الفصـل بين سلطتـي الرئيـس المديــر العـام و المديــر العــام
الأستاذة نادرة عبد المؤمن
إن قانون الشركات في بلادنا يمر بمرحلة تاريخية هامة في ظل التحولات الاقتصادية الراهنة. فهو يتأرجح تارة بين النظام الفرانكفوني و النظام الانقلوسكسوني تارة أخرى، و الجدير بالذكر أنه في ظل عولمة الاقتصاد أصبح القانون التجاري بصفة خاصة يخضع إلي المؤثرات الخارجية. و هي حقيقة لا تشمل القانون التونسي فقط بل القوانين التجارية لكل الدول، فأصبح القانون التجاري قانون “معولم”.
فى تونس لم يحدث أن قنن قانون الشركات بمجلة منفردة عن المجلة التجارية إلا بمقتضى قانون 3 نوفمبر 2000 بخلاف القانون الفرنسي الذي كان محل العديد من التقيحات. إن إصدار مجلة الشركات التجارية ياتى في إطار تأهيل القانون الاقتصادي الذى من خلاله تهدف الدولة إلى النهوض بالمؤسسة التونسية و تطوير قدرتها التنافسية على المستوى المحلي و الدولي[1].
مع ذلك فان قانون الشركات مثلما هو مقنن حاليا لا نجد له خصوصية منفردة و منهاج واضح و هذا يترجم ذبذبة المشرع التونسي و تأرجحه بين النظام الفرانكفوني من ناحية و النظام الانقلوسكسوني من ناحية أخرى.
المشرع أراد أن يأخذ الجانب الايجابي من كلا النظامين و أراد تطبيقه على النظام التونسي، و فى النهاية كان القانون خليطا بين مختلف الأنظمة :
النظام الفرانكفوني و النظام الانقلوسكسوني باعتبار أن المشرع تبنى نظام الفصل بين سلطات الرئيس المدير العام و المدير العام من النظام الأمريكي و أخيرا النظام الألماني فاحدث بمقتضى ذلك نوع ثاني من الشركات الخفية الاسم وهي الشركات الخفية الاسم ذات هيئة الإدارة الجماعية.
و لما كانت الشركات الخفية الاسم من أهم الشركات الاقتصادية نظرا لكثرة عدد المساهمين فيها فان المشرع أولاها عناية خاصة رغم أنها لا تتمتع بتاريخ عريق ببلادنا، لكن التطور الاقتصادي فرض نفسه لان شركات الأموال أضحت تتمتع بمكانة جد مميزة في اقتصاديات الدول. لذا فرض المشرع مجموعة من القواعد الآمرة لضمان التوازن الاقتصادي، لان هذه الشركات لها القدرة على تجميع أكثر عدد ممكن من المساهمين سواء أشخاص طبيعيين أو أشخاص معنوية.
هذه القواعد الآمرة تلزم الراغبين فى بعث شركات تجارية. فرغم أن التجارة مبنية على المبادرة الفردية فان خوض هذه التجربة يقتضى فيما بعد احترام الإرادة الجماعية و المصلحة الجماعية قبل المصلحة الفردية.
بل هناك بعض الدول العربية إلى الآن تلزم مؤسسي الشركة الخفية الاسم بالحصول على ترخيص من الدولة قبل تأسيس الشركة(مصر).
و الجدير بالذكر أن السلطات فى الشركة الخفية الاسم موزعة على الهياكل بصفة هرمية و يأتي مجلس الإدارة في أعلى الهرم و لكن مع احترام الحقوق المعطاة للجمعية العامة للمساهمين.
و المفروض أن التسلسل الهرمي يضمن التوازن في تسيير الشركة حتى لا يقع تنازع فى الاختصاصات بغاية احترام المصلحة المشتركة لكن التطبيق جاء بخلاف رغبة المشرع فتتالت التقيحات بهدف ضمان النجاعة المثلي في إدارة الشركات الخفية الاسم.
و الملاحظ أن هذه التقيحات المتواترة ليست حكرا على القانون التونسي بل العديد من الدول الفرنكفونية و الانقلوسكسونية سارعت إلي تنقيح تشريعاتها كنتيجة حتمية للعديد من الفضائح الاقتصادية لعل أهمها فضيحة شركة ENRON [2].
ومع ذلك يظل مشكل إدارة الخفية الاسم من أهم الإشكاليات التي مازالت مطروحة رغم حرص المشرع على تنظيمها، و لذلك تبقى عديد الثغرات القانونية قائمة.
فلا نجد مثلا تنصيصا مدققا على سلطات مجلس الإدارة ويكتفى الفصل 197 من مجلة الشركات على القول بان” مجلس الإدارة يتمتع بسلطات موسعة للتصرف في كل الحالات باسم الشركة في حدود موضوعها.
إلا انه لا يمكن لمجلس الإدارة أن يتدخل في سلطات الجلسات العامة للمساهمين المخصصة لهم بموجب القانون”.
هذا و قد حافظ القانون على خيار الفصل بين سلطتي الرئيس المدير العام و المدير العام متأثرا بذلك بالقانون الأمريكي الذي يفرق بينchairman of the board وchief executive officer مع الإشارة أن المشرع التونسي كانت له الشجاعة كي يدخل هذا النظام منذ قانون 1985 فسبق بذلك نظيره الفرنسي الذي لم يعتمد هذا الخيار إلا منذ قانون15 ماي 2001. وتظل هذه الإمكانية استثناء للمبدأ و بذلك وضع المشرع الفرنسي حدا لقاعدة الجمع الإجباري بين السلطات طالما كانت متجذرة في القانون الفرنسي منذ 1940/.1943 .
إن المشرع التونسي من خلال نظام الفصل كان يهدف إلى تحقيق توازن بين مختلف الهياكل الإدارية من خلال توزيع جديد للسلطات في الشركات الخفية الاسم. إذ كان مجلس الإدارة لا يجتمع إلى مرة واحدة في العام لضبط الحسابات و استدعاء الجلسة العامة السنوية فكان رئيس مجلس الإدارة هو القائد الأوحد يمارس سلطاته بدون رقابة لذلك كان لابد من وضع حد لسلطات الرئيس المدير العام.
لذلك فانه لفهم أهداف الفصل بين سلطتي الرئيس المدير العام و المدير العام يحتم الرجوع إلى روح التشريع الأمريكي الموطن الأم لنظام الفصل :
إن روح القانون الأمريكي ترتكز بصفة أساسية على حماية المصلحة الخاصة للمساهمين حماية المال و هذا لا يتأتى إلا بخلق شرخ في سلطات الرئيس المدير العام لفائدة المدير العام.
و من هنا فإن إحداث نظام الفصل من شأنه أن يضفي أكثر شفافية في تسيير الشركات الخفية الاسم و بذلك لا يحتل أي شخص منصب القيادة[3]
و لذلك لا يشترط صفة المساهم في المدير العام عكس رئيس مجلس الإدارة و في هذا الإطار يقول الأستاذ H.Coffy “إن المساهمين ليس من بينهم الرجل المناسب والقادر على تنفيذ مهام الإدارة العامة للشركة مما يجعلهم يبحثون عن موظف للقيام بهذه المهمة”.
لذا في مرحلة أولى يتجه بيان خصائص نظام الفصل قبل أن نتخلص لتحديد آثاره في مرحلة ثانية.
المحور الأول : خصائص نظام الفصل بين سلطتي الرئيس المدير العام و المدير العام
لتحديد خصائص نظام الفصل لابد أن نتناول بالدرس كيفية انتقال سلطات الرئيس المدير العام إلى المدير العام (فقرة أولى) ثم مصير سلطات الرئيس المدير العام (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى : انتقال سلطات الرئيس المدير العام إلى المدير العام
إن نظام الفصل يهدف إلى توزيع جديد للأدوار ( أ) ولكن سواء فى ظل الفصل أو الجمع بين السلطات لابد أن يقع التنصيص على ذلك بالعقد التأسيسي للشركة (ب).
أ/ توزيع جديد للسلطات :
المدير العام يرث سلطات التصرف و التمثيل للرئيس المدير العام في صورة الجمع. الفصل 217 من قانون الشركات ينص على أن المدير العام يتولي تحت مسؤوليته الإدارة العامة للشركة مع مراعاة السلطات التي يخولها القانون صراحة للجلسات العامة للمساهمين و لمجلس الإدارة و لرئيسه”.
فى ظل نظام الفصل يستمد المدير العام سلطاته من القانون فهو يعمل بصفة مستقلة تماما عن الرئيس المدير العام و لا يعمل بتفويض منه، بالإضافة إلى ذلك فان المدير العام لا تشترط فيه صفة العضوية بالمجلس و لا صفة المساهم فالهدف هو تمكينه من القيام بكل مهامه بكامل الاستقلالية فهو المدير التنفيذي لاختيارات الشركة.
تتجه الملاحظة أن المدير العام يباشر وظائف الرئيس المدير العام في حالة الجمع بين الوظيفتين فيتمتع بسلطات واسعة لتنفيذ إستراتيجية المجلس، نفس الفلسفة المعتمدة من المشرع الفرنسي حيث ينص – 56-1 225 L على أن المدير العام يمثل الشركة في علاقاتها مع الغير.
و على كل فان واجب المدير العام أن يحافظ على الذمة المالية للشركة و أن يعمل كل ما بوسعه لدرأ المخاطر عن الشركة و ذلك بالتفاني في تنفيذ رؤى المجلس.
و يمكن لمجلس الإدارة أن يعين بطلب من المدير العام مديرا عاما مساعدا أو أكثر لإعانته (الفصل 217 فقرة 6).
المدير العام مطالب بالقيام بكل الأعمال الضرورية لحسن تسيير الشركة على أن لا يضر بمصالح الشركة من جهة و مصالح الغير من جهة أخرى. هذا و تجدر الملاحظة أن تحديد السلطات من طرف القوانين الأساسية لا يمكن معارضة الغير بها طالما لم يقع إشهارها.
على كل حال نعتقد أنه على محرري القوانين الأساسية و خاصة المحامين منهم أن يلموا بجميع الجوانب التي سكت فيها المشرع كي يتسنى لهم التنصيص عليها بالقوانين الأساسية، خاصة فيما يتعلق بتمثيل الشركة و تظهير الصكوك و جميع الأوراق التجارية. فلا يمكن دائما تحميل المشرع كامل المسؤولية خاصة و أن المادة التجارية بصفة أخص مبنية على الحرية التعاقدية .
أما نظام العزل بالنسبة للمدير العام فقد ارتأى المشرع أن يحافظ على مبدأ العزل في أي وقت كان عكس القانون الفرنسي الذي أخضع المدير العام في حالة الفصل بين السلط لمبدأ العزل مع التعويض إذا صدر العزل لأسباب غير شرعية مثل أعضاء هيئة الإدارة الجماعية. و هنا نتعجب أن يطبق المشرع التونسي على المدير العام نفس النظام المنطبق على الرئيس المدير العام و المدير العام المساعد.
المشرع الفرنسي من خلال نظام الفصل يهدف إلى إعطاء المدير العام الإحساس بالأمان عند ممارسته لمهامه فهو موظف يطمح للاستمرار في وظيفته و هذا لا يتحقق إلا إذا ضمن أن حقوقه محفوظة إذا قررت الشركة التخلي عنه.
إن مسيري الشركات الخفية الاسم و خاصة الشركات الكبرى تهدف إلى تحقيق استثمارات طويلة المدى فى حين يرمى المساهمين إلى الحصول على الأرباح فى اقصر وقت ممكن. ومن هنا فإن المدير العام في حاجة إلى ضمانات تضمن له الاستمرارية و الاستقرار في وظيفته حتى يكون وجوده بالشركة ايجابي و فعال.
إن الهدف من إحداث نظام الفصل هو خلق التوازن بين مختلف أجهزة الشركة بكيفية لا تمكن أحد الأجهزة من التعدي على امتيازات أي جهاز أخر. فنظام الفصل لا يهدف إلى خلق نوع جديد من الشركات الخفية الاسم ولكن لضمان ازدواجية في السلطة لصالح الشركة.
و لكن في نطاق التشريع الحالي نخاف أن يقع خلق ثلاث أقطاب في الشركة، المدير العام و الرئيس المدير العام و مجلس الإدارة. و لهذا من الأفضل أن يكون المدير العام عضوا في مجلس الإدارة حتى لا يخرج عن قرارات المجلس بغاية خلق تكتلات في الشركة، و حتى تسهل مراقبته من طرف المساهمين.
لذا نعتقد انه بإمكان الشركات الخفية الاسم أن تتجاوز الفراغ التشريعي بملائمة القانون الأساسي بين مختلف السلطات حتى لا يتعدى هيكل على الأخر.
و قد حدد فقه القضاء الفرنسي ميدان تدخل القوانين الأساسية ” بإمكان القوانين الأساسية للصالح الاجتماعي أن ينظموا الهياكل الإدارية و لكن هذا الخيار الممنوح للمساهمين لا يمارس إلا باحترام التنظيم الهرمي للسلطات في الشركة الخفية الاسم و اختصاص كل هيكل محدد قانونا فلا يسمح حتى للجمعية العامة للمساهمين حتى و لو كانت خارقة للعادة أن تحور في السلطات الممنوحة قانونا لمجلس الإدارة و هذا الأخير لا يمكن له التنازل عن سلطاته القانونية”[4].
و لكن على المستوى التطبيقي نلاحظ سكوت القوانين الأساسية مما يطرح إشكالات خطيرة لذا يتعين تحديد سلطات الإدارة العامة في غياب تنصيصات بالقوانين الأساسية .
في غياب التنصيص بالقوانين الأساسية الفقه اعترف بسلطات واسعة للمدير العام أو الرئيس المدير العام، هذه النظرية ترتكز على اعتبار المدير العام أو الرئيس المدير العام في صورة الجمع بين الوظيفتين كوكيل عام للشركة و انطلاقا من هذه الصفة يمكنه أن يتمتع بسلطات واسعة للتصرف باعتبار أن المدير وحده المؤهل لاتخاذ القرارات اللازمة للصالح الاجتماعي.
ب/ ممارسة خيار نظام الفصل أو الجمع
المشرع التونسي منح خيار اختيار نظام الفصل أو الجمع للعقد التأسيسي بصريح عبارات الفصل 215 و لكن تبقى إشكالية تحديد الهيكل الإداري الذي له صلاحية الاختيار إذا كانت الشركة قائمة، السؤال المطروح هل أن مجلس الإدارة له صلاحية أن يختار نظام الفصل أو الجمع ؟
القانون الفرنسي منح هذه الصلاحية لمجلس الإدارة على أن يقع التنصيص علي ذلك في تقريره السنوي للجمعية العامة للمساهمين.
ربما المشرع التونسي أراد أن يترك هذه الصلاحية مفتوحة، و لكن نعتقد انه من الأجدر أن تمنح صلاحية ممارسة هذا الخيار لمجلس الإدارة خاصة في الشركات الخفية الاسم المفتوحة للعموم، باعتبار أن مثل هذه الشركات تضم أعدادا كبيرة من المساهمين قد يجهلون الطريقة المثلى لإدارة شركتهم في حين أن مجلس الإدارة متكون من أشخاص أكثر أهلية لتقرير النموذج الأمثل لتسيير الشركة.
و بما أن المشرع سكت عن تعيين الهيكل الإداري الأصلح لاختيار نظام الفصل من عدمه، فانه من وجهة نظرنا بإمكان القانون الأساسي تجاوز هذا الفراغ أما بالتنصيص علي ممارسة الخيار من طرف مجلس الإدارة أو الجمعية العامة للمساهمين. و يمكن أيضا فرض أغلبية معينة لممارسة هذا الخيار أو حد أدنى لنسبة الأسهم. و لذلك فان القوانين الأساسية لها أهمية كبرى و يجب أن يسعى المساهمين لتغطية الفراغات الاجتماعية.
الفقرة الثانية : مصير سلطات الرئيس المدير العام
يتجه بيان سلطات الرئيس المدير العام في حالة الفصل(أ) ثم سلطات الرئيس المدير العام في حالة الجمع (ب)
أ/ سلطات الرئيس المدير العام في حالة الجمع
يصعب تحديد مهام الرئيس المدير العام بكل دقة و على كل فهو صاحب السلطة المطلقة في إدارة الشركة على المستوى الداخلي والخارجي فهو كما عرفه الأستاذ Bastian له سلطات خاصة لا يملكها و لا يمكن أن يملكها أعضاء الإدارة الآخرين. فهو يتمتع بسلطة المبادرة و لا يعد مجرد منفذ لعمليات الشركة بل هو المحرك للشركة و يده العليا فوق نشاط الشركة التجاري و الصناعي.
فهو المسير المطلق للشركة الخفية الاسم[5]. وهو صاحب القرار بل في العديد من الشركات نلاحظ تغييب لدور مجلس الإدارة أمام سيطرة شبه مطلقة للرئيس المدير العام لذلك جاء الفصل 215 ينص على انه”يمكن للعقد التأسيسي للشركة أن يختار الفصل بين مهام رئيس مجلس الإدارة و مهام المدير العام للشركة”.
وللرئيس المدير العام الذي تختار الشركة التي يعمل بها أن تتبنى نظام الفصل أن يتساءل إلى أي حد سيحرمه نظام الفصل من سلطاته أو إلى أي حد يمكنه أن يتمتع بسلطات جديدة؟
مثلما تمت الإشارة أعلاه فان الرئيس المدير العام في ظل الجمع يتمتع بسلطات واسعة طبق الفصل 211 من مجلة الشركات الذي ينص على أن” رئيس مجلس الإدارة يباشر تحت مسؤوليته الإدارة العامة للشركة وهو الذي يمثلها في علاقاتها مع الغير و يتمتع رئيس مجلس الإدارة بسلطات موسعة للتصرف في كل الحالات باسم الشركة و في حدود موضوعها عدا السلطات التي منحها العقد التأسيسي صراحة للجلسات العامة للمساهمين أو السلطات التي خص بها مجلس الإدارة”.
و ما يدعو للغرابة في ظل نظام الجمع هو أن المشرع خص مجلس الإدارة تقريبا بنفس السلطات فينص الفصل 197 من نفس القانون على أن”مجلس الإدارة يتمتع بسلطات موسعة للتصرف في كل الحالات باسم الشركة في حدود موضوعها…”
نلاحظ أن صياغة الفصلين تكاد تكون نفسها و السلطات التي يتمتع بها رئيس مجلس الإدارة هي نفسها سلطات مجلس الإدارة ففي ظل هذا الخلط كيف يمكن أن نضع حدودا فاصلة بين سلطات كل من الهيكلين.
في القانون الفرنسي حتى سنة 2001 كان هناك خلط بين السلطتين فقانون 1967 في فصله 11 ينص على أن الرئيس يمتلك السلطات الموسعة للتصرف في كل الظروف باسم الشركة مع الاحتفاظ بالسلطات التي يخولها القانون بصفة صريحة لجمعية المساهمين إضافة إلى السلطات المخولة بصفة خاصة لمجلس الإدارة”.
ثم منذ 15 جويلية 2001 أضحت نظرية السلطة تتعرض إلى تحولات عميقة تهدف إلى عقلنة سلطة القرار و قد كتب الأستاذ A.Couret انه” حان الوقت كي نعالج مسالة المزج بين الأدوار و تغييب المجلس أمام احتكار الرئيس للسلطة “[6].
روح التشريع الفرنسي لسنة 2001 تأثرت بالانتقادات الفقهية فاغتنم المشرع الفرصة و أضفى تغييرا جذريا على سلطات الإدارة مميزا بذلك بين وظيفة مجلس الإدارة و بين وظيفة رئيس مجلس الإدارة.
فأضحت مهمة مجلس الإدارة تنحصر في تحديد الخطوط العريضة لنشاط الشركة وبيان السياسة العامة و خاصة تحديد إستراتيجية الشركة، المشرع بذلك سحب البساط من تحت رئيس مجلس الإدارة و أرجعت سلطة تحديد الإستراتيجية لمجلس الإدارة.( من بين القرارات الإستراتيجية ; فتح فرع بالخارج أو شراء شركة أو الاندماج مع أخرى…) و يتعين على مجلس الإدارة أن يلائم إستراتيجية الشركة للإطار العالمي.
من المؤسف ألا يعترف بصفة صريحة القانون التونسي لمجلس الإدارة بسلطة تحديد إستراتيجية الشركة، و تطبيقيا يكتفي المجلس بالمصادقة على الإستراتيجية المقترحة من رئيس مجلس الإدارة، لذلك فانه من الواضح أن القانون التونسي مازال لم يشهد تحولات جذرية في طبيعة إدارة الشركة خفية الاسم.
فرغم أن المشرع أتيحت له فرصة هامة بمناسبة إصدار مجلة الشركات إلا انه لم يرفع الغموض المحيط بمهام الإدارة فهل في النهاية المشرع أراد أن يمنح سلطات واسعة للتصرف لمجلس الإدارة في حين ينحصر مهام رئيس مجلس الإدارة في مجرد مهام تنفيذية؟ على الصعيد التطبيقي فان عكس ذلك ا ما يحصل فقد يحدث تنافسا بين مجلس الإدارة و الرئيس المدير العام، و قد يركع مجلس الإدارة أمام قرارات الرئيس. و من المؤسف التصريح بأنه في أحيانا كثيرة فان الفرضية الثانية الموجودة.
و من المفروض أن يتمتع مجلس الإدارة بسلطة توجيهية بحتة إلى جانب مهمته الأساسية المتمثلة فى الرقابة.[7]
ب/ مهام رئيس مجلس الإدارة في ظل الفصل
رئيس مجلس الإدارة في حالة الفصل يمثل سلطة مضادة لسلطة المدير العام، الرئيس المدير العام يرأس مجلس الإدارة و يمثل المساهمين فهو يحمي مصالحهم الفصل 216 من قانون الشركات ينظم مهام رئيس مجلس الإدارة فهو” يقترح جدول أعمال المجلس و يستدعيه للاجتماع و يرأس جلساته و يسهر على تحقيق الاختيارات التي حددها مجلس الإدارة”.
نلاحظ أن المشرع اكتفى بتسطير الخطوط العريضة لمها م الرئيس المدير العام المنفصل وأمام هذا الغموض التشريعي يمكن تقسيم صلاحيات الرئيس المدير العام إلى سلطة تمثيلية(1) و سلطة تنظيمية(2).
1/ السلطة التمثيلية :
فى القانون الفرنسي ينص المشرع بالفصل 51 – 225 L على أن الرئيس المدير العام يمثل مجلس الإدارة هذه الصياغة قد وقع نقدها كثيرا من الفقه فلا يعقل تمثيل هيكل لا شخصية قانونية له،
في حين يقوم المدير العام بتمثيل الشركة لدى الغير في صورة الفصل بهذا حسم المشرع الفرنسي إشكالية تطبيقية طالما كانت مطروحة نتيجة غموض الفصل 117 الفقرة الثانية من قانون 24 جويلية 1966 الذي ينص أن “المديرين العامين يتمتعون تجاه الغير بنفس سلطات رئيس مجلس الإدارة ” محكمة التعقيب الفرنسية في قرارها المؤرخ في 6 مايو 1985 رفضت فكرة تمثيل المدير العام للشركة في غياب تفويض خاص من الرئيس المدير العام باعتبار أن المدير العام في صورة الجمع بين الوظيفتين يستمد سلطاته من هذا الأخير لا من القانون.
للأسف المشرع التونسي لم يقم بحسم مشكل التمثيل، هذا الفراغ التشريعي من شانه أن يطرح مشاكل تطبيقية عدة خاصة إذا كانت الشركة في حالة نزاع.
و على كل فان المشرع التونسي يعترف بحماية الغير حسن النية الذي يعجز عن معرفة الخطوط العريضة الفاصلة بين سلطات المدير العام و الرئيس المدير العام، فعلى فرض أن المدير العام قام بإبرام عقد محله التفويت في عقار راجعة ملكيته للشركة دون أن يحصل هذا الأخير على ترخيص مسبق من المجلس فانه لا يمكن الاحتجاج ببطلان العقد تجاه الغير حسن النية.
فلا يعقل أن يطالب الغير المدير العام أو الرئيس المدير العام بنسخة من القانون الأساسي أو بترخيص من المجلس أو الجمعية العامة للمساهمين عند إبرام كل عقد، فالمبدأ أن المعاملات التجارية تحكمها السرعة .
محكمة الاستئناف بباريس اعتبرت انه لا يمكن أن تلزم هذه التصرفات الشركة إلا إذا أثبتت أن الغير يعلم أو كان بإمكانه أن يعلم أن هذه التصرفات تتجاوز موضوع الشركة .
و لكن إذا كان نشاط الشركة موضوعه البيوعات العقارية فان التفويت في عقار راجعة ملكيته للشركة يدخل في إطار التصرفات العادية اليومية للرئيس المدير العام[8].
و بمناسبة تنقيح الفصل 113 فقرة 3 من المجلة التجارية الفرنسية في عام 1978 تبن المشرع الفرنسي الحل الألماني فتصبح الشركة ملزمة في علاقاتها مع الغير بتصرفات مدير مجلس الإدارة التي لا تتعلق بموضوع الشركة إلا إذا أثبتت أن الغير كان يعلم أن هذا التصرف يتجاوز هذا الموضوع و انه لا يمكن أن يتجاهل ذلك بحكم الظروف.
نعتقد أن تمثيل الشركة تجاه الغير يجب أن يكون من اختصاص المدير العام لسبب بسيط وهو أن المدير العام بصريح عبارات الفصل 217 فقرة أخيرة يعد تاجرا و بالتالي يكون خاضعا للتحاجير التي يرتبها القانون في صورة التفليس.
2/ السلطة التنظيمية :
الفصل 216 من قانون الشركات ينظم مهام الرئيس المدير العام في ظل الفصل بين السلط فهو “يقترح جدول أعمال المجلس و يستدعيه للاجتماع و يرأس جلساته و يسهر على تحقيق الاختيارات التي حددها مجلس الإدارة”.
فى إطار الفصل الرئيس المدير العام يمثل محكم بين المدير العام و مجلس الإدارة باعتباره الناطق باسم المجلس، المشرع لم يسطر جليا مهام الرئيس المنفصل نفهم أن له مهمة مراقبة عامة و لكن لا يمكن له التدخل فى أعمال التصرف فى الشركة و لكن من الملاحظ انه لا يقع تتبعه في حالة تفليس الشركة عكس نظام الجمع حيث لا يمكن له فى هذه الحالة التفصى من المسؤولية.[9]
الرئيس المدير العام استاثره المشرع بصلاحية استدعاء المجلس و لكن ماهو الحل في صورة ما إذا رفض الرئيس المدير العام استدعاء المجلس بطلب من المدير العام الرئيس عليه أن لا يستغل سلطته لتعطيل بعض الرؤى الاستتراتيجية للمدير العام.
المشرع أراد ضمنيا أن يحافظ على اسبقيه الرئيس فى السلم الوظيفي على كل حال نشاطر المشرع الرأي الازدواجية في السلطة قد تحمل في طياتها عديد المشاكل التطبيقية فكان من الضروري الاحتفاظ بعلوية الرئيس المدير العام على المدير العام.
يتحتم الإشارة إلى أن دور الرئيس المدير العام لا يعد دورا تمثيليا بحت أو طرف محايد بل هو حارس لتوازن السلط في الشركة فهو له دور تنظيمي ولا يمكن أن يصبح دوره تشر يفيا بحت.
و لكن هل يعني ذلك أن المشرع حذف معيار المبادرة الذي يمتاز به الرئيس المدير العام في ظل الجمع بين الوظيفتين؟ يبدو من خلال روح النصوص نعتقد أن المشرع التونسي حرم رئيس مجلس الإدارة من هذه الخصوصية لفائدة مجلس الإدارة.
و لكن نعتقد انه علي المستوي التطبيقي المدير العام هو الذي سينتفع بهذه الصلاحية باعتبار انه المدير التنفيذي المسؤول عن تصرفات الشركة و بالتالي فهو أكثر شخص مؤهل لتحريك عملية استدعاء المجلس كلما اقتضت الضرورة.
المحور الثاني :آثار الفصل بين السلطتين
إن آثار الفصل بين سلطتي الرئيس المدير العام و المدير العام متعددة و لكن بصورة إجمالية يتجه تحديد آثار الفصل على سلطة مجلس الإدارة (فقرة1) ثم بيان الآثار على مستوى مسؤولية كل من المدير العام و الرئيس المدير العام(فقرة2).
الفقرة الأولى : آثار الفصل على سلطة مجلس الإدارة
إلى أي حد يمكن أن تتأثر سلطات مجلس الإدارة بنظام الفصل؟ لذلك فان السؤال الذي يطرح نفسه بصفة آلية هو أين تبتدئ سلطات مجلس الإدارة و أين تنتهي؟
إن نظام الفصل جاء للحد من سلطات الرئيس المدير العام المطلقة الذي غيب مجلس الإدارة حتى اتهم مجلس الإدارة بأنه مجرد ستارة أمام الغير. لذلك فان الجمع بين الوظيفتين أدى إلى تمركز السلطة بيد شخص واحد فكان لابد من خلق فصل بين الوظيفتين حتى يتحقق التوازن في إدارة الشركة.
و من جهة ثانية فان الفصل بين السلط يهدف إلى إرجاع السلطة لأعضاء مجلس الإدارة كي يقوم هؤلاء بالدور الأساسي المنوط بعهدتهم و المتمثل في مراقبة قرارات الهيئة المديرة [10]. فالمشرع التونسي منح مجلس الإدارة سلطة تنفيذية واسعة شبه مفقودة تطبيقيا، بخلاف المشرع الفرنسي الذي سحب من مجلس الإدارة كل مهامه التنفيذية لصالح الإدارة العامة.
و هذا التوازن في السلطات لا يمكن أن يتحقق إلا بخلق سلطات مضادة لسلطة الرئيس المدير العام المطلقة ففي فرنسا و في إطار حديث صحفي قال الرئيس المدير العام لبنك Crédit Lyonnais ” نحن الوحيدين في العالم من بين جميع الدول المصنعة في العالم نمنح بقوة القانون لشخص واحد كامل السلطات ..”[11]
و لذلك نعتقد أن الهدف الحقيقي لنظام الفصل هو التفرقة بين وظيفة الإدارة، التى يقوم بها المدير العام ووظيفة المراقبة التى يقوم بها أساسا مجلس الإدارة و رئيسه، و لقائل أن يقول أن هذه التفرقة موجودة حتى في صورة الجمع بين وظيفتي الرئيس المدير العام و المدير العام، و لكن في هذه الحالة المشرع يسند لمجلس الإدارة مهمة مراقبة الأشخاص الموكلة لهم مهمة تسيير الشركة، في حين أن نفس هذا المجلس يرأسه الرئيس المدير العام. فهذا لا يستقيم إلا إذا حرص أعضاء مجلس الإدارة على فعل كل مل يلزم لإيقاف رئيس مجلس الإدارة كلما تراءى له أن يحيد عن مهمته.
و لذلك فان الفقه المقارن الانقلوسكسوني ينادى بتعيين أعضاء مجلس الإدارة من بين المستقلين حتى يتمكن هؤلاء من ممارسة مهامهم بأكثر حياد.
أما في صورة اختيار نظام الفصل بين السلطات فان مجلس الإدارة بإمكانه أن يضطلع بمهمة المراقبة على أكمل وجه. لأن في هذه الحالة سيحرص رئيس مجلس الإدارة على احترام قرارات المجلس و تصبح هنا المواجهة مع المدير العام.
الفقرة الثانية : آثار الفصل على مسيري الشركة
وضع المشرع و فقه القضاء علي كاهل الهياكل المسيرة للإدارة مجموعة من الالتزامات (أ) رتب عن عدم احترامها جزاءا على المستوى المدني و الجزائي (ب).
أ/ محتوي التزامات مسيري الشركة
يمكن تلخيص التزامات المديرين و أعضاء الإدارة فى التزامين أساسين: الالتزام الأول نص عليه الفصل 198 من مجلة الشركات و المتمثل فى التزام الانتباه و النزاهة (1) و الثانى يتمثل فى التزام الشفافية (2).
1/ التزام الفصل198 من قانون الشركات : ينص هذا الفصل علي أن “يمارس أعضاء مجلس الإدارة وظيفتهم و يعتنون بها عناية صاحب المؤسسة المتبصر و الوكيل النزيه” واجب النزاهة يحتم على أعضاء مجلس الإدارة أن يمارسوا وظيفتهم لصالح الشركة و للمصلحة العامة و يمنع عليهم استعمال سلطاتهم لأغراض شخصية أو أن يقحموا الشركة في اتفاقيات و صفقات تضر بمصالح الشركة. هذا المفهوم المعتمد من الفقه القضاء الفرنسي مستمد في روحه من القانون الانقلو سكسوني باعتبار أن واجب النزاهة ماهو إلا نتاج النظرية الانقلوسكسونية المطلق عليها corporate governance و يمكن ترجمتها بإدارة المؤسسات.
و على كل حتى في تشريعنا يمكن أن نجد أساسا لهذه القاعدة في الفصل أما التشريع الفرنسي فقد فرض بالفصلين1134 و 1833 أن تكون إدارة الشركة للصالح العام. و علي كل فان هذا الواجب يحتم علي الهيكل الإداري أن يكون نزيها لا فقط تجاه المساهمين و لكن تجاه كل طرف متعاقد مع الشركة[12].
2/ التزام الشفافية : هذا الالتزام يفرض على المديرين و أعضاء مجلس الإدارة أن يحيطوا المساهمين علما بكل عمل أو واقعة من شانها أن تؤثر على تصويت المساهمين.
إن مبدأ الشفافية حقيقة يفرضها التعامل مع السوق، لذلك حرص المشرع الفرنسي على إلزام الرئيس المدير العام بان يقدم تقريرا يتضمن كل الإجراءات المعتمدة للقيام بدور المراقبة على أحسن وجه[13].
و فى المقابل و أمام محدودية دور رئيس مجلس الإدارة فانه يتجه التساؤل من المسؤول عن تزويد أعضاء مجلس الإدارة بالمعلومات اللازمة التي تمكنهم من ممارسة مهامهم على أكمل وجه؟ منطقيا رئيس مجلس الإدارة هو المدين بالمعلومة و لكن فى ظل الفصل فان المدير العام هو المسير الفعلي للشركة و يدرك كل كبيرة و صغيرة و قد يسعى هذا الأخير لإخفاء المعلومات اللازمة على رئيس مجلس الإدارة.
لذلك نعتقد انه من الأجدر أن يحمل المشرع المدير العام واجب تزويد أعضاء الإدارة بالمعلومة فى صورة الفصل حتى لا يتهرب من المسؤولية.
و نشير في هذا الصدد أن القانون التونسي لا يعترف لأعضاء مجلس الإدارة بهذا الحق بخلاف القانون الفرنسي الذي كرس حق أعضاء مجلس الإدارة في الحصول على المعلومات اللازمة التي تمكنهم من ممارسة مهامهم بعد أن اعترف به فقه القضاء في قرار[14]Cointreau الشهير بل أن فقه القضاء الفرنسي كان اشد وضوحا عندما اعتبر أن غياب المعلومة من شانه أن يمس بصحة قرارات المجلس و بصحة الاجتماع [15].
ب/ مسؤولية رئيس مجلس الإدارة و المدير العام
بصريح عبارات الفصل 216 ” فانه لا يعتبر رئيس مجلس الإدارة تاجرا في هذه الحالة كما لا يخضع في صورة تفليس الشركة، إلى التحاجير المترتبة عن التفليس إلا إذا تداخل مباشرة في تسيير الشركة”.
فى حين يعتبر المدير العام بصريح عبارات الفصل 217 تاجرا و بالتالي فانه في حالة تفليس الشركة يخضع المدير العام للتحاجير التي يرتبها القانون على التفليس، و يمكن للمحكمة أن تعفيه من التحاجير إذا اثبت المدير العام أن التفليس لا يعزى إلى أخطاء فادحة في الإدارة العامة للشركة.
في حالة الفصل وضع المشرع على عاتق المدير العام قرينة المسؤولية وهي قرينة بسيطة إذ يمكن للمدير العام أن يدحضها إذا اثبت انه سير الشركة بمقتضى قواعد العرف و العادة و انه لا خطا ينسب له. ففي هذا الإطار أصابع الاتهام تشار بدرجة أولي للمدير العام لأنه واقعيا يعتبر المدير الفعلي وهو مركز القرار داخل الشركة.
هناك نقطة هامة طرحها الفقه الفرنسي و المتمثلة في صورة التفليس أو التسوية القضائية إذا تبين تواطؤ الرئيس المدير العام أو المدير العام فهل من الممكن حرمانه من حقوقه في الشركة و ذلك بالتفويت الإجباري لسنداته أو لأسهمه؟ فقد يملك المدير أو الرئيس أسهما على غاية من الأهمية تحول دون تنفيذ برنامج الإنقاذ و بالتالي التفويت في هذه الأسهم للغير يخرج الرئيس أو المدير العام من الشركة نهائيا[16] و لكن لا يمكن أن يطال هذا الإجراء أسهم المدير أو المدير العام في شركات أخرى.
و بقطع النظر عن هذا النقاش فان المتفق عليه قانونا و فقها أن المسؤولية تنقسم إلى مسؤولية مدنية و أخرى جزائية :
المسؤولية المدنية : يقع تطبيق قواعد القانون المدني المتعلقة بالمسؤولية التعاقدية باعتبار أن الشركة عقد. لذلك فان الركن الأساسي لهذه المسؤولية هو توفر الخطأ في جانب أعضاء الإدارة أو المدير العام أو الرئيس المدير العام، وهي قرينة تبقى بسيطة يكفى أن يثبت المعني بالأمر انه فعل كل ما يلزم لمنع الضرر و انه لم يرتكب خطا فى التصرف.
بالإضافة إلى ذلك لا يجوز بصريح الفصل 221 من قانون الشركات لأي عضو من مجلس الإدارة أن يستقيل عن سوء نية أو في وقت غير مناسب للتهرب من الصعوبات التي تمر بها الشركة و يتحمل مسؤولية الضرر المترتب مباشرة عن استقالته تلك.
المسؤولية الجزائية : المسؤولية الجزائية تناولاها الفصلين 222 و 223، حفاظا على حقوق كل المتعاملين مع الشركة حرص المشرع على معاقبة الرئيس المدير العام أو المدير العام الذي لا يحرر محضر الجلسة أو لا يمسك دفترا خاصا بمقر الشركة يتضمن مداولات المجلس.
بالإضافة إلى ذلك كرس المشرع عقوبات بدنية ضد أعضاء مجلس الإدارة الذين يباشرون توزيع الأرباح صورية على المساهمين أو نشر موازنة مغلوطة أو الذين يستعملون اسم الشركة ومالهم من سلطات أو أصوات أو مكاسب الشركة لغايات شخصية.
الخـــــاتـمة
قد يحمل نظام الفصل في طياته بعض النقائص و لكن الأكيد أن الفصل بين السلطات من شانه أن يستقطب أكثر الاستثمارات الخارجية التي تطمح لاستثمار أموالها في شركات تطغي عليها الشفافية في التسيير و الازدواجية في السلطة. فالفصل بين السلطات يمثل خطوة هامة اتخذها المشرع نحو تبني مبادئ إدارة المؤسسات Gouvernement d’entreprise التي ترتكز أساسا على الشفافية في المعاملات و علي تطوير أساليب المراقبة.
و مع ذلك مازال قانون الشركات بشكله الحالي منقوص و لا يقدم ضمانات كافية للمستثمرين. على سبيل المثال لابد من تطوير حقوق المساهمين خاصة تحسين حقهم في المراقبة.
فيتجه تنقيح القانون بعل المدير العام ضرورة يختار من بين أعضاء مجلس الإدارة حتى يتمكن المساهمين في صورة رفضهم لطريقة المدير العام في تسيير الشركة من عزله.
و نعتقد أن نجاح هذا النظام مرهون بمدى تحمل مجلس الإدارة لمهامه، فهو الكفيل لحسن سير الشركة، و هو الذي أوكله المشرع مهمة رقابة تصرفات رئيس مجلس الإدارة و المدير العام، وهو يبقي دائما مسؤولا عن تصرفات مجلس الإدارة التي لا علاقة لها بنشاط الشركة.
و نجاح مجلس الإدارة رهين جدية أعضاء مجلس الإدارة في القيام بمهامهم لذلك فان الفقه المقارن خاصة الانقلوسكسوني ينادي بضرورة اختيار أغلبية أعضاء مجلس الإدارة من بين المستقلين الذين لا يمارسون أي مهمة في الشركة. و يقع اختيار هؤلاء الأعضاء طبقا لمعايير ذاتية ترتكز علي كفاءة الشخص العلمية و على تجاربه.
[1] كلمة الأستاذ عبد الوهاب الباهي في “ملتقى الجديد في قانون الشركات التجارية” نشريه مركز تونس للمصالحة و التحكيم، العدد 7 لجا نفي 2001
[2] هذه الشركة التي تمارس نشاطها في الميدان الطاقة تشتري من المنتجين بأحسن الأثمان ثم تبيع للمروجين، و حتى تضمن نموها كانت
في حاجة لمبالغ مالية هامة فلجأت للديون، و في خريف 2001 سندها فقد قيمته بصفة كبيرة بعد إعلان نبا خسارتها الكبرى للثلاثية الثالثة، لذلك فان هيئة السوق المالية قامت بإثارة بحث يهدف إلي إدانة الوكلاء.
[3] تقرير Besson عدد 2327 ص 210
[4] قرار صادر عن محكمة في 28 سبتمبر 1982 Aix en Provence
[5] توفيق بن نصر، تعليق علي قانون الشركات التجارية، دار الميزان للنشر 1996
[6] A.Couret « la loi sur les NRE la régulation du pouvoir dans l’entreprise » JCP 2001 éd E, 1660, spéc n°9 p.1662
[7] من مهام المجلس الأساسية تسمية الرئيس المدير العام و المدير العام و تحديد الأجرة
[8] المحكمة الابتدائية بتونس حكم عدد 62488 مؤرخ في 29 جانفي 1988 ” حيث نص الفصل 72 من المجلة التجارية بان رئيس مجلس الإدارة يتولى تحت مسؤوليته الإدارة العامة للشركة و تأسيسا على ذلك فان عقد المعاوضة الذي ابرمه الرئيس المدير العام في حق الشركة يحمل جميع ما أوجبه مجلس الإدارة ، فان الاحتجاج ببطلانه في غير طريقه”
[9] المحكمة الابتدائية بصفا قس حكم عدد 11120 مؤرخ في 2 فيفري 1982 ” إن ما ادعاه المطلوب من أن المدير العام المساعد هو الذي أدى بالشركة للإفلاس إذ انه كان يتمتع بكامل النفوذ لا يعفيه من المسؤولية المحمولة عليه طبق الفصل 74 ضرورة أن الرئيس المدير العام حسب الفصل 72 هو المسؤول قانونا عن الإدارة العامة للشركة و ما المدير العام إلا مساعدا له.
اترك تعليقاً