بحث قانوني متميز عن عدول المجني عليه وأثره على الدعوى الجنائية
اعداد صالح الصيدلاني
عضو هيئة التحقيق والادعاء العام
قد يتقدم شخص ما بدعواه التي قد يترب عليها تحريك الدعوى الجزائية العامة كأن يدعي بأنه تعرض للاختطاف وفعل الفاحشة..
وعلى اثر ذلك تتوالى الإجراءات فقبض واستجواب وانتقال …..الخ
ومن خلال تلك الإجراءات قد ينتهى التحقيق إلى توجيه الاتهام إلى المتهم باختطاف المجني عليه وفعل الفاحشة به استناداً على أدلة وقرائن متعددة.
وفجأة وقبل إحالة القضية إلى المحكمة قد يظهر المجني عليه في الدعوى الجزائية بوجه جديد فيعدل عن دعواه كأن يذكر بأن كل ما ادعى به على المتهم كانت دعوى كاذبة بسبب تعرضه للضرب الشديد منه.
فما أثر ذلك العدول على الدعوى الجزائية العامة؟
وهل للمحقق أن يوصي بحفظ الدعوى ؟
أم أن على المحقق أن يستمر في إجراءاته ويرفع الدعوى أمام المحكمة المختصة لمباشرتها من قبل المدعي العام ؟
وماهو موقف القضاء من عدول المجني عليه؟
لاشك من أن أصعب ماقد يواجه المحقق هو ظهور المجني عليه ظهوراً ينسف( أن صح التعبير) كل جهد قام به ( أي المحقق) ولكن ليس معنى ذلك أن يتعامل مع المجني عليه بصفته مجني عليه بل أن المجني عليه بذلك العدول قد يكتسب صفة المتهم إلى جانب اكتسابه سابقاً صفة المجني عليه…
فكيف ذلك…
أنواع العدول :
نفرق في الحديث عن اثر عدول المجني عليه على الدعوى الجزائية بين نوعين من العدول:
ـ عدول كلي: وهو الذي يتضمن نفي المجني عليه للواقعة بعمومها كأن يقول ( أنا لم اختطف ولم أتعرض لفعل الفاحشة وكل ما أدعيت به على المتهم غير صحيح البتة)
ـ عدول جزئي: وهو الذي يتضمن نفي المجني عليه لبعض الأوصاف الجرمية المنسوبة إلى المتهم كأن يقول ( الحقيقة أنا لم أختطف ولم أتعرض لفعل الفاحشة ولكنني ذهبت مع المتهم بقصد النزهة فحاول فعل الفاحشة بي فقاومته بشده فضربني ) .
حالات العدول:
في كل النوعين من العدول نفرق أيضا بين عدة حالات يختلف فيها المركز القانوني للمجني عليه ويمكن إجمالها بالاتي:
1ـ الحالة الأولى: وهي الحالة التي تتوافر فيها أدلة على ارتكاب المتهم للجرم المنسوب إليه كأن يعترف المتهم اعترافاً تؤيده الأدلة الأخرى كتقارير المختبر الجنائي المثبتة بأن الآثار المنوية المرفوعة من ملابس المجني عليه تعود للمتهم …. هناك طالما قد ثبتت الواقعة فلا أثر لعدول المجني عليه لأنه بثبوت الواقعة ثبت الحق العام الذي لايجوز للهيئة التنازل عنه.
2ـ الحالة الثانية: وهي الحالة التي تتوافر أدلة ولكنها أدلة اقل في قوتها في الدلالة عن تلك الأدلة التي توافرت في الحالة الأولى ومثال ذلك أن يدعي المجني عليه أنه تعرض للاختطاف وفعل الفاحشة) ولكن لايتوافر حيال ذلك الاتهام إلا بعض القرائن كتقرير طبي يثبت بعضاً من الإصابات في جسد المجني عليه وشاهد يشهد بمشاهدته للمجني عليه مضروباً في منطقة خالية من السكان , أو شاهده وهو يركض ويستنجد به.
هنا.. لايمكن القول مطلقاً بقبول المحقق لذلك العدول إذا يتعين الوقوف على سبب عدول المجني عليه وموزانة مضامين ذلك العدول مع ماتوافر من أدلة وقرائن ضد المتهم فإن كان عدول المجني عليه كلياً فلا يمكن قبوله لأن هناك أدلة تشير إلى تعرض المجني عليه للضرب , أما إن كان ذلك العدول جزئياً كان يقول المجني عليه ( حقيقة لم اختطف ولم أتعرض لفعل الفاحشة ولكن المتهم ضربني) هنا قد يؤثر العدول على اتهام المتهم بجريمة الاختطاف ولكن يظل اتهامه بالضرب قائماً. ولكن في تلك الحالتين على المحقق أن يحيط المجني عليه بما قد يترب على عدوله ويواجهه بكافة ماتوافر ضد المتهم من أدلة ويناقشه في أسباب عدوله وعما قد يكون من ضغوط قد مورست عليه ويفهمه ان في عدوله غير الحقيقي تستر على مجرم يجب عاقبه ….. الخ
وفي كل الحالتين فإن مايقرره المحقق تجاه عدول المجني عليه خاضعاً لرقابة رئيس الدائرة.
ثالثاً ـ الحالة الثالثة: وهي الحالة التي تكون أدلة الاتهام قرائن بسيطة قابلة لإثبات العكس كان ياتي شاهد أو أكثر فيشهد بان المتهم والمجني عليه كانا معاً في الحي فحدث بينهما عراك أصيب فيه المجني عليه ثم ذهب المتهم معه ( أي الشاهد) فجلس معه حتى الصباح وان المتهم لم يبارح منزله ( منزل الشاهد ) حتى الصباح.
هناك فقط يمكن للعدول أن يحدث أثره المباشر على دعوى الاختطاف وفعل الفاحشة استنادا على قول شاهد النفي في حالة ما إذا كان وقت حادثة الاختطاف المدعى بها لم يخرج عن الوقت الذي كان فيه المتهم في منزل الشاهد.
رابعاً ـ الحالة الرابعة: وهي الحالة التي لايستند فيها على أية أدلة أو قرائن للقول بوقوع جريمة الاختطاف أو فعل الفاحشة ففي هذه الحالة وإن كان المتهم يستفيد من قرينة البراءة إلا أن العدول يستند إليه كدليل نفي يعمل به لصالح المتهم.
أثر العدول:
تطرقنا سابقا لماقد يكون من حالت للعدول ومن خلال استعراض تلك الحالات فإن اثر العدول لايخرج عن الآتي:
1ـ لا اثر لعدول المجني عليه مطلقاً فيحال المتهم إلى المحكمة المختصة وذلك في حالة توافر الأدلة على ارتكاب المتهم للجريمة المنسوبة إليه ( الحالة الأولى )
2ـ العدول ذو اثر نسبي يعمل في بعضا من الوقائع المدعى بها على المتهم وليس في كل الوقائع , ويحال المتهم إلى المحكمة بما توافر من أدلة وقرائن بعد أن يوجه إليه الاتهام بارتكاب الأوصاف الجريمة التي لم يشملها العدول وقامت عليها الأدلة.( الحالة الثانية) وإن كان ذلك موقوفا على ظروف والواقعة ومناقشة المجني عليه في أسباب العدول وتقدير المحقق تحت رقابة رئيس الدائرة:
3ـ العدول ذو اثر مباشر على الدعوى الجنائية فللعدول أن يحدث أثره المباشر على دعوى الاختطاف وفعل الفاحشة وقد يترتب عليه أن يوصي المحقق بحفظ الدعوى( الحالة الثالثة)
4ـ العدول باعتباره دليل يقف بجانب الأدلة الأخرى أو الأسباب الأخرى التي يستند غليها المحقق في التوصية بحفظ الدعوى( الحالة الرابعة).
اثر العدول على المركز القانوني للمجني عليه:
رأينا سابقا أن عدول المجني عليه قد لايؤثر في المركز القانوني للمتهم فيحال المتهم إلى المحكمة على الرغم من عدول المجني عليه عن دعواه.
ولكن هل لذلك العدول تأثير على المركز القانوني للمجني عليه.
لاشك أن المجني عليه ليس طرفاً في الدعوى الجزائية العامة وان كان وجوده فيها بكافة مراحلها من الأمور الهامة جداً, ومن ثم فغنه عدوله قد لايؤثر كما رأينا على الدعوى الجزائية العامة ومع ذلك فأن ذلك العدول قد يُكسب المجني عليه صفة المتهم فعدوله مع توافر الأدلة التي تكذبه تجعله قد ارتكب فعلاً ينطوي على محاولة تظليل سير العدالة , كما أن المجني عليه بسبب عدوله قد يؤدي ‘لاتهامه بالبلاغ الكاذب وإزعاج السلطات.
إذا كان العدول من المجني عليه يتسم بالوضوح كمن يحاول أن يعطل سير العدالة أو يثبت أنه قد ادعى بالباطل على الغير فإن العدالة تقضي بأن يعاقب ، ولكن قبل توجيه الاتهام للمجني عليه بمحاولة تعطيل سير العدالة لابد أن يناقش في أمور عدة أهمها:
1ـ أسباب عدوله ( فقد يكون المجني عليه صغير في السن أو ضعيف لاحامي له من البشر وقد يكون قد تعرض لتهديد من شخص ما قد يكون من أقارب المتهم أو من شخص أخر له مصلحة في عدول المجني عليه)
2ـ الحالة المادية للمجني عليه فقد يكون العوز والحاجة طريقا استغله المتهم أو أحد من ذويه للضغط على المجني عليه فنجح في إقناعه بالعدول عن دعواه.
3ـ صلة القرابة التي تربط المجني عليه بالمتهم ) فقد يعدل المجني عليه عن دعواه تحت ضغوط من اسرته أو المحيط به من أفراد قبيلته أو جماعته.
فكل تلك الأسباب وغيرها يجب مناقشتها مع المجني عليه ويظل العامل الإنساني والمعالجة الإنسانية لذلك العدول اقرب من الحل التظامى .
اترك تعليقاً