_ أولاً : وقوع الجريمة بكامل ركنها المادي على اقليم الدولة :
ويشمل الركن المادي للجريمة عناصر ثلاثة : السلوك ، والنتيجة ، وما يربط بينهما من صلة السببية . وبالتالي فمن يطلق في مصر عياراً نارياً على آخر فيرديه قتيلاً يكون خاضعاً لقانون العقوبات المصري ، ومن يزور في مصر محرراً رسمياً ويستعمله في الغرض الذي زور من أجله يكون خاضعاً لقانون العقوبات المصري عن جريمة تزوير واستعمال محرر مزور .
_ ثانياً : تحقق أحد عناصر الركن المادي فحسب على اقليم الدولة :
حيث تعتبر الجريمة مرتكبة في مصر اذا وقع السلوك المكون لها على الاقليم المصري ولو حدثت النتيجة في دولة آخرى ، كمن يستخدم وسائل احتيالية في مصر لارتكاب جريمة نصب ، ويتم الاستيلاء على مال المجني عليه في دولة آخرى أو العكس كمن يعطي لأخر على وشك السفر سماً يقصد قتله في مصر ” السلوك ” ؛ فيسافر المجني عليه ويموت في دولة آخرى ” النتيجة ” ، أو العكس اذ يتجرع السم في الخارج وتتحقق الوفاة في مصر . وأخيراً تعتبر الجريمة وكأنها وقعت على الاقليم المصري وتخضع بالتالي لقانون العقوبات المصري اذا حدث السلوك والنتيجة كلاهما خارج مصر لكن صلة السببية تحققت على الأرض المصرية بانتاج الفعل آثاره فيها ، ومثال ذلك أن يرسل شخص في اليونان طرداً متفجراً الى شخص آخر في مصر فينفجر هذا الطرد على الاقليم المصري ويسافر المجني عليه الى فرنسا للعلاج فيموت هناك ، ففي هذا الفرض ينعقد الاختصاص لقوانين ثلاث دول وهي على التوالي اليونان ” دولة السلوك ” ، ومصر ” دولة تحقق صلة السببية ” ، وفرنسا ” دولة النتيجة “
_ ثالثاً : تحقق جزء من عنصر السلوك على اقليم الدولة :
وتمثل هذه الحالة مظهراً ملحوظاً للتوسع في اعمال مبدأ الاقليمية ، اذ يكفي وقوع السلوك في جزء منه في اقليم الدولة ولو تحقق باقي السلوك في دولة آخرى . و على خلاف المشرع المصري فقد نص المشرع الفرنسي صراحة على هذه الحالة . ولم يتردد القضاء أحياناً في اعتبار أن مجرد اجراء ” مكالمة هاتفية ” في فرنسا من شخص يقيم في دولة آخرى بشأن جريمة خيانة أمانة وحيازة الأموال المتحصلة عنها ما يكفي لاعتبار الجريمة من جانب هذا الشخص قد تحققت في الاقليم الفرنسي . واعتبر القضاء المصري أن دفع جزء من مبلغ الرشوة في مصر يكفي لاعتبار الجريمة قد وقعت على الاقليم المصري ولو كانت باقي الأفعال قد تحققت خارج مصر .
_ رابعاً : وقوع جريمة أصلية على اقليم الدولة من جانب شخص في الخارج يعتبر فاعلاً لها أو شريكاً فيها :
وقد نص المشرع المصري على هذه الحالة صراحة و هي تعتبر حسبما يخلص الفقه محض تطبيق لمبدأ الاقليمية لا أكثر . و مؤدى هذه الحالة خضوع الجريمة لقانون العقوبات المصري رغم أن فاعلها أو الشريك فيها موجود في الخارج ” فالعبرة في مبدأ الاقليمية بمكان وقوع الجريمة بصرف النظر عن مكان تواجد الفاعل ” سواء كان الفاعل مصرياً أم أجنبياً ، وسواء كان فعله معاقباً عليه في قانون الدولة التي يقيم فيها أم لا . ولئن كان قانون العقوبات المصري يسري على الجرائم الواقعة بناء على فعل من أفعال الاشتراك في الخارج ، فان هذا القانون لا يسري على العكس على أفعال الاشتراك التي تتحقق في مصر ويترتب عليها وقوع جريمة في الخارج . لكن القضاء المصري لم يتردد في اعمال مبدأ الاقليمية على أفعال تحريض ومساعدة ” وهما من قبيل المساهمة الجنائية ” وقعت على الاقليم المصري . كما لا يسري من باب أولى على كافة الأعمال التحضيرية التي تقع على الاقليم المصري . ويبدو موقف القانون المصري من اهمال أفعال المساهمة التي تقع في مصر لجريمة أصلية تحدث في الخارج متبايناً مع موقف القانون الفرنسي هو أمر يمكن للمشرع المصري تداركه بتعديل تشريعي لاسيما و أن مثل هذا التعديل المرجو يتفق مع ضرورات مكافحة ظاهرة الجريمة عبر الوطنية التي يغلب أن تتوزع فيها الأدوار على اقليم أكثر من دولة . ويتجلى ذلك على وجه الخصوص في مجال جرائم غسيل الأموال وتزييف العملة و جرائم الارهاب .
_ خامساً : البدء في تنفيذ فعل مكون لجريمة الشروع على اقليم الدولة :
وهو لا يكفي لانعقاد اختصاص قانون ومحاكم هذه الدولة رغم عدم تحقق النتيجة لسبب لا دخل لارادة الجاني به . ويظل الاختصاص معقوداً لقانون دولة الاقليم ولو كان من المحتمل تحقق النتيجة على اقليم دولة ثانية . ومثال ذلك أن يعطي شخص في مصر سماً الى آخر على وشك السفر الى دولة آخرى ، فيتم اسعاف المسافر بالعلاج ، ففي هذا الفرض يخضع من أعطى السم للقانون المصري رغم عدم حصول النتيجة بوصفه مرتكباً لجريمة شروع .
اترك تعليقاً