الخيانة الزوجية في القانون السوري
بقلم: القانونية أمل عبد الهادي مسعود
ذكر المحامي العام في ريف دمشق لإحدى الوسائل الإعلامية أنه بلغ عدد دعاوى الخيانة الزوجية المنظورة أمام القضاء السوري ستة آلاف دعوى.
ومما لا شك فيه أن جريمة الزنا من أبشع وأفظع الجرائم شرعاً وقانوناً؛ فهي محرمة شرعاً، ومن الكبائر التي نهى الله عنها في القرآن والسنة، وذلك لما في الزنا من بشاعة وفساد تضرّ الفرد في دينه ودنياه وتنشر الفساد والانحلال في المجتمع؛ فهي جريمة محرمة بكل المقاييس.. والزنا مُجرّم قانوناً ولكن المشرع لم يضع تعريفاً له، وإنما حدد القانون جريمة الزنا بعبارات وصيغ مختلفة.
فالقانون في تنظيمه الحالي لأحكام جريمة الزنا في قانون العقوبات، قد استقى فكرته في التجريم من قانون العقوبات الفرنسي قبل تعديله، الذي يقرر أن محل الحماية الجنائية في هذه الجريمة، ليس حماية الفضيلة في ذاتها كما في الشريعة الإسلامية، وإنما المحافظة على حق كل من طرفي الرابطة الزوجية وصيانة نظام الأسرة. ولذلك نجد للزنا في قانون العقوبات المصري والفرنسي معنى اصطلاحياً، وتكاد القوانين المعاصرة تجمع على اعتبار الزنا فعلاً إجرامياً ينبغي دفعه بأسلوب ردعٍ عقابي، باستثناء القانون الإنكليزي الذي يعتبر الزنا خطيئة أخلاقية ومدنية فقط، تجيز طلب التطليق والتعويض على أساس أن العقاب لن يردع من لم يتردد في الإقدام على فعل تحول دونه اعتبارات دينية واجتماعية أقوى من العقاب.
والمشرع السوري خصص الفصل الثاني من الباب السادس منه للجرائم التي تمس الأسرة، وفي الفرع الثاني: وتحت عنوان: الجنح المخلة بآداب الأسرة ذكر في المادة 473 أنّ:
“1ـ تعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين.
2ـ ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجاً وإلا فالحبس من شهر إلى سنة.
3ـ فيما خلا الإقرار القضائي والجنحة المشهودة، لا يقبل من أدلة الثبوت على الشريك إلا ما نشأ منها عن الرسائل والوثائق الخطية التي كتبها”.
فأحكام المادة أعلاه، حصرت الإثبات بالنسبة للشريك الذي هو الرجل بالإقرار القضائي فقط، والذي هو اعتراف الشريك نفسه أن الواقعة وقعت؛ أي الجريمة حصلت بالفعل، وأن يتم ذلك أمام القضاء وأثناء سير إجراءات الدعوى وبالجنحة المشهودة؛ أي أن يكون هناك شهود قد رأوا الجريمة بأم العين، وبالرسائل والوثائق الخطية التي كتبها أو حررها الشريك بخطه.. في حين ترك المشرّع حرية الإثبات بالنسبة للمرأة الزانية على إطلاقها، واستقر اجتهاد محكمة النقض السورية على أنه يصح إثبات الزنا على المرأة بجميع طرق الإثبات، وبحسب الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض السورية رقم 2201 أساس 2308 تاريخ 24/ 8/ 1976 الذي يشير إلى أن: “إثبات الزنا على المرأة يصح بطرق الإثبات كافة وفقاً للقواعد العامة، وأما إثبات هذا الجرم ضد شريكها الذي لا يقصد به إلا الرجل وحده فيكون بإحدى الطرق التي ذكرها القانون على سبيل الحصر وهي الإقرار القضائي والجنحة المشهودة والوثائق الرسمية”.
ولا يشترط في جريمة التلبس بالزنا أن يشاهد الزاني أثناء ارتكاب الفعل بل يكفي لقيامه أن يثبت أن الزوجة وشريكها قد شوهدا في ظروف تنبئ بذاتها وبطريقة لا تدع مجالاً للشك في أن جريمة الزنا قد ارتكبت فعلاً.
ونجد أن القانون السوري فرق بين زنا الزوج وزنا الزوجة، وذلك على عكس ما جاء في أحكام الشريعة الإسلامية التي لم تفرّق زنا الزوج عن زنا الزوجة إلا في حالة ما إذا كانا محصنين أم غير محصنين؛ فالقانون اعتبر المرأة هي الفاعل الأصلي والرجل هو الشريك دائماً في فعل الزنا عدا حالة واحدة، وهي ارتكاب الزوج الزنا في بيت الزوجية، وذلك بحسب المادة 474 من قانون العقوبات التي تنص على أنه:
1ـ يعاقب الزوج بالحبس من شهر إلى سنة إذا ارتكب الزنا في البيت الزوجي أو اتخذ له خليلة جهاراً في أي مكان كان.
2ـ وتنزل العقوبة نفسها بالمرأة الشريك.
فالقانون يشترط لفرض العقاب على الزوج الزاني أن يكون الفعل قد تم في منزل الزوجية حصراً، بينما لم يشترط ذلك في عقاب الزوجة الزانية وتعاقب بأي مكان كان، اقترفت فيه هذا الفعل.. ومنزل الزوجية بحسب الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض السورية رقم 1449 قرار 2019 تاريخ 8/ 10/ 1980: “لا يقتصر البيت الزوجي على المسكن الذي تقيم فيه الزوجات عادة أو في أوقات معينة إنما يشمل كل محل يقيم فيه الزوج ولو لم تكن الزوجة مقيمة فيه فعلاً”.
وبالنظر لحساسية الجرم، فقد ترك المشرّع حق طلب تحريك دعوى الحق العام للزوج والولي، فجاء في المادة 475 من قانون العقوبات:
“1- لا يجوز ملاحقة فعل الزنا إلا بشكوى الزوج واتخاذه صفة المدعى الشخصي، وعند عدم قيام الزوجية فتتوقف الملاحقة على شكوى الولي على عمود النسب واتخاذه صفة المدعي الشخصي.
2ـ لا يلاحق المحرّض والشريك والمتدخل إلا والزوج معاً.
3ـ لا تقبل الشكوى من الزوج أو الولي الذي تم الزنا برضاه.
4ـ لا تقبل الشكوى بانقضاء ثلاثة أشهر على اليوم الذي اتصل فيه الجرم بعلم الزوج أو الولي.
5ـ إسقاط الحق عن الزوج أو الزوجة يسقط دعوى الحق العام والدعوى الشخصية عن سائر المجرمين.
6ـ إذا رضي الرجل باستئناف الحياة المشتركة تسقط الشكوى”.
ومما يؤخذ على القانون في هذا الجرم أنه فرّق بالنسبة بين زنا الزوج وزنا الزوج في عدة نقاط:
أولاًـ لجهة العقوبة:
حيث تعاقب الزوجة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين بينما يعاقب الزوج الزاني بالحبس من شهر إلى سنة، ويعاقب شريك الزانية إذا كان متزوجاً بذات عقوبة المرأة الزانية.. أما إذا لم يكن متزوجاً فتكون عقوبته فقط هي الحبس من شهر إلى سنة، وهي ذات عقوبة الزوج الزاني.. بينما لم يفرّق المشرع في عقوبة المرأة الزانية شريكة الزاني سواء أكانت متزوجة أو لا.
ثانياً ـ لجهة وقف الملاحقة القضائية:
اعتبر المشرّع السوري العقاب في هذه الجريمة حق للزوج، حيث يمكنه وقف تنفيذ العقوبة التي حُكم بها على زوجته الزانية إذا قبل باستئناف الحياة الزوجية معها.
لذلك، وانطلاقاً من هذه المفارقات التشريعية، وعملاً بمبدأ المساواة في العقوبة، وتحقيقاً لفكرة الردع العام والخاص، ولمنع انتشار هذه الظاهرة وتفشيها في المجتمع، ندعو المشرّع إلى تعديل نصوص التجريم في هذه الجريمة، وتشديد العقوبة، وعدم التفريق بين الرجل والمرأة في العقاب، وفي الادعاء، ووقف الملاحقة القضائية، وذلك انسجاماً مع أحكام الدستور التي تنص في المادة الثالثة والثلاثين منه على: “المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”.
يقول ميكيافلي: “توجد القوانين الصالحة حيث توجد أسلحة صالحة”؛ فالعدالة والمساوة وعدم التفريق في العقاب والملاحقة بين الرجل والمرأة، سيكون رادعاً للكثيرين عند التفكير بارتكاب هذه الجريمة، وخاصة إذا اتسمت السياسة العقابية في هذا المجال بالتشدد.. وتكون بالتالي سبباً للحؤول دون انتشار هذه الظاهرة في مجتمع، لطالما كانت الأخلاق والترابط الأسري مقومات غناه وتطوره وتماسكه.
المصدر : محطة أخبار سورية
اترك تعليقاً