن كانت كافية لتوقيع العقاب على الجاني قام الادعاء العام بمباشرة دعوى الحق العام أمام المحاكم ,وبذلك يكون الادعاء العام في المملكة قد خطا خطوة إلى الأمام بموجب هذا النظام الذي أنشأ هذه الهيئة واختصها بالتحقيق في الجرائم والادعاء العام أمام المحاكم،وهذا يعني استقلال الادعاء العام في المملكة ولا ينال من قيام هذا الاستقلال أن هذه الهيئة ترتبط بوزير الداخلية وهو أحد أعضاء السلطة التنفيذية ,فالارتباط لا يعني الخضوع , وإنما يعني المتابعة والإشراف,لأن الادعاء العام في كل البلاد لابد أن يمتد إلى قمة السلطة عن طريق إشراف أحد الوزراء المسئولين السياسيين عليه,ويؤكد ذلك ويعضده أن النظام ذاته نص في المادة الخامسة على تكريس هذا الاستقلال التام وعدم الخضوع إلا لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية,بل وإن النص أضاف ((وليس لأحد التدخل في مجال عملهم )) بما مؤداه أن النظام الحالي يكرس استقلال الادعاء العام وينص عليه ويزكيه ” (20).
قلت :
ومما لا شك فيه ولاريب أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، والتصور الصحيح ينبغي أن يبنى على أساس سليم،ينطلق من ظروف النشأة وطبيعة الأعمال التي تزاول من قبل جهاز هيئة التحقيق والادعاء العام،ليكون الحكم منصفا،والنتيجة،متسقة مع المقدمة،وتفصيلا لذلك أقول:
بالنسبة لظروف نشأة هيئة التحقيق والادعاء العام ،فلعل في مضمون الخطاب التالي الموجه من صـــاحب السمو الملكـــــــــي النــــــــــــائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الملك فهد بن عبد العزيز يرحمه الله إلــــى مقــــــــام حضرة صــــــاحب الجـــــــــــلالة الملك المعظـــــــم ورئيـــــــس مجــــــلس الوزراء الملك فيصل بن عبد العزيز يرحمه الله برقـم ( 4443) وتـــاريخ 12 / 6 / 1393هـ ، ما يضع النقاط على الحروف ، والذي ورد فيه مانصه:
حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم ورئيس مجلس الوزراء حفظه الله بعد التحية والاحترام :
” أنهي لجلالتكم أن مجلس الوزراء في دراسته لنظام السلطة القضائية وهو على وشك الانتهاء من هذه الدراسة،ولكن عند دراسة الباب الرابع من هذا النظام الخاص بالنيابة العامة أثيرت بعض الملاحظات التي تتلخص في الآتي:
1. أن المجلس على ذكر من العبارات المتعلقة بهذا الأمر التي وردت في البيان الوزاري الذي يلخص قواعد السياسة الحكيمة التي تنتهجونها جلالتكم والتي آتت ولا تزال تؤتي ثمارها الكريمة حيث ورد هذا النص : ” قررنا إنشاء وزارة للعدل تشرف على الشئون الإدارية للقضاء ويلحق بها نيابة عامة للدولة ترعى مصالح المواطنين وتذود عن حقوقهم وتقوم بالتعاون مع المحاكم المختلفة للدولة مقام الحارس الأمين الذي يدافع عن المظلومين ويضرب على أيدي الظالمين “.
2. إن المجلس يرى أن من أهم واجباته السعي لتحقيق كل ما تضمنه البيان الوزاري الكريم .
3. وأنه لتحقيق هذا الأمر ينبغي التأكد من كل الظروف والملابسات العملية والعقوبات التي تواجه تحقيق هذه الأمور وكيفية تذليلها .
4. أنه على هدى مما سبق قد يكون من المناسب إخضاع الباب الرابع المتعلق بالنيابة العامة لمزيد من الدراسة تتم بين وزير الداخلية ووزير العدل وذلك بناء على ما يأتي :
أ. أن الوظيفة الأساسية للنيابة العامة هي التحقيق في الجرائم وملاحقتها أمام القضاء .
ب. أن الوظيفة المشار إليها تقوم بها الآن السلطة التنفيذية وبتوجيه جلالتكم ورعايته وقبل ذلك بفضل تطبيق الشريعة الإسلامية فإن السلطة التنفيذية قامت بها بنجاح آثاره الظاهرة انخفاض نسبة الجريمة في المملكة وتوطد الأمن بالمقارنة مع البلاد الأخرى .
ج. أن تغيير أسلوب ملاحقة الجرائم وهو أمر يتعلق بالعادات والأخلاق والنواحي النفسية لأفراد المجتمع مسألة مهمة ينبغي أن تبنى على دراسة متعمقة تتناول مختلف النواحي .
د. أنه توجد صعوبات كبيرة أمام إنشاء النيابة العامة في الوقت الحاضر تتمثل في تعذر الحصول على العدد الكافي من أعضاء النيابة المتخصصين .
هـ . أخيرا وهو الأمر المهم إن ملاحقة الجرائم تتصل بصلة وثيقة بكيفية نظرة المواطن إلى الجهة التي يناط بها هذه المسئولية ، وقد تعود المواطن أن ينظر بجدية واحترام إلى السلطة التنفيذية،ولا يُضمن في المستقبل القريب أن ينظر المواطن بهذه النظرة إلى أي سلطة جديدة كالسلطة التنفيذية ،ولا يضمن في المستقبل القريب أن ينظر المواطن بهذه النظرة إلى أي سلطة جديدة كالسلطة المقترحة في النظام وذلك نظرا لاتساع رقعة المملكة وتغلغل السكان فيها وكون أغلبهم من سكان الأرياف بالصحراء الذين لم يتعودوا التعامل مع هذه النظم .
و . أنه توجد فرصة لاختيار حل انتقالي بديل ،وذلك عن طريق إنشاء جهاز في أعمال النيابة العامة في داخل وزارة الداخلية وبعد أن يكتمل هذا الجهاز وينجح في ممارسة أعماله يمكن نقله إلى وزارة العدل حيث يكون هذا الجهاز نواة النيابة العامة.
ونظرا لما سبق ولأن إخضاع الباب الرابع من نظام السلطة القضائية للمراجعة حسب ما اقترح ، سوف يترتب عليه تعطيل صدور النظام بأسره وتفاديا لهذا الأمر فقد قرر المجلس رفع ذلك لجلالتكم للاستئذان في فصل الباب الرابع الخاص بالنيابة العامة من النظام وإخضاع قواعده لدراسة خاصة تتم بين وزير الداخلية ووزير العدل ويرفع لجلالتكم نتيجتها مع إصدار نظام السلطة القضائية بعد فصل الباب الرابع منه فور استكمال الإجراءات النظامية.
وتقبلوا جلالتكم لائق التحية والاحترام .
النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء (21).
قلت :
بالتمعن في الخطاب المذكور آنفا ،نقف على الأسباب والدواعي التي أدت إلى ربط هيئة التحقيق والادعاء العام ، بسمو وزير الداخلية _ حفظه الله ورعاه _ ، إضافة إلى أن العبرة في تصنيف جهاز ما وإلحاقه بأي من السلطات الثلاث المنصوص عليها في النظام الأساسي للحكم هو طبيعة الأعمال التي يباشرها ، إذ العبرة بالمقاصد والمعاني ، ثم إن الارتباط بشخص وزير الداخلية إنما مجاله الجانب التنظيمي الإداري – تماما كذلك الارتباط الإداري والمالي للمحاكم بوزارة العدل الداخلة في منظومة السلطة التنفيذية _،أما الجانب العملي التطبيقي ، فلجهاز الهيئة الاستقلال التام المنصوص عليه في نظامها، وليس لأحد التدخل في أعمالها، إضافة إلى أنه يلزم المخالف – لهذه النتيجة _ أن يفسر السبب الذي جعل ولي الأمر ينص على كون معالي رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام عضوا في المجلس الأعلى للقضاء على الرغم من أنه – على حد قول المخالف – تابع للسلطة التنفيذية ، وهل في وجود عضو في تشكيل المجلس الأعلى للقضاء _ تابع للسلطة التنفيذية_ مدعاة لتجريد جهاز القضاء من السلطة القضائية التي لا ينازع فيها أحد؟!
سادسا : أن المنظم قد ساوى أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام بالقضاة في الضمانات المقررة لهم من حيث الاستقلالية و التعيين و الترقية و التأديب وعدم القابلية للعزل ، وفي كافة الضمانات المفترضة والمقررة قانونا لأعضاء السلطة القضائية الأمر الذي لا يدع مجالا للشك حيال انتماء أعضاء الهيئة لتلكم السلطة (22).
سابعا : أن المنظم قد نص على معاملة أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام ، فيما يتعلق ببدل النقل والانتداب ، مُعاملة أعضاء السلك القضائي المقابلين لهم في درجاتِهم ، ولولم يكن لأعضاء الهيئة الصفة القضائية ، لما تم معاملتهم – حيال ذلك – معاملة أعضاء السلك القضائي ،كيف لا ومن لوازم القياس وجود الشبه والعلة الجامعة بين المقيس والمقيس عليه ! (23).
ثامنا: أن المنظم قد نص على المساواة بين القضاة،وبين أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام ، فيما يتعلق بالعقوبات التأديبية التي يمكن توقيعها عليهم،وذلك على النحو التالي :
حيث نصت المادة السادسة والستون من نظام القضاء على مايلي :
العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على القاضي هي اللوم وإنهاء الخدمة.
كما نصت المادة الخامسة والعشرون من نظام هيئة التحقيق والادعاء العام على مايلي :
العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على عضو الهيئة، هي: اللوم، والإحالة على التقاعُد.
تاسعا: أن المنظم قد نص على المساواة بين القضاة،وبين أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام،فيما يتعلق بالأسباب التي تنقضي بها خدمة كل منهم، وذلك على النحو التالي :
نصت المادة التاسعة والستون من نظام القضاء الجديد على مايلي :
تنتهي خدمة عضو السلك القضائي بأحد الأسباب الآتية:
أ. بلوغه سن السبعين.
ب. الوفاة.
ج. قبول استقالته.
د. قبول طلبه الإحالة على التقاعد طبقاً لنظام التقاعد المدني.
هـ. عدم صلاحيته للقضاء وفقا لحكم المادة الرابعة والأربعين من هذا النظام.
و. عجزه عن مباشرة عمله بعد انقضاء الإجازة المرضية، أو أن يظهر في أي وقت أنه لا يستطيع لمرضه القيام بوظيفته على الوجه اللائق.
ز. حصوله على تقدير أقل من المتوسط في تقرير الكفاية ثلاث مرات متتالية.
ح. إنهاء خدمته لأسباب تأديبية.
كما نصت المادة السبعون من ذات النظام على مايلي:
في غير حالات الوفاة والإحالة على التقاعد لبلوغ السن النظامية وعدم الصلاحية خلال فترة التجربة بالنسبة إلى الملازم القضائي، تنتهي خدمة عضو السلك القضائي بأمر ملكي بناء على اقتراح المجلس الأعلى للقضاء.
ونصت المادة الثانية عشرة من نظام هيئة التحقيق والادعاء العام على مايلي :
تنتهي خِدمة عضو الهيئة، بأحد الأسباب الآتية:
1. قبول الاستِقالة.
2. بلوغ سِن الخامسة والستين.
3. قبول طلب الإحالة على التقاعُد، طِبقاً لنِظام التقاعُد.
4. الإحالة على التقاعُد، طِبقاً للمادة الخامسة والعشرين من هذا النِظام.
5. الحصول على تقدير أقل من المُتوسِط في تقرير الكفاية ثلاث مرات مُتوالية.
6. فقد الثِقة والاعتبار، اللذين تتطلبُهما الوظيفة.
7. العجز الصحي.
8. عدم ثبوت صلاحية العضو خِلال فترة التجرِبة.
9. الوفاة.
كما نصت المادة الثالثة عشرة من ذات النظام على مايلي:
في غير حالات الوفاة وبلوغ السِّن النِظامية وعدم ثبوت صلاحية العضو خِلال فترة التجرِبة، تنتهي خِدمة عضو الهيئة بأمر ملكي بناءً على قرار من لجنة إدارة الهيئة وطلب وزير الداخلية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
اترك تعليقاً