الرقابة الواردة على سلطات مجلس الأمن وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة
المحامية / منال داود العكيدي
يتمتع مجلس الامن بسلطات تقديرية واسعة بحسب احكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة سواء في تكييف الوقائع او الاحداث ام في اتخاذ الاجراءات واختيار الوسائل ، بيد ان ذلك لايعني ان مجلس الامن مطلق اليد في اتخاذ تلك الاجراءات ن فالقانون عندما يقضي بمنح سلطة مقيدة ما ، يخضع الجهة التي منحها تلك السلطة الى نوع من الرقابة ، اياً كان نوعها ومـداها والجهة التي تمارسها ، وطبقا لطبيعة تشكيل الفروع اوالاجهزة الداخلة في تكوين منظمة الامم المتحدة ووظائفها.
فان الجهة الرئيسة المعول عليها في هذه الرقابــة ، هي الجمعية العامة التي تضم جميع الدول الاعضاء ، بالنظر لما تتمتع من ولاية عامة على كافة اعمال وانشطة هذه المنظمة ، وبما تملكه من سلطات واختصاصات واسعة في شتى المجالات التي تهم المنظمة . وهذا ما يستفاد ضمناً من نصوص العديد من مواد الميثاق ، فقد اشارت المادة 10 منه ، الى ان بامكان الجمعية العامة ان تناقش اية مسألة داخلة في نطاق هذا الميثاق ، او لها صلة بسلطة او وظيفة احد فروع المنظمة ، ولها ان توصي الدول الاعضاء او مجلس الامن او كليهما بما تراه مناسباً في تلك المسائل والامور ، ما لم تكن الاخيرة قيد نظر المجلس . وطبقا لذلك يمكن القول بان للجمعية العامة دوراً رقابياً ليس على اعمال وسلطات مجلس الامن فحسب ، وانما على جميع اعمال واختصاصات الفروع الاخرى . فلها ان تناقش او تنظر اية مسائل داخلة في نطاق الميثاق ، سواء كانت ذات طابع سياسي ام انساني ام اقتصادي ام اجتماعي ام ثقافي ام اداري ام مالي وغيرها ،وعلاوة على ذلك لها ان تصدر التوصيات ايضا . وقد اكدت مفهوم المادة العاشرة هذا ، محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر عام 1959.
كما ان المادة 15 بينت بان الجمعية العامة تتلقى تقارير سنوية واخرى خاصة من مجلس الامن ــ ومن الفروع الاخرللامم المتحدة ــ فيما يتخذه من تدابير او اجراءات لحفظ السلم والامن الدوليين . أي في نطاق السلطات الممنوحة له طبقاً للفصل السابع من الميثاق . ثم تنظر الجمعية بعد ذلك بهذه التقارير وتصدر التوصياتالمناسبة لها الا اذا كانت المسألة المعنية محل نظر المجلس . فاذا ماباشر الاخير سلطاته بشان نزاع اوموقف دولي يخرق او يهدد بخرق السلم او الامن الدوليين ، امتنعت الجمعية العامة عن اصدار اية توصية بشأنه ، إلا اذا اذن المجلس لها.
ويستمر هذا المنع حتى ينتهي المجلس من حالة النظر هذه ، سواء بمعالجته والفراغ منه ، ام في حالة رفض النظر فيه .علماً ان المجلس هنا هو الذي يقرر ـــ بما يملكه من سلطات تقديرية واسعة ـــ فيما اذا كان قد فرغ من الموضوع ام لا . ولذلك ، فان وجود مثل هذا التقييد على سلطة الجمعية العامة في مناقشة القضايا المختلفة الداخلة في ميثاق الامم المتحدة ، يعد اضعافاًللدور الرقابي لها ، اذ يستطيع المجلس في أي وقت يشاء ، ابعاد الجمعية العامة عن ممارسة هذا الدور ، بمجرد تذييل قراراته او تضمينها بأن مسالة ما لاتزالقيد نظره، من دون أن يكون هناك في الواقع أي تقييد يرد على سلطة المجلس هذه .لذلك ، فأن الجمعية العامة تجد نفسها عاجزة امام مثل هذا الموقف ، في الوقت الذي قد يستمر فيه المجلس بممارسة سلطاته طبقاً للفصل السابع ، كأن يستمر مثلاً في ابقاء الحصار الاقتصادي على دولة ما ، او في استخدام القوات المسلحة ضدها .
وبناءا على ماتقدم فان الرقابة التي تمارسها الجمعية العامة على مجلس الامن ضمن النصوص السابقة ، هي رقابة نظرية اكثر من كونها عملية ، كما انهـا ضعيفة جداً في تأثيرها على سلطات المجلس ان لم تكن معدومة بالمرة . فهي اولاً رقابة مستفادة ضمناً من النصوص المتقدمة وليست قاطعة او مقررة بشكل صريح .
ثم ان الصلاحية التي منحتها المادة العاشرة للجمعية في مناقشة مختلف المسائل الداخلة ضمن الميثاق ، قد قيدت بنص المادة 12/1 الذي يمنع الجمعية من مناقشة مسالة ما اذا كانت قيد نظر المجلس ، كما ان ضعف تأثير الرقابة يبدو واضحاً ايضاً من خلال التعابير التي تضمنتها النصوص الاخرى ، فالمادة 15 نصت على تعبير ( تتلقى الجمعية العامة تقارير سنوية .. ) ، فهـل يعني هذا بالمقابل التزام المجلس على رفع هذه التقارير ؟. ثم ان عبارة ( … وتنظر فيها . ) التي جاءت بها المادة 24 ، قد تفيد بان المراد هو فقط اطلاع الجمعية او اعلامها بالتدابيـر او الاجراءات التي يتخذها مجلس الامن باعتبارها صاحبة الولاية العامة على جميع اعمال المنظمة .
وهكذا يبقى مجلس الامن ـــ في ظل هذه الرقابة الضعيفة او المعدومة ـــ متمتعاًبسلطات واسعة بل ومطلقة ، ليس عليها رقابة فعلية ، عدا رقابته الذاتية التييمارسها بنفسه ضمنياً .
ولذلك فقد وجهت نداءات كثيرة ــ من فقهاء وكتاب ومندوبين دول في الامم المتحدة وغيرها ـــ تدعو جميعاً الى وجوب اعطاء دور بارز وواضح للجمعية العامة في مراقبة سير اعمال مجلس الامن ، ولاسيما عند ممارسته لسلطاته في حفظ السلم والامن الدوليين ،بغية تحقيق التوازن الحقيقي في المهام والواجبات والاختصاصات بيــن الاثنين ، وبشكل يمنــع التداخل أوالغمــوض احياناً في طبيعة مهاموواجبات كل منهما. فالمفروض ان تكون سلطات المجلس بحسب التحليل القانوني للامورـــ مستمدة من الجهة التي خولته او منحته هذه السلطات . أي من الجمعية العامة التي تضم جميع الدول الاعضاء في منظمةالامم المتحدة ، والتي وافقت على ان يعمل نائباً عنها في الاضطلاع بالمهام الرئيسة المتعلقة بحفظ السلم والامن الدوليين بحسب المادة 24 من الميثاق .
اترك تعليقاً