تنقسم المنظمات الدولية من حيث السلطات التي تتمتع بها الى منظمات دولية ذات طابع تعاوني و منظمات فوق الدول . فالمنظمة ذات الطابع التعاوني هي تلك التي يقتصر دورها على مجرد تنسيق العلاقات بين الدول الأعضاء و على تحقيق التعاون بينها في مجال أو أكثر من مجالات التعاون الدولي .
ولا شك أن هذا هو الأصل في انشاء المنظمات الدولية حيث أن :
1- المتتبع لتطور فكرة المنظمات الدولية يلاحظ أنها كانت بديلاً لنظام المؤتمرات الدولية ولكن بطريقة تنظيمية ، وشريطة أن لا تؤثر على سيادة الدول الأعضاء فيها .
2- نظام التصويت في المنظمات الدولية يجب أن يحترم ارادة و سيادة الدول الأعضاء فيها . حيث حرص في البداية على الأخذ بقاعدة الاجماع ، وحتى مع تطور المنظمات الدولية لم تتخلى تماماً عن قاعدة الاجماع أو الأغلبية الخاصة في التصويت على مسألة ذات أهمية .
3- ويؤكد الطابع الاختياري للمنظمات الدولية خضوع تنفيذ قراراتها وتوصياتها للسلطة التقديرية للدول الأعضاء فيها . وتبعاً فانه من الصعب وجود منظمة دولية تختص ذاتياً باصدار قرارات ملزمة للدول الأعضاء فيها ولا تدع فرص للخيار أمام هذه الدول منقصة بذلك جزءاً من سيادة هذه الأخيرة . فمازالت علاقة التبعية هي التي تربط بين المنظمة الدولية وبين أعضائها .
وبالرغم من هذه الحقيقة نلاحظ أن الفقه الدولي استنتج أن بعض المنظمات الدولية يملك اختصاصاً طبقاً لميثاق انشائها قد تجاوز الاطار التعاوني وهو ما دفع هذا الفقه ليطلق عليها منظمات سلطوية أو فوق الدول . ويضرب الفقه مثلاً على ذلك بالجماعات الأوروبية ، جماعة الفحم والصلب ، السوق الأوروبية المشتركة ، حيث أن تلك المنظمات تملك اصدار قرارات ولوائح تطبق في الدول الأوروبية الأعضاء و كأنها صادرة من السلطات التشريعية لهذه الدول .
حقيقة هذا التقسيم : لا استثناء على الأصل العام في انشاء المنظمات الدولية :
_ ونود أن نلفت النظر الى بعض الملاحظات في هذا الشأن :
_ الملاحظة الأولى : هذا النوع من المنظمات الدولية يشكل استثناء في نظر الفقه على الأصل العام في انشاء المنظمات الدولية والذي يتمثل في أنها ذات طابع تعاوني .
_ الملاحظة الثانية : ان انشاء هذا النوع من المنظمات له متطلبات لا تتوافر الا في دول لها من النظم القانونية المتحضرة والمتقدمة المكرسة من الدرجة الأولى لمصالح شعوبها و هو ما نلاحظه في اطار الدول الأوروبية .
_ الملاحظة الثالثة : ان انشاء مجموعة من الدول منظمة من هذه المنظمات لا يؤثر على سيادتها ولا يجعل من هذه المنظمة منظمة سلطوية أو فوق الدول :
_ فمن ناحية أولى نلاحظ أن الدولة لا تقدم على الانضمام الى احدى هذه المنظمات الا اذا وافقت بارادتها على ميثاق انشائها وهو ما يعد تعبيراً عن سيادتها لا انتقاصاً منها .
_ ومن ناحية ثانية أن هذه المنظمات تعتبر خطوة اندماجية تمهيداً لتحقيق اتحاد حقيقي وفعلي بين الدول الأعضاء . والدخول في هذا النوع من الاتحاد لا يمكن أن يتحقق الا بموافقة هذه الدول صراحة .
_ وبناء عليه نكون أمام منظمة دولية عادية ذات طابع تعاوني – لا تخرج عن الأصل العام في انشاء المنظمات الدولية – غير أنها تفترق عن بقية المنظمات الدولية في أن أعضائها قد ارتضوا أن يكون لها من السلطات والاختصاصات ما يمكنها من تحقيق هذا التعاون بطريقة فعلية و فعالة .
اترك تعليقاً