التنظيم القانوني لتسوية منازعات العقود الإدارية في العراق
الكاتب : م.م. علي سعد عمران
باحث مشارك في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية
تدريسي في كلية القانون – جامعة كربلاء
يعد العقد الإداري واحدا من الوسائل التي تتبعها الإدارة لتنفيذ التزامها الأساسي بتحقيق المصلحة العامة , وليس كل عقد تبرمه الإدارة مع الأشخاص الطبيعية أو المعنوية يطلق عليه “عقدا إداريا” بل إن العقد الإداري يشترط فيه أن يرتبط بخدمة مرفقا من مرافق الدولة , وان تتمتع الإدارة بمقتضاه بمجموعة من الشروط التعاقدية غير المألوفة , أي تلك التي لايستطيع الأفراد أن يضمنوها في عقودهم , بحيث تعد هذه الشروط من مظاهر السلطة العامة التي تتحقق للإدارة فقط .
وتذهب اغلب الدول التي تتبنى نظام القضاء الإداري إلى إيكال مهمة الفصل في المنازعات العقود الإدارية بالمفهوم المتقدم إلى القضاء الإداري دون القضاء المدني كما هو الحال في فرنسا وجمهورية مصر العربية ولبنان . أما في العراق فلطالما كانت منازعات العقود الإدارية خاضعة لاختصاص النظر من القضاء المدني ممثلا بمحكمة البداءة , وما ذلك إلا تطبيقا لنص المادة (3) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 التي تنص على أن (تسري ولاية القضاء على جميع الأشخاص الطبيعية والمعنوية , العامة والخاصة , إلا ما استثني بنص خاص ) . ولم تكن منازعات العقود الإدارية مستثناة بنص خاص من الخضوع لولاية القضاء المدني , لاسيما وان العراق والى حد عام 1989 كان من دول القضاء الموحد دون القضاء الإداري .
وحينما جاء قانون التعديل الثاني ذي الرقم 106 في عام 1989 لقانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 , الذي استحدث قضاء إداري في العراق , كانت الآمال معقودة على أن يدخل هذا القانون منازعات العقود الإدارية ضمن اختصاصات محكمة القضاء الإداري. غير إن نص المادة (7/ثانيا – د) نصت على أن (تختص محكمة القضاء الإداري بالنظر في صحة الأوامر والقرارات الإدارية التي تصدر من الموظفين والهيئات في دوائر الدولة …) .
وبذلك فأن العقد الإداري يكون مستثنى من اختصاص محكمة القضاء الإداري وليظل القضاء المدني هو صاحب الولاية بنظر منازعات العقود الإدارية .
ومع ذلك فان القرارات الإدارية التي لا تدخل في ماهية العقد الإداري أو تلك التي لا تدخل فيما يرتبه العقد من التزامات بين طرفيه تكون داخلة ضمن اختصاصات محكمة القضاء الإداري بوصفها قرارات إدارية قابلة للطعن فيها أمامها حيث يجوز الطعن بهذه القرارات المنفصلة عن ماهية العقد الإداري والصادرة بمناسبته كقرارات الإذن بإبرام العقد , قرارات تصديق العقد أو اعتماده , لان هذه القرارات تعد من الإجراءات السابقة على إبرامه ولا تعد من أركان العقد الإداري .
وفي عام 2004 صدر الأمر التشريعي الخاص بالعقود العامة عن سلطة الائتلاف المنحلة بالرقم 87 وأبان ثلاثة طرق لتسوية منازعات العقود الإدارية . حيث أشار في القسم 12 منه – الذي جاء معنونا بتسوية المنازعات – بتشكيل محكمة إدارية متخصصة تنظر في بعض منازعات العقود الإدارية .
على أن الأمر لم يبين كيفية تشكيل هذه المحكمة , غير أنه أجاز لمقدم العطاء , الذي يظن بأنه ظلم في قرار التعهدات العامة الحكومية أو يعتقد بان أحكام المناقصة قيدت وبشكل غير عادل المنافسة الحرة والنزيهة وبأسلوب أبعده عن المنافسة بصورة غير لائقة , أن يقدم اعتراضا لدى المحكمة الإدارية .
ثم بين بأن للمحكمة أن تصدر قرارها حول الاعتراض في أقرب وقت ممكن ويكون لها أن تتخذ قرارا بإلغاء العقد الممنوح وإعادة متطلبات وتقييم المناقصات المستلمة مقابل الإيفاء , أو اتخاذ أية إجراءات ضرورية تنسجم وأمر العقود العامة .
ثم أوضح الأمر التشريعي الأثر القانوني لما ستصدره المحكمة الإدارية من قرارات حيث يكون لها اذا وافقت على قبول الاعتراض وحكمت لصالح المناقص المعترض أو أمرت الوكالة (الجهة الإدارية) صاحبة التعاقد باتخاذ الإجراء الصحيح , وبذلك يكون للوحدة الإدارية أو الوكالة الحكومية أن تلغي العقد فورا مع المقاول الأول الذي رست عليه المناقصة . وبذلك يكون أثر حكم هذه المحكمة هو إلغاء العقد .
كما أنه يتضح إن سلطات هذه المحكمة واردة على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر كما صرح بذلك الأمر الخاص بالعقود العامة . وهذا هو الطريق الأول لتسوية المنازعات المنصوص علي في الأمر المذكور .
أما الطريق الثاني فيتمثل بحق تقديم الشكاوي , حيث يكون للمقاول الحق برفعها إلى السلطة الإدارية التي تطرح المناقصة العامة حينما لا تتبع شروط العقد أو انتهكتها بشكل غير عادل .
كما يثبت هذا الحق إلى المقاول الذي الغي عقده نتيجة لقرار المحكمة في حال عدم حصوله على التعويض عن العمل الذي أنجزه بموجب العقد الملغي لكنه لم يحصل على شيء بعد.
فان أصدرت الجهة الإدارية قرارها حقيقة أو حكما ولم يكن المقاول مقتنعا به جاز له الطعن استئنافا – كما هي التسمية الواردة في الأمر – أمام محكمة مختصة بالمنازعات بين الحكومة والأطراف الأهلية أو محكمة مختصة بالنظر في تلك القضايا .
وأما الطريق الثالث لفض منازعات العقود العامة حسب الأمر المذكور فهو التحكيم – وأن لم يسمه الأمر بهذه التسمية – حيث أشار القسم (12) بان تتم التسوية البديلة للنزاع شرط أن يتفق الطرفان عليها .
ثم صدرت تعليمات تنفيذ العقود الحكومية بالرقم (1) في عام 2008 من وزير التخطيط, تنفيذا لنص القسم (14/1) الذي أشار بان (يصدر وزير التخطيط تعليمات إدارية لتنفيذ هذا الأمر) . وقد جاء في المادتين (10- 11) منها تفصيلات فض المنازعات التي تثيرها العقود الإدارية , والتي سنوضحها في الآتي :
فبالنسبة للمادة (10) فقد جاءت تحت عنوان ” آلية فض المنازعات قبل التعاقد “ وهي بذلك تعالج إشكالية وجود أية منازعة قبل أن يرتب العقد آثاره . حيث جاءت المادة المنوه عنها باليتين اثنتين لفض المنازعات قبل التعاقد وهما :
الآلية الأولى : وتتمثل بتشكيل لجنة في كل وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم , للنظر في الاعتراضات والشكاوى التعاقدية (وذلك بعد صدور قرار إحالة المناقصة ) , ترتبط هذه اللجنة بالوزير أو المحافظ أو من يخوله وتتألف من مجموعة من الخبراء والاختصاصيين ومقرر للجنة لا يقل عنوانه الوظيفي عن ملاحظ .
حيث تتولى هذه اللجنة دراسة الاعتراضات والشكاوى المقدمة خلال سبعة أيام من تاريخ صدور قرار الإحالة والتبلغ به , وتقدم بعد ذاك توصية إلى الوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة أو رئيس جهة التعاقد في الإقليم والمحافظة غير المنتظمة في إقليم خلال مدة لا تتجاوز (15) يوم من تاريخ إيداع الشكوى لدى جهة التعاقد وعلى الوزير أو المحافظ البت فيها خلال سبعة أيام وعدم البت يعد رفضا لها .
ويترتب على تقديم الشكوى أن تتريث الجهات التعاقدية بتوقيع العقود لحين حسم الموضوع من الوزير أو المحافظ خلال هذه المدة الزمنية المحددة لها , على أن يقدم المعترض تعهد رسمي بدفع قيمة الأضرار الناجمة , لمصلحة جهة التعاقد عن التأخر بتوقيع العقد لأسباب كيدية أو غير مبررة .
الآلية الثانية : تشكيل محكمة إدارية في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي بقرار من وزير التخطيط برئاسة قاضي وعضوية ممثل عن وزارة التخطيط لاتقل درجته عن مدير عام وعن اتحاد المقاولين العراقيين واتحاد الغرف التجارية من ذوي الخبرة (وبذلك يكون عدد أعضاء المحكمة أربعة وهو ما يتعارض مع ماهو متعارف عليه من تشكيل الهيئات القضائية من عدد فردي وليس زوجي لأنها مسألة ذات أثر عند إصدار الحكم .) .
هذا وتختص المحكمة المذكورة بالنظر في اعتراضات مقدمي العطاءات على قرارات الإحالة للمناقصة وذلك خلال مدة سبعة أيام من تاريخ صدور قرار الوزير المختص أو رئيس جهة التعاقد في الإقليم أو المحافظات بموضوع الشكوى المذكور سلفا .
على أن تنظر المحكمة بموضوع الشكوى أو الاعتراض خلال مدة لا تتجاوز (120) يوم من تاريخ دفع الرسم القانوني . ويكون قرار المحكمة باتا أن لم يقدم عليه طعنا لدى محكمة الاستئناف المختصة خلال 30 يوم من اليوم التالي لإصدار قرارها .
وتمارس المحكمة اختصاصاتها الواردة في الأمر الصادر عام 2004 والتي هي مذكورة على سبيل المثال (وهو ما يتعارض أيضا مع ما هو سائد في التشريعات من تحديد لاختصاصات الهيئات القضائية وهو ما يزيدنا يقينا بأنها ليست محكمة بل لجنة إدارية تضم في ثناياها قاض لذا فهي اسم على غير مسمى ) . وتتولى وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي متابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن المحكمة بالتنسيق مع الجهات المعنية .
ولابد لنا من الإشارة إلى أن المحكمة الإدارية قد تم إلغاء وجودها القانوني بصدور القانون رقم 18 في عام 2013 قانون التعديل الأول لأمر العقود العامة المذكور في أعلاه , وبحسب المادة (2) من قانون التعديل الأول فانه يتولى القضاء العادي (محكمة البداءة) النظر في المنازعات التي كانت تتولاها المحكمة الإدارية . وياحبذا لو أن المشرع اغتنم فرصة التعديل التشريعي ومنح الاختصاص بنظر منازعات العقود الإدارية إلى محكمة القضاء الإداري لاسيما بعد صدور التعديل الخامس لقانون مجلس شورى الدولة في عام 2013 .
أما بالنسبة للمادة (11) من التعليمات , فإنها تتحدث عن آليات فض المنازعات بعد توقيع العقد , أيا كان هذا العقد . والآليات التي أوجدتها هذه المادة هي الآتي :
1- التوفيق : ويكون من خلال تشكيل لجنة مشتركة بين طرفي النزاع لدراسة موضوع الخلاف , والاتفاق على المعالجات حسب أحكام القوانين والتعليمات النافذة في شأن موضوع النزاع .
2- لجنة التحكيم (التحكيم الوطني) : ويكون باختيار كل من طرفي النزاع حكما يمثله من ذوي الخبرة والاختصاص بموضوع النزاع ويختار المحكمان محكما ثالثا لرئاسة لجنة التحكيم , وفي حالة تعذر ذلك تتولى محكمة الموضوع اختيار المحكم الثالث . وتقوم لجنة التحكيم بدراسة الموضوع محل النزاع بكل حيثياته , وتصدر اللجنة قرارها النهائي لحسم النزاع ويتحمل الطرف الخاسر نفقات التحكيم , هذا ويكون ملزما قرار لجنة التحكيم بعد تصديقه من محكمة الموضوع وفقا للقانون . حري بالإشارة إلى إن قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل قد نظم الأحكام التفصيلية للتحكيم في المواد 251- 271 منه . بالتأكيد فانه يتم اللجوء إلى هذه الوسيلة حينما يكون المتعاقد مع الإدارة وطنيا أي يحمل الجنسية العراقية .
3- اللجوء الى القضاء المختص : بينت المادة أعلاه بإحالة النزاع إلى المحاكم المختصة لإصدار حكمها بموضوع النزاع مع الأخذ بنظر الاعتبار القانون الواجب تطبيقه لفض هذه النزاعات .
4- التحكيم الدولي : حيث يكون لجهة التعاقد اختيار التحكيم الدولي لفض المنازعات بشرطين :
أ. أن يكون احد أطراف العقد أجنبيا .
ب. أن ينص على ذلك في العقد ذاته .
مع الأخذ بنظر الاعتبار الآلية الإجرائية المتفق عليها في العقد عند تنفيذ هذه الطريقة وان يتم اختيار إحدى الهيئات التحكيمية الدولية المعتمدة لحسم النزاع .
اترك تعليقاً