حقوق الطفل بين القانون و الممارسة في المغرب
إدريس لكريني
الحوار المتمدن
المحور: حقوق الأطفال و الشبيبة
يكتسي الاهتمام بالطفل أهمية ملحة لارتباط ذلك بأحد المقومات الحيوية والرئيسية داخل المجتمعات؛ وهي مهمة جماعية يفترض أن يتقاسم المسؤولية بشأنها كل من الدولة ومختلف الفاعلين من أحزاب وجمعيات وأسرة ومدرسة وإعلام..
وإذا كان المغرب قد قطع خطوات تشريعية وإجرائية هامة على طريق تعزيز الحقوق والحريات في العقود الأخيرة؛ بالشكل الذي انعكس بالإيجاب على أوضاع الطفولة وبخاصة بعد التوقيع على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل؛ فإن هناك مجموعة من الإكراهات والتحديات الاجتماعية والصحية والتربوية.. التي تعتور حماية هذه الفئة المستضعفة داخل المجتمع المغربي.
فالعديد من التقارير والدراسات والأبحاث المنجزة من طرف بعض الجمعيات الوطنية ذات الصلة والأكاديميين؛ تكشف يوما بعد يوم البون الشاسع بين النصوص والضوابط القانونية من جهة؛ والواقع الصعب الذي تعيشه هذه الفئة في المجتمع على شتى المستويات والواجهات(الهدر المدرسي، العنف بشتى مظاهره، الإهمال؛ الاعتداء الجنسي؛ التشغيل؛ المخدرات؛ الإعاقة..).
وإسهاما في تعميق النقاش حول هذا الموضوع وتسليط المزيد من الضوء عليه؛ بادرت كل من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ومختبر الدراسات والأبحاث في حقوق الإنسان وبدعم من مؤسسة “فريدريش إيبرت” في المغرب؛ بتعاون مع كلية الحقوق وجامعة القاضي عياض بمراكش؛ إلى تنظيم ندوة وطنية في موضوع: حقوق الطفل: بين القانون والممارسة؛ يومي 15 و16 فبراير 2008؛ وذلك بمشاركة عدد من الباحثين والأطباء والمحامين والقضاة والأطر التربوية وفعاليات المجتمع المدني والمنظمات الدولية.. مما سمح بمقاربات متعددة ومن زوايا مختلفة أسفرت عن توصيات هامة.
وفيما يلي رصد لأهم الأفكار والمعطيات التي وردت ضمن مداخلات ومناقشات السادة المشاركين ضمن فعاليات هذه الندوة:
أولا- التشريع المغربي وحقوق الطفل
إن النهوض بحقوق الطفل؛ هو مدخل حيوي وضمانة أساسية لدعم احترام حقوق الإنسان لدى الأجيال القادمة وهي امتداد له أيضا؛ وهو إجراء يقطع مع مختلف الممارسات المجتمعية السيئة التي تعوق نمو الطفل وتكوين شخصيته بشكل سليم.
وقد اهتم المجتمع الدولي بقضايا الطفولة وحقوقها منذ فترات تاريخية مبكرة من تطور العلاقات الدولية، وهو ما تجسد في بلورة عدد من المبادئ الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان بشكل عام؛ وإبرام مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحمي الطفل في زمن السلم أو خلال فترات الحروب..
وفي سنة 1993 صادق المغرب على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة 1989؛ وفي سياق تكييف المنظومة القانونية والمؤسساتية الداخلية مع المعايير الدولية المتعارف عليها في مجال حقوق الإنسان الذي نصت عليه ديباجة الدستور المغربي لسنة 1996، تم التوقيع على مختلف الاتفاقيات الدولية؛ وإصدار العديد من التشريعات المرتبطة بهذا الشأن.
وفي سياق المحاولات الرامية لدعم حقوق الطفل من خلال المدخل القانوني؛ حرص المشرع المغربي على تكريس المساواة بين المرأة والرجل في منح الجنسية للطفل انسجاما مع المواثيق الدولية؛ في حين لازال التحفظ قائما على المادة 14 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المرتبطة بالحق في اختيار مذهبه الديني نظرا لتعارضها مع مقتضيات الدستور المغربي.
وضمانا لتمتين الرابطة الأسرية، عمل المشرع المغربي على حماية حقوق الطفل من الحمل إلى سن الرشد؛ سواء على مستوى النسب أو الحضانة أو التربية.. وقد أسهمت الشريعة الإسلامية في تعزيز هذه الحقوق بشكل كبير؛ وانسجاما مع ذلك سارت مدونة الأسرة في هذا الاتجاه؛ ذلك أن روحها تجمع بين مسؤولية الأب والأم في رعاية الطفل خلال الزواج أو بعد انحلاله؛ مع التأكيد على الحق في النسب بالنسبة للطفل؛ كما أقرت بعدم التمييز بين الأطفال الشرعيين ومجهولي النسب أو الوالدين؛ حيث منحهم نفس الحقوق.. بالشكل الذي لا يسمح بنفي النسب عنهم رغم حدوث اتفاق في الموضوع بين الوالدين.. وعلاوة على ذلك؛ ضمنها المشرع مجموعة من الحقوق؛ من قبيل الحق في الصحة؛ الحق في الجنسية، الحق في التعليم، الحق في التربية..
وبذلك أسهمت المدونة في تعزيز حقوق الطفل وحمايته ضد مختلف المخاطر والإكراهات الاجتماعية، وذلك كسبيل لتحقيق التوازن بين مختلف مكونات الأسرة..
غير أن هناك مجموعة من الإشكاليات القانونية والاجتماعية التي تعمق معاناة الطفل؛ تظل مطروحة كتلك التوابع الإجرائية والإدارية المرتبطة بمنح اسم للطفل بموجب المدونة في حالة إنكار الأب..
وهناك مجموعة من الاتفاقيات التي أبرمها المغرب مع عدد من البلدان العربية والأوربية ودول المغرب العربي..؛ تستحضر هذه الحقوق في ارتباطها بشؤون الهجرة؛ والأحوال الشخصية والمواد المدنية والتجارية والحضانة وحق الزيارة والحق في النسب، والحق في النمو، وعدم الفصل عن الوالدين، وحق الاجتماع بالأسرة في دولة أخرى، وحق الاستماع للطفل، والحق في الاستفادة من الوسائط الإعلامية؛ والحق في التربية السليمة.. غير أن المشكل المطروح هو عدم نشر عدد من هذه الاتفاقيات الدولية الموقع عليها؛ مما يحول دون تعميم المعرفة والفائدة بمقتضياتها.
ولا يخفى الدور الأساسي الذي يلعبه الاجتهاد القضائي بمختلف درجاته في هذا السياق؛ باعتباره المؤسس الرئيسي للقواعد القانونية لاحقا وباعتباره المحك الحقيقي لبلورة القواعد من خلال الوقوف على مختلف الإشكالات الواقعية.
فقد أثبت هذا الأخير جدارته على مستوى حماية الطفولة وتعزيز حقوقها في عدد من القضايا والمناسبات؛ التي تبلورت في الكثير من الأحكام التي تضمن الحماية الجنائية للطفل في ارتباطها بمخاطر الجنوح والتسول والتشغيل.. أو على مستوى ضمان الرعاية والحضانة.. وهي الحماية التي أكدها وثمنها المجلس الأعلى في عدد من قراراته أيضا.
وتتضاعف أهمية ومسؤولية جهود القضاء في هذا الشأن؛ بالنظر إلى وجود مجموعة من الاختلالات والغموض الذي يعتري عددا من النصوص القانونية المرتبطة بهذا الخصوص؛ فمثلا هناك تناقض داخل التشريع على مستوى الأهلية؛ بين المدونة الأسرة ومدونة التجارة..
وإذا كانت المقاربة القانونية لحقوق الطفل وقضاياه بشكل عام؛ تكتسي أهمية كبرى لما توفره من ضوابط ونصوص تسمح بحماية هذه الفئة؛ فإنها تظل بدون فائدة أو جدوى طالما لم يتم تعزيزها بإمكانات وتدابير إجرائية أخرى تكفل بلورة النصوص على أرض الواقع والممارسة الميدانية.
ثانيا- حماية الطفل في السياسات العامة
تحيل السياسات العامة عادة إلى التخطيط والتدبير وإلى عدد من الفاعلين والتدابير والإجراءات.
ويمكن للمؤسسات الوطنية المرتبطة بحقوق الإنسان كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط.. أن تلعب أدوارا طلائعية على مستوى تعزيز حقوق الطفل؛ من خلال أنشطتها الميدانية في هذا الشأن؛ وكذا عبر تقديم التوصيات والمقترحات لصناع القرار؛ وذلك بالنظر للمواقع المتميزة التي تتبوؤها هذه المؤسسات بين السلطة القضائية والتشريعية.
وتقتضي هذه المهمة في أحد أولوياتها تعزيز الوعي بحقوق الإنسان تبعا للمبادئ الأساسية المعروفة في هذا الشأن والتي نصت عليها القوانين والاتفاقات الدولية ذات الصلة؛ من قبيل: مبدأ عدم التمييز؛ مبدأ ضمان المصلحة الفضلى للطفل؛ مبدأ الحق في الحياة والبقاء والنمو ومبدأ التعبير عن آرائه بحرية.. في أفق تقديم مقترحات بناءة لإعمالها وطنيا.
كما تفرض أيضا دعم المدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق الطفل على وجه الخصوص؛ بما يسمح ببلورة عمل جماعي في هذا الشأن.
في سياق التحولات المجتمعية التي شهدها المغرب في العقود الأخيرة؛ قامت الدولة في السنوات الأخيرة بمجموعة من المبادرات التي تجسد نوعا من الانفتاح على قضايا الطفولة في ارتباطها بمجالات الصحة والتربية والتعليم..؛ وهو ما تترجمه السياسات العامة في هذه الشأن؛ غير أن هناك مجموعة من مظاهر القصور التي تشوش على هذه الجهود؛ من قبيل تفشي العنف والتسول والاستغلال بكل مظاهره.. في أوساط الأطفال.
فعلى المستوى التشريعي؛ وإن كان هناك تطور على المستوى الكمي للقوانين؛ فإن عددا من النصوص الصادرة في هذا الشأن تكتسي صبغة ظرفية ولا تسمح بحدوث تحول فعال؛ كما أنها تعطي حقوقا للطفل في حالات عامة؛ ناهيك عن عدم إشراك جمعيات الطفولة في صناعة التشريع؛ وعدم اهتمام هذه الأخيرة بمختلف هذه النصوص.. وهي عوامل تفضي إلى القول بغياب سياسة تشريعية محددة في مجال الطفولة.
أما الفاعلون المتدخلون الرسميون في هذا المجال؛ فهم متعددون(قطاع الصحة؛ قطاع الطفولة والشباب؛ قطاع التعليم؛ قطاع العدل..)؛ وهو ما يفرز صعوبات على مستوى تشخيص الاختلالات؛ ومن حيث التداخل في المسؤوليات والتنسيق والمتابعة وأدوات العمل..
إن التعدد هو سمة تطبع أيضا الفاعلين غير الرسميين من منظمات غير حكومية وجمعيات؛ غير أن هذه الأخيرة لا تشتغل في سياق شبكة؛ مما يضعف التنسيق والتعاون ويؤثر سلبا على المردودية في هذا الصدد.
إن الإنجازات الكمية لا تصمد ولا تحقق الأهداف المأمولة؛ إذا لم تنبني على مقاربات مندمجة وشاملة؛ ومن هذا المنطلق؛ يمكن إن بغياب رؤية استراتيجية في هذه السياسات على مستوى الإجراءات والمساطر ومتابعة النتائج..
ومن ضمن التجارب التي قادها المجتمع المدني في هذا الصدد؛ نذكر تجربة المرصد الوطني لحقوق الطفل الذي أحدث سنة 1995؛ وذلك في أعقاب توقيع المغرب على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل سنة 1993؛ حيث عمل على الدفع باتجاه إعمال مقتضيات الاتفاقية ميدانيا، ومحاولاته لتحسين أحوال الأطفال؛ وذلك من خلال مؤتمراته المنتظمة التي تجري كل سنتين من أجل تقييم الحصيلة وبلورة برامج عمل مستقبلية.
وعلى مستوى التربية والتعليم؛ الذي يفترض فيه أن يلعب أدوارا حيوية على مستوى تكوين وتنشئة أطفال مبدعين وقادرين على طرح التساؤلات في المستقبل..؛ فإن الدراسات والإحصائيات الواردة في هذا الشأن والتي تبرز هزالة هذا القطاع على مستوى المضمون والاستراتيجيات المتبعة؛ تستدعي التأمل – رغم المجهودات التي تمت في هذا الصدد (البرنامج الوطني للتربية والتكوين الذي اهتم في جانب مهم منه بتعليم الأطفال)-؛ وبخاصة على مستوى غياب الجودة، مما يؤثر على نوعية التعليم ويعوق تعميم التمدرس؛ وهزالة الإمكانيات البيداغوجية والبشرية والمادية والتقنية المرصودة؛ وعدم الاهتمام بمستوى التعليم الأولي..
ومما يزيد الطين بلة هناك الضعف المسجل على مستوى تدخل المحيط من أسرة، ومجتمع المدني.. باتجاه التأثير نحو تحسين مستوى التعليم.
وإذا كانت المواثيق الدولية قد أكدت على الحق في التعليم بالنسبة للطفل في مختلف المراحل والأسلاك؛ فإن الهدر المدرسي ينتشر بشكل مكثف في أوساط هذه الفئة؛ ذلك أن اثنين فقط من التلاميذ يجتازون امتحانات الباكالوريا من ضمن عشرة أطفال يلتحقون بالمدرسة.
ولعل التقرير الأخير للبنك الدولي الذي وضع المغرب في مراتب متدنية من حيث المستوى التعليمي؛ دق ناقوس الخطر بالنسبة للاختلالات البيداغوجية والتمويلية والتحفيزية في السياسة التعليمية بالمغرب.
يلعب الإعلام من الناحية الافتراضية دورا أساسيا وتأثيرا كبيرا على مستوى تنشئة الطفل وتثقيفه وتعليمه.. من جهة؛ والتعريف بحقوقه ومشاكله من جهة أخرى؛ غير أن واقع الإعلام المغربي في شتي مظاهره وصوره؛ يؤكد وجود قصور على مستوى هذه الوظائف؛ ولعل ما يؤكد هذا الطرح هو تلك الصورة الإعلامية النمطية التي تقدم عن الطفل في مختلف البرامج والفواصل الإشهارية؛ التي لا تخلو من إساءة نفسية وتربوية للطفل في بعض الأحيان..
وفي الوقت الذي تفتقر فيه الساحة الإعلامية المكتوبة منها والمرئية والمسموعة لإعلام بناء خاص بالطفل؛ تطرح سهولة الولوج إلى المواقع الإلكترونية بمختلف أصنافها الترفيهية والتعليمية والإباحية أيضا ومدى انعكاسها الآني والمستقبلي على تكوين الطفل.
ثالثا- حماية الطفل: المعيقات والرهانات
حظي الطفل باهتمام وحماية القانون؛ منذ وجوده في رحم أمه إلى مرحلة الرشد؛ حيث ضمن المشرع الحماية اللازمة للأم الحامل من الأعمال الشاقة أو حمايته أيضا ومنع تحميله ما لا يطيق..
ورغم وجود عدد من القوانين الداخلية والاتفاقيات الدولية التي تحرم تشغيل الأطفال بالنظر لبنياتهم الضعيفة..؛ فإن هذه الظاهرة المشينة لازالت تنتشر بصورة مكثفة في عدد من المجتمعات ومن ضمنها المغرب.
وفي خرق سافر لمختلف الضوابط القانونية الوطنية والاتفاقية الدولية المرعية؛ تنامى تشغيل الأطفال بشكل ملموس تحت ظروف وعوامل عدة.
وتشير مختلف التقارير والدراسات إلى أن عددا من الأطفال يشتغلون في ظروف صعبة مقابل أجور هزيلة لا تتواءم والمجهود المبذول؛ كما أن عددا منهم يلجأ لذلك تحت ضغط ظروف وإكراهات اجتماعية واقتصادية حرجة تدفع بعضهم لإعالة أسر بكاملها.
والحقيقة أن مواجهة هذه الظاهرة مسؤولية جماعية تتقاسمها الدولة بمختلف مؤسساتها والمجتمع المدني والاسرة..؛ وهي تبدأ من مكافحة الفقر وإحداث البنيات الاجتماعية والتربوية الأساسية في المدن والقرى والتأهيل الاقتصادي للأسر.
ومن ضمن الظواهر الخطيرة التي أصبحت تتفشي بصورة ملفتة في السنوات الأخيرة كذلك؛ هناك الاعتداء الجنسي على الأطفال؛ الذي يتخذ أشكالا ومظاهر عديدة(فمية، شرجية، مهبلية، التعري أمام الطفل..)، وقد يأتي من داخل المحيط العائلي أو من خارجه.
وهي وإن كانت ظاهرة قديمة؛ فقد تم التعامل معها لعقود طويلة بنوع من التستر والكتمان لاعتبارات اجتماعية وثقافية، غير أن الأمر تغير في السنوات الأخيرة؛ بعدما بدأ الحديث بجرأة عن الظاهرة من قبل وسائل الإعلام المختلفة وفعاليات المجتمع المدني وبخاصة مع تزايد استعمال “الأنترنت” وانتشار القنوات الفضائية الأجنبية؛ بالإضافة الانعكاسات السلبية لبعض مظاهر السياحة السيئة..
ويمكن إجمال الأسباب والعوامل التي تقف خلف هذه الظاهرة في الهجرة، الفقر؛ الأمية؛ المشاحنات عائلية؛ السكن الغير اللائق، سوابق إجرامية، انحرافات، مخدرات..
وإذا كان هذا الاعتداء يخلف أعراضا جسدية متفاوتة الخطورة كالتعفنات والحمل في بعض الأحيان والأمراض المتنقلة جنسيا..؛ فإنه يخلف آثارا واضطرابات نفسية وخيمة العواقب على شخصية الطفل وسلوكاته المستقبلية.
إن مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تتهدد الأطفال والقاصرين؛ تتطلب تفعيل العقوبات الزجرية وبخاصة وأن القانون الجنائي المغربي المعدل لسنة 2002 طرح الظاهرة وطوقها بمجموعة من الضوابط الصارمة؛ وبلورة جهود فعالة من خلال إحداث مراكز لمساعدة الضحايا على تجاوز معاناتهم وعلى الاندماج في المجتمع؛ وبلورة برامج للتوعية والتحسيس بمخاطر الظاهرة بمختلف أبعادها النفسية والتربوية والاجتماعية..
وهناك أيضا آفة المخدرات التي أصبحت تتزايد بشكل مطرد في أوساط الأطفال؛ وهي كل مادة تؤثر على سيكولوجية الإنسان؛ وتنقسم إلى مواد مخدرة تمنح للمرضى تحت رقابة الطب؛ وهناك مواد مخدرة أخرى ممنوعة مثل الحشيش؛ الهروين والكوكايين.. وتطرح خطورة هذه الأخيرة بالنسبة للمراهق الذي يبحث عن المغامرة والتجارب الجديدة.
وقد لاحظ الأخصائيون أن الطفل باستعماله للمخدرات لا يبحث عن المتعة؛ بقدر ما يريد من خلالها عن التخلص من المعاناة والمشاكل.. وهو ما يؤكد ارتباط استعمالها بمجموعة من المشاكل والإكراهات الاجتماعية(فقر؛ هروب من البيت؛ أمية؛ عنف..) بالإضافة إلى بعض العوامل النفسية(خجل؛ اكتئاب؛ عدم الثقة في النفس؛ فشل في ربط علاقات اجتماعية والاندماج في المحيط المجتمعي؛ الفشل الدراسي؛..).
وقد لوحظ أن هناك فئة من الأطفال تتحمل بقسط وافر هم هذه الآفة كالأيتام والمهملين والأميين والمعاقين والفقراء..
ويكتسي عرض الأطفال المدمنين أو المبتدئين على الأطباء والأخصائيين بشكل مبكر أهمية كبرى على طريق تطويق تطور المشكل؛ كما أثبتت السبل الوقائية فعاليتها ونجاعتها في احتواء هذه الظاهرة؛ من خلال الدور المحوري للأسرة في هذا الشأن؛ والانخراط في النوادي والجمعيات وممارسة مختلف الأنشطة الرياضية، والتمدرس، وتحمل الأسرة لمسؤولياتها التربوية في هذا الشأن والإنصات إلى الأطفال..).
وهناك ظاهرة قاسية أخرى تتفشى في وسط الأطفال؛ ويتعلق الأمر بظاهرة التشرد؛ التي تعد نتاجا لعدد من العوامل المعقدة والمتشابكة في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والأسرية والنفسية..
وإذا كان هناك من يسمي ضحايا هده الظاهرة:الأطفال المشردين، فهناك من الباحثين من لاحظ أن هذه التسمية تنطوي على عنف رمزي، لكونها تجرد الأطفال من كرامتهم الإنسانية؛ ولذلك يعتقدون بأحقية تسميتهم بالأطفال في سياق محفوف بالمخاطر.
وتشير الدراسات والإحصائيات المرتبطة بهذا الشأن؛ أن هؤلاء الأطفال الذين يحترفون مهنا حقيرة كمسح الأحذية وبيع السجائر بالتقسيط وبيع الأكياس البلاستيكية..؛ يعانون من أمراض عضوية ونفسية؛ ويعيشون ظروفا قاسية؛ وبخاصة وأن سن البعض منهم لا يتجاوز أربع سنوات..
ويطرح موضوع الإعاقة بأشكاها المختلفة(الحركية والذهنية أو تلك المرتبطة بالسمع والبصر..) في أوساط الأطفال؛ مجموعة من الإشكالات؛ أولها عدم دقة الأرقام الواردة بخصوص العدد للإجمالي لهذه الفئة الاجتماعية.
وتحيل الإعاقة إلى وجود مشكل لدى الشخص؛ بالشكل الذي يجعله بحاجة إلى مساعدة الآخرين؛ ويصبح الأمر أكثر صعوبة وخطورة عندما يتعلق الأمر بالأطفال.
إن أسباب الإعاقة لدى الطفل متعددة وغالبا ما ترتبط بظروف الولادة والمشاكل المرتبطة بها..؛ وهناك مجموعة من الإعاقات التي من المكن تداركها وعلاجها في فترات مبكرة قبل الاستفحال.
وقد صدرت مجموعة الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل منذ مطلع القرن الماضي؛ أدرجت ضمنها حقوق المعاقين.
وعلى الصعيد الوطني؛ تم إعمال مجموعة من التدابير والتسهيلات القانونية والإجرائية التي استهدفت إدماج المعاقين في المجتمع، في مجالات الرعاية الصحية والتعليم.. غير أن هناك مجموعة من الصعوبات والمشاكل مازالت مطروحة في هذا الخصوص؛ فإحداث بطاقة المعاق ووجه بمجموعة من المشاكل؛ نظرا لارتباطها بعدد من المتدخلين؛ ولتهافت عدد من غير المعاقين “الحقيقيين” عليها(البطاقة).
كما أن الطفل المعاق لا يجد الشروط اللازمة الكفيلة لاندماجه بصورة حقيقية في المجتمع، سواء على مستوى الولوجيات أو المساعدة الطبية والاجتماعية والتربوية.. الكافية في هذا الشأن. وتطرح هنا مشاكل الأطفال المعاقين ذهنيا والذين يعانون في صمت نتيجة التخلف الكبير الحاصل على مستوى إدماجهم في قطاع التعليم.
ورغم الجهود المبذولة من قبل بعض الجمعيات في هذا الشأن، إلا أنها تظل محدودة بالنظر إلى قلة الإمكانيات التقنية والمادية والبشرية..
ومن جهة أخرى؛ يتعرض الطفل في أحيان كثيرة إلى أشكال مختلفة من العنف(عنف الأسرة، عنف الشارع، عنف محيط العمل؛ العنف ضد الخادمات القاصرات؛ العنف الجنسي..)، المادي منها أو النفسي والرمزي الذي يخلف آثارا ومعاناة نفسية صعبة ومستمرة…
ويكتسي هذا العنف خطورة كبرى على التكوين الجسدي والنفسي للطفل؛ ويزداد الأمر خطورة مع وجود ثقافة اجتماعية تشرعنه وتبرره ووجود آليات إيديولوجية تسهم في استمراره؛ فعلاوة على اعتبار العقاب الموجه للطفل وسيلة “للتربية والتهذيب”؛ فهو من هذا المنظور الاجتماعي التقليدي السائد حق أيضا؛ يتم التعامل من خلاله مع الطفل كراشد؛ كما أن من يتلقاه يقبل به ويقر بمشروعيته.
وتفرض هذه الوضعية الصعبة بلورة برامج مكثفة للتوعية من جهة؛ وإحداث مراكز نفسية واجتماعية وصحية؛ تقف على هذه الظاهرة وتقدم المساعدة والعلاجات اللازمة لضحاياها.
توصيات
أسفرت أشغال الندوة التي قاربت موضوع حقوق الطفل من جوانب وزوايا عدة؛ عن مجموعة من التوصيات الهامة التي تشكل في مضمونها لبنات أساسية بإمكان اعتمادها أن يسهم في بلورة إصلاحات تروم تطوير ضوابط وآليات حماية الطفولة في شتى مظاهرها وأبعادها.
ويمكن إجمال هذه التوصيات في:
– تعزيز الدعم المادي واللوجستي في السياسات العامة المرتبطة بالطفولة.
– التنسيق بين مختلف المتدخلين الرسميين وغير الرسميين باتجاه بلورة سياسة تدخلية متكاملة وفعالة.
– بلورة خطة وطنية شاملة في مجال حماية الطفولة.
– نشر الاتفاقيات الدولية المرتبطة بحقوق الطفل.
– تجاوز مختلف التناقضات الحاصلة بين مختلف القوانين واالتشريعات بصدد حقوق الطفل.
– حذف المادة 20 من مدونة الأسرة التي تشجع الاعتداء الجنسي على الطفل من خلال إعطاء الإذن لتزويج القاصر.
– إيلاء الاهتمام إلى قطاع التعليم العمومي بما فيه التعليم الأولي.
– دعم مشروع إنشاء مركز متعدد الاختصاصات لمعالجة وتأهيل الأطفال المعاقين بمختلف المناطق بالمغرب.
– دعم المؤسسات الجمعوية العاملة في حقل التربية والطفولة والإعاقة.
– إحداث أقسام استعجالية بالمستشفات مختصة بالطب النفسي للأطفال.
– استثمار الإشهار ومختلف البرامج والمواد الإعلامية التلفزية والإذاعية والمكتوبة لتقديم معلومات ورسائل تربوية إيجابية للطفل.
اترك تعليقاً